التاريخ
١٣ مارس، الساعة ٦:١٤ م ·
تاريخ الدولة الأموية (21)
-------------------------------------------------
قال ابن حجر :
{واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم ...
لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن إجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً, وأن المصيب يؤجر أجرين }
فأهل السنة مجمعون على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر محاسنهم رضي الله عنهم و أرضاهم .
---------------------------------------------------------------------
تغير الموازين لصالح معاوية بعد معركة صفين
بعد معركة صفين بدأت الموازين تتبدل لصالح معاوية رضي الله عنه فقد خرج الخوارج من جيشى علي رضي الله عنه, وانشغل بقتالهم, بينما ازداد أمر معاوية قوة لا سيما بعد انتهاء أمر التحكيم, وعدم الوصول إلى حل جزري .
وكان معاوية رضي الله عنه يعمل بشتى الوسائل سرَّاً وعلانية على إضعاف جانب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه, واستغل ما أصاب جيشه من تفكك وخلاف, فأرسل جيشاً إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه سيطر عليها وضمها إليه وقد ساعده على ذلك عدة أمور منها :
● 1- انشغال أمير المؤمنين علي بالخوارج
● 2- عامل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على مصر - محمد بن أبي بكر- لم يكن على قدر من الدهاء كسلفه قيسى بن سعد الساعدي الأنصاري, فدخل في حرب مع المطالبين بدم عثمان ولم يسايسهم كما كان يضع الوالي السابق فهزموه
● 3- اتفاق معاوية مع المطالبين بدم عثمان رضي الله عنه في مصر في الرأي, فساعده في السيطرة عليها
● 4- بعد مصر عن مركز أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقربها من الشام
● 5- طبيعتها الجغرافية فهي متصلة بأرض الشام عن طريق سيناء وتمثل امتداداً طبيعياً, وقد أضافت مصر قوة كبيرة لمعاوية رضي الله عنه, قوة بشرية واقتصادية كبيرة, .
--------------
وكذلك أرسل معاوية بعوثه إلى شمال الجزيرة الغربية, ومكة والمدينة وإلى اليمن ولكن لم تلبث هذه البعوث أن ردت على أعقابها عندما أرسل أمير المؤمنين عليُّ من يصدها , ..
وعمل معاوية رضي الله عنه على استمالة كبار أعيان القبائل وعمال علي رضي الله عنه, فقد حاول سحب قيس بن سعد رضي الله عنه عامل علي علي مصر إليه فلم يستطيع, ولكنه استطاع أن يثير شك حاشية علي رضي الله عنه ومستشاريه فيه فعزله , وكان عزل سعد عن ولاية مصر مكسباً كبيراً لمعاوية,
كما حاول (معاوية) سحب زياد بن أبية عامل علي رضي الله عنه على فارس ففشل في ذلك ,
وقد استطاع معاوية رضي الله عنه أن يؤثر على بعض الأعيان والولاة بسبب ما يمنيهم ويعدهم به, ولما يرونه من علو أمر معاوية وتفرق أمر علي رضي الله عنه؛
إذ يقول (علي رضي الله عنه) في إحدى خطبه :
( ألا إن بسراً قد أطلع من قبل معاوية, ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم, وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم,...
استعملت فلاناً فغلَّ وغدر وحمل المال إلى معاوية, واستعملت فلاناً فخان وغدر وحمل المال إلى معاوية,
حتى لو ائتمنت أحدهم على قدح خشيت على عِلاَقَتِهِ, ..
اللهم إني أبغضتهم, وأبغضوني فأرحهم مني وأرحني منهم ).
ولم يستسلم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لهذه المصائب, وهذا التقاعس, والتخاذل فقد بذل جهده في استنهاض همة جيشه بكل ما أوتي من علم وفصاحة وبيان, فخطبه الحماسية المشهورة التي اشتهرت عنه, وتعتبر من عيون التراث لم يقلها من فراغ أوخيال, بل من مر تجرعه, وواقع أليم عاصره ولقد ذكرت منها في كتابي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه .
