سونغ (سلالة ـ)
(960ـ1279م)
سلالة سونغ Sung Dynasty سلالة امبراطورية صينية، حكمت البلاد في حقبة متميزة من الحقب الثقافية في الصين. ويقسم عهد سلالة سونغ قسمين: سلالة سونغ في الشمال (960ـ1126م) وسلالة سونغ في الجنوب (1127ـ1279م).
نشأت السلالة على يد تشاو كوانغ ـ ينChao kuang - yin الذي عرف لاحقاً باسم الامبراطور سونغ تاي ـ تسو Sung tai - tsu،بعد قضائه على سلالة شو Chou التي كانت تحكم سهل الصين الشمالي. وبعد أن توطد الأمر لسلالة سونغ، بدأ الامبراطور تاي ـ تسو، ومن بعده الامبراطور تاي ـ تسونغ Tai - tsungالذي خلفه عام 976، محاولة السيطرة على بقية أراضي الشمال وعلى عدد من ممالك الجنوب. وتوحدت الامبراطورية في عام 978، وقد أسسا عاصمة السلالة في كاي فينغ Kai- Feng شمالي الصين، بيد أن الدويلات الأجنبية القوية على الحدود الشمالية وقفت عائقاً أمام محاولات توسع الامبراطورية في ذلك الاتجاه.
كانت سلالة سونغ واحدة من عدة دويلات تنافست على بسط النفوذ في شرقي آسيا، وقد ارتبط بقاء السلالة بقدرة الحكومة على تأسيس علاقات راسخة مع الجوار. وبعد توحيد الشمال والجنوب تحوّل الامبراطور تاي ـ تسونغ إلى الحدود الشمالية الشرقية (بكين اليوم) وحاول استعادة ست عشرة ولاية يسكنها صينيون أصليون من شعوب الخيتان Khitanas، وهم اتحاد كونفدرالي قبلي، كان قد أسس سلالة لياوLiao منذ عام 907. بيد أن سلالة سونغ منيت بالهزيمة ووقعت اتفاقية سلام مع سلالة لياو وافقت بموجبها على دفع مئة ألف أونصة فضة و200000 ثوب حرير سنوياً للمنتصر. ومع أن تلك الاتفاقية كانت مذلة، إلا أنها وفرت، إلى جانب جيش سلالة سونغ الدفاعي الكبير، سلاماً نسبياً مدة قرن تقريباً.
وعلى الحدود الشمالية الغربية كان هناك اتحاد قبلي آسيوي آخر من شعوب التانغوت Tangut الذين أسسوا سلالة تسي تسيا Xixia، وكانت دولة التانغوت تتلقى جزية سنوية من سلالة سونغ أيضاً بعد اتفاق السلام الذي أبرم عام 1044. أما قبائل التبت فكانت تشغل إقليم تورفان Turfan (إقليم شنغهاي اليوم) على الحدود الغربية، في حين كانت مملكة تا ـ لي Ta - li المستقلة تقع على الحدود الجنوبية الغربية في الإقليم الذي يعرف اليوم باسم يونّان Yunnan.
استمرت تلك الأوضاع حتى عشرينيات القرن الثاني عشر حين تحالفت سلالة سونغ مع سلالة شين Chin عام 1119م، في محاولة لاستعادة الولايات الست عشرة من سلالة لياو. استطاعت دولة شين هزم سلالة لياو عام 1125، لكنها قلبت ظهر المجن وفرضت حصاراً على عاصمة سونغ الشمالية (كاي ـ فينغ).
وفي عام 1126 أسرت سلالة لياو أفراد البلاط الملكي لسلالة سونغ وأرسلتهم إلى الشمال، بيد أن أحد الأمراء تجنب الوقوع في الأسر واستعاد تجميع السلالة في الجنوب في هانغ ـ شو Hang - Chou وحكم باسم الامبراطور كاو تسونغ Kao Tsung.
اختار كاو تسونغ عاصمة لنفسه أطلق عليها «لين ـ آن» Lin - an (هانغ ـ شو اليوم)، وأبرم اتفاقية سلام مع سلالة شين في الشمال عام 1141، على الرغم من معارضة قادته العسكريين والسياسيين الذين طالبوا ببذل ما أمكن لاستعادة الشمال.
