فراتي (محمد)
Al-Furati (Mohammad-) - Al-Furati (Mohammad-)
الفراتي (محمد -)
(1307-1398هـ/1890-1978م)
محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود، أبو القاسم، الملقب بـ (الفراتي)؛ أحد أبرز الشعراء في سورية في القرن العشرين.
وُلِدَ في مدينة دير الزور في الشمال على نهر الفرات، واختُلف في تحديد زمن ولادته، والراجح أنه ولد سنة 1890. أخذ علومه الأولى في دير الزور، فتعلم العلوم الشرعية والعربية باللغة التركية، «ثم التحق بحلقة الشيخ الحمودي مصادفة عن طريق أحد زملائه وبصورة لا تخلو من الطرافة، وبقي في الحلقة سنة تلقّى خلالها علوم الدين والعربية»، ثم التحق بالشيخ حسين الأزهري يأخذ عنه الفقه والمنطق واللغة، واستمر ثلاث سنوات، فارقه بعدها إثر أزمة بينهما إلى مدينة حلب ليتتلمذ على علمائها أمثال كامل الغزي وبشير الغزي والشيخ أحمد الزرقا. وفي عام 1911 ارتحل الفراتي إلى القاهرة والتحق بالجامع الأزهر ليقيم في الرواق الشامي فيه، وسنحت له الفرصة كي يتتلمذ على علماء القاهرة وقتها أمثال: سيد علي المرصفي، ومحمد القاياتي، وسليم البشري، ومحمد بخيت، والتقى هناك في دراسته طه حسين وزكي مبارك وعبد القادر المازني وأحمد شاكر الكرمي وغيرهم، وبعد ثلاث سنوات في عام 1914 حصل على إجازة في الإفتاء والتدريس. وفي مصر بدأ ينشر بعض المقالات وشيئاً من قصائده، فاختار لنفسه لقب (الفراتي)، وظلَّ هذا اللقب ملازماً له.
توجه إلى الحجاز لينضم إلى الثورة العربية الكبرى، والتحق بقوات فيصل ابن الحسين، فجعله خطيباً ومفتياً لضآلة جسمه وضعف بصره، ثم ترقى إلى إمام طابور، عاد بعد ذلك إلى مصر وشارك في الثورة المصرية التي اندلعت إثر اعتقال سعد زغلول.
عاد الفراتي بعدها إلى مسقط رأسه، وأَولى التعليم عنايته، كما استنهض الهمم لمقاومة المستعمر البريطاني، وشارك في الثورة فعلاً وشعراً، فقال مخاطباً الملك فيصل يستحثه على المجيء ومحاربة المستعمر:
انهض وروِّ العوالي من عداك دمـا
واستخدم السيف والقرطاس والقلما
ففي الجزيرة في وادي الفرات وفي
أرض العراق قلوب تصطلي ضرَما
كما شارك الفراتي في مناهضة الانتداب الفرنسي على سورية، وعاش الهمَّ القومي، وشارك في النشاطات التي تعقد لنصرة القضايا العربية، ورثى رجالات الثورات العربية وقادتها، وكان تواقاً إلى تحقيق حلم الوحدة العربية؛ إلا أنه أدرك أن الأمة لا تقوم بما يتوجب عليها، وأنها استكانت إلى ضعفها، فأصابه اليأس والإحباط، وانطوى على نفسه، وكأنه تخلى عمَّا ندب نفسه له، وعبَّر عن ذلك بقوله:
نفضتُ يدي من أمتي غير آسف
وأزمعت عن دار الهوان نزوحي
وقلتُ لأوطاني مدامعكِ اسكبـي
على كل حرٍّ من بنيك ونوحـي
ويبدو أن يأسه المبكر قد حمله على الارتحال إلى العراق فالبحرين فدرّس فيها ثلاثة أعوام (1927-1930).
اتصف الفراتي بكثرة القراءة وسعة الاطلاع وتنّوع المعارف، وكان يتقن اللغة الفارسية، إذ عمل مترجماً في وزارة الثقافة السورية عن الفارسية، ومما ترجمه كتاب «روضة الورد» لسعدي الشيرازي، و«رباعيات الخيام»، ويبدو أن اهتمامه بالترجمة جار على نظمه، فقلَّ شعره مدة عمله في وزارة الثقافة. وكان يكثر من ارتياد المقاهي حيث يلتقي فيها أترابه من الأدباء والشعراء.
ولم يكن على وفاق مع دهره ومصائبه، فأكثر من شكواه، من ذلك قوله:
أريد من الزمان صفاءَ عيش
وقد ضن الزمانُ بما أريد
وكيف أنال في الدنيا منالي
وفي رجليّ من دهري قيـود
أَباغي العدل لا تطلب محالاً
فما للعدل في الدنيا وجود
ظلَّ الفراتي يعاني عَنَتَ الحياة وجحودَ أهل مدينته أحياناً حتى توفي فيها، إلا أن تشييعه لم يكن بمستوى شعره ومنزلته.
كتب الفراتي القصة إضافة إلى الشعر، وقد طبعت قصته «الساحر» عام 1935، وله قصة «الشجاعة والعفاف»، و«سبحات الخيال»، إضافة إلى ديوانه الذي طُبع مراراً وفي كل مرَّةٍ يُضمّن أشياء جديدة، فطبع باسم «ديوان الفراتي» 1934، ثم «النفحات»، ثم «العواصف»، و«الهواجس»، وأخيراً ديوان الفراتي صدر الجزء الأول منه فقط عام 1958.
