السيرافي (الحسن بن عبد اللهـ)
(284 ـ368هـ/897 ـ979م)
أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، العالم النحوي المشهور. كان أبوه مجوسياً اسمه: «بهزاد» فأسلم فسماه أبو سعيد: عبد الله.
مولده بسيراف مدينة من بلاد فارس على ساحل البحر. قال ولده أبو محمد يوسف: «أصل أبي من سيراف، وبها ولد، وبها ابتدأ بطلب العلم، وخرج منها قبل العشرين، ومضى إلى عُمان، وتفقه بها، ثم عاد إلى سيراف، ثم دخل بغداد».
كانت ثقافته متنوعة في علم الكلام، والمنطق، وعلوم الفقه، والعربية، وقد مهر فيها حتى أصبح من مشاهير أئمة اللغة والنحو وأصحاب الرأي- في علم النحو خاصة-.
قرأ القرآن الكريم على أبي بكر بن مجاهد، واللغة على ابن دريد، والنحو على أبي بكر بن السراج، وأبي بكر العسكري المعروف بـ (مبرمان)، والحديث على أبي بكر بن زياد النيسابوري ومحمد بن أبي الأزهر البوشنجي، وقد صار حجة في جميع فروع العلوم التي كانت في عصره.
كان أبو سعيد معتزلي المذهب، نزيهاً عفيفاً، حسن الأخلاق، لا يأكل إلاّ من كسب يده، ينسخ ويأكل منه، إذ كان لا يخرج إلى مجلس التدريس في كل يوم إلاّ بعد أن ينسخ عشر ورقات، يأخذ أجرتها عشرة دراهم يكون قدر مؤونته.
وقد كثر تلاميذ أبي سعيد السيرافي، وتخرّج به جمهرة من الفحول منهم: ابن خالويه، وأبو حيان التوحيدي، والجوهري صاحب «الصحاح»، وعلي بن عيسى الربعي، ومحمد بن أحمد بن عمر الخلال المعروف بأبي الغنائم اللغوي.
ومن أبرز تلاميذه أيضاً: ولده أبو محمد يوسف الذي درس على أبيه وكان نحوياً لغوياً أخبارياً فاضلاً.
ويدلّ على كبير مكانته قول أبي حيان التوحيدي ـ وهو من أبرز تلاميذه ـ: «أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ، وإمام الأئمة معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة. أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة، فما وجد له خطأ، ولا عثر له على زلّة، وقضى ببغداد، هذا مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة».
وقال ابن الفرات عنه: «كان عالماً فاضلاً معدوم النظير في علم النحو خاصة».
ويعدّ أبو سعيد من أعلم الناس بنحو البصريين. ووصّى يوماً بعض أصحابه ـ وكان يقرأ عليه «شرح الفصيح» لابن خالويه: «كن كما قال الخليل بن أحمد: اجعل ما في كتبك رأس مالك، وما في صدرك للتفقّه».
وكان كثيراً ما ينشد في مجالسه:
اسكن إلى سكن تسرّ بـــه
ذهب الزمان وأنت منفــردُ
ترجو غداً وغد كحاملـــةٍ
في الحيّ لا يدرون ما تلــدُ
وكان أبو علي الفارسي وأصحابه كثيري الحسد له، وكانوا يفضّلون عليه عليّ بن عيسى الرماني النحوي المعروف.
ومن الجدير ذكره أنّ القفطي صاحب كتاب «إنباه الرواة على أنباه النحاة» قد أفرد له مصنّفاً سمّاه: «المفيد في أخبار أبي سعيد» وقال: وهو كتاب ممتع.
توفي ببغداد، ودفن بمقبرة الخيزران.
وأما عن مؤلفاته فأكبرها وأجلّها شرحه على كتاب سيبويه، حتى قيل: «لم يشرح كتاب سيبويه أحدٌ أحسن منه، لو لم يكن له غيره لكفاه ذلك فضلاً».
