استثمار ثروات ارض
Exploitation of underground riches - Exploitation des richesses terrestres
استثمار ثروات الأرض
استثمار ثروات الأرض exploitation of underground riches الذي تتناوله الفقرات التالية هو مختلف العمليات المنجمية mining operations التي يتم بها استخراج الفلزات المعدنية واللامعدنية المفيدة من توضعاتها، سواء أكانت هذه العمليات تحت الأرض أم على سطحها. وتنفيذ عمليات هذا الاستثمار يتم وفق طرائق تقع في صنفين رئيسيين هما: الطرائق السطحية أو المكشوفة، وتستثمر بها التوضعات الفلزية بالحفر المباشر أو بعد إزالة غطائها الصخري أو الترابي، والطرائق تحت السطح أو تحت سطح الأرض، وهي التي يتم بها الاستثمار عن طريق مداخل وأنفاق تحت سطح الأرض تؤدي إلى تلك التوضعات.
لمحة تاريخية
ترتبط الاستثمارات المنجمية ارتباطاً وثيقاً بتطور الحضارة الإنسانية. ولقد استعمل الإنسان القديم الفلزات وعرف خصائصها وأماكن وجودها، لحاجته إليها في صنع أدواته وسلاحه وأصبغته وحليه، بدءاً من التقاطه مواد أدواته الصوانية من على سطح الأرض وتَحوِّله نحو استخلاصها من طبقات الحوَّار عن طريق حفر الآبار والأنفاق فيها. ويعتقد أن المعادن الأولى التي استعملها هي التي عثر عليها بالمصادفة في مجاري الأنهار والسيول. فقد عرف الإنسان الذهب والنحاس قبل الميلاد بعدة آلاف من السنين. ويذكر التاريخ معرفة السومريين استخراج خامات النحاس ومعالجتها، كما يذكر تطوير عمليات منجمية في مصر قبل 2000 سنة من الميلاد للحصول على الأحجار الكريمة، والذهب والفضة والنحاس، وأن عمليات منجمية كانت تجري تحت الأرض في العصور اليونانية والرومانية.
ولقد كان الاستثمار المنجمي القديم يتم في كثير من الأحيان بحفر أنفاق تحت الأرض وصلت امتداداتها إلى نحو 100 متر وكان يعمل فيها العبيد والأسرى وبعض المحكومين، يقومون بأعمال الحفر اليدوي مع استخدام النار في تحطيم الصخور القاسية وتفتيتها عن طريق التمدد بالتسخين والتقلص السريع بصب الماء على الصخور الساخنة. وقد تطورت لدى المشتغلين القدماء في المناجم خبرات جيدة. وتشير وثائق التاريخ إلى استثمارات منجمية للملح الصخري في جبال الألب النمسوية منذ عام 2400ق.م، وإلى توسع الاستثمارات المنجمية تحت الأرض في العصور اليونانية ولاسيما في توضعات جبل لوريون Laurion التي زودت اليونانيين بالفضة والحديد، فقد حفرت في هذه التوضعات شبكة نظامية من أنفاق الاستثمار تصل حتى مستوى الماء الجوفي. وقد أدخل الرومان إلى العمليات المنجمية أولى الوسائل الآلية لنضح الماء الجوفي المتسرب في أثناء العمل المنجمي، كما قاموا بوضع أول التشريعات المتعلقة بشروط العمل المنجمي وتحسين معاملة عمال المناجم. وبقيت شروط الاستثمار متماثلة مدة طويلة قبل تطور القوة البخارية والكهرباء في القرن التاسع عشر. ومع ذلك فقد شهدت هذه المدة نشوء تقاليد مجتمع العمل المنجمي وتنظيماته في جبال الهارز Harz في ألمانية. ففي عام 745م تم افتتاح أول منجم فيها، كما ظهر في عام 1185 أول ميثاق مبوّب لحقوق عمال المناجم والتزاماتهم، كان له أثر في تطور الصناعة المنجمية في أواسط أوربة. وفي منتصف القرن السادس عشر وضع العالم الألماني جورجيوس أغريكولا Georgius Agricola أهم أسس النظريات العلمية حول نشوء الخامات وتوزعها وتصنيفها في كتابه «حول المعادن الحديثة» De re metallica عام 1656 الذي وصف فيه العمليات المنجمية في مناطق ارتسغبيرغه Arzgebirge والهارز، وبيَّن فيه قواعد تنظيم الاستثمار المنجمي وطرائق تحطيم الصخور وعمليات النقل ونضح الماء وقواعد السلامة في أثناء العمل. وبقي هذا الكتاب نموذجياً مدة دامت أكثر من قرنين، إلا أن وسائل الحفر المنجمي المتبعة ومعداته لم تسهم في تطوير عمليات الاستثمار.
