السليمانية (التكية ـ)
بعدما استولى الأتراك على أدرنة عام 1362م، وعلى القسطنطينية عام 1453م امتدت امبراطوريتهم إلى سورية وعدد كبير من البلاد العربية والبلقانية، وأصبح طابع عمارة مباني عاصمتهم اصطنبول سائداً، ويعد مبنى التكية السليمانية في دمشق من روائع العمارة الإسلامية العثمانية، وأجمل هدية معمارية من السلطان سليمان القانوني العظيم Le magnifque إلى دمشق العروبة والإسلام.
شيد مبنى التكية السليمانية في مكان مبنى قصر الأبلق المملوكي الذي بناه السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري غربي مدينة دمشق القديمة، وقيل إن تيمورلنك (1336-1405م) أقام فيه في أثناء حصاره مدينة دمشق عام 1400م، كما أقام فيه السلطان سليم الأول (1467-1520م) في طريقه إلى مصر وعودته إلى عاصمته.
يقع مبنى التكية السليمانية في أجمل بقعة في دمشق، ففي شماله نهر بردى، وفي جنوبه نهر بانياس، وفي غربه المرج الأخضر، وفي جهته الشرقية بستان النعنع. ويبدو هذا المبنى المعماري الجميل بمئذنتيه الرشيقتين الشاهقتين المضلعتين، وقبابه المتعددة الجميلة منسجماً مع البيئة وجمال الطبيعة في هذا الموقع الجميل.
وكانت الغاية من تشييد هذا المبنى المعماري هي خدمة الحجاج، ليكون لهم خير محطة على طريق الحج، وليكون أيضاً مقراً لإقامة طلاب العلوم.
بدأت أعمال بناء هذه التكية السليمانية في دمشق عام 1554م وانتهت عام 1559م، وكان المهندس الرئيس لهذه المجموعة المعمارية الضخمة ملا آغا ومعه مراقبو البناء من الأتراك. وإن الطراز المعماري المتميز لمبنى هذه التكية السليمانية جعل بعض الباحثين ينسبون بناءه إلى المعمار المشهور سنان (1489-1578م).
يحيط بمبنى التكية السليمانية سور حجري تخترقه ثلاثة أبواب. البوابتان الرئيستان في المحور الشرقي ـ الغربي وذلك تبعاً لطريق الحجيج ومجرى نهر بردى، أما البوابة الثالثة فهي صغيرة يتقدمها رواق تعلوه قبة وتطل على نهر بردى في جهة شمال المبنى.
يضم المبنى التكية والجامع والمطبخ والمستودعات. وجمال الحدائق في هذا المبنى يؤكد الرغبة في توفير حسن الإقامة الطيبة للحجاج، ولطلاب العلوم.
تبلغ أبعاد مبنى التكية وحده 86م ×127م أي مساحة 10.822م2.
وإن جمالية مبنى الجامع برواقه المزدوج وقبته ومئذنتيه الرشيقتين، تجذب الأنظار، وتغري الإنسان بالزيارة والاطلاع على هذه الجمالية المعمارية الحديثة الطراز.
يقع حرم الجامع في جنوب مبنى التكية، ويتقدمه رواق رحب ومزدوج يعتمد على صفين من الأعمدة، يتألف الصف الأول من أربعة أعمدة يعلو كلاً منها قوس، ويتقدم الصف الثاني إلى الأمام ولكنه ينخفض عن الرواق الأول، ويتألف من اثني عشر عموداً، وهذا الرواق المزدوج أمام حرم الجامع يحقق توسعة للجامع، وإمكانية زيادة استيعاب عدد المصلين من أفواج الحجاج وغيرهم، ويتميز حرم الجامع المربع الشكل بجمال قبته. والجدير بالذكر أن المعمار لم يرغب في جعل الجدران سميكة أكثر من اللازم لهذا اعتمد على الدعائم الجدارية أو الأكتاف الجدارية لصد ثقل القبة في جهة الجنوب، علماً أن المئذنتين الرشيقتين الشاهقتين تقومان في الزاويتين الشماليتين بتحمل هذا الثقل في الجهة الشمالية، وأن الجدار الشمالي للجامع أكثر سماكة من بقية جدران الجامع. وبدت هاتان المئذنتان الرشيقتان الشاهقتان المضلعتان المنتهيتان في أعلاهما بشكل مخروطي كأنهما مائلتان، وتدلان على تأثير أشكال مآذن اصطنبول.