ويأتي شرح أبي سعيد السيرافي أكمل شروح كتاب سيبويه على الإطلاق، وأكثرها إحاطة وشهرة، وقد شهد بذلك كل من ترجم لأبي سعيد، وقد أعجب هذا الشرح معاصريه حتى حسده أبو علي الفارسي وغيره لظهور مزاياه على تعليقته التي علّقها أبو علي على كتاب سيبويه، وقد ظلّ هو وأتباعه يحاولون الحصول على نسخة منه ليتسقطوا ما قد يكون فيها من أخطاء ويعلنوها على الناس، واستطاع أبو علي في السنة التي توفي فيها أبو سعيد شراء نسخة منه في الأهواز بألفي درهم، ولكنه لم يجد فيها ما كان يرجو.
وقد شرحه في ثلاثة آلاف ورقة، فما جاراه فيه أحد، ولا سبقه إلى تمامه إنسان، ونقل السيوطي أنه لم يسبق إلى مثله.
يعدّ شرح أبي سعيد كما سلف من أهمّ شروح كتاب سيبويه، وأكثرها إيضاحاً وتفصيلاً، وهو يبدأ بشرح مادة سيبويه دون أن يقدّم له بشيء يبيّن فيه خطته ومنهجه، وخطته في شرحه لم تكن ثابتة، فقد يأتي ببعض كلام سيبويه ثم يشرحه، وكثيراً ما يأتي بالشرح ضمن إعادة كلام سيبويه، وقد يورد الباب كما هو عند سيبويه لا يشرح منه شيئاً، أو يشرح القليل؛ لأنه باب بيّن مفهوم، أو يورد شرحه مباشرة دون أن يذكر شيئاً من كلام سيبويه، وأكثر الأساليب انتشاراً في شرحه أن يقدّم شرحه بعبارة: «جملة هذا الكلام» و«تحصيل هذا» و«جملة الأمر» و«جملة كلام سيبويه» و«اعلم»، ثم يتبع ذلك بالشرح والتفصيل، وكانت غايته أن يستقصي المعاني، ويستوعب الموضوع، ويمتاز شرحه بعنايته الفائقة بالشواهد وروايتها، وهو يقف منها موقف الراوية الحافظ، واللغوي البصير والناقد، فالسيرافي يبحث عن سند الشاهد حتى تثبت لديه صحة نسبته إلى قائله، ثم ينظر في معنى ألفاظ البيت، ويبحث عما فيه من شاهد نحوي ليحكم بصحة الاستشهاد به، أو بتركه وإسقاطه، ولم يقتصر على سيبويه وحده، بل نقل عن كثير من شيوخ النحاة، كالأخفش والمبرد والزجاج وابن السراج وسواهم، وقد طبع عدد من أجزاء هذا الشرح في مصر.
ولأبي سعيد: «شرح شواهد سيبويه»، وقد أشار إليه في شرحه على الكتاب، كما ذكر محققوه في مقدمتهم.
وله أيضاً: «المدخل إلى كتاب سيبويه»، ألفه عندما أقبل على الحسين بن مردويه الفارسي، ليشرح له المدخل إلى الكتاب.
ومن أبرز كتبه أيضاً: «ألفات الوصل والقطع»، و«أخبار النحويين البصريين»، ويتضمن سيرة نحاة البصرة، أو قصصاً عنهم مع أخبار عن خلافاتهم، وهو كتاب مطبوع.
ومن كتبه: «الوقف والابتداء»، و«صنعة الشعر والبلاغة».
وشرح «مقصورة ابن دريد»، وهي قصيدة مدح بها الأمير إسماعيل بن عبد الله ابن ميكائيل رئيس نيسابور، ووصف فيها مسيرته إلى فارس وتشوقه إلى البصرة.
وله أيضاً: كتاب «الإقناع»، ولم يكمله، فكمله ولده أبو محمد يوسف، وكان يقول: «وضع والدي النحو في المزابل بالإقناع»، يعني أنه سهّله جدّاً فلا يحتاج إلى مفسّر.
وله: كتاب «جزيرة العرب»، وهو كتاب جغرافي نقل عنه ياقوت في معجم البلدان.