وقد بدأ استخدام البارود في عمليات الحفر المنجمي في القرن السابع عشر، واستمر الاعتماد عليه مع محاولات كثيرة لزيادة فعاليته وتوفير ما أمكن من شروط السلامة حتى اكتشاف النتروغليسرين عام 1860 الذي طُبق، على الرغم من أخطاره، في أعمال الحفر المنجمي، وتَوسَع استخدامه أكثر بعد أن ثبته العالم نوبل Nobel بشكل ديناميت سنة 1867.
وقد توضحت أهمية التوضعات الفلزية مع بداية العصر الصناعي والنهضة العلمية والتقنية التي واكبته، إذ أعطت المصادر الفلزية الغنية الدول التي اكتشفتها واستثمرتها امتيازات رفعتها إلى درجات عالية من التفوق الصناعي والعلمي والعسكري. وسارعت احتياجات الصناعة المتزايدة إلى الفلزات في استنزاف كثير من كمياتها.
وقد شهدت المدة بين الحربين العالميتين استهلاكاً كبيراً للمعادن والفلزات الأخرى يفوق جميع ما استهلك في حقب التاريخ السابقة لها، وأضحت المصادر التي كانت غنية وكافية على نطاق واسع غير كافية أمام تزايد حاجات الإنسان إليها.
وساعد التطور العلمي والتقني السريع الذي تحقق بعد الحرب العالمية الثانية في تطوير وسائل الاستكشاف وآلات الحفر الاستثماري ومعداته ومتفجراته ورفع كفايتها وفعاليتها، وتوسيع الاستثمارات المنجمية في معظم بقاع العالم ونقل سلطاتها إلى النطاقات البحرية. فقد اكتشف النفط والغاز الطبيعي واستُثْمرا في بحر الشمال وفي مناطق بحرية كثيرة، كما أمكن استخراج بعض خامات المنغنيز من أعماق البحار. وكشفت بحوث المحيطات عن توضعات معدنية في المحيطين الهادئ والأطلسي وفي البحر الأحمر. وساعدت هذه البحوث في اكتشاف توضعات معدنية جديدة نشأت في شروط مماثلة وتقع في اليابسة ضمن تشكيلات صخرية في قعر محيطات غابرة. وها هي ذي أبحاث الفضاء والتطبيقات السلمية للطاقة النووية تضيف إمكانات جديدة في استكشاف التوضعات واستثمارها في سائر بقاع العالم.
التنقيب والاستكشاف
توفر عمليات التنقيب والاستكشاف المعطيات الأساسية التي يعتمد عليها في الاستثمار والتخطيط له. وهي تشمل مجموعة معقدة من الدراسات الجيولوجية والجيوكيمياوية والجيوفيزيائية والاقتصادية، إضافة إلى عمليات الحفر الاستكشافي وأخذ العينات لتحديد مكان التوضع وشكله وامتداده واحتياطيه، والشروط الجيولوجية لتشكله والخواص الفيزيائية والكيمياوية والميكانيكية لخاماته وفلزاته الاقتصادية وللصخور المحيطة به. وتتم هذه العمليات عادة وفق مراحل متتابعة هي: البحث والاستكشاف التمهيدي والاستكشاف التفصيلي والاستكشاف المنجمي. والغاية من البحث تأييد وجود التوضع وتقويم جدواه تقويماً أولياً من وجهة نظر جيولوجية مع اقتراح خطة للعمل الاستكشافي.
أما الاستكشاف التمهيدي فيجري في ضوء معطيات البحث في المنطقة موضع الدراسة، بهدف تأكيد وجود التوضع وتحديد حجمه وقيمته الاقتصادية في ضوء طبيعة خاماته وفلزاته الاقتصادية وتغيرات درجات تركيزها بحسب الأبعاد الثلاثة، بالإضافة إلى تحديد الشروط الجيولوجية والصفات الرئيسة المتعلقة باستثمار ذلك التوضع بما فيها من خصائص فيزيائية وكيمياوية وميكانيكية للخامات وللصخور المحيطة بها.
ويشمل الاستكشاف التفصيلي تحريات تفصيلية تتناول مجمل التوضع وأجزاءه المختلفة، وتنتهي بوضع خطة الاستثمار المنجمي وتحديد الطرائق المناسبة لها.
وأما الاستكشاف المنجمي فتسير عملياته موازية لفتح المنجم للتحقق من أهم الشروط الجيولوجية والهندسية لأماكن الحفر.
وفي أنماط معينة من التوضعات، يمكن تجاوز مرحلة أو أكثر من المراحل المذكورة. وعلى سبيل المثال يتبع الاستكشاف المنجمي مرحلة البحث في توضعات الأحجار الكريمة، كما يتبع الاستكشاف التفصيلي مرحلة البحث في التوضعات المعدنية المعقدة وتوضعات المعادن الثمينة.
