السيولة الفائقة
تتميز السوائل والموائع بمقاومتها للجريان أو السيلان التي يعبر عنها بمعامل اللزوجة. غير أن دراسة الهليوم السائل عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، أظهرت سلوكاً غريباً لهذا السائل إذ يتصف بمقاومة جريان أو لزوجة معدومة. وقد أطلق على هذه الظاهرة اسم السيولة الفائقةsuperfluidity.
يعد التفاعل بين ذرات الهليوم أضعف التفاعلات، فهو أول الغازات الخاملة في الجدول الدوري للعناصر[ر]، لذا فإن درجة حرارة تميعه أخفضها قاطبة، فهو يتميع عند درجة الحرارة 4.2 مطلقة (كلفن) تحت الضغط الجوي النظامي، ولا يصبح صلباً تحت هذا الضغط مهما انخفضت درجة الحرارة عملياً. وللمقارنة يتميع الهدروجين قرب الدرجة 20 مطلقة.
تمكّن ك. أونس Kamerlingh Onnes عام 1908 من تمييع الهليوم ، وهو النظير الأكثر وفرة في الطبيعة مقارنة بنظيره الخفيف الهليوم . لكن ظاهرة السيولة الفائقة لم تكتشف إلا عام 1937 على يد العالم الروسي ب.كابتزا Peter Kapitza، وتلاه في العام التالي العالم البريطاني ج.ف. ألن John Frank Allen. فقد اكتشفا انخفاضاً واضحاً في تيارات الحمل الحرارية وناقلية حرارية عالية جداً، وجرياناً فائقاً عبر أنابيب شعرية بما يعرف باسم النافورة، (الشكل ـ1)، وسلوكاً غريباً للأغشية عند جدران الأوعية الحاوية للهليوم السائل، (الشكل ـ2)، عند درجة حرارة محددة 2.17 مطلقة، وما دونها. فقالا بوجود طور مميز للهليوم يتصف بلزوجة معدومة،يرمز له بالهليوم II تمييزاً له من الهليوم العادي ذي اللزوجة المحدودة، الذي يرمز له بالهليوم I. حصل العلماء بعدئذ على ما يكفي من الهليوم، فحاولوا تقصي مثل هذا السلوك فيه دون جدوى حتى حلول عام 1972 حين حدد ظهور الطور الفائق له عند درجة تقارب 2.7 ميلي درجة مطلقة، مع أن درجة حرارة تميعه قرابة 3.2 درجة مطلقة. تتغير الحرارة النوعية للهليوم بتغير درجة الحرارة عند الانتقال الطوري فتأخذ شكلاً يشبه شكل الحرف اليوناني λ كما يظهر في الشكل (3) لذلك تدعى نقطة الانتقال النقطة لمدا، وقد لاحظ العالم الأمريكي (من أصل ألماني) ف.لندن Fritz London تشابه التغير مع نتائج حسابات إحصائية معتمدة على ميكانيك الكم لنوع من الجسيمات تدعى البوزونات عندما تتكاثف عند درجة حرارة محددة، فبين أن هذه الظاهرة ذات أصل كمومي.
تقسم الجسيمات وفق ميكانيك الكم نوعين، الأول الجسيمات التي تملك سبيناً [ر. السبين] ذا عدد صحيح من h وهي البوزونات، والنوع الآخر التي تملك جسيماته سبيناً ذا عدد نصف صحيح من h هي الفرميونات، ولكل من النوعين إحصاء مختلف عن الآخر. يكمن الاختلاف بينهما في أن النوع الأخير يستبعد مشاركة الجسيم أي جسيم آخر لحالته الكمومية، في حين يسمح النوع الآخر بالمشاركة، ويظهر الفرق في السلوك واضحاً حين تحسب الطاقة الدنيا لكل من النوعين. فبالنسبة للبوزونات يمكن أن تكون جميعها في الحالة الدنيا نفسها، وهذا ما يدعى تكثف بوز ـ أينشتاين. وتؤكد جميع الخواص التجريبية التي ظهرت فيما بعد هذه النظرة، وعلى رأسها السلوك المختلف ما بين نظيري الهليوم، فأحد النظيرين يقابل بوزونات، أما الآخر فيقابل فرميونات مثل الإلكترونات. كما تبين أن الفرميونات لا تصبح فائقة السيولة إلا بعد أن تتزاوج بآلية مناسبة لتصبح جسيمات بوزونية.