ومن الجدير ذكره أنّ لأبي سعيد مناظرات، منها تلك التي جرت بينه وبين متّى بن يونس الفيلسوف في مجلس الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات سنة 320هـ، وفي هذه المناظرة استطاع أن يفحم خصمه، وكان موضوعها: النحو والمنطق أيهما أدقّ في معرفة صحيح الكلام من سقيمه وسديده ومدخوله.
وهناك مناظرة أخرى جرت بينه وبين أبي الحسن العامري الفيلسوف النيسابوري سنة 364هـ.
السيرافي (يوسف بن الحسن -)
(330ـ 385هـ/941ـ 995م)
يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، أبو محمد النحوي اللغوي.
كان رأساً في العربية واللغة، وله مشاركة في غيرها من العلوم. أخذ علم العربية عن والده أبي سعيد النحوي المشهور، وخلفه في جميع علومه.
وقيل: له تقدّم في علم العربية، وبضاعته قوية في العلوم الباقية. وقد تصدّر في مجلس أبيه بعد موته، وكان يفيد الطلبة في حياة أبيه.
وكانت كتب اللغة تقرأ عليه مرة رواية، ومرة دراية، وقرىء عليه كتاب «البارع» للمفضل بن سلمة، وهو كتاب كبير في عدة مجلدات، هذّب به كتاب العين في اللغة المنسوب للخليل بن أحمد، وأضاف إليه من اللغة طرفاً صالحاً.
كان صالحاً ورعاً متقشّفاً، وكان بينه وبين أبي طالب أحمد بن بكر العبدي النحوي مباحث ومناظرات منقولة بين الناس.
وأما عن مؤلفاته فقد أكمل أبو محمد السيرافي كتاب أبيه الذي سماه «الإقناع» ذلك أنّ أباه كان قد شرح كتاب سيبويه، وظهر له بالاطلاع والبحث في حال التصنيف ما لم يظهر لغيره ممن يعاني هذا الشأن، وصنّف بعد ذلك «الإقناع» فكأنه ثمرة استفادته، ومات قبل إتمامه، فكمله ولده، وإذا تأمله المنصف لم يجد بين اللفظين والقصدين تفاوتاً كثيراً.
وقد صنف أبو محمد السيرافي عدة كتب في شرح الأبيات الشواهد وهي كتب مشهورة مثل: «شرح أبيات إصلاح المنطق» لابن السكيت، وأجاد فيه.
وقد اعتنى كأبيه بكتاب سيبويه، فعكف على شرح أبياته، وقدّم له جلّ همّه، وخالص علمه وجهده، وكان يبدأ بذكر الموضع الذي أورد سيبويه البيت من أجله، ثم يلتفت بعده إلى إعراب ما قد يشكل في البيت مما له أثر في توجيه معناه، ثم يأخذ بالوجه الذي يشدّ من أزر المعنى ويخدمه.
وكان يحاول أن يستقصي الرواية فيذكر وجوهها واختلافاتها، ويبيّن ما يفضله منها، وقد حرص على نسبة كلّ بيت إلى قائله ما أمكن، مع إيراد اختلاف الأقوال في ذلك، وترجيح ما يراه منها أقرب إلى الصواب في رأيه، وكذا فإنه كان يشرح المعاني. وهذا الكتاب مطبوع بدمشق.
ومن الجدير ذكره أنّ الحسن بن أحمد المعروف بالأسود الغندجاني اللغوي النّسّابة قد صنّف كتاب «فرحة الأديب في الرد على يوسف بن أبي سعيد»، وقد تعقّب فيه أبا محمد السيرافي في تفسير مشكل أبيات الكتاب، وهو كتاب جيد، يظهر منه توسع أبي الأسود الغندجاني في الرواية، وإتقان الأنساب، ومعرفة بالأماكن، واستيعاب لأيام العرب وأخبارها، فسدّ كتاب الغندجاني كثيراً من الثغرات التي وقع فيها أبو محمد السيرافي في شرحه لأبيات كتاب سيبويه.
وشرح أبيات «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنى، وشرح أبيات كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج، وشرح أبيات كتاب غريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلاّم.