كان كاو تسونغ معجباً بطريقة سلالة هان Han في الإدارة المدنية ومقلداً لها، وقد نجحت بيروقراطية سلالة سونغ في عملها مدة طويلة قبل أن يبدأ انهيار السلالة. ولم يكن انهيار سلالة سونغ مفاجئاً، وانتهت كغيرها من السلالات التي سبقت، فقد بدأ المغول بقيادة جنكيزخان تحركهم إلى الصين بهجوم على إحدى دويلات الصين في الشمال عام 1211. وبعد نجاح المغول في الشمال، وبعد عقود من تعايشهم الصعب مع سلالة سونغ، زحفوا بقيادة حفيد جنكيزخان نحو قوات سونغ عام 1250، وصمدت قوات سونغ في وجه المغول إلى أن سقطت عاصمتهم عام 1276.
توفي آخر أباطرة سلالة سونغ بعد ثلاث سنوات (1279) في أثناء هروبه.
كانت حقبة سلالة سونغ نقطة بداية لعلاقة جديدة بين الحكومة والمجتمع، وتمثل أواخر العهد الامبراطوري في الصين، وقد حكمت سلالة سونغ نحو 100 مليون نسمة بالاعتماد على بيروقراطية مركزية قوية يقودها موظفون علماء.
شهدت الحضارة الصينية في عهد سلالة سونغ تطوراً مذهلاً، فقد كان للثورة الزراعية والصناعية المعتمدة على التطورات التقنية أثر مهم في النمو الاقتصادي، وتطورت التجارة تطوراً واسعاً، فشهدت البلاد تنظيماً جيداً لنقابات التجار والصناع، واتسع استخدام العملة الورقية، وازدهرت عدة مدن على طول الأنهار الرئيسة والساحل الجنوبي الشرقي، كما أن تقنيات بناء السفن الجديدة واستخدام البوصلة ساعدت على تنشيط التجارة الخارجية.
وكان أبرز ما شهده عهد سلالة سونغ ظهور الكونفوشيوسية الحديثة Neo - Confucianism فلسفةً أخلاقيةً سادت بلاد الصين حتى القرن العشرين. وكانت إنجازات عصر سونغ في الشعر ورسم المناظر الطبيعية والخزف إنجازات فائقة، واتسمت الكتب بروعة طباعتها، وكان لطباعة الأعمال الكونفوشيوسية الحديثة أثر واضح في نشر الأدب والتعليم بين الناس، كما كان لازدهار الأكاديميات الخاصة والمدارس الحكومية فضل في تخريج أعداد متزايدة من المتنافسين في امتحانات الخدمة المدنية (كانت تجري امتحانات الخدمة المدنية لانتقاء الأفضل في تولي وظائف الدولة). وطورت إدارة الدولة سياسة الخدمة الاجتماعية الشاملة التي جعلت تلك المرحلة واحدة من أفضل المراحل الإنسانية في تاريخ الصين.
غسان منيف عيسى
(960ـ1279م)
سلالة سونغ Sung Dynasty سلالة امبراطورية صينية، حكمت البلاد في حقبة متميزة من الحقب الثقافية في الصين. ويقسم عهد سلالة سونغ قسمين: سلالة سونغ في الشمال (960ـ1126م) وسلالة سونغ في الجنوب (1127ـ1279م).
نشأت السلالة على يد تشاو كوانغ ـ ينChao kuang - yin الذي عرف لاحقاً باسم الامبراطور سونغ تاي ـ تسو Sung tai - tsu،بعد قضائه على سلالة شو Chou التي كانت تحكم سهل الصين الشمالي. وبعد أن توطد الأمر لسلالة سونغ، بدأ الامبراطور تاي ـ تسو، ومن بعده الامبراطور تاي ـ تسونغ Tai - tsungالذي خلفه عام 976، محاولة السيطرة على بقية أراضي الشمال وعلى عدد من ممالك الجنوب. وتوحدت الامبراطورية في عام 978، وقد أسسا عاصمة السلالة في كاي فينغ Kai- Feng شمالي الصين، بيد أن الدويلات الأجنبية القوية على الحدود الشمالية وقفت عائقاً أمام محاولات توسع الامبراطورية في ذلك الاتجاه.
"بوذا" لوحة لفنان مجهول الاسم عهد سلالة سونغ (متحف تاييه) |
وعلى الحدود الشمالية الغربية كان هناك اتحاد قبلي آسيوي آخر من شعوب التانغوت Tangut الذين أسسوا سلالة تسي تسيا Xixia، وكانت دولة التانغوت تتلقى جزية سنوية من سلالة سونغ أيضاً بعد اتفاق السلام الذي أبرم عام 1044. أما قبائل التبت فكانت تشغل إقليم تورفان Turfan (إقليم شنغهاي اليوم) على الحدود الغربية، في حين كانت مملكة تا ـ لي Ta - li المستقلة تقع على الحدود الجنوبية الغربية في الإقليم الذي يعرف اليوم باسم يونّان Yunnan.
