تعد رواية عائد إلى حيفا لمؤلفها الفلسطيني غسان كنفاني التي حاول فيها ربط الإنسان بقضيته، وقد لاقت اهتمامًا واضحًا من النقادر والدراسين ومن القراء أيضًا، وفي هذا المقال قدمنا لكم تحليلًا مفصلًا لها.
تحليل رواية عائد إلى حيفا
واكب غسان كنفاني في روايته هذه المشهد السّياسيّ في فلسطين، راسمًا تفاصيله ووقائعه مُستخدمًا الشّواهد التّاريخيّة التي تبعث الأسى في النّفس، وتتجاوز ذلك لِتُحدث شرخًا عميقًا في أعماق الذّاكرة، فنراه يتحدّث برمزيّته المختفية ما بين السّطور عن أحداث سياسيّة وفقًا لما ورد عن الأديبة هداية الرزوق في دراستها لهذه الرواية، ولتوضيح الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها تم تفكيك الرواية إلى عناصرها الأساسية وتحليلها على النحو الآتي:
العنوان
تُشير الأديبة الأردنية هداية الرزوق إلى أنّ عنوان الرواية "عائد إلى حيفا" يُحيل القارئ إلى قضية أساسية تشدّه لمتابعة القراءة، وتُبقي ذهنه حاضرًا معها، وقد وُفّق غسان كنفاني في اختيار هذا العنوان الذي يُثير تساؤلات أليمة عديدة تُجيب عليها التفاصيل بين طيّات الرواية، إذ يُلاحظ أنّ العنوان جاء مترابطًا مع المضمون بنسبة كبيرة.
المكان
تدور أحداث رواية عائد إلى حيفا بين عدد من المدن الفلسطينية؛ (حيفا) و(رام الله) و(يافا)، لكن معظم الأحداث وقعت في (حيفا)،[٢] ووفقًا لما ورد عن الأديبة هداية الرزوق في دراستها لهذه الرواية إلى أنّ المكان في "عائد إلى حيفا" برز ظاهرًا جليًا وكأنه أيقونة تعريفيّة تقدّم للقارئ تفاصيل المدن الفلسطينيّة بروحها وتناغمها.
الشخصيات الرئيسية
تدور أحداث رواية عائد إلى حيفا بين عدد من الشخصيات الرئيسية، وهي:[٣]
سعيد: هو رب أسرة فلسطيني، يعيش مع زوجته صفية وأولاده خالد وخالدة وخلدون، ويعدّ سعيد الشخصية المحورية التي ترتبط بها كل الأحداث في هذه الرواية، ويظهر من البداية حتى النهاية.
صفية: هي زوجة سعيد ظهرت من بداية الرواية إلى نهايتها، تمثّل شخصية الامرأة الضعيفة والحساسة، وتعاني من الصدمة بسبب عدم قدرتها إلى إنقاذ ابنها.
خلدون/ دوف: هو ابن سعيد وصفية، لكنهما تركاه وحده مدة عشرين عامًا، فتبنّته ميريام وأفرات كوشين اليهوديان، وأصبح الضابط الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي، وهو يمثّل الشخصة المشوّشة المصابة بخيبة الأمل.
ميريام: هي والدة (دوف/ خلدون) بالتبني، وهي ارمأة يهويدية من بولونيا تمثل الشخصية الضعيفة.
الشخصيات الثانوية
تدور أحداث رواية عائد إلى حيفا بين عدد من الشخصيات الثانوية، وهي:[٤]
فارس اللبدة: هو رجل فلسطيني من يافا، وكان جارًا لسعيد في رام الله، سافر إلى الكويت في ما بعد، وهو يمثل شخصية الرجل الشجاع والطيب.
بدر اللبدة: هو شقيق فارس وأول من حمل السلاح في منطقة العجمي، وقد استشهد من أجل استقلال بلاده، فعبّر غسان كنفاني من خلال هذه الشخصية عن حب الوطن.
الرجل العربي: هو رجل طويل القامة أسمر البشرة من يافا، هُدِم بيته في الحرب وانضمّ إلى صفوف المقاتلين، اعتقله الجيش الإسرائيلي في ما بعد.