سكينة موعد
(284 ـ368هـ/897 ـ979م)
أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، العالم النحوي المشهور. كان أبوه مجوسياً اسمه: «بهزاد» فأسلم فسماه أبو سعيد: عبد الله.
مولده بسيراف مدينة من بلاد فارس على ساحل البحر. قال ولده أبو محمد يوسف: «أصل أبي من سيراف، وبها ولد، وبها ابتدأ بطلب العلم، وخرج منها قبل العشرين، ومضى إلى عُمان، وتفقه بها، ثم عاد إلى سيراف، ثم دخل بغداد».
كانت ثقافته متنوعة في علم الكلام، والمنطق، وعلوم الفقه، والعربية، وقد مهر فيها حتى أصبح من مشاهير أئمة اللغة والنحو وأصحاب الرأي- في علم النحو خاصة-.
قرأ القرآن الكريم على أبي بكر بن مجاهد، واللغة على ابن دريد، والنحو على أبي بكر بن السراج، وأبي بكر العسكري المعروف بـ (مبرمان)، والحديث على أبي بكر بن زياد النيسابوري ومحمد بن أبي الأزهر البوشنجي، وقد صار حجة في جميع فروع العلوم التي كانت في عصره.
كان أبو سعيد معتزلي المذهب، نزيهاً عفيفاً، حسن الأخلاق، لا يأكل إلاّ من كسب يده، ينسخ ويأكل منه، إذ كان لا يخرج إلى مجلس التدريس في كل يوم إلاّ بعد أن ينسخ عشر ورقات، يأخذ أجرتها عشرة دراهم يكون قدر مؤونته.
وقد كثر تلاميذ أبي سعيد السيرافي، وتخرّج به جمهرة من الفحول منهم: ابن خالويه، وأبو حيان التوحيدي، والجوهري صاحب «الصحاح»، وعلي بن عيسى الربعي، ومحمد بن أحمد بن عمر الخلال المعروف بأبي الغنائم اللغوي.
ومن أبرز تلاميذه أيضاً: ولده أبو محمد يوسف الذي درس على أبيه وكان نحوياً لغوياً أخبارياً فاضلاً.
ويدلّ على كبير مكانته قول أبي حيان التوحيدي ـ وهو من أبرز تلاميذه ـ: «أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ، وإمام الأئمة معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة. أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة، فما وجد له خطأ، ولا عثر له على زلّة، وقضى ببغداد، هذا مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة».
وقال ابن الفرات عنه: «كان عالماً فاضلاً معدوم النظير في علم النحو خاصة».
ويعدّ أبو سعيد من أعلم الناس بنحو البصريين. ووصّى يوماً بعض أصحابه ـ وكان يقرأ عليه «شرح الفصيح» لابن خالويه: «كن كما قال الخليل بن أحمد: اجعل ما في كتبك رأس مالك، وما في صدرك للتفقّه».
وكان كثيراً ما ينشد في مجالسه:
اسكن إلى سكن تسرّ بـــه
ذهب الزمان وأنت منفــردُ
ترجو غداً وغد كحاملـــةٍ
في الحيّ لا يدرون ما تلــدُ
وكان أبو علي الفارسي وأصحابه كثيري الحسد له، وكانوا يفضّلون عليه عليّ بن عيسى الرماني النحوي المعروف.
ومن الجدير ذكره أنّ القفطي صاحب كتاب «إنباه الرواة على أنباه النحاة» قد أفرد له مصنّفاً سمّاه: «المفيد في أخبار أبي سعيد» وقال: وهو كتاب ممتع.
توفي ببغداد، ودفن بمقبرة الخيزران.
وأما عن مؤلفاته فأكبرها وأجلّها شرحه على كتاب سيبويه، حتى قيل: «لم يشرح كتاب سيبويه أحدٌ أحسن منه، لو لم يكن له غيره لكفاه ذلك فضلاً».