استمرت تلك الأوضاع حتى عشرينيات القرن الثاني عشر حين تحالفت سلالة سونغ مع سلالة شين Chin عام 1119م، في محاولة لاستعادة الولايات الست عشرة من سلالة لياو. استطاعت دولة شين هزم سلالة لياو عام 1125، لكنها قلبت ظهر المجن وفرضت حصاراً على عاصمة سونغ الشمالية (كاي ـ فينغ).
وفي عام 1126 أسرت سلالة لياو أفراد البلاط الملكي لسلالة سونغ وأرسلتهم إلى الشمال، بيد أن أحد الأمراء تجنب الوقوع في الأسر واستعاد تجميع السلالة في الجنوب في هانغ ـ شو Hang - Chou وحكم باسم الامبراطور كاو تسونغ Kao Tsung.
اختار كاو تسونغ عاصمة لنفسه أطلق عليها «لين ـ آن» Lin - an (هانغ ـ شو اليوم)، وأبرم اتفاقية سلام مع سلالة شين في الشمال عام 1141، على الرغم من معارضة قادته العسكريين والسياسيين الذين طالبوا ببذل ما أمكن لاستعادة الشمال.
كان كاو تسونغ معجباً بطريقة سلالة هان Han في الإدارة المدنية ومقلداً لها، وقد نجحت بيروقراطية سلالة سونغ في عملها مدة طويلة قبل أن يبدأ انهيار السلالة. ولم يكن انهيار سلالة سونغ مفاجئاً، وانتهت كغيرها من السلالات التي سبقت، فقد بدأ المغول بقيادة جنكيزخان تحركهم إلى الصين بهجوم على إحدى دويلات الصين في الشمال عام 1211. وبعد نجاح المغول في الشمال، وبعد عقود من تعايشهم الصعب مع سلالة سونغ، زحفوا بقيادة حفيد جنكيزخان نحو قوات سونغ عام 1250، وصمدت قوات سونغ في وجه المغول إلى أن سقطت عاصمتهم عام 1276.
توفي آخر أباطرة سلالة سونغ بعد ثلاث سنوات (1279) في أثناء هروبه.
كانت حقبة سلالة سونغ نقطة بداية لعلاقة جديدة بين الحكومة والمجتمع، وتمثل أواخر العهد الامبراطوري في الصين، وقد حكمت سلالة سونغ نحو 100 مليون نسمة بالاعتماد على بيروقراطية مركزية قوية يقودها موظفون علماء.
شهدت الحضارة الصينية في عهد سلالة سونغ تطوراً مذهلاً، فقد كان للثورة الزراعية والصناعية المعتمدة على التطورات التقنية أثر مهم في النمو الاقتصادي، وتطورت التجارة تطوراً واسعاً، فشهدت البلاد تنظيماً جيداً لنقابات التجار والصناع، واتسع استخدام العملة الورقية، وازدهرت عدة مدن على طول الأنهار الرئيسة والساحل الجنوبي الشرقي، كما أن تقنيات بناء السفن الجديدة واستخدام البوصلة ساعدت على تنشيط التجارة الخارجية.
وكان أبرز ما شهده عهد سلالة سونغ ظهور الكونفوشيوسية الحديثة Neo - Confucianism فلسفةً أخلاقيةً سادت بلاد الصين حتى القرن العشرين. وكانت إنجازات عصر سونغ في الشعر ورسم المناظر الطبيعية والخزف إنجازات فائقة، واتسمت الكتب بروعة طباعتها، وكان لطباعة الأعمال الكونفوشيوسية الحديثة أثر واضح في نشر الأدب والتعليم بين الناس، كما كان لازدهار الأكاديميات الخاصة والمدارس الحكومية فضل في تخريج أعداد متزايدة من المتنافسين في امتحانات الخدمة المدنية (كانت تجري امتحانات الخدمة المدنية لانتقاء الأفضل في تولي وظائف الدولة). وطورت إدارة الدولة سياسة الخدمة الاجتماعية الشاملة التي جعلت تلك المرحلة واحدة من أفضل المراحل الإنسانية في تاريخ الصين.
غسان منيف عيسى