السنوسيون
السنوسيون أسرة تنسب إليها الطريقة السنوسية، تعود نشأتها إلى الداعية محمد بن علي السنوسي الخطابي الحسني الإدريسي، الذي يتحدر من سلالة ملوك الأدارسة [ر] الذين أسسوا الدولة الإدريسية، ويعود نسبهم إلى إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل بن السيد الحسن المثنى ابن الإمام السيد الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب.
ولد محمد بن علي السنوسي في ربيع الأول 1202هـ/كانون الأول سنة 1787م في محلة يقال لها «الواسطة» ببلدة مستغانم بالجزائر، ونشأ في بيت علم ودين وفضل، وكان أبناء البيت السنوسي كلهم منتسبين إلى العلم، وكذلك نساؤهم.
ظهرت على السيد محمد بن علي منذ صغره مخايل النجابة وشغفه بالكتب وحبه للعلم، فأخذ يسعى إلى طلب العلوم من أصحابها بالحضرة المستغانمية، ودرس علوم القرآن الكريم وأتقنها والفقه والحديث وأبدع بهما، وبجده ومثابرته غدا من العلماء الأجلاء، ودرس على يديه طلاب علم وفقه وذاع صيتهم فيما بعد.
أثر عن السيد السنوسي في حداثته ميله إلى الانزواء والانفراد، وفي شبابه كان يمضي وقته في التفكير فيما يرى حوله من أحوال الإسلام، وكان يلح على ضرورة العمل من أجل إحياء الملة الإسلامية وتوحيد الصفوف في العالم الإسلامي للنهوض بالدين الحنيف نهضة صحيحة قوية.
بدأ تصوفه الديني على يد الشيخ عبد الوهاب التازي، ثم خرج يعظ الناس، فزار تونس وطرابلس وبرقة ومصر، ومنها توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ولطلب العلم، فأقام بها مدة، وأنشأ بها أولى زواياه سنة 1257هـ/1841م على جبل أبي قبيس، ثم غادرها متوجهاً إلى الجبل الأخضر في ليبيا، فشيد هناك الزاوية البيضاء (نسبة إلى بياض جدرانها)، وكثر تلاميذه وانتشرت طريقته، ثم انتقل إلى واحة الجغبوب وأقام بها حتى توفى سنة 1276هـ/1859م. لـه عدة كتب ورسائل منها: «الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية» و«التحفة في أوائل الكتب الشريفة» و«إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن» و«شفاء الصدور» و«بغية القاصد».
أمل الداعية محمد بن علي السنوسي من دعوته زيادة العبادة واقتفاء أثر السلف الصالح ودعوة إخوانه ومريديه إلى الدين الصحيح وإرشاد عباد الله لما فيه سعادتهم في الدارين، ولم يتطلع يوماً إلى مناوءة الخلافة العثمانية أو التعرض لها، لأنه كان يعتقد أن الخلافة العثمانية لا تشكل أكثر من قطر من أقطار هذا العالم الواسع الذي يريد إصلاحه، ولأن السيطرة العثمانية على برقة التي يهتم السنوسيون بأمرها، لم تكن تتعدى السواحل، أما الدواخل فقد كانت بأيدي شيوخ القبائل ورؤسائها.
كانت السنوسية في المغرب العربي دعامة من دعائم اليقظة الإسلامية، فهي دعوة دينية هدفها تعميم الاصلاح وارشاد العالم الإسلامي، وزوايا السنوسية هي دور عبادة وتعلم ومركز حياة واجتماع ومقر سلام ونظام، والسنوسية طريقة صوفية تخلو من الحكم المغلقة التي يصعب على الفكر الوصول إلى كنهها، كإظهار الكرامات والخوارق أو التواجد والشطح، وكثيراً ما كان السيد يتشدد على أتباعه ومريديه لتجنب ما نهى الله عنه من قول الكذب والغيبة وابتزاز أموال الناس بغير حق وشرب الخمر وشهادة الزور. ولم تتدخل السنوسية بتفاصيل الحياة البشرية كافة، ولم تدع إلى حمل السلاح بالقوة، وإنما دعت إلى التودد إلى الناس ودعوتهم إلى الخير، كذلك فلم تكن زوايا السنوسية صوامع أو أديرة للنساك والرهبان والمتعبدين المنقطعين للعبادة أو حلقات للدراويش المنصرفين عن أمور الدنيا، وبدعوتها هذه غدت الزوايا السنوسية مراكز نشاط اجتماعي وديني كبير، فأصحاب الزوايا كانوا يهتمون بشؤون الدين والدنيا معاً، كما حرمت على أتباعها التسول وحضتهم على الكد والسعي من أجل عيشهم على أساس الأخوة والتعاون.
