Fareed Zaffour
30 يونيو 2022 ·
Ayad Al Husseini
29 يونيو 2022 ·
تمثال سليم البصري
وذاكرة بغداد الازل
النحات فاضل مسير
اعتاد المحترفون من النحاتين لشخصيات عامة على مدى تاريخ النحت الوصول بالشبه الى اقصى مدى، ولكن المبدعون منهم كانوا يغوصون في اعماق الشخصية ليظهروا تلك الذات العظيمة على طبيعة الشكل بقوة معبرة هائلة، وبالتالي فان المتلقي لايشاهد بل يعيش ويسكن ذلك الاحساس والشعور والفكر الذي اتسمت به تلك الشخصية وما تمثله, وبالتالي فان رسالة العمل الفني لاتقف في حدود الشكل الجمالي وتاثيرة وانما تنقل مضامين مهمة كانت تلك الشخصية تتصف بها …
بذكاء كبير تم اختيار شخصية الفنان العراقي سليم البصري وبذكاء اكبر انجز المبدع فاضل مسير تمثاله …
فما هي اهمية سليم البصري وانجازه كممثل من بين مئات الفنانين المبدعين العراقيين….. ؟ اذ عرف عنه انه شخصية عفوية بسيطة لطيفة ومحبوبة، اتسمت بالطيبة في دوره الذي عرف به في مسلسل تحت موس الحلاق اي انه ضمن المألوف من المبدعين وليس المتميزين …
فاين يكمن سر اختيار هذه الشخصية والعمل الفني الرائع ….؟
وانت تتأمل هذه الشخصية بعناية البصيرة فضلا عن حاسة البصر ينتابك
سيل عارم من العواطف تنهمر عليك من كل صوب، لان هذه الشخصية لاتقف في حدود صاحبها ... وانما تستدعي ذاكرة بغداد واهلها وكل ملامحهم بين البساطة والخلق والاحترام والكرم وحسن الضيافة الغامرة باللطف واللياقة، بل تستدعي مناطق بغداد العتيقة بعبقها ونخوة اهلها وشجاعتهم وصراحتهم.
كل ذلك بزي الافندي الذي كان تتصف به الشخصية البغدادية الانيقة في هندامها وحديثها وسلوكها ومعشرها، علما انه عرف بالزي الشعبي في عمله الفني ولكن اختيار الفنان لزي الافندي كان بذكاء رائع… ليحررها من حدودها الضيقة في شخصية حاج راضي وليطلقها تستعيد ذاكرة الشخصية البغدادية بالقها.
كل جزء من التمثال يحمل طاقة تعبيرية هائلة عن بغداد واهلها من السدارة حتى كفة البنطلون وحذائه
فانظر الى حركة الجسم والايدي والنظرة المتأملة والوقفة الواثقة ستجد انها تروي لك ثقافة بغداد.
هذا التمثال يستدعي الهوية البغدادية بعد ان سحقت ديموغرافيتها الانيقة تحت تأثير فظاظة الهجرات والتهجير منها واليها وتناسل الحروب والازمات وسادية الاحتلال وسايكوبائية العنف السياسي - الديني لتفتيت ما تبقى من بغداد بمعاول الجماعات الثيوقراطية وعودتها الى ما قبل المدنية …
في هذا العمل يتأكد ان الهوية البغدادية كامنة ومتأصلة في العقل الباطن لما تبقى من اهلها الاصليين لحد انتشالها من الرثاثة الغارقة فيها معيدة لها مناخها السيسيوجمالي الذي مزج اهلها بالتمدن والجمال.
وان استدعاء ذاكرة بغداد الازل هو استدعاء ذاكرة العراق … التي نحن بامس الحاجة اليها....الآن .
فتأمل ماذا يفعل الفن والفنانون …!!
بقلم أ.د إياد حسين عبد الله