"قلعة حمص".. مصغر للمدن الملكية الدفاعية
حمص
تعد أقدم بقعة سكنها الإنسان في مدينة "حمص"، ساعدها موقعها القابع على تل مخروطي على أن تؤمن الحماية لسكانها ومستعمريها منذ العهد الروماني، فهي كانت نموذجاً للمدن الدفاعية في حينها.
وللتعرف أكثر على تاريخ القلعة، مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8/12/2012 السيد "أمجد الشبلي" أحد المهتمين بتوثيق الأماكن التاريخية، والذي تحدث عن القلعة بالقول: «ترتفع قلعة حمص عن مستوى الطريق العام نحو 32م، وعن سطح البحر نحو 495م، وكان يحيط بها خندق دفاعي وسور المدينة، الذي كان يمتد من باب التركمان غرباً، وحتى باب السباع جنوباً، وبقيت معالم غير واضحة من آثار هذا السور، حتى تمت إزالتها من أجل توسيع الطريق حول القلعة وردم الخندق الذي تم تحويله مؤخراً الى حديقة عامة.
سفح القلعة الشمالي الملاصق للمدينة شديد الانحدار، ويكاد يكون عمودياً، فأسفل القلعه صخري طبيعي وأعلاها صناعي، في حين أن جوانبها مبلطة بصفائح من الحجر الأسود، وتبدو على غرار القلاع الأيوبية والمملوكية المبنية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، والتي تعتبر قلعة حلب أفضل نماذجها المتبقية، وتعلو منحدرها الذي يحيط به الخندق أبراج مربعة، وكأنها مدينة ملكية، ومازال أحد هذه الأبراج في الشمال الشرقي متكاملاً في مظهره الخارجي».
بعض أثار القلعة
وحول تاريخ القلعة يضيف: «يعتقد الكثيرون من المؤرخين وعلماء الانثربولوجيا، أن أقدم موقع نشأ فيه السكن في "حمص" هو تل حمص (مكان القلعة الحالي)، وأثبتت الدراسات التي أجريت على اللُقى الفخارية السطحية المكتشفة في الطبقات الدنيا من التل، أن الموقع كان مأهولاً في النصف الثاني منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، والتل الحالي الذي تتوضع القلعة عليه يُفترض أنه يدفن ضمن طبقاته حمص القديمة قبل توسعها خارج حدود التل إبّان العصر الروماني، وأن الخندق المحيط بالتل كان ضمن النظام الدفاعي للمدينة، لأنها كانت تتعرض لغزوات البداوة والرعاة».
يتابع: «مع غزو الرومان لمدينة حمص ووصول "جوليا دومنة" ابنة كاهن معبد الشمس إلى عرش الامبراطورية الرومانية، اتسعت حمص من سور دائري حول التل إلى مدينة لها شكل المستطيل 1400- 999 ق.م، وخضعت للمخطط الكلاسيكي للمدن الهلنستية الرومانية.
بعض أثار القلعه
وخلال الفترة الممتدة من نزول السكان من التل وحتى انتشار المسيحية، أخذ تل حمص ينفرد بكونه مكان عبادة مقدساً في شكل "إكروبول" للمدينة الجديدة (المركز الاداري والديني للمدن القديمة)، فقد ضم معبداً لإله الشمس الأسطوري الذي دعاه الحمصيون "ايلاغابال".
وقد تأكد قيام المعبد على التل، عندما عُثر على حجر من الصخر الكلسي القاسي ارتفاعه 57 سم، وضلع قاعدته 30 سم، وقد نقش في وسطه بالخط اليوناني القديم ما يلي: "تقدمة من مايدولس بن غولاسيس- أي إله الشمس "ايلاغابال"- هذا المذبح مشكور"، ولكن بعد انتشار المسيحية والقضاء على الوثنية بدأ التل يتحول وخاصة في العصر البيزنطي إلى قلعة عسكرية».
صورة تاريخية للقلعه
وفيما يتعلق بتفصيلات القلعة: «تبدو قلعة حمص من الداخل وكأنها مدينة ملكية مصغرة فيها دور السكن والمستودعات والمسجد وكل ما يلزم الإقامة والدفاع للحاكم وحاشيته وحامية القاعدة، وتدل الكتابات المنقوشة على البرج الشمالي أن من بناها هو "أسد الدين شيركوه"، وثمة نص منقوش على حجر يقول "أمر بعمارته شيركوه بن محمد في سنة أربع وتسعين وخمسمئة".