إن من يقف في صحن المبنى ويتأمل في جمالية المظهر الخارجي لهذا الجامع، يكتشف أن الجذع المضلع لكل من هاتين المئذنتين يبدو كأنه محزز بقنوات تزيينية، وأن كلاً منهما تسمو روحياً في الآفاق العالية وتجسد الطموح الروحي، ويزينها جمال شرفة المؤذن المخرمة والمزينة في أسفلها بالمقرنصات، ويزين المنطقة الممتدة من شرفة المؤذن حتى القلنسوة الرصاصية المدببة شريط أو نطاق من ألواح الخزف القاشاني التي تبدو كأنها بقع زرقاء جميلة تتألق في الأعالي.
إن قبة حرم الجامع تنتصب فوق رقبة معمارية مائلة الجوانب، وهناك الأكتاف المعمارية السائدة في الخارج.
وقد تميزت نوافذ القبة بالزجاج الجميل الألوان، وتجد في داخل حرم الجامع المحراب الجميل بالمقرنصات.
ويعد المنبر من روائع الفنون التطبيقية. أضف إلى هذه الجمالية ألواح الخزف القاشاني التي تزين أعلى النوافذ، وتمثل الورود والأزهار وتشابك سعف النخيل مع الأوراق النباتية. والجدير بالذكر، أن دمشق اشتهرت بصنع الخزف القاشاني المميز بجمال الورود والأزهار والأغصان النباتية والألوان الأزرق والأخضر والتدرجات اللونية الجذابة.
وأمام مبنى الجامع ورواقه المزدوج بحيرة في صحن المبنى كأنها مرآة مائية تعكس جمال أشعة الشمس ونباتات الحديقة. لهذه البركة شكل مستطيل كسيت بأحجار وردية اللون وسوداء متناوبة، وتتراقص المياه من نوافيرها بإيقاعات تترك أثرها الجمالي في نفوس الجميع.
وتبدو على كل من جانبي صحن المبنى ست غرف متساوية تعلوها القباب، ويتقدم كل مجموعة منها رواق تغطيه القباب وتحمله أعمدة رشيقة. والجدير بالذكر أن توزيع هذه الأعمدة الرشيقة تم على أساس أن كل قبتين صغيرتين من قباب هذا الرواق تقابلان قبة كبيرة من قباب هذه الغرف الكائنة خلف الرواق، إضافة إلى ذلك أن مدخنة شاقولية تسهم في مواجهة تموجات المنظور الأفقي. ويلاحظ في داخل هذه الغرف أن الجدار الجنوبي لكل غرفة فيه حنية المدفئة وخزائن جدارية. وتطل منها نافذة وباب على صحن المبنى. كما تطل نافذتان صغيرتان على الحديقة التي كانت حول المنشأة من الخلف.
ويتوسع صحن المبنى ليضم قسم الخدمات الذي يتوسطه المطبخ الذي تعلوه أربع قباب ذات فتحات للتهوية الضرورية، ويتصل بكل جانب من جانبي هذا المطبخ غرفتان مربعتا الشكل، يعلو كلاً منهما سقف هرمي مقطوع في أعلاه، جعلت هاتان الغرفتان مستودعاً ومخبزاً، وجعلت الغرفتان الأخريان للقيِّم على هذه المنشأة.
وفي كل جانب من جانبي مجموعة المطبخ المعماري قاعة طويلة جداً يتوسطها صف من الدعائم يقسم هذه القاعة إلى جناحين، ويعلو هذه القاعة عدد من القباب موزعة في صفين في كل منهما سبع قباب.
ويعلو مقدمة مجموعة المطبخ المعمارية اثنتا عشرة قبة صغيرة، علماً أن عدد مجموع قباب المبنى هو ثمان وثمانون قبة وتنفصل مجموعة المطبخ المعمارية عن هاتين القاعتين الطويلتين الجانبيتين.
وبما أن الإنسان يتميز بحسه الجمالي للألوان، فقد تم الاهتمام بالألوان وغناها الذي يبدو فيما يأتي:
- تناوب ألوان أحجار مداميك الجدران التي تبدو بشكل أشرطة أو نطاقات أفقية من الأحجار البازلتية السوداء والأحجار الجيرية البيضاء اللون.
- إسهام ألواح الخزف القاشاني، التي تعلو النوافذ والأبواب، في إضفاء جمالية الألوان على المبنى.
- استخدام الزخارف النافرة في أطر واجهة حرم الجامع ومحرابه، وهناك مقرنصات تيجان الأعمدة. ومقرنصات البوابات والمحراب، وتتكون هذه المقرنصات من رؤوس بارزة وفراغات مجوفة متناوبة معها في إيقاعات جذابة.