علي أبو زيد
Al-Furati (Mohammad-) - Al-Furati (Mohammad-)
الفراتي (محمد -)
(1307-1398هـ/1890-1978م)
محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود، أبو القاسم، الملقب بـ (الفراتي)؛ أحد أبرز الشعراء في سورية في القرن العشرين.
وُلِدَ في مدينة دير الزور في الشمال على نهر الفرات، واختُلف في تحديد زمن ولادته، والراجح أنه ولد سنة 1890. أخذ علومه الأولى في دير الزور، فتعلم العلوم الشرعية والعربية باللغة التركية، «ثم التحق بحلقة الشيخ الحمودي مصادفة عن طريق أحد زملائه وبصورة لا تخلو من الطرافة، وبقي في الحلقة سنة تلقّى خلالها علوم الدين والعربية»، ثم التحق بالشيخ حسين الأزهري يأخذ عنه الفقه والمنطق واللغة، واستمر ثلاث سنوات، فارقه بعدها إثر أزمة بينهما إلى مدينة حلب ليتتلمذ على علمائها أمثال كامل الغزي وبشير الغزي والشيخ أحمد الزرقا. وفي عام 1911 ارتحل الفراتي إلى القاهرة والتحق بالجامع الأزهر ليقيم في الرواق الشامي فيه، وسنحت له الفرصة كي يتتلمذ على علماء القاهرة وقتها أمثال: سيد علي المرصفي، ومحمد القاياتي، وسليم البشري، ومحمد بخيت، والتقى هناك في دراسته طه حسين وزكي مبارك وعبد القادر المازني وأحمد شاكر الكرمي وغيرهم، وبعد ثلاث سنوات في عام 1914 حصل على إجازة في الإفتاء والتدريس. وفي مصر بدأ ينشر بعض المقالات وشيئاً من قصائده، فاختار لنفسه لقب (الفراتي)، وظلَّ هذا اللقب ملازماً له.
توجه إلى الحجاز لينضم إلى الثورة العربية الكبرى، والتحق بقوات فيصل ابن الحسين، فجعله خطيباً ومفتياً لضآلة جسمه وضعف بصره، ثم ترقى إلى إمام طابور، عاد بعد ذلك إلى مصر وشارك في الثورة المصرية التي اندلعت إثر اعتقال سعد زغلول.
عاد الفراتي بعدها إلى مسقط رأسه، وأَولى التعليم عنايته، كما استنهض الهمم لمقاومة المستعمر البريطاني، وشارك في الثورة فعلاً وشعراً، فقال مخاطباً الملك فيصل يستحثه على المجيء ومحاربة المستعمر:
انهض وروِّ العوالي من عداك دمـا
واستخدم السيف والقرطاس والقلما
ففي الجزيرة في وادي الفرات وفي
أرض العراق قلوب تصطلي ضرَما
كما شارك الفراتي في مناهضة الانتداب الفرنسي على سورية، وعاش الهمَّ القومي، وشارك في النشاطات التي تعقد لنصرة القضايا العربية، ورثى رجالات الثورات العربية وقادتها، وكان تواقاً إلى تحقيق حلم الوحدة العربية؛ إلا أنه أدرك أن الأمة لا تقوم بما يتوجب عليها، وأنها استكانت إلى ضعفها، فأصابه اليأس والإحباط، وانطوى على نفسه، وكأنه تخلى عمَّا ندب نفسه له، وعبَّر عن ذلك بقوله:
نفضتُ يدي من أمتي غير آسف
وأزمعت عن دار الهوان نزوحي
وقلتُ لأوطاني مدامعكِ اسكبـي
على كل حرٍّ من بنيك ونوحـي
ويبدو أن يأسه المبكر قد حمله على الارتحال إلى العراق فالبحرين فدرّس فيها ثلاثة أعوام (1927-1930).
اتصف الفراتي بكثرة القراءة وسعة الاطلاع وتنّوع المعارف، وكان يتقن اللغة الفارسية، إذ عمل مترجماً في وزارة الثقافة السورية عن الفارسية، ومما ترجمه كتاب «روضة الورد» لسعدي الشيرازي، و«رباعيات الخيام»، ويبدو أن اهتمامه بالترجمة جار على نظمه، فقلَّ شعره مدة عمله في وزارة الثقافة. وكان يكثر من ارتياد المقاهي حيث يلتقي فيها أترابه من الأدباء والشعراء.
ولم يكن على وفاق مع دهره ومصائبه، فأكثر من شكواه، من ذلك قوله:
أريد من الزمان صفاءَ عيش
وقد ضن الزمانُ بما أريد
وكيف أنال في الدنيا منالي
وفي رجليّ من دهري قيـود
أَباغي العدل لا تطلب محالاً
فما للعدل في الدنيا وجود
ظلَّ الفراتي يعاني عَنَتَ الحياة وجحودَ أهل مدينته أحياناً حتى توفي فيها، إلا أن تشييعه لم يكن بمستوى شعره ومنزلته.
كتب الفراتي القصة إضافة إلى الشعر، وقد طبعت قصته «الساحر» عام 1935، وله قصة «الشجاعة والعفاف»، و«سبحات الخيال»، إضافة إلى ديوانه الذي طُبع مراراً وفي كل مرَّةٍ يُضمّن أشياء جديدة، فطبع باسم «ديوان الفراتي» 1934، ثم «النفحات»، ثم «العواصف»، و«الهواجس»، وأخيراً ديوان الفراتي صدر الجزء الأول منه فقط عام 1958.
علي أبو زيد