ذاع صيت الدعوة السنوسية وعم مختلف إفريقيا الداخلية، ووصلت إلى الملايو وإندونيسيا شرقاً، وتوافد عليها الناس لاعتناق إسلام يخلو، حسب فهمهم وتصورهم، من قواعد صارمة تحيل مخالفها أو مرتكبها إلى سوء المصير.
لم تر الدولة العثمانية بالدعوة السنوسية وزواياها غضاضة أو عائقاً يحول دون مد نفوذها وتعميق سلطانها، بل نظرت إليها نظرة خير، فطلبت إلى واليها في مدينة طرابلس تأييد السيد ودعوته وتقديم الدعم المادي والمعنوي له، وفيما بعد حاولت الإدارة العثمانية استخدام نفوذ السيد لإصلاح ذات البين بين العرب والترك، ولم يكتف مسؤولوها بالاعتراف والتأييد، بل تطلعوا إلى إنشاء علاقات طيبة مع أرباب الدعوة السنوسية حتى يضمنوا مؤازرتها لهم عند الحاجة وساعة الخطر.
ومن الأسس التي اعتمدتها الدعوة السنوسية مبدأ الوراثة والشورى، محققة بنظامها هذا بعض شروط الإمامة، إذ كانت الشورى ركناً من أركانها، وقد تأكد مبدأ الوراثة عندما قدم السيد محمد بن علي السنوسي السيف إلى ولده محمد المهدي (1844ـ1902) وطلب إليه أن يصلى بالحضور بما فيهم والده وأخوه محمد الشريف.
توفي محمد علي السنوسي بعدما انتشرت حركته في برقة وطرابلس وواداى، وخلفه في زعامة الحركة ابنه محمد المهدي الذي كان يتمتع بمقدرة بلاغية مكنته من استقطاب من حوله بما فيهم خصومه، ولهذا حققت الحركة في عهده اتساعاً كبيراً أسفر عنه نقل مركز الدعوة من الجغبوب إلى الكفرة التي تبعد 600كم عن طرابلس الغرب، وقد رفض المهدي التحالف مع محمد المهدي صاحب الحركة المهدية في السودان، ومساعدة العرابيين في مصر سنة 1882م، والتفاهم مع الإيطاليين لإيقاف التوسع الفرنسي في تونس سنة 1881م، ومساعدة السلطان العثماني في حربه مع روسيا، لكنه لم يستطع الثبات على موقف الحياد هذا، لأن الأحداث التي كان يواجهها العالم الإسلامي عامة، ومناطق الشمال الإفريقي خاصة، كانت تحتم عليه الانحياز إلى أحد الأطراف السياسية أو أن يشهر السلاح في وجه أحد الأطراف المحيطة به، وقد ارتأى مواجهة الفرنسيين الطامعين بامتلاك السودان الغربي مؤذناً ببداية ذلك الجهاد الذي سيتحمل السنوسيون وأتباعهم مسؤولياته حتى منتصف القرن العشرين.
في سنة 1302هـ/1902م توفي محمد المهدي فخلفه ابن أخيه أحمد الشريف، لأن ابنه محمد إدريس لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره، كما طلب منه أن يكون وصياً على ابنه محمد إدريس الابن الأكبر والخليفة الشرعي له.
وقف السنوسيون في مواجهة الإيطاليين حينما أعلنوا الحرب على الدولة العثمانية وطالبوا بولاية ليبية ووقعت مسؤولية الدفاع عن البلاد على كاهلهم، وقدموا أعظم التضحيات في ثلاثين سنة من القتال دفاعاً عن الوطن، ومثلهم في إدارة المعارك البطل عمر المختار الذي حمل بين ضلوعه عمق الإيمان الإسلامي الصافي وروح النداء والتضحية لشعب مورس عليه القهر والذل منذ أيام الرومان إلى البيزنطيين فالإيطاليين.