إن جمال ألوان زجاج نوافذ قبة حرم الجامع، وحديد النوافذ، وألواح الخزف ورسومه وكتاباته العربية، وجمال الفسيفساء، وخشبيات النوافذ والمنبر، والإضاءة، والحدائق، وإيقاعات مياه النوافير يجعل فن عمارة هذا المبنى مجمعاً للفنون الإسلامية.
استخدمت غرف مبنى التكية السليمانية للثانوية الشرعية، ومنذ أيلول 1959 استخدمت هذه الغرف مؤقتاً مقراً لمتحف دمشق الحربي، عرضت فيها الآثار الحربية المتعلقة بتاريخ الحروب، وأنواع الأسلحة، وحرب تشرين التحريرية، والثورة السورية الكبرى، إضافة إلى ذلك النشاطات الفنية كالمعارض الفنية المؤقتة بمناسبة قومية.
والجدير بالذكر أن مبنى التكية السليمانية يضم أيضاً تربة دفن فيها عدد من العثمانيين الكبار.
وإن جمال طراز مبنى التكية السليمانية الذي ساد القرن السادس عشر جعل بعضهم ينسب بناء التكية السليمانية في دمشق إلى المعمار سنان الذي بلغت شهرته الأقاصي.
ومن أهم ملحقات مبنى التكية السليمانية: المدرسة والسوق.
المدرسة: بنيت المدرسة حسب مخطط يشبه مخطط مبنى التكية، وتقع المدرسة في شرق مبنى التكية. شيدت عام 1566م. واستمرت أعمال البناء فيها حتى عام 1574م. لها ثلاثة أبواب ثانوية، وباب رئيسي واحد في الجهة الشمالية من المبنى يؤدي إلى صحن المدرسة الذي يتوسطه بحيرة تشبه بحيرة مبنى التكية السليمانية.
وفي جنوب المبنى مصلى المدرسة، مربع الشكل تعلوه قبة كبيرة وجميلة. تزينه ألواح الخزف القاشاني الجميلة، والنوافذ الجصية المطعمة بألواح الزجاج الملون، وكانت القبة فوق رقبة مائلة وتتألف من اثني عشر ضلعاً وتخترقها اثنتا عشرة نافذة جصية ذات ألواح زجاجية ملونة.
وهناك اثنتا عشرة غرفة تتقدمها الأروقة وتعلوها القباب وتتوزع على جبهات المبنى الأربع حول الصحن، وتقوم هذه الأروقة على أعمدة رشيقة وقصيرة، وتبلغ أبعاد كل غرفة 6م × 6م ومساحتها 36م2.
وهناك ثلاث قباب تغطي دهليز المدخل، والرواق الأمامي لمصلى المدرسة.
وشيد في الواجهة الشمالية الخارجية لمبنى المدرسة دكاكين تجارية تكوّن الجناح الجنوبي للسوق الممتدة من الشرق إلى الغرب مسافة خمسة وثمانين متراً، وذلك لتلبية متطلبات الحجاج المعسكرين في المرج الأخضر.
وكان لهذا الجناح الجنوبي من السوق جناح آخر شمالي، يقابله ويتوسطه باب مقابل الباب الرئيسي لمبنى المدرسة، ولهذه السوق باب في الجهة الشرقية يؤدي إلى السوق ثم إلى مبنى المدرسة، وباب في الجهة الغربية يؤدي إلى هذه السوق من مبنى التكية.
والجدير بالذكر أن باب الجهة الشرقية قد تهدم فأعيد بناؤه في عهد السلطان مصطفى الثالث، لأن هناك كتابة أثرية على عتبة هذا الباب الشرقي تتضمن ما يأتي «جدد هذا الباب السلطاني السليماني في زمان السلطان بن السلطان مصطفى خان بن السلطان أحمد خان بنظارة المرحوم موسى بك»، والجدير بالذكر أنه كان يعلو هذه الدكاكين حجيرات صغيرة تهدمت. وكان عدد هذه الدكاكين في هذه السوق واحداً وعشرين دكاناً. وذكر الرحالة تيفينوThevenot، أنه رأى في هذا المكان بعض الاصطبلات. شيد في هذا المكان مبنى لكلية الطب، ثم صار على التوالي: داراً للمعلمين، وزارةً للمعارف ومديريةً للتربية بدمشق، وأخيراً مقراً لوزارة السياحة.
