كونت (اوغست) Comte (Auguste-) - Comte (Auguste-)
كونت (أوغست ـ)
(1798 ـ 1857)
أوغست كونت Auguste Comte فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، ولد في مدينة مونبلييه Montpellier، وشغل وظيفة معيد بمدرسة الهندسة بعد إتمامه دراسته الجامعية، وسكرتيراً لسان سيمون[ر]، فساعده على إخراج كتبه ومؤلفاته وأبحاثه إلى حيز الوجود، وسرعان ما أصبح من المؤسسين الأوائل لعلم الاجتماع الحديث.
تأثر أوغست كونت في فلسفته الاجتماعية بمن سبقه من مفكرين وفلاسفة في القرن الثامن عشر، وتفاعل مع الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي شهدتها بدايات القرن التاسع عشر، وعاصر تقدم العلوم والاكتشافات التي شهدتها تلك الفترة، واستطاع أن يكون لنفسه فلسفة اجتماعية هدفها إعادة تنظيم المجتمع؛ لما وجد فيه من تناقضات وتوترات دفعته إلى التفكير في أسس التنظيم الاجتماعي أكثر من اهتمامه بمظاهر التغير وأشكاله.
أخذ كونت بدراسة المشكلات الاجتماعية بروح عقلية مبنية على فلسفته في التغير الاجتماعي، وعلى تصوراته أهمية علم الاجتماع بالمقارنة مع العلوم الأخرى، ومن مؤلفاته المهمة في هذا السياق «الفلسفة الوضعية» Cours de philosophie positive الذي كتبه في ستة أجزاء، وبدأ نشره في عام 1830 وانتهى منه عام 1842، و«دروس في الروح الوضعية» Discours sur l’esprit positive عام 1844 و«نسَق السياسة الوضعية» Système de politique positive في أربعة أجزاء نشرها بين عامي 1851- 1854، و«عقيدة الدين الوضعي» Le Catéchisme positiviste عام 1852، و«التأليف الموضوعي» Synthèse subjective عام 1856.
كونت والدعوة إلى تأسيس علم الاجتماع
يميز كونت في دراسته للعلوم بين ستة علوم أساسية يرتبها من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً على النحو الآتي: الرياضيات، علم الفلك، علم الطبيعة، علم الكيمياء، علم الحياة، علم الاجتماع، ويرى أن هذه العلوم مبنية على الاستقراء الذي يعني بالنسبة إليه دراسة الواقع؛ للخروج بنتائج وقضايا نظرية، وعلى هذا فإنه لا يوجد لدى كونت علم عقلي بحت، وأن الفلسفة الواقعية هي جملة العلوم التي تعتمد على الواقع في تقرير نتائجها، ويعد علم الاجتماع بالنسبة إليه آخر هذه العلوم وأكثرها تعقيداً وتركيباً، ويقوم على دراسة المجتمعات من الناحية الموضوعية والطبيعية؛ مما يستوجب تطبيق المنهج الموضوعي في دراسة الظواهر على أساس الملاحظات التي يمكن أن تنتهي بعلم الاجتماع إلى قوانين اجتماعية عامة تفسر الظواهر المنتشرة في حياة الناس، وكثيراً ما يسميه بالفيزياء الاجتماعية أو العلم الاجتماعي الطبيعي ليدلّ من خلال ذلك على المنهج الاستقرائي في هذا العلم.
لقد دفعته رغبته القوية في إصلاح المجتمع- لإنقاذه من مظاهر الفوضى المنتشرة في مختلف شؤون الحياة من سياسية واقتصادية وأخلاقية وتربوية- إلى التفكير بإنشاء هذا العلم ووضع معالمه الأساسية، إيماناً منه بأن الفلسفة ليست غاية مطلقة بذاتها، إنما هي وسيلة للوصول إلى غايات عملية تخدم أغراض الإصلاح الاجتماعي، وتسهم في الارتقاء بالمستويات الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
كونت والنظرية الوضعية في علم الاجتماع
حاول كونت في دعوته إلى تأسيس علم الاجتماع أن يسبغ عليه طابع الفلسفة الوضعية، وسرعان ما ظهر ذلك على البدايات الأولى لعلم الاجتماع، فالفلسفة الوضعية تدَّعي أن الحقائق الاجتماعية يجب أن تعامل بوصفها أشياء، وأن الباحثين فيها يجب أن يعتمدوا مدخلاً موضوعياً، وبهذا يمكن الوصول إلى تعميمات ميدانية تُستمد منها القوانين المفسِّرة للمجتمع، وتصنف هذه القوانين في نوعين أساسيين: الأول خاص بقوانين التغير الاجتماعي، والثاني خاص بقوانين الثبات الاجتماعي.