محمود عامر
السنوسيون أسرة تنسب إليها الطريقة السنوسية، تعود نشأتها إلى الداعية محمد بن علي السنوسي الخطابي الحسني الإدريسي، الذي يتحدر من سلالة ملوك الأدارسة [ر] الذين أسسوا الدولة الإدريسية، ويعود نسبهم إلى إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل بن السيد الحسن المثنى ابن الإمام السيد الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب.
ولد محمد بن علي السنوسي في ربيع الأول 1202هـ/كانون الأول سنة 1787م في محلة يقال لها «الواسطة» ببلدة مستغانم بالجزائر، ونشأ في بيت علم ودين وفضل، وكان أبناء البيت السنوسي كلهم منتسبين إلى العلم، وكذلك نساؤهم.
ظهرت على السيد محمد بن علي منذ صغره مخايل النجابة وشغفه بالكتب وحبه للعلم، فأخذ يسعى إلى طلب العلوم من أصحابها بالحضرة المستغانمية، ودرس علوم القرآن الكريم وأتقنها والفقه والحديث وأبدع بهما، وبجده ومثابرته غدا من العلماء الأجلاء، ودرس على يديه طلاب علم وفقه وذاع صيتهم فيما بعد.
أثر عن السيد السنوسي في حداثته ميله إلى الانزواء والانفراد، وفي شبابه كان يمضي وقته في التفكير فيما يرى حوله من أحوال الإسلام، وكان يلح على ضرورة العمل من أجل إحياء الملة الإسلامية وتوحيد الصفوف في العالم الإسلامي للنهوض بالدين الحنيف نهضة صحيحة قوية.
بدأ تصوفه الديني على يد الشيخ عبد الوهاب التازي، ثم خرج يعظ الناس، فزار تونس وطرابلس وبرقة ومصر، ومنها توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ولطلب العلم، فأقام بها مدة، وأنشأ بها أولى زواياه سنة 1257هـ/1841م على جبل أبي قبيس، ثم غادرها متوجهاً إلى الجبل الأخضر في ليبيا، فشيد هناك الزاوية البيضاء (نسبة إلى بياض جدرانها)، وكثر تلاميذه وانتشرت طريقته، ثم انتقل إلى واحة الجغبوب وأقام بها حتى توفى سنة 1276هـ/1859م. لـه عدة كتب ورسائل منها: «الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية» و«التحفة في أوائل الكتب الشريفة» و«إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن» و«شفاء الصدور» و«بغية القاصد».
أمل الداعية محمد بن علي السنوسي من دعوته زيادة العبادة واقتفاء أثر السلف الصالح ودعوة إخوانه ومريديه إلى الدين الصحيح وإرشاد عباد الله لما فيه سعادتهم في الدارين، ولم يتطلع يوماً إلى مناوءة الخلافة العثمانية أو التعرض لها، لأنه كان يعتقد أن الخلافة العثمانية لا تشكل أكثر من قطر من أقطار هذا العالم الواسع الذي يريد إصلاحه، ولأن السيطرة العثمانية على برقة التي يهتم السنوسيون بأمرها، لم تكن تتعدى السواحل، أما الدواخل فقد كانت بأيدي شيوخ القبائل ورؤسائها.
كانت السنوسية في المغرب العربي دعامة من دعائم اليقظة الإسلامية، فهي دعوة دينية هدفها تعميم الاصلاح وارشاد العالم الإسلامي، وزوايا السنوسية هي دور عبادة وتعلم ومركز حياة واجتماع ومقر سلام ونظام، والسنوسية طريقة صوفية تخلو من الحكم المغلقة التي يصعب على الفكر الوصول إلى كنهها، كإظهار الكرامات والخوارق أو التواجد والشطح، وكثيراً ما كان السيد يتشدد على أتباعه ومريديه لتجنب ما نهى الله عنه من قول الكذب والغيبة وابتزاز أموال الناس بغير حق وشرب الخمر وشهادة الزور. ولم تتدخل السنوسية بتفاصيل الحياة البشرية كافة، ولم تدع إلى حمل السلاح بالقوة، وإنما دعت إلى التودد إلى الناس ودعوتهم إلى الخير، كذلك فلم تكن زوايا السنوسية صوامع أو أديرة للنساك والرهبان والمتعبدين المنقطعين للعبادة أو حلقات للدراويش المنصرفين عن أمور الدنيا، وبدعوتها هذه غدت الزوايا السنوسية مراكز نشاط اجتماعي وديني كبير، فأصحاب الزوايا كانوا يهتمون بشؤون الدين والدنيا معاً، كما حرمت على أتباعها التسول وحضتهم على الكد والسعي من أجل عيشهم على أساس الأخوة والتعاون.