ويأتي شرح أبي سعيد السيرافي أكمل شروح كتاب سيبويه على الإطلاق، وأكثرها إحاطة وشهرة، وقد شهد بذلك كل من ترجم لأبي سعيد، وقد أعجب هذا الشرح معاصريه حتى حسده أبو علي الفارسي وغيره لظهور مزاياه على تعليقته التي علّقها أبو علي على كتاب سيبويه، وقد ظلّ هو وأتباعه يحاولون الحصول على نسخة منه ليتسقطوا ما قد يكون فيها من أخطاء ويعلنوها على الناس، واستطاع أبو علي في السنة التي توفي فيها أبو سعيد شراء نسخة منه في الأهواز بألفي درهم، ولكنه لم يجد فيها ما كان يرجو.
وقد شرحه في ثلاثة آلاف ورقة، فما جاراه فيه أحد، ولا سبقه إلى تمامه إنسان، ونقل السيوطي أنه لم يسبق إلى مثله.
يعدّ شرح أبي سعيد كما سلف من أهمّ شروح كتاب سيبويه، وأكثرها إيضاحاً وتفصيلاً، وهو يبدأ بشرح مادة سيبويه دون أن يقدّم له بشيء يبيّن فيه خطته ومنهجه، وخطته في شرحه لم تكن ثابتة، فقد يأتي ببعض كلام سيبويه ثم يشرحه، وكثيراً ما يأتي بالشرح ضمن إعادة كلام سيبويه، وقد يورد الباب كما هو عند سيبويه لا يشرح منه شيئاً، أو يشرح القليل؛ لأنه باب بيّن مفهوم، أو يورد شرحه مباشرة دون أن يذكر شيئاً من كلام سيبويه، وأكثر الأساليب انتشاراً في شرحه أن يقدّم شرحه بعبارة: «جملة هذا الكلام» و«تحصيل هذا» و«جملة الأمر» و«جملة كلام سيبويه» و«اعلم»، ثم يتبع ذلك بالشرح والتفصيل، وكانت غايته أن يستقصي المعاني، ويستوعب الموضوع، ويمتاز شرحه بعنايته الفائقة بالشواهد وروايتها، وهو يقف منها موقف الراوية الحافظ، واللغوي البصير والناقد، فالسيرافي يبحث عن سند الشاهد حتى تثبت لديه صحة نسبته إلى قائله، ثم ينظر في معنى ألفاظ البيت، ويبحث عما فيه من شاهد نحوي ليحكم بصحة الاستشهاد به، أو بتركه وإسقاطه، ولم يقتصر على سيبويه وحده، بل نقل عن كثير من شيوخ النحاة، كالأخفش والمبرد والزجاج وابن السراج وسواهم، وقد طبع عدد من أجزاء هذا الشرح في مصر.
ولأبي سعيد: «شرح شواهد سيبويه»، وقد أشار إليه في شرحه على الكتاب، كما ذكر محققوه في مقدمتهم.
وله أيضاً: «المدخل إلى كتاب سيبويه»، ألفه عندما أقبل على الحسين بن مردويه الفارسي، ليشرح له المدخل إلى الكتاب.
ومن أبرز كتبه أيضاً: «ألفات الوصل والقطع»، و«أخبار النحويين البصريين»، ويتضمن سيرة نحاة البصرة، أو قصصاً عنهم مع أخبار عن خلافاتهم، وهو كتاب مطبوع.
ومن كتبه: «الوقف والابتداء»، و«صنعة الشعر والبلاغة».
وشرح «مقصورة ابن دريد»، وهي قصيدة مدح بها الأمير إسماعيل بن عبد الله ابن ميكائيل رئيس نيسابور، ووصف فيها مسيرته إلى فارس وتشوقه إلى البصرة.
وله أيضاً: كتاب «الإقناع»، ولم يكمله، فكمله ولده أبو محمد يوسف، وكان يقول: «وضع والدي النحو في المزابل بالإقناع»، يعني أنه سهّله جدّاً فلا يحتاج إلى مفسّر.
وله: كتاب «جزيرة العرب»، وهو كتاب جغرافي نقل عنه ياقوت في معجم البلدان.