------------------------------------------------------------------
المهادنة بين أمير المؤمنين علي ومعاوية رضي الله عنهما
بالرغم من كل هذه المحاولات والجهود المضنية لم يستطع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أن يحقق مايريد؛ إذ لم يستطع أن يغزو الشام بسبب التفكك والتصدع الذي حدث في داخل جيشه وتفرق كلمتهم وظهور الأهواء,...
فاضطر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في سنة أربعين للهجرة أن يوافق لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على أن يكون العراق له, والشام لمعاوية ولا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو , ..
قال الطبري في تاريخه :
{ وفي هذه السنة -40هـ- جرت بين علي وبين معاوية رضي الله عنهما المهادنة بعد مكاتبات جرت بينهما يطول بذكرها الكتاب على وضع الحرب بينهما, ويكون لعلي العراق, ولمعاوية الشام, فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو , }
ويبدو أن هذه المهدنة لم تستمر, فمعاوية أرسل بسر بن أطأة إلى الحجاز واليمن في العام الذي استشهد فيه علي رضي الله عنه ,
------------------------------------------------------------------
استشهاد أمير المؤمنين علي واستقبال معاوية خبر مقتله
أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الخوارج عبدالله بن عباس ليحاورهم لعلهم يرجعون .
فمكث فيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه ثلاثة أيام، يجادلهم ويجادلونه، ويحاورهم ويحاورنه.
وبعد جدال وحوار طويل وعميق قالوا: إنهم يأخذون على علي بن أبي طالب ثلاث نقاط.
1-أنه محا اسمه من الإمرة.
2- أنه حكّم الرجال في كتاب الله.
3- أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس، ورفض أن يوزع السبي والأموال.
------------------------
أجاب عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن الأولى بما أجاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بذكر يوم الصلح مع قريش و سهيل بن عمرو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ".
وأجاب عن الثانية، وهي قولهم أنه حكّم الرجال في كتاب الله بآيتين من القرآن، وقال لهم: إن ذلك في القرآن.
فقالوا: وأين هو؟
قال الآية الأولى التي استشهد بها الإمام علي رضي الله عنه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35].
والآية الثانية قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [المائدة:95].
فلم يقرر الله عز وجل المقدار الذي يضحي به الرجل نظير قتله للصيد، وهو حُرُم، ولكنه ترك الأمر ليحكم به ذوو العدل من المسلمين، ويقررون الحكم لهذا الرجل.
وأجاب رضي الله عن النقطة الثالثة وهي قضية: أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس رفض أن يوزع السبي والأموال.
فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه مجاراةً لهم: قد كان من السبي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فإن قلتم أنها ليست بأم لكم فقد كفرتم، وإن استحللتم سبي أمهاتكم فقد كفرتم.
-------------------------
فلما دار هذا الحوار بين عبد الله بن عباس رضي الله عنه وبينهم على مدار ثلاثة أيام، رجع منهم أربعة آلاف، وتابوا على يديه، وكان منهم ابن الكورى هذا الرجل الذي ذكرناه قبل ذلك، وكان يحذّرهم من عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ولكن الله هداه وتاب عليه، وعاد من تاب معه إلى الكوفة، فكانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..
أما الباقون الذين عاندوا ولم يرجعوا عن ما هم عليه فقد ظلوا يترددون على الكوفة، ويتردد عليهم رسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لإقناعهم، ولكن دون جدوى،
ومع مرور الوقت، وقرب عقد المجلس الذي سوف يتم فيه التحكيم، بدأ هؤلاء يتعرضون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بما لا يليق،
وخرجوا عن دائرة النقاش المهذب، وبدءوا بالسباب، والشتائم، وعلي رضي الله عنه يصبر عليهم، ويردّ عليهم بالتي هي أحسن تجنبًا للفتن، واستمرّ الوضع هكذا يزداد يومًا بعد يوم، حتى قام له رجل منهم، وهو يخطب فقال له: يا علي أشركت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
وتنادوا من كل جانب : لا حكم إلا لله.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه كلمة حق أًريد بها باطل.
