الدولة الفاطمية العبيدية (4)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدولة الفاطمية العبيدية (4)


    التاريخ
    ‏١٥ مارس‏، الساعة ‏٦:٣٣ م‏ ·
    الدولة الفاطمية العبيدية (4)
    -------------------------------------------
    موقف علماء أهل السنة في الشمال الأفريقي من الفاطميين العبيديين ..
    بلكين بن زيري و المعز بن باديس والدولة الصنهاجية .
    -------------------------------------------------------------------
    لقد قاوم علماء أهل السنة المد العبيدي الرافضي بكل الأساليب المتاحة لهم من حجة وتعليم ودعوة وحمل للسلاح ضد الطغاة الظالمين ؛ وتحملوا الأذى و السجن و القتل مما ساهم في تثبيت عوام المسلمين على عقيدة أهل السنة .

    وقد عمل العبيديون على إخلاء الساحة من علماء السنة بمحاولة ترغيبهم وضمهم في دعوتهم أو بترهيبهم و ترهيب العامة من الإلتفاف حول هؤلاء العلماء .

    وقد قاطع العلماء جميع مؤسسات الدولة العبيدية؛ فلم يكونوا يختصمون إلى قضائهم, ولا يصلون وراء أئمتهم, ولا يأتون مهنئين, ولا معزين, ولا يتوارثون معهم, ولا يصلون على موتاهم, ولا يناكحونهم (1).

    وبرز في هذا العمل الجليل العلامة الفقيه أبو يوسف جلبة بن حمود بن عبد الرحمن الذي قاطع العبيديين علانية في أول خطبة لبني عبيد في جامع القيروان, ...

    فعندما سمع ما لا يجوز سماعه قام قائمًا وكشف عن رأسه حتى رآه الناس ومشى إلى آخر باب في الجامع –جامع القيروان- والناس ينظرون إليه حتى خرج من الباب وهو يقول: قاطعوها قطعهم الله, فمن حينئذ ترك العلماء حضور جمعتهم وهو أول من نبه على ذلك (2).

    وقد حصن علماء السنة أهل الشمال الإفريقي بالفتاوى التي أوضحت كفر بني عبيد, وأنهم ليسوا من أهل القبلة, كما كفروا من دخل في دعوتهم راضيًا, ومن خطب لهم في دعوتهم, وقد انتشرت هذه الفتاوى, وعرفها الخاص والعام, فكانت حاجزًا منيعًا بين العوام, وبين التردي في دعوة الرافضة (3).

    وكان ربيع القطان أول من شرع في الدعوى إلى الجهاد ضد العبيديين وندب الناس وحضهم عليه.

    ولما حضرت صلاة الجمعة صعد «الإمام» أحمد بن محمد بن أبي الوليد على المنبر وخطب خطبة بليغة, وحرض الناس على الجهاد وأعلمهم بما لهم فيه من الثواب,...

    وتلا هذه الآية: ○ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ○ [النساء:95].

    ثم قال : يا أيها الناس جاهدوا من كفر بالله, وزعم أنه رب من دون الله تعالى وغيَّر أحكام الله عز وجل, وسب نبيه وأصحاب نبيه وأزواج نبيه فبكى الناس بكاء شديدًا,

    وقال في خطبته:
    «اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية من دون الله, جاحدًا لنعمك, كافرًا بربوبيتك, طاعنًا على أنبيائك ورسلك, مكذبًا لمحمد نبيك وخيرتك من خلقك, سابًا لأصحاب نبيك, وأزواج نبيك أمهات المؤمنين, سافكًا لدماء أمته, منتهكًا لمحارم أهل ملته, افتراء عليك, واغترارًا بحلمك, ....

    اللهم فالعنه لعنًا وبيلاً, واخزه خزيًا طويلاً, واغضب عليه بكرة وأصيلاً, وأصله جهنم وساءت مصيرًا, بعد أن تجعله في دنياه عبرة للسائلين, وأحاديث في الغابرين, وأهلك اللهم شيعته, وشتت كلمته, وفرق جماعته, واكسر شوكته, واشف صدور قوم مؤمنين, ونزل فصلى الجمعة ركعتين وسلم, وقال: ألا إن الخروج غدًا يوم السبت إن شاء الله (4).

    وركب ربيع القطان فرسه وعليه عدة الحرب, وفي عنقه المصحف, وحوله جمع من الناس من أهل القيروان متأهبون معدون لجهاد أعداء الله, وعليهم آلة الحرب فنظر إليهم القطان, فسر بهم وقال: الحمد لله الذي أحياني حتى أدركت عصابة من المؤمنين اجتمعوا لجهاد أعدائك, وإعزاز دينك, ...