أما دكاكين السوق في الجناح الجنوبي فقد رممت وتحولت إلى سوق للمهن اليدوية لتلبية المتطلبات السياحية.
بشير زهدي
بعدما استولى الأتراك على أدرنة عام 1362م، وعلى القسطنطينية عام 1453م امتدت امبراطوريتهم إلى سورية وعدد كبير من البلاد العربية والبلقانية، وأصبح طابع عمارة مباني عاصمتهم اصطنبول سائداً، ويعد مبنى التكية السليمانية في دمشق من روائع العمارة الإسلامية العثمانية، وأجمل هدية معمارية من السلطان سليمان القانوني العظيم Le magnifque إلى دمشق العروبة والإسلام.
شيد مبنى التكية السليمانية في مكان مبنى قصر الأبلق المملوكي الذي بناه السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري غربي مدينة دمشق القديمة، وقيل إن تيمورلنك (1336-1405م) أقام فيه في أثناء حصاره مدينة دمشق عام 1400م، كما أقام فيه السلطان سليم الأول (1467-1520م) في طريقه إلى مصر وعودته إلى عاصمته.
يقع مبنى التكية السليمانية في أجمل بقعة في دمشق، ففي شماله نهر بردى، وفي جنوبه نهر بانياس، وفي غربه المرج الأخضر، وفي جهته الشرقية بستان النعنع. ويبدو هذا المبنى المعماري الجميل بمئذنتيه الرشيقتين الشاهقتين المضلعتين، وقبابه المتعددة الجميلة منسجماً مع البيئة وجمال الطبيعة في هذا الموقع الجميل.
التكية السلمانية ويبدو المسجد الكبير ذو الطراز العثماني الذي صممة المعمار سنان مع صحن المسجد والأروقة وخلفها تكايا الطلاب |
بدأت أعمال بناء هذه التكية السليمانية في دمشق عام 1554م وانتهت عام 1559م، وكان المهندس الرئيس لهذه المجموعة المعمارية الضخمة ملا آغا ومعه مراقبو البناء من الأتراك. وإن الطراز المعماري المتميز لمبنى هذه التكية السليمانية جعل بعض الباحثين ينسبون بناءه إلى المعمار المشهور سنان (1489-1578م).
يحيط بمبنى التكية السليمانية سور حجري تخترقه ثلاثة أبواب. البوابتان الرئيستان في المحور الشرقي ـ الغربي وذلك تبعاً لطريق الحجيج ومجرى نهر بردى، أما البوابة الثالثة فهي صغيرة يتقدمها رواق تعلوه قبة وتطل على نهر بردى في جهة شمال المبنى.
يضم المبنى التكية والجامع والمطبخ والمستودعات. وجمال الحدائق في هذا المبنى يؤكد الرغبة في توفير حسن الإقامة الطيبة للحجاج، ولطلاب العلوم.
تبلغ أبعاد مبنى التكية وحده 86م ×127م أي مساحة 10.822م2.
وإن جمالية مبنى الجامع برواقه المزدوج وقبته ومئذنتيه الرشيقتين، تجذب الأنظار، وتغري الإنسان بالزيارة والاطلاع على هذه الجمالية المعمارية الحديثة الطراز.
يقع حرم الجامع في جنوب مبنى التكية، ويتقدمه رواق رحب ومزدوج يعتمد على صفين من الأعمدة، يتألف الصف الأول من أربعة أعمدة يعلو كلاً منها قوس، ويتقدم الصف الثاني إلى الأمام ولكنه ينخفض عن الرواق الأول، ويتألف من اثني عشر عموداً، وهذا الرواق المزدوج أمام حرم الجامع يحقق توسعة للجامع، وإمكانية زيادة استيعاب عدد المصلين من أفواج الحجاج وغيرهم، ويتميز حرم الجامع المربع الشكل بجمال قبته. والجدير بالذكر أن المعمار لم يرغب في جعل الجدران سميكة أكثر من اللازم لهذا اعتمد على الدعائم الجدارية أو الأكتاف الجدارية لصد ثقل القبة في جهة الجنوب، علماً أن المئذنتين الرشيقتين الشاهقتين تقومان في الزاويتين الشماليتين بتحمل هذا الثقل في الجهة الشمالية، وأن الجدار الشمالي للجامع أكثر سماكة من بقية جدران الجامع. وبدت هاتان المئذنتان الرشيقتان الشاهقتان المضلعتان المنتهيتان في أعلاهما بشكل مخروطي كأنهما مائلتان، وتدلان على تأثير أشكال مآذن اصطنبول.
