السلاجقة
جماعات من عشائر الغز التركية. كانوا ينزلون شمال المجرى الأدنى لنهر سيحون، ويخضعون لسلطة ملك الغز الوثني في تلك الأنحاء. وجاءت تسميتهم السلاجقة نسبة لأحد زعمائهم «سلجوق بن دقاق». وعلى الرغم من وصول سلجوق إلى رتبة سوباشي (قائد الجيش) فإنه كان يتوجس شراً من ملك الغزية. ولذلك عبر نهر سيحون إلى ما وراء النهر عام (345هـ/956م). ونزل عند مدينة جَند، حيث اعتنق الإسلام مع أفراد عشيرته على المذهب السني وتحمسوا له. وحرر سلجوق سكان المدينة المسلمين من دفع الضرائب إلى الملك التركي. ولما مات (393هـ/1003م) دفن في مدينة جند.
دانت عشائر السلاجقة بعد موت سلجوق إلى حفيده طغرلبك بن ميكائيل، الذي تقدم بعشائر السلاجقة إلى ضواحي بخارى. وكانت من أملاك السامانيين. وشارك السلاجقة في ذلك الوقت في الحروب التي قامت بين السامانيين والإيلكخانية الذين كانوا يحكمون أجزاء من ما وراء النهر أيضاً. وكانوا يقفون إلى جانب الإيلكخانية.
عبر طغرلبك زعيم السلاجقة نهر جيحون أول مرة عام (423هـ/1030م)، حيث كان يحكم الغزنويون. ودارت الحروب بين الطرفين انتهت في أقل من عقد إلى سيطرة السلاجقة على عدد من مدن خراسان وخوارزم وطبرستان وإقليم الجبال، وقضوا على السلالة البويهية الحاكمة في فارس، وكانوا كلما تقدموا غربا اتخذوا حاضرة جديدة أقرب إلى العراق، مثل الري وبعدها أصفهان.
وفي غمرة الصراع بين السلاجقة والغزنويين في خراسان استطاع طغرلبك أن يؤسس لنفسه سلطنة في العراق إلى جانب الخليفة العباسي «القائم» (422-467هـ/1031-1075م). وظلت خراسان تتبع الدولة السلجوقية في العراق، وكان السلاجقة أيضاً يغيرون من خراسان إلى ما وراء النهر لقتال الإيلكخانية حلفائهم القدامى بحجة أن السلاجقة يمثلون الخليفة العباسي، فاحتلوا سمرقند، وأوصلوا سلطتهم إلى شرق ما وراء النهر (482هـ/1089م).
وكان طغرلبك قد قدم بالسلاجقة إلى بغداد عام 447هـ/1005م لإنقاذ الخليفة من قائد يدعى «البساسيري» كان يعمل على الدعوة في بغداد للخلافة الفاطمية في مصر، وأضطره إلى الفرار، وعاد طغرلبك إلى حاضرته الري.
وقدم طغرلبك ثانية بعد عامين إلى بغداد بعد أن استأذن الخليفة بالقدوم، ولما قدمها بموكب فخم استقبله الخليفة ولقبه «سلطان المشرق والمغرب»، وكان ذلك إيذاناً بقيام سلطنة السلاجقة في العراق،ودخول الخلافة العباسية في عهد جديد دعي بعصر النفوذ السلجوقي. كما انتزعوا مكة والمدينة من سلطة الفاطميين. ولكنهم لم يهتموا بدفع الخطر الفرنجي على بلاد الشام (الحروب الصليبية).
ويطلق على عهود سلاطين السلاجقة في العراق ـ السبعة الأوائل ـ عصر السلاجقة العظام (بين 447-552هـ/1057-1157م) لأن سلطتهم كانت تمتد من بلاد الشام إلى حدود الصين. أما من جاء بعدهم من السلاطين فقد أشغلتهم الحروب فيما بينهم، وانفصلت عن سلطتهم بعض المناطق. وكان عصر ثالث السلاطين العظام ملكشاه (465-485هـ/1073-1092م) العصر الذهبي لسلطنة سلاجقة العراق، وقد اهتم السلطان بالإصلاح ونشر العدل والأمن وشق عددا من الطرق كما خفف بعض الضرائب. وبنى وزيره المصلح «نظام الملك» عددًا من المدارس في أنحاء مختلفة، وقد دعيت هذه المدارس بالمدارس النظامية نسبة إليه مما أدى إلى انتشار العلم ولاسيما علمي الفلك والرياضيات.