تكمن أهمية دراسة السيولة الفائقة إضافة إلى أهميتها النظرية في دراسة السوائل المثالية وسلوكها في درجات الحرارة المنخفضة خاصة، في وجود مشابهات لها في فروع أخرى مثل الناقلية الكهربائية الفائقة[ر] التي تحدث في درجات حرارة أعلى مما ذكر بكثير، فقد وجدت، على سبيل المثال، نواقل فائقة من النوع الثاني يمكن معالجتها نظرياً مثل معالجة الهليوم السائل كخليط من سائلين أحدهما عادي والآخر فائق السيولة.
فوزي عوض
تتميز السوائل والموائع بمقاومتها للجريان أو السيلان التي يعبر عنها بمعامل اللزوجة. غير أن دراسة الهليوم السائل عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، أظهرت سلوكاً غريباً لهذا السائل إذ يتصف بمقاومة جريان أو لزوجة معدومة. وقد أطلق على هذه الظاهرة اسم السيولة الفائقةsuperfluidity.
يعد التفاعل بين ذرات الهليوم أضعف التفاعلات، فهو أول الغازات الخاملة في الجدول الدوري للعناصر[ر]، لذا فإن درجة حرارة تميعه أخفضها قاطبة، فهو يتميع عند درجة الحرارة 4.2 مطلقة (كلفن) تحت الضغط الجوي النظامي، ولا يصبح صلباً تحت هذا الضغط مهما انخفضت درجة الحرارة عملياً. وللمقارنة يتميع الهدروجين قرب الدرجة 20 مطلقة.
تمكّن ك. أونس Kamerlingh Onnes عام 1908 من تمييع الهليوم ، وهو النظير الأكثر وفرة في الطبيعة مقارنة بنظيره الخفيف الهليوم . لكن ظاهرة السيولة الفائقة لم تكتشف إلا عام 1937 على يد العالم الروسي ب.كابتزا Peter Kapitza، وتلاه في العام التالي العالم البريطاني ج.ف. ألن John Frank Allen. فقد اكتشفا انخفاضاً واضحاً في تيارات الحمل الحرارية وناقلية حرارية عالية جداً، وجرياناً فائقاً عبر أنابيب شعرية بما يعرف باسم النافورة، (الشكل ـ1)، وسلوكاً غريباً للأغشية عند جدران الأوعية الحاوية للهليوم السائل، (الشكل ـ2)، عند درجة حرارة محددة 2.17 مطلقة، وما دونها. فقالا بوجود طور مميز للهليوم يتصف بلزوجة معدومة،يرمز له بالهليوم II تمييزاً له من الهليوم العادي ذي اللزوجة المحدودة، الذي يرمز له بالهليوم I. حصل العلماء بعدئذ على ما يكفي من الهليوم، فحاولوا تقصي مثل هذا السلوك فيه دون جدوى حتى حلول عام 1972 حين حدد ظهور الطور الفائق له عند درجة تقارب 2.7 ميلي درجة مطلقة، مع أن درجة حرارة تميعه قرابة 3.2 درجة مطلقة. تتغير الحرارة النوعية للهليوم بتغير درجة الحرارة عند الانتقال الطوري فتأخذ شكلاً يشبه شكل الحرف اليوناني λ كما يظهر في الشكل (3) لذلك تدعى نقطة الانتقال النقطة لمدا، وقد لاحظ العالم الأمريكي (من أصل ألماني) ف.لندن Fritz London تشابه التغير مع نتائج حسابات إحصائية معتمدة على ميكانيك الكم لنوع من الجسيمات تدعى البوزونات عندما تتكاثف عند درجة حرارة محددة، فبين أن هذه الظاهرة ذات أصل كمومي.
الشكل (1) مفعول النافورة: إن وجود فارق في درجة الحرارة بين طرفي مرشح مسامي يولد فرقاً في الضغط وبالتالي تدفقاً نفاثاً للهليوم فائق السيولة |
الشكل (2) تغطي أغشية فائقة السيولة .لا تزيد سماكتها على بضع عشرات من النانومترات. جدران الوعاء الداخلي، إلا أنها تنساب بسرعة فائقة حتى تصبح سوية السائل في الوعاءين واحدة |
الشكل (3) تغير درجة الحرارة النوعية للهليوم بدلالة درجة الحرارة مقدرة بالكلفن |
تكمن أهمية دراسة السيولة الفائقة إضافة إلى أهميتها النظرية في دراسة السوائل المثالية وسلوكها في درجات الحرارة المنخفضة خاصة، في وجود مشابهات لها في فروع أخرى مثل الناقلية الكهربائية الفائقة[ر] التي تحدث في درجات حرارة أعلى مما ذكر بكثير، فقد وجدت، على سبيل المثال، نواقل فائقة من النوع الثاني يمكن معالجتها نظرياً مثل معالجة الهليوم السائل كخليط من سائلين أحدهما عادي والآخر فائق السيولة.
فوزي عوض