السنهوري (أحمد عبد الرزاق-)
(1885ـ1971م)
عبد الرزاق السنهوري واحد من أبرز رجال القانون وأشهرهم في الوطن العربي في العصر الحديث. ولد السنهوري في الاسكندرية لأب عمل موظفاً صغيراً في المجلس البلدي للمدينة. ويسجل السنهوري أن والده الذي توفي عن ابنه وهو في سن السادسة كان يشجعه على متابعة الكتاب، أما أمه فقد رعته حتى بلغ الأربعين، ويذكر عنها كونها طيبة القلب سريعة الاندفاع، ويقول في أوراقه الشخصية أنه أخذ عنها هذين الطبعين. أتم دراسته الابتدائية بمدرسة راتب باشا بالاسكندرية، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة العباسية عام 1913م، ثم درس القانون في مدرسة الحقوق الخديوية وحصل منها على الإجازة في عام 1917م، وكان أول دفعته. إثر تخرجه عُين وكيلاً للنائب العام ثم مدرساً للقانون في مدرسة القضاء الشرعي عام 1920م. وسافر في بعثة للحصول على الدكتوراه من فرنسا في شهر آب من عام 1921م، حصل على الدكتوراه في الحقوق من جامعة ليون عام 1925م، ثم حصل على دكتوراه ثانية من الجامعة نفسها في العلوم السياسية عام 1926، وكان موضوع اطروحته في الدكتوراه الأولى هو «القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنكليزي» وموضوع رسالته الثانية هو«الخلافة وتطورها لتكون عصبة أمم شرقية» وقد ترجمت ابنته نادية جزءاً من رسالته الثانية إلى العربية في عام 1989م.
عقب عودته من الإيفاد عُين السنهوري مدرساً للقانون بكلية الحقوق في جامعة فؤاد (القاهرة حالياً)، في عام 1926م، حيث وضع أول أبحاثه في القانون المدني وهي دروسه لطلبة الحقوق عن «المدخل لدراسة القانون» و«عقد الإيجار» و«نظرية العقد». فصل من الجامعة عام 1935م بسبب إنشائه جمعية الشباب المصريين التي عدّتها الحكومة المصرية آنئذ مؤيدة لحزب الوفد ثم أعيد للجامعة بعد استقالة الحكومة. وغادر القاهرة منتدباً للتدريس بكلية حقوق جامعة بغداد في نهاية العام الجامعي 34ـ35، وعاد منها إلى كلية الحقوق بالقاهرة حيث انتخب عميداً لها في عام 1937م، ثم عُين قاضياً بالمحاكم المختلطة في عام 1937م. وفي عام 1939م، عُين وكيلاً لوزارة المعارف ليستقيل منها عام 1942م، متفرغاً للمحاماة حين دُعي إلى العراق لإعداد القانون المدني العراقي. ثم عاد إلى القاهرة ليعمل عضواً ثم رئيساً للجنة التي وضعت القانون المدني المصري. وانتهى مهمته هذه عادّاً إياها أعظم إنجازاته. غادر السنهوري بعدها إلى دمشق ليقيم فترة طويلة من تشرين الثاني عام 1943م، لإتمام مشروع القانون المدني العراقي ثم القانون المدني السوري، وعاد عام 1945م إلى مصر ليعين وزيراً للمعارف في وزارة أحمد ماهر. ثم أعيد اختياره للمنصب نفسه في العام ذاته في وزارتي النقراشي (باشا) الأولى والثانية ثم في وزارة إبراهيم عبد الهادي. ثم عُين رئيساً لمجلس الدولة المصري في 27 شباط 1949م، وبقي في منصبه حتى آذار 1954م، حيث وقع حادث للاعتداء عليه قيل إن وراءه بعض أركان الحكم في حكومة الثورة المصرية لمواقفه القانونية الصلبة من بعض ما صدر عنها من قرارات. وأقصي عن رئاسة مجلس الدولة في العام نفسه، إذ تفرغ بعد ذلك لإتمام كتابه الشهير «الوسيط في شرح القانون المدني»، وللتدريس في معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، مما مكنه من نشر كتاب مهم عن الفقه الإسلامي هو «مصادر الحق في الفقه الإسلامي»، كما سمح له بالسفر إلى الكويت لإعداد القانون المدني في الكويت. أصيب السنهوري بمرض أقعده عن العمل وعن الحركة بمجرد انتهائه من الجزء العاشر والأخير من كتاب «الوسيط»، وكان آخر سطر خطّه في مذكراته بتاريخ 11/8/1969م، وهو دعاؤه «رب يسر لي عمل الخير، واجعل حياتي نموذجاً صالحاً لمن يحب بلده الأصغر وبلده الأكبر ويحب الناس جميعاً».