استطاع شقيق ملكشاه تتش دخول دمشق عام (468 هـ/1075م). وكان قد سبقه إليها قائده اتسز في العام نفسه وأنهى حكم الفاطميين فيها. وحاول تتش أن يتوسع في بلاد الشام فدخل حلب (487هـ/1094م) ولما حاول أن ينازع ابن أخيه بركيارق بن ملكشاه (487-498هـ/1094-1104م) على السلطنة. قُتل في إيران عام 488 هـ/1095م قرب الري وخلف تتش على حكم حلب ابنه رضوان كما حكم ابنه الآخر دقاق دمشق. وخلف دقاق عند وفاته عام 497هـ/1105م قائد جيشه طغتكين وبه يبدأ حكم الأتابكة بدمشق. كما انتقل حكم حلب عند وفاة رضوان (507هـ/1113م) إلى واحدٍ من أتابكته. وكان سلاجقة الشام قد أسهموا في قتال الفرنجة في الحملة الصليبية الأولى.
أما سلاجقة كرمان في جنوب غربي إيران فيعود تأسيسها إلى أحد أمراء السلاجقة ويدعى قاورت بن داود. بن ميكائيل في حاضرته التي تحمل الاسم نفسه (كرمان) من أيام ثاني السلاجقة العظام ألب أرسلان (455-465هـ/1063-1072م) وانفصل قاورت عن السلطة السلجوقية عام 433هـ/1041م وأسس سلالة حاكمة فيها، وتوالى على الحكم فيها أحد عشر أميراً إلى أن انتقل الحكم إلى أحد أتابكتهم عام 619هـ/ 1222م. وقد اهتم سلاجقة كرمان بإعمار المنطقة وبالزراعة، ولاسيما زراعة النخيل وتربية المواشي.
وكان النصر الذي أحرزه ألب أرسلان عام 465هـ/1071م على البيزنطيين وأسره الامبراطور البيزنطي في معركة ملا ذكرت، بين بحيرة وان ومدينة أرض روم، سبباً في قيام دولة سلجوقية جديدة في آسيا الصغرى (الأناضول)، كان حاكمها الأول سليمان بن قتلمش ابن عم ألب أرسلان (470-479هـ/1077-1086م). وتعززت الدولة الجديدة بما كان يصل إلى الأناضول من قبائل تركية. وبدأت منذ ذلك الحين آسيا الصغرى تتحول من رومية بيزنطية إلى تركية.
استطاع حكام سلاجقة الأناضول انتزاع المزيد من الأراضي من البيزنطيين واتخذوا لأنفسهم مدينة قونية عاصمة لهم وكانت دولة سلاجقة الأناضول أطول عمراً من بقية دول السلاجقة إذ استمر حكمها بين (470-700هـ/1077-1300م)، توارث الحكم في هذه المدة بعد المؤسس سبعة عشر حاكماً.
وغزا المغول دولة سلاجقة الأناضول في عامي 639هـ/1241م و640هـ/1241م، وعلى الرغم من اعتراف سلاجقة الأناضول بالتبعية إلى الخاقان المغولي، فقد أخذ الإيلخانيون، خلفاء المغول في إيران والعراق، يتدخلون في شؤون أمراء سلاجقة الأناضول وفض النزعات التي كانت تنشأ بينهم على وراثة العرش، كما حاولت سلطنة المماليك التدخل في آسيا الصغرى سعياً وراء تحديد نفوذ الإيلخانيين فيها. وأرسل السلطان الظاهر بيبرس حملة إلى الأناضول عام 675هـ/1277م، وعلى الرغم من نجاح الحملة في إدراك النصر عند مدينة إبلستين غرب ملطية. إلا أن الحملة لم تستطع أن تحتفظ بنصرها واضطرت إلى الانسحاب.
ولفظت دولة السلاجقة في الأناضول أنفاسها الأخيرة على يد قبيلة تركية جاءت من أواسط آسيا وهي التي أقامت فيما بعد الدولة العثمانية.