    يا رب بأي عمل وبأي سبب وصلت إلى هذا؟ ثم أخذ في البكاء حتى جرت دموعه على لحيته, ثم قال لهم: لو رآكم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لسُرَّ بكم,

    ثم أشار بيده وقال: اذكروا الله يذكركم, فكبر الناس, ومشى حتى بلغ الجامع ودخل في قتال أعداء الله حتى قتل سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مقبلاً غير مدبر واستشهد معه فضلاء وأئمة وعباد صالحون .(5)

    وقد قاطع العلماء من داهنوا العبيديين من الفقهاء وإن لم يدخلوا في دعوتهم؛ ولذلك أفتى العلماء بطرح كتب أبي القاسم البراذعي (6).

    وفتح العلماء والفقهاء بيوتهم للناس لفضح معتقدات الباطنية العبيدية,...

    وكان أبو إسحاق السبائي يفتح داره ويأخذ في ذم العبيديين والتحذير منهم, وكان يكثر من ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم, وكانت داره كالمسجد لكثرة من يقصدها من الطلبة,

    وكذلك فعل أحمد بن نصر الهواري, وأحمد بن يزيد الدباغ, واضطروا لذلك بعد أن منعهم العبيديون من التدريس في المساجد, واجتهد العلماء سرًا في تعميق عقائد أهل السنة وأصولهم وفقههم في قلوب أهل الشمال الإفريقي (7).

    و اجتهد علماء أهل السنة في غرس منهج أهل السنة في أبناء الكتاميين والصنهاجيين والبرابرة الموالين للعبيديين, وذلك ما قام به العلامة أبو إسحاق الجبنياني وغيره, فإنهم كانوا يعلمون الأولاد الصغار أبناء حملة الدعوة العبيدية بحيل لطيفة وكانوا لا يأخذون منهم أجرًا, ترغيبًا لهم في الإقبال عليهم (.
    ------------------------------------------------------------------
    بلكين بن زيري و الدولة الصنهاجية

    مؤسس الدولة الصنهاجية هو بلكين أبو الفتوح يوسف بن زيري بن مناد الصنهاجي سنة (362- 373هـ) الذي افتتح سنوات حكمه بقمع الثائرين .. حكم الفترة(362- 373هـ/ 972- 983م)

    وقد استمال خلفاء الدولة العبيدية القبائل البربرية الصنهاجية واستعانوا بهم بدلاً من القبائل الكتامية وأسندوا إليها الأمور المهمة في الدولة,..

    و وارتفع نجم الصنهاجيين في زمن عائلة بني زيري الصنهاجية التي استطاعت أن تثخن في ثورة أبي يزيد الخارجي, فأهدى العبيديون للصنهاجيين حكم إفريقية والمغرب,

    أصبح يوسف بلكين بن زيري واليًا أو أميرًا لكل بلاد إفريقية, وهو أول حاكم لبلاد المغرب من أصل بربري بعد الفتح الإسلامي, وكان متفانيًا في خدمة العبيديين وتوسيع أملاكهم,...

    واشتد الصراع العنيف بين قبائل صنهاجة وقبائل زناتة, واستعمل الحاكم الصنهاجي أبو الفتوح القوة والعنف والشدة للقضاء على سيادة قبائل زناتة, ...

    واستطاعت الدولة الأموية في الأندلس أن تستفيد من هذا الصراع ووجهت ضربة ماكرة للدولة العبيدية فدعمت قبائل زناتة بكل ما تملك حتى استطاعت أن تقف في وجه الصنهاجيين التابعين للعبيديين, ...

    وكانت سياسة الصنهاجيين مبنية على العنف والقوة مع الزناتيين فلم يسعوا لكسب ودهم أو مهادنتهم, واستغلت الدولة الأموية هذا الصراع حتى فصلت المغرب الأقصى عن سيادة بني زيري (9).