وضع السنهوري تسعة مؤلفات كبيرة، منها رسالتا الدكتوراه اللتان حررهما بالفرنسية، ومنها «الموجز في الالتزامات»، و«أصول القانون» و«التصرف القانوني» و«الواقعة القانونية». لكنه اشتهر «بالوسيط في شرح القانون المدني» في عشرة أجزاء ظهر أولها عام 1954م، وآخرها عام 1970م، وقد طبع هذا المرجع القيّم عشرات المرات، ولازال المرجع الأول في «فقه القانون المدني في الوطن العربي»، وكذلك كتابه «مصادر الحق في الفقه الإسلامي» الذي وضعه في ستة أجزاء صدر أولها عام 1954م، وآخرها عام 1959م، وهذا الكتاب حجة يركن إليها في الشريعة الإسلامية والقانون المدني.
وسطر كذلك خمس عشرة مقالة وبحثاً باللغة العربية وخمسة أبحاث باللغة الفرنسية. ومن أهم أبحاثه باللغة العربية «الدين والدولة في الإسلام» عام 1929م، و«الامتيازات الأجنبية» عام 1930م، و«تنقيح القانون المدني المصري» وعلى أي أساس يكون عام 1933م، ومن «مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي»عام 1936م، و«عقد البيع في القانون المدني العراقي»عام 1936م، و«وصية غير المسلم» في عام 1942م، و«الانحراف في استعمال السلطة التشريعية» عام 1952م، و«القانون المدني العربي» عام 1953م. وفي القانون الدولي كتب «واجبنا القانوني بعد المعاهدة» عام 1936م، و«المفاوضات في المسألة المصرية» عام 1947م، أما باللغة الفرنسية فكتب «الشريعة كمصدر للتشريع المصري»، التي نشرت عام 1937م في مجموعة الفقيه لامبير، و«المعيار في القانون» عام 1937م، ونشرت في مجموعة لامبير أيضاً، «المسؤولية التقصيرية في الفقه الإسلامي» وقدمه بحثاً إلى مؤتمر القانون المقارن بلاهاي، وأخيراً «الشريعة الإسلامية» وقدمه بحثاً إلى مؤتمر القانون المقارن بلاهاي أيضاً.
وهكذا يقف عبد الرزاق السنهوري علماً في الفقه القانوني العربي مؤلفاً وأستاذاً وقاضياً ومشرعاً ورجل دولة أثبت طوال حياته الحافلة بالإنجازات أصالة في التفكير، وصلابة في الموقف، واعتزازاً بتراث أمته العربية وشريعتها الإسلامية، وعلى يديه تخرج كبار الأساتذة في الجامعات في مصر والعراق وغيرهما من أقطار الأمة العربية.
محمد عزيز شكري
(1885ـ1971م)
عبد الرزاق السنهوري واحد من أبرز رجال القانون وأشهرهم في الوطن العربي في العصر الحديث. ولد السنهوري في الاسكندرية لأب عمل موظفاً صغيراً في المجلس البلدي للمدينة. ويسجل السنهوري أن والده الذي توفي عن ابنه وهو في سن السادسة كان يشجعه على متابعة الكتاب، أما أمه فقد رعته حتى بلغ الأربعين، ويذكر عنها كونها طيبة القلب سريعة الاندفاع، ويقول في أوراقه الشخصية أنه أخذ عنها هذين الطبعين. أتم دراسته الابتدائية بمدرسة راتب باشا بالاسكندرية، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة العباسية عام 1913م، ثم درس القانون في مدرسة الحقوق الخديوية وحصل منها على الإجازة في عام 1917م، وكان أول دفعته. إثر تخرجه عُين وكيلاً للنائب العام ثم مدرساً للقانون في مدرسة القضاء الشرعي عام 1920م. وسافر في بعثة للحصول على الدكتوراه من فرنسا في شهر آب من عام 1921م، حصل على الدكتوراه في الحقوق من جامعة ليون عام 1925م، ثم حصل على دكتوراه ثانية من الجامعة نفسها في العلوم السياسية عام 1926، وكان موضوع اطروحته في الدكتوراه الأولى هو «القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنكليزي» وموضوع رسالته الثانية هو«الخلافة وتطورها لتكون عصبة أمم شرقية» وقد ترجمت ابنته نادية جزءاً من رسالته الثانية إلى العربية في عام 1989م.