ثم قال: إن لكم علينا ألا نمنعكم فيئًا ما دامت أيديكم معنا، وألا نمنعكم مساجد الله، وألا نبدأكم بقتال حتى تبدءونا.
ثم بدءوا يعرّضون بتكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقابله رجلٌ منهم يومًا وقال له: يا علي لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
فجعلوا أن تحكيم أبي موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في هذه القضية إشراكًا بالله.
فقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرُّوم:60].
ثم اعتزل هؤلاء القوم الكوفة بالكلية، ولجئوا إلى مكان يُسمّى النهروان، ومكثوا فيه، ولم يدخلوا الكوفة بعد ذلك،
فلما رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن أمرهم بدأ يزيد، ويشكل خطورة على المسلمين بعث إليهم يقول لهم:
قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبيننا وبينكم ألا تسفكوا دمًا حرامًا، أو تقطعوا سبيلًا أو تظلموا ذميًّا - يهوديًا أو نصرانيًا - فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.
ومكث الخوارج في النهروان بعيدًا عن الكوفة، وفي هذا التوقيت كان جيش الشام مستقرًا دون خلاف مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.... (*1)
--------------------------------------------------------------------
مقتل الإمام علي
---------------------------
كان الخوارج لا يبرحون، كل مدّة يخرجون على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيقتل منهم الكثير، ثم يخرج عليه مرات ومرات،
واستمرّت الأوضاع على هذا الاضطراب في العراق، بينما كانت الأوضاع هادئة في الشام، فقد كان أهلها يسمعون، ويطيعون لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وكان آخر ما فعله الخوارج في هذا التوقيت أن اجتمع ثلاثة منهم؛ عبد الرحمن بن ملجم الكندي، وكان في وجهه علامة السجود من كثرة العبادة، وكان معروفًا بها، وآخر اسمه البرك بن عبد الله التميمي، وآخر اسمه عمرو بن بكر التميمي،
وتشاوروا فيما ينبغي أن يفعلوه، فهم غير راضين بأمر التحكيم، ويكفرون عليًا، ومعاوية، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعًا، ويكفرون كذلك كل من رضي بالتحكيم،
وأخذوا يترحمون على إخوانهم الذين قتلوا في النهروان، وفي المعارك التي تلتها وقالوا: ماذا نفعل بالبقاء بعدهم، إنهم والله كانوا لا يخافون في الله لومة لائم.
ثم قالوا: فلو شرينا أنفسنا من هذه الدنيا، فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم، فأرحنا منهم البلاد، وأخذنا منهم ثأر إخواننا.
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم أمر علي بن أبي طالب.
وقال البرك: وأنا أكفيكم معاوية.
وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاهدوا على ذلك، واتفقوا على ألا ينقض أحد عهده، وأنهم سوف يذهبون لقتلهم، أو يموتون، وتواعدوا أن يقتلوهم في شهر رمضان، وكتموا الأمر عن الناس جميعًا إلا القليل، ومن هؤلاء القليل من تاب وحدّث بهذا الأمر
وذهب عبد الرحمن بن ملجم لرجل آخر يُسمّى شبيب بن نجدة الشجعي، وقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟
فقال شبيب: وما ذاك؟
قال: قتل علي.
فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئًا إدًّا، كيف تقدر عليه؟
فهو يستنكر عليه أن يفكر في قتل علي رضي الله عنه؛ لأنه كان قويًا شجاعًا يهابه الرجال، وله مواقف عظيمة في الحروب، وبطولات رائعة في القتال، ثم هو أمير المؤمنين.
فقال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة -الفجر- شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند الله خير.
فقال: ويحك، لو كان غير علي لكان أهون علي، قد عرفت سابقته في الإسلام، وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجدني أنشرح صدرًا لقتله.
فقال: أما تعلم أنه قتل أهل النهروان؟ نقتله بهم، وأخذ يحفزه، فوافقه على أن يساعده في هذا الأمر.
