الديوان » سوريا
» بدوي الجبل
» خلع الحياة على البلى
لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد
هيهات أنت على الزمان مخلّد
تتجدّد الدّنيا و قلبك وحده
دنيا تعيد شبابها و تجدّد
لك من خيالك عالم متناسق
بهج تعاود خلقه و تدوّد
أمّا البسيطة فهي فيه خميلة
ولع الرّبيع بها و رحت تغرّد
و سكبت في الأنغام قلبك دمعة
لا كالدّموع و رحمة تتنهّد
خلع الحياة على البلى فكأنّه
للبعث من قبل الأوان يمهّد
قيس و ليلى بعد طول كراهمت
ثغر يرفّ ووجنو تتورّد
بعثا كعهدهما القديم فمن رأى
تلك العيون يرفّ فيها الإثمد
في كلّ قلفية حياة تجتلى
و منى تضوع و زفرة تتردّد
صور الجزيرة ما جلوت من العلى
و الحسن لا ما أوّلته الحسّد
الحبّ و الخيم المنيفة و القرى
و لبانة عند الغدير و موعد
و سكينة الصحراء إلاّ هازجا
مرحا يعيد حداءه و يردّد
يا شاعر الدّنيا لقد أسكرتها
ماذا تغنّيها و ماذا تنشد
خفّت بزينتها إليك مشوقة
سكرى تعبّ كؤوسها و تعربد
و جلت على الشعراء قبلك حسنها
لكن أراك شهدت ما لم يشهدوا
الزاهدين بها ولو كشفت لهم
سرّ الحياة المجتلى لم يزهدوا
نظروا إلى خير الوجود و حسنه
شزرا كما نظر الضياء الأرمد
أطريت فتنتها فدع في غيّه
من راح يعذل حسنها و يفنّد
العبقريّة شعلة من نارها
حمراء ناضرة اللّظى تتوقّد
و الشّعر و النّغم الشجيّ و رحمة
تسع الوجود و نقمة تتوعّد
يا فتنة الدنيا يذمّك معشر
و الحقّ كلّ الحقّ في أن يحمدوا
ألهب نبوغك في الحياة و حبّها
و أنا الضمين بأنّه لا يخمد
الكنز بين يديك فانثر درّه
إنّي أراه يزيد حين يبدّد
ظلم الجمال أبا عليّ من رأى
أنّ الجمال غواية تتودّد
و سموت في صور النعيم تعدّها
من نعمة الله التي لا تجحد
الحقّ و الإبداع من نفحاتها
و الهير من أسمائها و السؤدد
حبّ الجمال عبادة مقبولة
و الله يلمح في الجمال و يعبد
يا شاعر الدّنيا نديّك حافل
و الجمع مصغ و المواكب حشّد
ينتظرون السّحر من جبّاره
هيهات دون السّحر باب موصد
يشكى إليك و أنت رهن منيّة
و تزار في عنت الخطوب و تقصد
و لقد يرجّى السيف و هو ملثّم
و لقد يهاب اللّيث و هو مصفّد
فاذهب كما ذهب الرّبيع على الرّبى
منه يد و على القلوب له يد
و لك الإمارة في البيان يقرّها
أمس الزّمان و لا يضيق بها الغد