أفرات كوشين: هو زوج ميريام، قَدِمَ إلى حيفا مع زوجته واستأجرا بيت سعيد سابقًا برعاية الوكالة اليهودية التي أجّرته إياه وأعطته معه الطفل خلدون.
تورا زونشتاين: هي امرأة تسكن في الطابق الثالث فوق بيت صغير مع ابنها الصغير، وهي التي أنقذت خلدون من الموت جوعًا في سريره، وعندما لم يعُد والداه أخذته إلى مكتب الوكيل اليهودي.
خالد وخالدة: هما ابنا سعيد وصفيّة، أراد خالد أن ينضم إلى المقامة لكنّ سعيد يُعارضه.
الكولونيل موشيه كارماتيل: هو قائد الكتائب الثلاثة التي اجتاحت مدينة حيفا.
الأحداث الرئيسية
معظم أحداث هذه الرواية تحدث في الطريق إلى حيفا عندما قرر سعيد وزوجته الذهاب إلى هناك بعد أن فتحت الحدود بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية بعد حرب حزيران سنة 1967م، لنرى بيتهما الذي تركاه وفيه طفل رضيع أثناء معركة حيفا سنة 1948م، وتبدأ الرواية عندما وصل سعيد وزوجته إلى مشارف حيفا قادِمَين بسيارة عن طريق القدس بعد غياب 20 عامًا، حيث خيم على كل منهما الصمت، رغم أنهما لم يكفا عن الكلام طوال الطريق في كل الأمور، ولما وصلا إلى مدخل حيفا بدأت الذاكرة في استرجاع الماضي الأليم عام 1948م، إذ راحت الذكريات تنهال كالسيل دفعة واحدة.[٥]
في ذكريات الماضي تصف الرواية ما حدث يوم الأربعاء 21 أبريل 1948، فوصف الاجتياح المفاجئ للاستعمار اليهودي على حيفا، وكيف اهتزت شوارع المدينة واكتظت رجالًا ونساءً وأطفالًا، وحينها لم يستطع سعيد العودة إلى منزله لأخذ زوجته صفية وابنهما خلدون لأن القصف اشتد في الشوارع، ولما طال انتظار صفية لزوجها خرجت من البيت لتبحث عنه وتركت خلدون وحده ولم تستطع العودة إليه، وسعيد وصفية اضطرا للنزوح والعيش في رام الله وأنجبا هناك خالد وخالدة، أما خلدون فقد تبنته امرأة يهودية ليصبح أحد أفراد الجيش الإسرائيلي.[٥]
العقدة والحبكة
يصل سعيد وصفية إلى بيتهما القديم، ويتفقدان ما كانا يملكانه فيه، ويتحدثان مع ميريام عن كيفية حصولها على بيتهما، ويتفاجآن عندما يكتشفان أن ابنهما ما زال حيًا، وتحدث المواجهة بين سعيد وصفية مع ابنهما (خلدون/ دوف) الذي دخل عليهما بالزي العسكري للجيش الإسرائيلي، ويُلقي خلدون اللوم على والديه وتركهما له ويصر على بقائه يهوديًا.[٦]
الحل
يتغير سعيد بعد مواجهته مع ابنه خلدون ورفضه التخلي عن هويته كإسرائيلي، وتتغير وجهات نظره نحو الأمور؛ نحو ابنه خالد وانضمامه للمقاومة وعن وطنه فلسطين، ويعود إلى رام الله مع زوجته صفية.[٧]
السمات الفنية في رواية عائد إلى حيفا
يُلاحظ بعد قراءة رواية عائد إلى حيفا أنها اتسمت بعدد من السمات والخصائص الفنية، منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يأتي:[٨]
استخدام الأساليب الإنشائية المناسبة لطبيعة الحدث الروائي.
اللجوء إلى الحبكة الاسترجاعية، والجمع في ذكر الأحداث بين الماضي والحاضر.
اللجوء إلى التشبيهات والصور الفنية التي تساهم في ترسيخ الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها.
ولقراءة تحليل المزيد من روايات القضية الفلسطينية: رواية أرض البرتقال الحزين، رواية بينما ينام العالم.