مظهر شهاب
جماعات من عشائر الغز التركية. كانوا ينزلون شمال المجرى الأدنى لنهر سيحون، ويخضعون لسلطة ملك الغز الوثني في تلك الأنحاء. وجاءت تسميتهم السلاجقة نسبة لأحد زعمائهم «سلجوق بن دقاق». وعلى الرغم من وصول سلجوق إلى رتبة سوباشي (قائد الجيش) فإنه كان يتوجس شراً من ملك الغزية. ولذلك عبر نهر سيحون إلى ما وراء النهر عام (345هـ/956م). ونزل عند مدينة جَند، حيث اعتنق الإسلام مع أفراد عشيرته على المذهب السني وتحمسوا له. وحرر سلجوق سكان المدينة المسلمين من دفع الضرائب إلى الملك التركي. ولما مات (393هـ/1003م) دفن في مدينة جند.
دانت عشائر السلاجقة بعد موت سلجوق إلى حفيده طغرلبك بن ميكائيل، الذي تقدم بعشائر السلاجقة إلى ضواحي بخارى. وكانت من أملاك السامانيين. وشارك السلاجقة في ذلك الوقت في الحروب التي قامت بين السامانيين والإيلكخانية الذين كانوا يحكمون أجزاء من ما وراء النهر أيضاً. وكانوا يقفون إلى جانب الإيلكخانية.
عبر طغرلبك زعيم السلاجقة نهر جيحون أول مرة عام (423هـ/1030م)، حيث كان يحكم الغزنويون. ودارت الحروب بين الطرفين انتهت في أقل من عقد إلى سيطرة السلاجقة على عدد من مدن خراسان وخوارزم وطبرستان وإقليم الجبال، وقضوا على السلالة البويهية الحاكمة في فارس، وكانوا كلما تقدموا غربا اتخذوا حاضرة جديدة أقرب إلى العراق، مثل الري وبعدها أصفهان.
وفي غمرة الصراع بين السلاجقة والغزنويين في خراسان استطاع طغرلبك أن يؤسس لنفسه سلطنة في العراق إلى جانب الخليفة العباسي «القائم» (422-467هـ/1031-1075م). وظلت خراسان تتبع الدولة السلجوقية في العراق، وكان السلاجقة أيضاً يغيرون من خراسان إلى ما وراء النهر لقتال الإيلكخانية حلفائهم القدامى بحجة أن السلاجقة يمثلون الخليفة العباسي، فاحتلوا سمرقند، وأوصلوا سلطتهم إلى شرق ما وراء النهر (482هـ/1089م).
وكان طغرلبك قد قدم بالسلاجقة إلى بغداد عام 447هـ/1005م لإنقاذ الخليفة من قائد يدعى «البساسيري» كان يعمل على الدعوة في بغداد للخلافة الفاطمية في مصر، وأضطره إلى الفرار، وعاد طغرلبك إلى حاضرته الري.
وقدم طغرلبك ثانية بعد عامين إلى بغداد بعد أن استأذن الخليفة بالقدوم، ولما قدمها بموكب فخم استقبله الخليفة ولقبه «سلطان المشرق والمغرب»، وكان ذلك إيذاناً بقيام سلطنة السلاجقة في العراق،ودخول الخلافة العباسية في عهد جديد دعي بعصر النفوذ السلجوقي. كما انتزعوا مكة والمدينة من سلطة الفاطميين. ولكنهم لم يهتموا بدفع الخطر الفرنجي على بلاد الشام (الحروب الصليبية).
ويطلق على عهود سلاطين السلاجقة في العراق ـ السبعة الأوائل ـ عصر السلاجقة العظام (بين 447-552هـ/1057-1157م) لأن سلطتهم كانت تمتد من بلاد الشام إلى حدود الصين. أما من جاء بعدهم من السلاطين فقد أشغلتهم الحروب فيما بينهم، وانفصلت عن سلطتهم بعض المناطق. وكان عصر ثالث السلاطين العظام ملكشاه (465-485هـ/1073-1092م) العصر الذهبي لسلطنة سلاجقة العراق، وقد اهتم السلطان بالإصلاح ونشر العدل والأمن وشق عددا من الطرق كما خفف بعض الضرائب. وبنى وزيره المصلح «نظام الملك» عددًا من المدارس في أنحاء مختلفة، وقد دعيت هذه المدارس بالمدارس النظامية نسبة إليه مما أدى إلى انتشار العلم ولاسيما علمي الفلك والرياضيات.