    وأظهر الأمير بلكين نشاطًا واسعًا وعملاً دؤوبًا, وكان محافظًا على تبعيته للعبيديين وولائه للمذهب الإسماعيلي الباطني, إلا أنه لم يتشدد هو والأمراء الذين جاءوا بعده بمطالبة الناس بالتشيع, فانفسح المجال نسبيًا أمام علماء أهل السنة لنشر السنة,

    وبدأت الحياة العلمية تعود إلى المساجد والكتاتيب شيئًا فشيئًا, غير أن تلك المظاهر الرسمية من التبعية لحكام مصر والدعوة لهم على المنابر كانت تقلق العلماء, وأسهمت في إيجاد هوة عميقة بينهم وبين حكام بني زيري, فمضوا في محاربة هؤلاء الحكام الذين لم يكونوا متحمسين للدعوة الإسماعيلية, والتف أهل الشمال الإفريقي حول علمائهم, وواصلوا مقاطعة الدولة, ..

    غير أن هؤلاء الحكام لم يستطيعوا الإعلان بموافقة علماء أهل السنة خوفًا على سلطانهم, وأحس أهل القيروان بذلك فراح علماؤهم يعملون جاهدين على نشر السنة وآراء السلف, فعجت حلقات العلماء بطلاب العلم في القيروان من جديد, وكثرت المؤلفات في بيان دين الإسلام الصحيح,...

    وكان التخلص النهائي من أتباع العبيديين, وانتصار أهل السنة على الروافض في الشمال الإفريقي على عهد الأمير السني والسيف القاطع والطود المنيف الأمير المعز بن باديس.
    ----‐---‐--------------------------------------------------------
    المعز بن باديس الصنهاجي(406- 449هـ)

    قال عنه الذهبي : (صاحب إفريقية, المعز بن باديس بن منصور بن بُلُكين بن زيري بن مناد الحميري, الصنهاجي, المغربي, شرف الدولة ابن أمير المغرب) ....(10).

    نودي به أميرًا يوم السبت الثالث من ذي الحجة سنة 406 هـ بعد وفاة أبيه بثلاثة أيام (11).

    استطاع بعض فقهاء المالكية أن يصلوا إلى ديوان الحكم في دولة صنهاجة وأثروا في بعض الوزراء والأمراء الذين كان لهم الفضل بعد الله في تخفيف ضغط الدولة على علماء أهل السنة.

    ونخص بالذكر العلامة أبو الحسن الزجال الذي اجتهد على الأمير المعز بن باديس في تربيته على منهج أهل السنة والجماعة, وأعطت هذه التربية ثمارها بعد ما تولى المعز إفريقية,..
    وكان عمل العلامة أبو الحسن في السر بدون أن يعلم به أحد من الشيعة الذين كانت الدولة دولتهم, وكان هذا العالم فاضلاً ذا خلق ودين وعقيدة سليمة, ومبغضًا للمذهب الإسماعيلي الشيعي.

    واستطاع أن يزرع التعاليم الصحيحة في نفسية وعقلية وفكر المعز بن باديس الذي تم على يديه القضاء على مذهب الشيعة الإسماعيلية في الشمال الإفريقي.

    وقد وصف المؤرخون المعز بن باديس بأوصاف في غاية الروعة والجمال, فقال فيه الذهبي :
    «وكان ملكًا مهيبًا, وسريًا شجاعًا, عالي الهمة, محبًا للعلم, كثير البذل مدحه الشعراء, وكان مذهب الإمام أبي حنيفة قد كثر بإفريقية فحمل أهل بلاده على مذهب مالك حسمًا لمادة الخلاف, وكان يرجع إلى الإسلام, فخلع طاعة العبيدية وخطب للقائم بأمر الله العباسي, فبعث إليه المستنصر الفاطمي يتهدده, فلم يخفه» (12).

    ورد المعز بن باديس على خطاب المستنصر الذي هدده فيه وقال له: هلا اقتفيت آثار آبائك في الطاعة والولاء, في كلام طويل, فأجابه المعز: إن آبائي وأجدادي كانوا ملوك المغرب قبل أن يتملكه أسلافك ولهم عليهم من الخدم أعظم من التقديم ولو أخروهم لتقدموا بأسيافهم (13).

    وبينت لنا كتب التاريخ أن المعز تدرج في عدائه للإسماعيلية ولحكام مصر, وظهر ذلك في عام 435هـ عندما وسع قاعدة أهل السنة في جيشه وديوانه ودولته, فبدأ في حملات التطهير للمعتقدات الكفرية ولمن يتلذذ بسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ,...

    فأوعز ابن باديس للعامة ولجنوده بقتل من يظهر الشتم والسب لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فسارعت العامة في كل الشمال الإفريقي للتخلص من بقايا العبيديين ليصفي الشمال الإفريقي من المعتقدات الفاسدة الدخيلة عليه.