اختيار طرائق الاستثمار
يتم اختيار طرائق الاستثمار بحسب المعطيات التي أمكن الحصول عليها بالتنقيب بالدرجة الأولى وفي أثناء الاستثمار، وتضاف إليها عوامل جغرافية واقتصادية وسياسية واجتماعية وقانونية. ويحدد فيها عادة عامل الربح بعد حساب التكاليف، ومنها اليد العاملة والآلات والمعدات وقطع التبديل والصيانة وحجم الحفر والمنشآت واستهلاك الطاقة والنقل، مع مراعاة تخفيض الكلفة ما أمكن بتوسيع دور الآلة ورفع استطاعتها في مختلف خطوات العمل المنجمي.
الاستثمار المكشوف
تتميز عمليات الاستثمار المكشوف، إذا ما ووزن بينها وبين أبسط عمليات الاستثمار تحت الأرض بتكاليفها القليلة ومرونتها وتفوقها في المردود وحجم الإنتاج، والتحكم في درجة غنى الخامات والسلامة العامة وبيئة العمل. وقد ازدهرت الاستثمارات المكشوفة في الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بسبب استخدام الآلات والمعدات ذات الاستطاعة العالية، إضافة إلى تطوير عمليات التفجير ومعدات الحفر الخاصة بها. ويقدر وسطي إنتاج العالم من الخامات بالاستثمارات المكشوفة بنحو 27 مليار طن، وهو يفوق ثلثي الإنتاج الإجمالي في العالم. وتلائم طبيعة الاستثمار المكشوف إمكانات الدول النامية لأنها لا تتطلب أطراً ومهارات تخصصية كما هي الحال في استثمار ما تحت الأرض.
وتطبق عمليات الاستثمار المكشوف عادة على التوضعات الفلزية الضخمة الموجودة على سطح الأرض أو القريبة منه مثل توضعات الحديد والنحاس والفحم الحجري والبوكسيت والغضار والفوسفات والأملاح والبحص والرمل وأحجار البناء والزينة ومواد الإسمنت.
ويكون هناك في معظم الأحوال غطاء صخري أو ترابي فوق التوضع، أو فوق أجزاء منه، تتحتم إزالته قبل المضي في الاستثمار. وتؤخذ نسبة عدد الأمتار المكعبة التي تجب إزالتها لاستثمار طن واحد من التوضع معياراً اقتصادياً مهماً في تقدير جدوى استثماره وتدعى نسبة التغطية overburden ratio، وتعد النسبة 1/10 مقبولة لاستثمار كثير من أنواع التوضعات الفلزية، ويمكن أن تتعدى ذلك في توضعات المعادن والفحم الحجري. ومع التوسع في استخدام الآلة ورفع استطاعتها تتزايد أرقام النسب المقبولة.
عمليات استثمار المناجم المكشوفة: تجري عمليات استثمار المناجم المكشوفة وفق مراحل تبدأ بتحطيم الغطاء الصخري أو الترابي وإزالته مع تنظيف سطح الجزء المعد للاستثمار، يلي ذلك تقطيع الخامات وتجميعها، ثم تحميلها في عربات الشحن التي تنقلها إلى الأماكن المخصصة لمعالجتها أو تحضيرها للتسويق التجاري. أما أهم الآلات والتقنيات التي تستعمل في تنفيذ هذه العمليات فتقع في الفئات التالية.
معدّات الجرف والتحميل: وهي تجرف الصخور والخامات مباشرة أو بعد التفجير باستخدام مكنات خاصة، تتحرك على سكة حديدية أو على عجلات مطاطية أو على زناجير، وهي تعمل بمحركات الكهرباء أو البخار أو الديزل. وجميع هذه المكنات مزودة بمغارف للجرف تعمل وفق أساليب آلية متنوعة. ومنها الجراف الآلي power shovel الذي تراوح سعة مغرفته بين 1.5- 12م3 وقد تصل إلى 45م3 في الأنواع الضخمة، وجراف السحب dragline (الشكل1) وتراوح سعة مغرفته بين 2.5- 16م3 وقد تصل إلى 125م3 في الأنواع العملاقة، ورافعة المغرفة المحارية clamshell crane (الشكل2) التي تراوح سعة مغرفتها المحارية بين 2- 6م3 أو أكثر. ويذكر أيضاً في هذا المجال الحفارة المغرفية الدوارة bucket wheel excavator (الشكلان 3، 4) والحفارة المغرفية ذات السلسلة bucket chain excavator اللتان تجرفان بطريقة دورانية تحقق حفراً مستمراً. أما التحميل في عربات الشحن فيتم أيضاً بوساطة هذه المكنات إما بالتفريغ المباشر أو بوساطة سيور متحركة.
الشكل (1) جراف السحب وحركة مغرفة الجرف |
تعليق