كما قدم كونت قانونه الشهير بقانون الحالات الثلاث الذي يبين فيه المراحل الأساسية التي مر بها الفكر الإنساني حتى بلغ حالته الراهنة، وهي تظهر تطور الفكر الإنساني بصورة تدريجية، من المرحلة الأولى التي يتميز فيها الفكر في كل فرع من فروع المعرفة برؤيته الدينية واللاهوتية للأشياء، إلى المرحلة الثانية التي يأخذ فيها الإنسان بتفسير الظواهر على أساس ميتافيزيقي مجرد، أما المرحلة الثالثة والأخيرة التي توصل فيها الإنسان إلى التفكير العلمي أو الوضعي فهي المرحلة التي يعيشها الإنسان في العصر الحديث، وتتصف بأنها مرحلة نهائية وحتمية، وقد أعطى كونت فكرة واضحة عن الهدف النهائي للوضعية عندما أشار إلى أنه في كل مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري يصل الفكر إلى قمته في رؤيته للأشياء، ثم ينتقل بعدها إلى المرحلة التالية برؤية جديدة، ففي نهاية المرحلة الأولى توصل الفكر البشري إلى فكرة التوحيد التي دفعته إلى المرحلة الثانية التي انتهت أيضاً بفكرة أنه من خلال الطبيعة يمكن تفسير الظواهر والأشياء، وفي المرحلة الأخيرة يعتقد كونت أن كل الظواهر الطبيعية تصبح مفهومة بالقوانين التي تحكم حركتها وسيرورتها في الطبيعة، مثل قانون الجاذبية الذي أصبح يفسر عدداً كبيراً من الظواهر التي لم تكن مفهومة في الماضي.
طلال مصطفى
كونت (أوغست ـ)
(1798 ـ 1857)
أوغست كونت Auguste Comte فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، ولد في مدينة مونبلييه Montpellier، وشغل وظيفة معيد بمدرسة الهندسة بعد إتمامه دراسته الجامعية، وسكرتيراً لسان سيمون[ر]، فساعده على إخراج كتبه ومؤلفاته وأبحاثه إلى حيز الوجود، وسرعان ما أصبح من المؤسسين الأوائل لعلم الاجتماع الحديث.
تأثر أوغست كونت في فلسفته الاجتماعية بمن سبقه من مفكرين وفلاسفة في القرن الثامن عشر، وتفاعل مع الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي شهدتها بدايات القرن التاسع عشر، وعاصر تقدم العلوم والاكتشافات التي شهدتها تلك الفترة، واستطاع أن يكون لنفسه فلسفة اجتماعية هدفها إعادة تنظيم المجتمع؛ لما وجد فيه من تناقضات وتوترات دفعته إلى التفكير في أسس التنظيم الاجتماعي أكثر من اهتمامه بمظاهر التغير وأشكاله.
أخذ كونت بدراسة المشكلات الاجتماعية بروح عقلية مبنية على فلسفته في التغير الاجتماعي، وعلى تصوراته أهمية علم الاجتماع بالمقارنة مع العلوم الأخرى، ومن مؤلفاته المهمة في هذا السياق «الفلسفة الوضعية» Cours de philosophie positive الذي كتبه في ستة أجزاء، وبدأ نشره في عام 1830 وانتهى منه عام 1842، و«دروس في الروح الوضعية» Discours sur l’esprit positive عام 1844 و«نسَق السياسة الوضعية» Système de politique positive في أربعة أجزاء نشرها بين عامي 1851- 1854، و«عقيدة الدين الوضعي» Le Catéchisme positiviste عام 1852، و«التأليف الموضوعي» Synthèse subjective عام 1856.