ومن الجدير ذكره أنّ لأبي سعيد مناظرات، منها تلك التي جرت بينه وبين متّى بن يونس الفيلسوف في مجلس الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات سنة 320هـ، وفي هذه المناظرة استطاع أن يفحم خصمه، وكان موضوعها: النحو والمنطق أيهما أدقّ في معرفة صحيح الكلام من سقيمه وسديده ومدخوله.
وهناك مناظرة أخرى جرت بينه وبين أبي الحسن العامري الفيلسوف النيسابوري سنة 364هـ.
السيرافي (يوسف بن الحسن -)
(330ـ 385هـ/941ـ 995م)
يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي، أبو محمد النحوي اللغوي.
كان رأساً في العربية واللغة، وله مشاركة في غيرها من العلوم. أخذ علم العربية عن والده أبي سعيد النحوي المشهور، وخلفه في جميع علومه.
وقيل: له تقدّم في علم العربية، وبضاعته قوية في العلوم الباقية. وقد تصدّر في مجلس أبيه بعد موته، وكان يفيد الطلبة في حياة أبيه.
وكانت كتب اللغة تقرأ عليه مرة رواية، ومرة دراية، وقرىء عليه كتاب «البارع» للمفضل بن سلمة، وهو كتاب كبير في عدة مجلدات، هذّب به كتاب العين في اللغة المنسوب للخليل بن أحمد، وأضاف إليه من اللغة طرفاً صالحاً.
كان صالحاً ورعاً متقشّفاً، وكان بينه وبين أبي طالب أحمد بن بكر العبدي النحوي مباحث ومناظرات منقولة بين الناس.
وأما عن مؤلفاته فقد أكمل أبو محمد السيرافي كتاب أبيه الذي سماه «الإقناع» ذلك أنّ أباه كان قد شرح كتاب سيبويه، وظهر له بالاطلاع والبحث في حال التصنيف ما لم يظهر لغيره ممن يعاني هذا الشأن، وصنّف بعد ذلك «الإقناع» فكأنه ثمرة استفادته، ومات قبل إتمامه، فكمله ولده، وإذا تأمله المنصف لم يجد بين اللفظين والقصدين تفاوتاً كثيراً.
وقد صنف أبو محمد السيرافي عدة كتب في شرح الأبيات الشواهد وهي كتب مشهورة مثل: «شرح أبيات إصلاح المنطق» لابن السكيت، وأجاد فيه.
وقد اعتنى كأبيه بكتاب سيبويه، فعكف على شرح أبياته، وقدّم له جلّ همّه، وخالص علمه وجهده، وكان يبدأ بذكر الموضع الذي أورد سيبويه البيت من أجله، ثم يلتفت بعده إلى إعراب ما قد يشكل في البيت مما له أثر في توجيه معناه، ثم يأخذ بالوجه الذي يشدّ من أزر المعنى ويخدمه.
وكان يحاول أن يستقصي الرواية فيذكر وجوهها واختلافاتها، ويبيّن ما يفضله منها، وقد حرص على نسبة كلّ بيت إلى قائله ما أمكن، مع إيراد اختلاف الأقوال في ذلك، وترجيح ما يراه منها أقرب إلى الصواب في رأيه، وكذا فإنه كان يشرح المعاني. وهذا الكتاب مطبوع بدمشق.
ومن الجدير ذكره أنّ الحسن بن أحمد المعروف بالأسود الغندجاني اللغوي النّسّابة قد صنّف كتاب «فرحة الأديب في الرد على يوسف بن أبي سعيد»، وقد تعقّب فيه أبا محمد السيرافي في تفسير مشكل أبيات الكتاب، وهو كتاب جيد، يظهر منه توسع أبي الأسود الغندجاني في الرواية، وإتقان الأنساب، ومعرفة بالأماكن، واستيعاب لأيام العرب وأخبارها، فسدّ كتاب الغندجاني كثيراً من الثغرات التي وقع فيها أبو محمد السيرافي في شرحه لأبيات كتاب سيبويه.
وشرح أبيات «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنى، وشرح أبيات كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج، وشرح أبيات كتاب غريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلاّم.
سكينة موعد