إن من يقف في صحن المبنى ويتأمل في جمالية المظهر الخارجي لهذا الجامع، يكتشف أن الجذع المضلع لكل من هاتين المئذنتين يبدو كأنه محزز بقنوات تزيينية، وأن كلاً منهما تسمو روحياً في الآفاق العالية وتجسد الطموح الروحي، ويزينها جمال شرفة المؤذن المخرمة والمزينة في أسفلها بالمقرنصات، ويزين المنطقة الممتدة من شرفة المؤذن حتى القلنسوة الرصاصية المدببة شريط أو نطاق من ألواح الخزف القاشاني التي تبدو كأنها بقع زرقاء جميلة تتألق في الأعالي.
إن قبة حرم الجامع تنتصب فوق رقبة معمارية مائلة الجوانب، وهناك الأكتاف المعمارية السائدة في الخارج.
وقد تميزت نوافذ القبة بالزجاج الجميل الألوان، وتجد في داخل حرم الجامع المحراب الجميل بالمقرنصات.
ويعد المنبر من روائع الفنون التطبيقية. أضف إلى هذه الجمالية ألواح الخزف القاشاني التي تزين أعلى النوافذ، وتمثل الورود والأزهار وتشابك سعف النخيل مع الأوراق النباتية. والجدير بالذكر، أن دمشق اشتهرت بصنع الخزف القاشاني المميز بجمال الورود والأزهار والأغصان النباتية والألوان الأزرق والأخضر والتدرجات اللونية الجذابة.
وأمام مبنى الجامع ورواقه المزدوج بحيرة في صحن المبنى كأنها مرآة مائية تعكس جمال أشعة الشمس ونباتات الحديقة. لهذه البركة شكل مستطيل كسيت بأحجار وردية اللون وسوداء متناوبة، وتتراقص المياه من نوافيرها بإيقاعات تترك أثرها الجمالي في نفوس الجميع.
وتبدو على كل من جانبي صحن المبنى ست غرف متساوية تعلوها القباب، ويتقدم كل مجموعة منها رواق تغطيه القباب وتحمله أعمدة رشيقة. والجدير بالذكر أن توزيع هذه الأعمدة الرشيقة تم على أساس أن كل قبتين صغيرتين من قباب هذا الرواق تقابلان قبة كبيرة من قباب هذه الغرف الكائنة خلف الرواق، إضافة إلى ذلك أن مدخنة شاقولية تسهم في مواجهة تموجات المنظور الأفقي. ويلاحظ في داخل هذه الغرف أن الجدار الجنوبي لكل غرفة فيه حنية المدفئة وخزائن جدارية. وتطل منها نافذة وباب على صحن المبنى. كما تطل نافذتان صغيرتان على الحديقة التي كانت حول المنشأة من الخلف.
ويتوسع صحن المبنى ليضم قسم الخدمات الذي يتوسطه المطبخ الذي تعلوه أربع قباب ذات فتحات للتهوية الضرورية، ويتصل بكل جانب من جانبي هذا المطبخ غرفتان مربعتا الشكل، يعلو كلاً منهما سقف هرمي مقطوع في أعلاه، جعلت هاتان الغرفتان مستودعاً ومخبزاً، وجعلت الغرفتان الأخريان للقيِّم على هذه المنشأة.
وفي كل جانب من جانبي مجموعة المطبخ المعماري قاعة طويلة جداً يتوسطها صف من الدعائم يقسم هذه القاعة إلى جناحين، ويعلو هذه القاعة عدد من القباب موزعة في صفين في كل منهما سبع قباب.
ويعلو مقدمة مجموعة المطبخ المعمارية اثنتا عشرة قبة صغيرة، علماً أن عدد مجموع قباب المبنى هو ثمان وثمانون قبة وتنفصل مجموعة المطبخ المعمارية عن هاتين القاعتين الطويلتين الجانبيتين.
وبما أن الإنسان يتميز بحسه الجمالي للألوان، فقد تم الاهتمام بالألوان وغناها الذي يبدو فيما يأتي:
- تناوب ألوان أحجار مداميك الجدران التي تبدو بشكل أشرطة أو نطاقات أفقية من الأحجار البازلتية السوداء والأحجار الجيرية البيضاء اللون.
- إسهام ألواح الخزف القاشاني، التي تعلو النوافذ والأبواب، في إضفاء جمالية الألوان على المبنى.