كونت والدعوة إلى تأسيس علم الاجتماع
يميز كونت في دراسته للعلوم بين ستة علوم أساسية يرتبها من الأبسط إلى الأكثر تعقيداً على النحو الآتي: الرياضيات، علم الفلك، علم الطبيعة، علم الكيمياء، علم الحياة، علم الاجتماع، ويرى أن هذه العلوم مبنية على الاستقراء الذي يعني بالنسبة إليه دراسة الواقع؛ للخروج بنتائج وقضايا نظرية، وعلى هذا فإنه لا يوجد لدى كونت علم عقلي بحت، وأن الفلسفة الواقعية هي جملة العلوم التي تعتمد على الواقع في تقرير نتائجها، ويعد علم الاجتماع بالنسبة إليه آخر هذه العلوم وأكثرها تعقيداً وتركيباً، ويقوم على دراسة المجتمعات من الناحية الموضوعية والطبيعية؛ مما يستوجب تطبيق المنهج الموضوعي في دراسة الظواهر على أساس الملاحظات التي يمكن أن تنتهي بعلم الاجتماع إلى قوانين اجتماعية عامة تفسر الظواهر المنتشرة في حياة الناس، وكثيراً ما يسميه بالفيزياء الاجتماعية أو العلم الاجتماعي الطبيعي ليدلّ من خلال ذلك على المنهج الاستقرائي في هذا العلم.
لقد دفعته رغبته القوية في إصلاح المجتمع- لإنقاذه من مظاهر الفوضى المنتشرة في مختلف شؤون الحياة من سياسية واقتصادية وأخلاقية وتربوية- إلى التفكير بإنشاء هذا العلم ووضع معالمه الأساسية، إيماناً منه بأن الفلسفة ليست غاية مطلقة بذاتها، إنما هي وسيلة للوصول إلى غايات عملية تخدم أغراض الإصلاح الاجتماعي، وتسهم في الارتقاء بالمستويات الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
كونت والنظرية الوضعية في علم الاجتماع
حاول كونت في دعوته إلى تأسيس علم الاجتماع أن يسبغ عليه طابع الفلسفة الوضعية، وسرعان ما ظهر ذلك على البدايات الأولى لعلم الاجتماع، فالفلسفة الوضعية تدَّعي أن الحقائق الاجتماعية يجب أن تعامل بوصفها أشياء، وأن الباحثين فيها يجب أن يعتمدوا مدخلاً موضوعياً، وبهذا يمكن الوصول إلى تعميمات ميدانية تُستمد منها القوانين المفسِّرة للمجتمع، وتصنف هذه القوانين في نوعين أساسيين: الأول خاص بقوانين التغير الاجتماعي، والثاني خاص بقوانين الثبات الاجتماعي.
كما قدم كونت قانونه الشهير بقانون الحالات الثلاث الذي يبين فيه المراحل الأساسية التي مر بها الفكر الإنساني حتى بلغ حالته الراهنة، وهي تظهر تطور الفكر الإنساني بصورة تدريجية، من المرحلة الأولى التي يتميز فيها الفكر في كل فرع من فروع المعرفة برؤيته الدينية واللاهوتية للأشياء، إلى المرحلة الثانية التي يأخذ فيها الإنسان بتفسير الظواهر على أساس ميتافيزيقي مجرد، أما المرحلة الثالثة والأخيرة التي توصل فيها الإنسان إلى التفكير العلمي أو الوضعي فهي المرحلة التي يعيشها الإنسان في العصر الحديث، وتتصف بأنها مرحلة نهائية وحتمية، وقد أعطى كونت فكرة واضحة عن الهدف النهائي للوضعية عندما أشار إلى أنه في كل مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري يصل الفكر إلى قمته في رؤيته للأشياء، ثم ينتقل بعدها إلى المرحلة التالية برؤية جديدة، ففي نهاية المرحلة الأولى توصل الفكر البشري إلى فكرة التوحيد التي دفعته إلى المرحلة الثانية التي انتهت أيضاً بفكرة أنه من خلال الطبيعة يمكن تفسير الظواهر والأشياء، وفي المرحلة الأخيرة يعتقد كونت أن كل الظواهر الطبيعية تصبح مفهومة بالقوانين التي تحكم حركتها وسيرورتها في الطبيعة، مثل قانون الجاذبية الذي أصبح يفسر عدداً كبيراً من الظواهر التي لم تكن مفهومة في الماضي.
طلال مصطفى