ذاع صيت الدعوة السنوسية وعم مختلف إفريقيا الداخلية، ووصلت إلى الملايو وإندونيسيا شرقاً، وتوافد عليها الناس لاعتناق إسلام يخلو، حسب فهمهم وتصورهم، من قواعد صارمة تحيل مخالفها أو مرتكبها إلى سوء المصير.
لم تر الدولة العثمانية بالدعوة السنوسية وزواياها غضاضة أو عائقاً يحول دون مد نفوذها وتعميق سلطانها، بل نظرت إليها نظرة خير، فطلبت إلى واليها في مدينة طرابلس تأييد السيد ودعوته وتقديم الدعم المادي والمعنوي له، وفيما بعد حاولت الإدارة العثمانية استخدام نفوذ السيد لإصلاح ذات البين بين العرب والترك، ولم يكتف مسؤولوها بالاعتراف والتأييد، بل تطلعوا إلى إنشاء علاقات طيبة مع أرباب الدعوة السنوسية حتى يضمنوا مؤازرتها لهم عند الحاجة وساعة الخطر.
ومن الأسس التي اعتمدتها الدعوة السنوسية مبدأ الوراثة والشورى، محققة بنظامها هذا بعض شروط الإمامة، إذ كانت الشورى ركناً من أركانها، وقد تأكد مبدأ الوراثة عندما قدم السيد محمد بن علي السنوسي السيف إلى ولده محمد المهدي (1844ـ1902) وطلب إليه أن يصلى بالحضور بما فيهم والده وأخوه محمد الشريف.
توفي محمد علي السنوسي بعدما انتشرت حركته في برقة وطرابلس وواداى، وخلفه في زعامة الحركة ابنه محمد المهدي الذي كان يتمتع بمقدرة بلاغية مكنته من استقطاب من حوله بما فيهم خصومه، ولهذا حققت الحركة في عهده اتساعاً كبيراً أسفر عنه نقل مركز الدعوة من الجغبوب إلى الكفرة التي تبعد 600كم عن طرابلس الغرب، وقد رفض المهدي التحالف مع محمد المهدي صاحب الحركة المهدية في السودان، ومساعدة العرابيين في مصر سنة 1882م، والتفاهم مع الإيطاليين لإيقاف التوسع الفرنسي في تونس سنة 1881م، ومساعدة السلطان العثماني في حربه مع روسيا، لكنه لم يستطع الثبات على موقف الحياد هذا، لأن الأحداث التي كان يواجهها العالم الإسلامي عامة، ومناطق الشمال الإفريقي خاصة، كانت تحتم عليه الانحياز إلى أحد الأطراف السياسية أو أن يشهر السلاح في وجه أحد الأطراف المحيطة به، وقد ارتأى مواجهة الفرنسيين الطامعين بامتلاك السودان الغربي مؤذناً ببداية ذلك الجهاد الذي سيتحمل السنوسيون وأتباعهم مسؤولياته حتى منتصف القرن العشرين.
في سنة 1302هـ/1902م توفي محمد المهدي فخلفه ابن أخيه أحمد الشريف، لأن ابنه محمد إدريس لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره، كما طلب منه أن يكون وصياً على ابنه محمد إدريس الابن الأكبر والخليفة الشرعي له.
وقف السنوسيون في مواجهة الإيطاليين حينما أعلنوا الحرب على الدولة العثمانية وطالبوا بولاية ليبية ووقعت مسؤولية الدفاع عن البلاد على كاهلهم، وقدموا أعظم التضحيات في ثلاثين سنة من القتال دفاعاً عن الوطن، ومثلهم في إدارة المعارك البطل عمر المختار الذي حمل بين ضلوعه عمق الإيمان الإسلامي الصافي وروح النداء والتضحية لشعب مورس عليه القهر والذل منذ أيام الرومان إلى البيزنطيين فالإيطاليين.
محمود عامر