عقب عودته من الإيفاد عُين السنهوري مدرساً للقانون بكلية الحقوق في جامعة فؤاد (القاهرة حالياً)، في عام 1926م، حيث وضع أول أبحاثه في القانون المدني وهي دروسه لطلبة الحقوق عن «المدخل لدراسة القانون» و«عقد الإيجار» و«نظرية العقد». فصل من الجامعة عام 1935م بسبب إنشائه جمعية الشباب المصريين التي عدّتها الحكومة المصرية آنئذ مؤيدة لحزب الوفد ثم أعيد للجامعة بعد استقالة الحكومة. وغادر القاهرة منتدباً للتدريس بكلية حقوق جامعة بغداد في نهاية العام الجامعي 34ـ35، وعاد منها إلى كلية الحقوق بالقاهرة حيث انتخب عميداً لها في عام 1937م، ثم عُين قاضياً بالمحاكم المختلطة في عام 1937م. وفي عام 1939م، عُين وكيلاً لوزارة المعارف ليستقيل منها عام 1942م، متفرغاً للمحاماة حين دُعي إلى العراق لإعداد القانون المدني العراقي. ثم عاد إلى القاهرة ليعمل عضواً ثم رئيساً للجنة التي وضعت القانون المدني المصري. وانتهى مهمته هذه عادّاً إياها أعظم إنجازاته. غادر السنهوري بعدها إلى دمشق ليقيم فترة طويلة من تشرين الثاني عام 1943م، لإتمام مشروع القانون المدني العراقي ثم القانون المدني السوري، وعاد عام 1945م إلى مصر ليعين وزيراً للمعارف في وزارة أحمد ماهر. ثم أعيد اختياره للمنصب نفسه في العام ذاته في وزارتي النقراشي (باشا) الأولى والثانية ثم في وزارة إبراهيم عبد الهادي. ثم عُين رئيساً لمجلس الدولة المصري في 27 شباط 1949م، وبقي في منصبه حتى آذار 1954م، حيث وقع حادث للاعتداء عليه قيل إن وراءه بعض أركان الحكم في حكومة الثورة المصرية لمواقفه القانونية الصلبة من بعض ما صدر عنها من قرارات. وأقصي عن رئاسة مجلس الدولة في العام نفسه، إذ تفرغ بعد ذلك لإتمام كتابه الشهير «الوسيط في شرح القانون المدني»، وللتدريس في معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، مما مكنه من نشر كتاب مهم عن الفقه الإسلامي هو «مصادر الحق في الفقه الإسلامي»، كما سمح له بالسفر إلى الكويت لإعداد القانون المدني في الكويت. أصيب السنهوري بمرض أقعده عن العمل وعن الحركة بمجرد انتهائه من الجزء العاشر والأخير من كتاب «الوسيط»، وكان آخر سطر خطّه في مذكراته بتاريخ 11/8/1969م، وهو دعاؤه «رب يسر لي عمل الخير، واجعل حياتي نموذجاً صالحاً لمن يحب بلده الأصغر وبلده الأكبر ويحب الناس جميعاً».
وضع السنهوري تسعة مؤلفات كبيرة، منها رسالتا الدكتوراه اللتان حررهما بالفرنسية، ومنها «الموجز في الالتزامات»، و«أصول القانون» و«التصرف القانوني» و«الواقعة القانونية». لكنه اشتهر «بالوسيط في شرح القانون المدني» في عشرة أجزاء ظهر أولها عام 1954م، وآخرها عام 1970م، وقد طبع هذا المرجع القيّم عشرات المرات، ولازال المرجع الأول في «فقه القانون المدني في الوطن العربي»، وكذلك كتابه «مصادر الحق في الفقه الإسلامي» الذي وضعه في ستة أجزاء صدر أولها عام 1954م، وآخرها عام 1959م، وهذا الكتاب حجة يركن إليها في الشريعة الإسلامية والقانون المدني.
وسطر كذلك خمس عشرة مقالة وبحثاً باللغة العربية وخمسة أبحاث باللغة الفرنسية. ومن أهم أبحاثه باللغة العربية «الدين والدولة في الإسلام» عام 1929م، و«الامتيازات الأجنبية» عام 1930م، و«تنقيح القانون المدني المصري» وعلى أي أساس يكون عام 1933م، ومن «مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي»عام 1936م، و«عقد البيع في القانون المدني العراقي»عام 1936م، و«وصية غير المسلم» في عام 1942م، و«الانحراف في استعمال السلطة التشريعية» عام 1952م، و«القانون المدني العربي» عام 1953م. وفي القانون الدولي كتب «واجبنا القانوني بعد المعاهدة» عام 1936م، و«المفاوضات في المسألة المصرية» عام 1947م، أما باللغة الفرنسية فكتب «الشريعة كمصدر للتشريع المصري»، التي نشرت عام 1937م في مجموعة الفقيه لامبير، و«المعيار في القانون» عام 1937م، ونشرت في مجموعة لامبير أيضاً، «المسؤولية التقصيرية في الفقه الإسلامي» وقدمه بحثاً إلى مؤتمر القانون المقارن بلاهاي، وأخيراً «الشريعة الإسلامية» وقدمه بحثاً إلى مؤتمر القانون المقارن بلاهاي أيضاً.
وهكذا يقف عبد الرزاق السنهوري علماً في الفقه القانوني العربي مؤلفاً وأستاذاً وقاضياً ومشرعاً ورجل دولة أثبت طوال حياته الحافلة بالإنجازات أصالة في التفكير، وصلابة في الموقف، واعتزازاً بتراث أمته العربية وشريعتها الإسلامية، وعلى يديه تخرج كبار الأساتذة في الجامعات في مصر والعراق وغيرهما من أقطار الأمة العربية.
محمد عزيز شكري