وتواعد عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر على يوم واحد يقتلون فيه الثلاثة عليًا، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ويخلّصون الأمة من أئمة الضلال في زعمهم.
فتواعدوا أن يقتلوا الثلاثة يوم السابع عشر من شهر رمضان، فتوجه البرك إلى دمشق حيث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وتوجه عمرو بن بكر إلى الفسطاط بمصر حيث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة حيث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
----------------------
إنتظر عبد الرحمن بن ملجم في فجر هذا اليوم حتى خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بيته لصلاة الفجر، وأخذ يمرّ على الناس يوقظهم للصلاة، وكان لا يصطحب معه حراسًا،
حتى اقترب من المسجد فضربه شبيب بن نجدة ضربة وقع منها على الأرض، لكنه لم يمت منها، فأمسك به ابن ملجم، وضربه بالسيف المسموم على رأسه، فسالت الدماء على لحيته، كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مشهد قتله قبل ذلك.
ولما فعل ذلك عبد الرحمن بن ملجم قال: يا علي الحكم ليس لك ولا حكم إلا لله.
وأخذ يتلو قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ} البقرة: 207.
ونادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليكم به، فأمسكوا بعبد الرحمن بن ملجم، وفر شبيب في البلاد.
وقدم علي رضي الله عنه جعدة بن هبيرة رضي الله عنه ليصلّى بالناس صلاة الفجر، وحمله الناس إلى بيته، وعلم رضي الله عنه أن هذا السيف مسموم، وأنه ميّت لا محالة، وخاصّة أن هذه الضرية وقعت كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم،
فاستدعى عبد الرحمن بن ملجم، وكان مكتوف الأيدي، فقال له علي رضي الله عنه: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته -أي السيف- أربعين صباحًا، وسألت الله أن يُقتل به شر خلقه.
فقال له علي: والله ما أراك إلا مقتولًا، وقد استجاب الله لك.
ثم قال علي رضي الله عنه: إن مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أعلم ماذا أفعل به.
فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، إن متَّ نبايع الحسن؟
فقال رضي الله عنه: لا آمركم ولا أنهاكم.
ثم أملى رضي الله عنه وصيته . ... (*2)
---------------------------------------------------------------------
أمير المؤمنين علي في أيامه الأخيرة وموقف معاوية
لما لم يتمكن علي رضي الله عنه من تجهيز الجيش بما يصبو ويريد ورأى خذلانهم كره الحياة وتمنى الموت الموت وكان يتوجه إلى الله بالدعاء ويطلب منه عز وجل أن يعجل منيته,
فمما روي عنه أنه خطب يوماً فقال :
{ اللهم إني قد سئمتهم وسئموني ومللتهم وملوني, فأرحني منهم وأرحهم مني, فما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم, ووضع يده على لحيته } ,
وقد ألح عليُّ رضي الله عنه في الدعاء في أيامه الأخيرة, فعن جندب قال :
{ ازدحموا على علي رضي الله عنه حتى وطئوا على رحاله فقال: اللهم إني قد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني, فأرحني منهم وأرحهم } ,
وفي رواية أخرى عن أبي صالح قال :
{ شهدت علياً وضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق, فقال : اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني, اللهم إني قد مللتهم وملوني, وأبغضتهم وأبغضوني, وحملوني على غير أخلاقي, فأبدلهم بي شراً مني, وأبدلني بهم خيراً منهم ومث قلوبهم ميثة الملح في الماء },
وفي رواية فلم يلبث إلا ثلاثاً أو نحو ذلك, حتى قتل رحمه الله ,
وقال الحسن ابن علي :
{ قال لي علي رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنح لي الليلة في منامي, فقلت : يارسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد ؟
قال : ادع عليهم ..
قلت : ,اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم , وأبدلهم بي من هو شر مني لهم .
قال الحسن رضي الله عنه فخرج فضربه الرجل }.
ولما جاء خبر قتل علي إلى معاوية رضي الله عنهما جعل يبكي, فقالت له امرأته : أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال : ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم .
وكان معاوية يكتب فيما ينزل به يسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك, فلما بلغه قتله قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب, فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام, فقال له : دعني عنك , ..
وقد طلب معاوية رضي الله عنه في خلافته من ضرار الصُّدائي أن يصف له علياً رضي الله عنه فقال : أعفني يا أمير المؤمنين قال : لتصفنَّه, ...
قال : أما إذا لابد من وصفه فكان والله بعيد المدى, شديد القُوى, يقول فصلا , ويحكم عدلا, يتفجر العلم من جوانبه, وتنطق الحكمة من نواحيه, ويستوحش من الدنيا وزهرتها, ويستأنس بالليل ووحشته...
وكان غزير العبرة, طويل الفكرة, يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن, وكان فينا كأحَدِنا, يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استنبأناه, ...
ونحن والله - مع تقريبه إيانا وقربه منا- لانكاد نكلمه هيبة له, يعظمِّ أهل الدين ويُقرِّب المساكين, لا يطمع القويُّ في باطله, ولا ييأس الضعيف من عدله ..
وأشهد أنه لقد رأيته في بعض مواقفه - وقد أرخى الليل سُدولَه , وغارت نجومه- قابضاً على لحيته, يتململ تململ السقيم, ويبكي بكاء الحزين, ويقول : يادنيا غُرِّي غيري إلي تعرضّت أم إليًّ تشوًّفت ؟! ِ هيهات هيهات, قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها, فعمرك قصير, وخطرك كثير, آه من قلة الزاد, وبُعد السفر, ووحشة الطريق, ...
فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن, كان والله كذلك, فكيف حزنك عليه ياضرار؟
قال حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها } ,
-----------
وعن عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - : قال :
{ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت عليه وجلست فبينما أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخلا بيتاً وأجيف الباب وأنا أنظر, فما كان بأسرع من خرج علي وهو يقول : قضي لي ورب الكعبة, ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول : غفر لي ورب الكعبة }..
صلى الله على محمد و آله وصحبه ؛و رضي عن علي بن أبي طالب و معاوية و عن الصحابة أجمعين
---------------------------------------------------------------------
- فتح الباري (13/634) عقيدة أهل السنة (2/740)
- عقيدة أهل السنة (2/740) .
- الطبقات (3/83) خلافة علي, لعبد الحميد ص 351 سند صحيح
- تاريخ خليفة ص 198 بدون سند
- ولاة مصر ص45, 46
- الاستيعاب (2/5,5 ,526)
- التاريخ الصغير (1/125) بسند منقطع وله شواهد
- أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (2/1020)
- تاريخ الطبري (6/56) , خلافة علي, عبدالحميد ص 356
- المصدر نفسه (6/56)
- التاريخ الصغير للبخاري (1/41), وخلافة علي أبي طالب ص 431
- مصنف عبدالرزاق (10/154) بإسناد صحيح, الطبقات(3/4)
- الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (1/37) بإسناد حسن خلافة علي ص432
- سير أعلام النبلاء (3/144)
- المحن ص 99 لأبي العرب وخلافة علي لعبد الحميد ص432
- الأود : العوج, اللدد : الخصومة
- تاريخ الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين ص 649
- البداية والنهاية (8/133)
- الاستيعاب (3/1108)
- الاستيعاب (3/1107)
- سدوله : سدلته
- الاستيعاب (3/1108)
- أجيف الباب : رُدَّ وأغلق
- البداية والنهاية (8/133)
☆ الدولة الأموية عوامل الإزدهار و أسباب الإنهيار للصلابي ص115-112
(*1) قصة الإسلام
https://islamstory.com/ar/artical/19937/قضية_التحكيم_فى_الفتنة_الكبرى
(*2) قصة الإسلام
https://islamstory.com/ar/artical/19938/مقتل_علي_بن_أبى_طالب_وعام_الجماعة
-------------------------------------------------------------------
#الدولة_الأموية_جواهر [21]