استطاع شقيق ملكشاه تتش دخول دمشق عام (468 هـ/1075م). وكان قد سبقه إليها قائده اتسز في العام نفسه وأنهى حكم الفاطميين فيها. وحاول تتش أن يتوسع في بلاد الشام فدخل حلب (487هـ/1094م) ولما حاول أن ينازع ابن أخيه بركيارق بن ملكشاه (487-498هـ/1094-1104م) على السلطنة. قُتل في إيران عام 488 هـ/1095م قرب الري وخلف تتش على حكم حلب ابنه رضوان كما حكم ابنه الآخر دقاق دمشق. وخلف دقاق عند وفاته عام 497هـ/1105م قائد جيشه طغتكين وبه يبدأ حكم الأتابكة بدمشق. كما انتقل حكم حلب عند وفاة رضوان (507هـ/1113م) إلى واحدٍ من أتابكته. وكان سلاجقة الشام قد أسهموا في قتال الفرنجة في الحملة الصليبية الأولى.
أما سلاجقة كرمان في جنوب غربي إيران فيعود تأسيسها إلى أحد أمراء السلاجقة ويدعى قاورت بن داود. بن ميكائيل في حاضرته التي تحمل الاسم نفسه (كرمان) من أيام ثاني السلاجقة العظام ألب أرسلان (455-465هـ/1063-1072م) وانفصل قاورت عن السلطة السلجوقية عام 433هـ/1041م وأسس سلالة حاكمة فيها، وتوالى على الحكم فيها أحد عشر أميراً إلى أن انتقل الحكم إلى أحد أتابكتهم عام 619هـ/ 1222م. وقد اهتم سلاجقة كرمان بإعمار المنطقة وبالزراعة، ولاسيما زراعة النخيل وتربية المواشي.
وكان النصر الذي أحرزه ألب أرسلان عام 465هـ/1071م على البيزنطيين وأسره الامبراطور البيزنطي في معركة ملا ذكرت، بين بحيرة وان ومدينة أرض روم، سبباً في قيام دولة سلجوقية جديدة في آسيا الصغرى (الأناضول)، كان حاكمها الأول سليمان بن قتلمش ابن عم ألب أرسلان (470-479هـ/1077-1086م). وتعززت الدولة الجديدة بما كان يصل إلى الأناضول من قبائل تركية. وبدأت منذ ذلك الحين آسيا الصغرى تتحول من رومية بيزنطية إلى تركية.
استطاع حكام سلاجقة الأناضول انتزاع المزيد من الأراضي من البيزنطيين واتخذوا لأنفسهم مدينة قونية عاصمة لهم وكانت دولة سلاجقة الأناضول أطول عمراً من بقية دول السلاجقة إذ استمر حكمها بين (470-700هـ/1077-1300م)، توارث الحكم في هذه المدة بعد المؤسس سبعة عشر حاكماً.
وغزا المغول دولة سلاجقة الأناضول في عامي 639هـ/1241م و640هـ/1241م، وعلى الرغم من اعتراف سلاجقة الأناضول بالتبعية إلى الخاقان المغولي، فقد أخذ الإيلخانيون، خلفاء المغول في إيران والعراق، يتدخلون في شؤون أمراء سلاجقة الأناضول وفض النزعات التي كانت تنشأ بينهم على وراثة العرش، كما حاولت سلطنة المماليك التدخل في آسيا الصغرى سعياً وراء تحديد نفوذ الإيلخانيين فيها. وأرسل السلطان الظاهر بيبرس حملة إلى الأناضول عام 675هـ/1277م، وعلى الرغم من نجاح الحملة في إدراك النصر عند مدينة إبلستين غرب ملطية. إلا أن الحملة لم تستطع أن تحتفظ بنصرها واضطرت إلى الانسحاب.
ولفظت دولة السلاجقة في الأناضول أنفاسها الأخيرة على يد قبيلة تركية جاءت من أواسط آسيا وهي التي أقامت فيما بعد الدولة العثمانية.
مظهر شهاب