- استخدام الزخارف النافرة في أطر واجهة حرم الجامع ومحرابه، وهناك مقرنصات تيجان الأعمدة. ومقرنصات البوابات والمحراب، وتتكون هذه المقرنصات من رؤوس بارزة وفراغات مجوفة متناوبة معها في إيقاعات جذابة.
التكية السليمانية: مظهر جبهي | التكية السليمانية: الأروقة والصحن المشجر |
استخدمت غرف مبنى التكية السليمانية للثانوية الشرعية، ومنذ أيلول 1959 استخدمت هذه الغرف مؤقتاً مقراً لمتحف دمشق الحربي، عرضت فيها الآثار الحربية المتعلقة بتاريخ الحروب، وأنواع الأسلحة، وحرب تشرين التحريرية، والثورة السورية الكبرى، إضافة إلى ذلك النشاطات الفنية كالمعارض الفنية المؤقتة بمناسبة قومية.
والجدير بالذكر أن مبنى التكية السليمانية يضم أيضاً تربة دفن فيها عدد من العثمانيين الكبار.
وإن جمال طراز مبنى التكية السليمانية الذي ساد القرن السادس عشر جعل بعضهم ينسب بناء التكية السليمانية في دمشق إلى المعمار سنان الذي بلغت شهرته الأقاصي.
ومن أهم ملحقات مبنى التكية السليمانية: المدرسة والسوق.
المدرسة: بنيت المدرسة حسب مخطط يشبه مخطط مبنى التكية، وتقع المدرسة في شرق مبنى التكية. شيدت عام 1566م. واستمرت أعمال البناء فيها حتى عام 1574م. لها ثلاثة أبواب ثانوية، وباب رئيسي واحد في الجهة الشمالية من المبنى يؤدي إلى صحن المدرسة الذي يتوسطه بحيرة تشبه بحيرة مبنى التكية السليمانية.
وفي جنوب المبنى مصلى المدرسة، مربع الشكل تعلوه قبة كبيرة وجميلة. تزينه ألواح الخزف القاشاني الجميلة، والنوافذ الجصية المطعمة بألواح الزجاج الملون، وكانت القبة فوق رقبة مائلة وتتألف من اثني عشر ضلعاً وتخترقها اثنتا عشرة نافذة جصية ذات ألواح زجاجية ملونة.
وهناك اثنتا عشرة غرفة تتقدمها الأروقة وتعلوها القباب وتتوزع على جبهات المبنى الأربع حول الصحن، وتقوم هذه الأروقة على أعمدة رشيقة وقصيرة، وتبلغ أبعاد كل غرفة 6م × 6م ومساحتها 36م2.
وهناك ثلاث قباب تغطي دهليز المدخل، والرواق الأمامي لمصلى المدرسة.
وشيد في الواجهة الشمالية الخارجية لمبنى المدرسة دكاكين تجارية تكوّن الجناح الجنوبي للسوق الممتدة من الشرق إلى الغرب مسافة خمسة وثمانين متراً، وذلك لتلبية متطلبات الحجاج المعسكرين في المرج الأخضر.
وكان لهذا الجناح الجنوبي من السوق جناح آخر شمالي، يقابله ويتوسطه باب مقابل الباب الرئيسي لمبنى المدرسة، ولهذه السوق باب في الجهة الشرقية يؤدي إلى السوق ثم إلى مبنى المدرسة، وباب في الجهة الغربية يؤدي إلى هذه السوق من مبنى التكية.
والجدير بالذكر أن باب الجهة الشرقية قد تهدم فأعيد بناؤه في عهد السلطان مصطفى الثالث، لأن هناك كتابة أثرية على عتبة هذا الباب الشرقي تتضمن ما يأتي «جدد هذا الباب السلطاني السليماني في زمان السلطان بن السلطان مصطفى خان بن السلطان أحمد خان بنظارة المرحوم موسى بك»، والجدير بالذكر أنه كان يعلو هذه الدكاكين حجيرات صغيرة تهدمت. وكان عدد هذه الدكاكين في هذه السوق واحداً وعشرين دكاناً. وذكر الرحالة تيفينوThevenot، أنه رأى في هذا المكان بعض الاصطبلات. شيد في هذا المكان مبنى لكلية الطب، ثم صار على التوالي: داراً للمعلمين، وزارةً للمعارف ومديريةً للتربية بدمشق، وأخيراً مقراً لوزارة السياحة.
أما دكاكين السوق في الجناح الجنوبي فقد رممت وتحولت إلى سوق للمهن اليدوية لتلبية المتطلبات السياحية.
بشير زهدي