ويبدو أن "شيركوه" هو أكثر من حصّن القلعة واهتم بها بسبب طول مدة حكمه التي امتدت إلى 45 عاماً، ويقول "ابن نظيف الحموي" صاحب كتاب "التاريخ المنصوري": "وفيها شرع السلطان الملك المجاهد صاحب حمص في حفر خندق القلعة وتوسيعه وحصانته، لأنه من الثغور الإسلامية المندوب إلى حصانتها، وقد كانت قلعة حمص أيضاً قبل ذلك مترجلة صغيرة فعلّاها وكبّرها وحصّنها".
وقد اشتهر مسجد القلعة الذي دعي أيضاً مسجد السلطان باحتوائه على نسخة من المصحف العثماني الذي أرسله عثمان بن عفان إلى حمص، وظل هذا المصحف محفوظاً في جامع القلعة حتى خاف الناس عليه من الفقدان، فنقلوه إلى جامع "خالد بن الوليد" وبقي فيه ردحاً من الزمن إلى أن استولى عليه "جمال باشا السفاح" ونقله إلى القسطنطينية.
يضيف: «في العهد العثماني تضاءل دور القلاع، نظراً لاكتشاف الأسلحة النارية وخاصة المدفعية التي اعتمدها العثمانيون، ولكن قلعة حمص ظلت مركزاً استراتيجياً لترييض مدافع الحامية، وفي فترة لاحقة تم شق المدخل الحالي للقلعة من الغرب، وذلك لسحب المدافع إليها، وأذاقت مدافع القلعة الحملة المصرية بقيادة "إبراهيم باشا" الويلات، فقرر فور دخوله حمص تخريب منشآت القلعة وأمر بأن تُنزع الطبقة البازلتية من على سطوحها لتُستخدم في بناء المستودع العسكري "الدبويا" وهي كلمة محرفة عن الفرنسية وتعني المستودع.
وأكملت بلدية حمص المُهِمة عام 1911م عندما أقدم رئيسها "إبراهيم الأتاسي" على اقتلاع ما تبقى من أحجار البازلت من سفوح القلعة وشيّد بها المخازن في القسم الشرقي من الصومعة التي اتُخذت مستودعاً للمحروقات السائلة (كازاخانة) ولا تزال هذه المخازن قائمة حتى اليوم».
- باسل أبو شاش
- 13 كانون الأوّل 2012
حمص
تعد أقدم بقعة سكنها الإنسان في مدينة "حمص"، ساعدها موقعها القابع على تل مخروطي على أن تؤمن الحماية لسكانها ومستعمريها منذ العهد الروماني، فهي كانت نموذجاً للمدن الدفاعية في حينها.
وللتعرف أكثر على تاريخ القلعة، مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8/12/2012 السيد "أمجد الشبلي" أحد المهتمين بتوثيق الأماكن التاريخية، والذي تحدث عن القلعة بالقول: «ترتفع قلعة حمص عن مستوى الطريق العام نحو 32م، وعن سطح البحر نحو 495م، وكان يحيط بها خندق دفاعي وسور المدينة، الذي كان يمتد من باب التركمان غرباً، وحتى باب السباع جنوباً، وبقيت معالم غير واضحة من آثار هذا السور، حتى تمت إزالتها من أجل توسيع الطريق حول القلعة وردم الخندق الذي تم تحويله مؤخراً الى حديقة عامة.
يعتقد الكثيرون من المؤرخين وعلماء الانثربولوجيا، أن أقدم موقع نشأ فيه السكن في "حمص" هو تل حمص (مكان القلعة الحالي)، وأثبتت الدراسات التي أجريت على اللُقى الفخارية السطحية المكتشفة في الطبقات الدنيا من التل، أن الموقع كان مأهولاً في النصف الثاني منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، والتل الحالي الذي تتوضع القلعة عليه يُفترض أنه يدفن ضمن طبقاته حمص القديمة قبل توسعها خارج حدود التل إبّان العصر الروماني، وأن الخندق المحيط بالتل كان ضمن النظام الدفاعي للمدينة، لأنها كانت تتعرض لغزوات البداوة والرعاة
سفح القلعة الشمالي الملاصق للمدينة شديد الانحدار، ويكاد يكون عمودياً، فأسفل القلعه صخري طبيعي وأعلاها صناعي، في حين أن جوانبها مبلطة بصفائح من الحجر الأسود، وتبدو على غرار القلاع الأيوبية والمملوكية المبنية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، والتي تعتبر قلعة حلب أفضل نماذجها المتبقية، وتعلو منحدرها الذي يحيط به الخندق أبراج مربعة، وكأنها مدينة ملكية، ومازال أحد هذه الأبراج في الشمال الشرقي متكاملاً في مظهره الخارجي».