    وأشاد العلماء والفقهاء بهذا العمل الجليل الذي أشرف على تنفيذه المعز بن باديس -رحمه الله-

    وذكر الشعراء قوافي وأشعارًا في مدح المعز ودونوا تلك البداية, فقال القاسم بن مروان في تلك الحوادث:
    وسوف يقتلون بكل أرض
    كما قتلوا بأرض القيروان

    وقال آخر:
    يا معز الدين عش في رفعة
    وسرور واغتباط وجذل

    أنت أرضيت النبي المصطفى
    وعتيقًا في الملاعين السفل

    وجعلت القتل فيهم سنة
    بـأقاصي الأرض في كل الدول (14)

    استمر المعز بن باديس في التقرب إلى العامة وعلمائهم وفقهائهم من أهل السنة وواصل السير في تخطيطه للانفصال الكلي عن العبيديين في مصر,...

    فجعل المذهب المالكي هو المذهب الرسمي لدولته, وأعلن انضمامه للخلافة العباسية, وغير الأعلام إلى العباسيين وشعاراتهم, وأحرق أعلام العبيديين وشعاراتهم, ..

    وأمر بسبك الدراهم والدنانير التي كانت عليها أسماء العبيديين والتي استمر الناس يتعاملون بها 145 سنة وأمر بضرب سكة أخرى كتب على أحد وجهيها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله», وكتب على الآخر: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"
    [آل عمران:85].

    وقضى المعز بن باديس على كل المذاهب المخالفة لأهل السنة من الصفرية والنكارية والمعتزلة والإباضية.

    وفي سنة 443هـ انضمت برقة كلها إلى المعز بن باديس بعد أن أعلن أميرها جبارة بن مختار الطاعة له.

    وكان أول من قاد حملة التطهير على الإسماعيلية في طرابلس وحارب تقاليدهم الباطلة ودعوتهم المضلة هو العلامة علي بن محمد المنتصر وكنيته أبو الحسن المتوفي عام 432هـ.(15)

    واشتاط الحقد الباطني وتفجرت براكين الغضب في نفوسهم وقرروا الانتقام من قائد أهل السنة في الشمال الإفريقي ومن أهله الذين فرحوا بعودة بلادهم لحظيرة أهل السنة,

    فانعقد في القاهرة مجلس رافضي باطني إسماعيلي بقيادة الخليفة العبيدي وخرجوا برأي شيطاني مفادة رمي السنية الصنهاجية الزيرية بقبائل بني سليم وبني هلال, فإن انتصرت الدولة الصنهاجية تكون الدولة العبيدية قد تخلصت من هذه القبائل المتعبة, وإن انتصر بنو سليم وبنو هلال يكونوا بذلك انتقموا من عدوهم اللدود المعز بن باديس !!!

    وكان الذي تبنى هذه الفكرة الوزير العبيدي أبو محمد بن علي اليازوري الذي شرع في إغراء القبائل المقيمة على ضفاف النيل وأمدهم بالمال والسلاح والكراع, وأباح لهم برقة والقيروان, وكل ما يكون تحت أيديهم, واتصل العبيديون بالمعارضين للمعز وأمدوهم بما يملكون من مال وسلاح وعتاد.

    وبدأت حلقة الصراع العنيف بين المعز بن باديس والقبائل العربية المدعومة من الروافض العبيديين.
    -------------------------------------------------------------------
    (1) انظر: مدرسة أهل الحديث في القيروان (ج1/78).
    (2) انظر: رياض النفوس للمالكي (ج2/43).
    (3) رياض النفوس للمالكي (ج2/340).
    (4) رياض النفوس للمالكي (ج2/344،343).
    (5) رياض النفوس (ج2/343/344).
    (6) مدرسة الحديث في القيروان (ج1/78).
    (7) المصدر السابق (ج2/79).
    ( المصدر السابق (ج2/80).
    (9) موسوعة المغرب العربي (ج2/ 24-30)
    (10) سير أعلام النبلاء (ج18/140).
    (11) تاريخ الفتح العربي في ليبيا (ص 286).
    (12) سير أعلام النبلاء (ج18/140).
    (13) تاريخ الفتح في ليبيا, لطاهر الزاوي, ص (289).
    (14) تاريخ الفتح في ليبيا, لطاهر الزاوي, ص (289).
    (15) المصدر السابق, ص (290، 291).
    ☆الدولة الفاطمية د. علي الصلابي بتصرف ص 65-84
    -------------------------------------------------------------------
    زحف بني هلال على شمال أفريقية .. تابعوا
    #الدولة_الفاطمية_جواهر [4]
يعمل...
X