بعض أثار القلعة
وحول تاريخ القلعة يضيف: «يعتقد الكثيرون من المؤرخين وعلماء الانثربولوجيا، أن أقدم موقع نشأ فيه السكن في "حمص" هو تل حمص (مكان القلعة الحالي)، وأثبتت الدراسات التي أجريت على اللُقى الفخارية السطحية المكتشفة في الطبقات الدنيا من التل، أن الموقع كان مأهولاً في النصف الثاني منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، والتل الحالي الذي تتوضع القلعة عليه يُفترض أنه يدفن ضمن طبقاته حمص القديمة قبل توسعها خارج حدود التل إبّان العصر الروماني، وأن الخندق المحيط بالتل كان ضمن النظام الدفاعي للمدينة، لأنها كانت تتعرض لغزوات البداوة والرعاة».
يتابع: «مع غزو الرومان لمدينة حمص ووصول "جوليا دومنة" ابنة كاهن معبد الشمس إلى عرش الامبراطورية الرومانية، اتسعت حمص من سور دائري حول التل إلى مدينة لها شكل المستطيل 1400- 999 ق.م، وخضعت للمخطط الكلاسيكي للمدن الهلنستية الرومانية.
بعض أثار القلعه
وخلال الفترة الممتدة من نزول السكان من التل وحتى انتشار المسيحية، أخذ تل حمص ينفرد بكونه مكان عبادة مقدساً في شكل "إكروبول" للمدينة الجديدة (المركز الاداري والديني للمدن القديمة)، فقد ضم معبداً لإله الشمس الأسطوري الذي دعاه الحمصيون "ايلاغابال".
وقد تأكد قيام المعبد على التل، عندما عُثر على حجر من الصخر الكلسي القاسي ارتفاعه 57 سم، وضلع قاعدته 30 سم، وقد نقش في وسطه بالخط اليوناني القديم ما يلي: "تقدمة من مايدولس بن غولاسيس- أي إله الشمس "ايلاغابال"- هذا المذبح مشكور"، ولكن بعد انتشار المسيحية والقضاء على الوثنية بدأ التل يتحول وخاصة في العصر البيزنطي إلى قلعة عسكرية».
صورة تاريخية للقلعه
وفيما يتعلق بتفصيلات القلعة: «تبدو قلعة حمص من الداخل وكأنها مدينة ملكية مصغرة فيها دور السكن والمستودعات والمسجد وكل ما يلزم الإقامة والدفاع للحاكم وحاشيته وحامية القاعدة، وتدل الكتابات المنقوشة على البرج الشمالي أن من بناها هو "أسد الدين شيركوه"، وثمة نص منقوش على حجر يقول "أمر بعمارته شيركوه بن محمد في سنة أربع وتسعين وخمسمئة".
ويبدو أن "شيركوه" هو أكثر من حصّن القلعة واهتم بها بسبب طول مدة حكمه التي امتدت إلى 45 عاماً، ويقول "ابن نظيف الحموي" صاحب كتاب "التاريخ المنصوري": "وفيها شرع السلطان الملك المجاهد صاحب حمص في حفر خندق القلعة وتوسيعه وحصانته، لأنه من الثغور الإسلامية المندوب إلى حصانتها، وقد كانت قلعة حمص أيضاً قبل ذلك مترجلة صغيرة فعلّاها وكبّرها وحصّنها".
وقد اشتهر مسجد القلعة الذي دعي أيضاً مسجد السلطان باحتوائه على نسخة من المصحف العثماني الذي أرسله عثمان بن عفان إلى حمص، وظل هذا المصحف محفوظاً في جامع القلعة حتى خاف الناس عليه من الفقدان، فنقلوه إلى جامع "خالد بن الوليد" وبقي فيه ردحاً من الزمن إلى أن استولى عليه "جمال باشا السفاح" ونقله إلى القسطنطينية.
يضيف: «في العهد العثماني تضاءل دور القلاع، نظراً لاكتشاف الأسلحة النارية وخاصة المدفعية التي اعتمدها العثمانيون، ولكن قلعة حمص ظلت مركزاً استراتيجياً لترييض مدافع الحامية، وفي فترة لاحقة تم شق المدخل الحالي للقلعة من الغرب، وذلك لسحب المدافع إليها، وأذاقت مدافع القلعة الحملة المصرية بقيادة "إبراهيم باشا" الويلات، فقرر فور دخوله حمص تخريب منشآت القلعة وأمر بأن تُنزع الطبقة البازلتية من على سطوحها لتُستخدم في بناء المستودع العسكري "الدبويا" وهي كلمة محرفة عن الفرنسية وتعني المستودع.
وأكملت بلدية حمص المُهِمة عام 1911م عندما أقدم رئيسها "إبراهيم الأتاسي" على اقتلاع ما تبقى من أحجار البازلت من سفوح القلعة وشيّد بها المخازن في القسم الشرقي من الصومعة التي اتُخذت مستودعاً للمحروقات السائلة (كازاخانة) ولا تزال هذه المخازن قائمة حتى اليوم».