أحمد بن فارس بن زكريا ابن محمد بن حبيب الرازي، من أئمة اللغة والأدب في القرن الرابع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحمد بن فارس بن زكريا ابن محمد بن حبيب الرازي، من أئمة اللغة والأدب في القرن الرابع

    فارس (احمد فارس، )

    Ibn Faris (Ahmad ibn Faris-) - Ibn Faris (Ahmad ibn Faris-)

    ابن فارس (أحمد بن فارس -)
    (… - 395هـ/… - 1004م)

    أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ابن محمد بن حبيب الرازي، من أئمة اللغة والأدب في القرن الرابع، كان يجمع إتقان العلماء وظُرف الكتّاب والشعراء.
    اضطربت المصادر في تعيين موطنه الأول، فقيل: أصله من قزوين، وقيل: من الري، وقيل: من همذان، وأرجح الأقوال أنه من رُستاق الزهراء، من القرية المسمّاة كرسفّ جياناباذ. ولعل في كثرة تنقله في بلدان شتّى ما يدعو إلى هذا الاضطراب. تلقى ابن فارس علومه الأولى على يد والده فارس بن زكريا، وهو فقيهٌ شافعي، لغويٌّ، أديبٌ، راوية للشعر، روى عنه ابنه كتاب «إصلاح المنطق» لابن السكيت، وذكرت كتب التراجم أن ابن فارس ارتحل إلى بغداد في شبيبته طلباً للعلم ولاسيما الحديث، ثم إلى قزوين وأقام فيها مدة لزم في أثنائها أبا الحسن علي بن إبراهيم القطّان (ت 345هـ) وروى عنه «كتاب العين»، وكذا روى عنه كتابي أبي عبيد «غريب الحديث» و«مصنف الغريب» من طريق علي بن عبد العزيز المكّي (ت 287هـ)، ثم ارتحل إلى زنجان ولقي أبا بكر أحمد بن الحسن بن الخطيب راوية ثعلب، وهو ما يفسر ميله إلى مذهب الكوفيين، وممن أخذ عنهم أيضاً في أثناء تجواله أحمد بن طاهر بن المنجّم، وكان ابن فارس يقول عنه إنه ما رأى مثله، ومحمد بن أحمد الأصفهاني، وعلي بن أحمد الساوي، روى عنهما «الجمهرة» لابن دريد.
    ثم انتقل إلى همذان فأقام بها زمناً طويلاً، وفيها تلمذ له أديبها المشهور بديع الزمان الهمذاني، الذي يرجع الفضل في تكوينه وتأديبه إلى ابن فارس، قال الثعالبي: درس على أبى الحسين بن فارس وأخذ منه جميع ما عنده، واستنفذ علمه، واستنزف بحره.
    ولما اشتهر أمره بهمذان وذاع صيته استدعي إلى بلاط بني بويه بمدينة الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة بن ركن الدولة البويهي، وهناك التقى الصاحب بن عباد (ت 385هـ) وزال ما بينهما من تجافٍ كان سببه انتساب ابن فارس إلى خدمة آل العميد وتعصّبه لهم، فاصطفاه الصاحب وقرّبه وأخذ عنه الأدب، واعترف له بالأستاذيّة.
    توفي ابن فارس بالريَ، ودفن مقابل مشهد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني. واضطربت المصادر كثيراً في تحديد زمن وفاته، بيد أن المشهور هو التاريخ المذكور.
    كان ابن فارس كريم النفس جواد اليد لا يكاد يرد سائلاً ولو سأله ثيابه أو فرش بيته، وكان متبحراً في علوم العربيّة ولاسيما اللغة، فإنه أتقنها. والناظر في سيرته يلحظ أنه اتخذ الاعتدال منهجاً له في حياته وتفكيره، فهو فقيه شافعي، لكنه لما دخل الريَّ لم يجد فيها أثراً لمذهب مالك، فدخلته الحميّة - كما قال - لهذا البلد كيف لا يكون فيه رجل على مذهب هذا الرجل المقبول على جميع الألسنة، فصار مالكياً.
    أما في الأدب فقد كان ناقداً ملمّاً بالحياة الأدبية في عصره، لا يتزمت للقديم كما تزمت كثيرٌ من أهل اللغة، الذين انصرفوا عن إنتاج معاصريهم ولم يقيموا له وزناً، فهو يصغي إلى أشعارهم، ويروي لكثير منهم، وينتصر للمحسن وينتصف له من المتعصبين الذين يزيفون شعر المحدثين، وقد أورد له الثعالبي رسالةً نقدية هامة تُظهر موقفه من الشعراء المحدثين، وأشارت المصادر أيضاً إلى أنه صنّف في أشعارهم «الحماسة المحدثة» على غرار حماسة أبي تمام.
    وكان أيضاً معتدلاً في مذهبه في اللغة والنحو، فهو كوفي النزعة، لكنه نهل من علوم البصريين ولم يتعصب عليهم، والناظر في مصنفاته لا يخفى عليه ذلك.
    وابن فارس شاعر ينمّ شعره على ظرفه وحُسْن تأتيه في الصنعة على طريقة شعراء عصره،، وفي شعره نزعة إلى السخرية والتهكم وربما الدعابة، حتى في غزله، ومن ذلك قوله:
    مرّت بنا هيفاءُ مقدودةٌ
    تركيّـةٌ تُنْمَـى لتركيّ
    ترنو بطَرْف فاتن فاتر
    أضعف من حجّة نحويّ
    فهو يشبّه حجّة النحوي في ضعفها - على سبيل الدعابة - بطرف صاحبته الفاتر.
    وله أيضاً:
    إذا كنت في حاجة مرسلاً
    وأنت بـها كَـلِفٌ مُغْرَمُ
    فأرسل حكيماً ولا تُوْصِه
    وذاك الحكيم هو الدرهمُ
    خلّف ابن فارس طائفة من الكتب والرسائل زادت على الأربعين طبع منها: «مقاييس اللغة»، «المجمل»، «الصاحبي»، «ذمّ الخطأ في الشعر»، «الإتباع والمزاوجة»، «خلق الإنسان»، «أوجز السير لخلق البشر»، «اللامات»، «مقالة (كلا) في القرآن»، «النيروز»، «الفَرْق».
    أما كتبه الأخرى فما تزال بين مخطوط أو مفقود، وأشهرها: «جامع التأويل في تفسير القرآن»، و«غريب إعراب القرآن»، و«اختلاف النحويين»، و«مقدمة في النحو».
    ويعّد كتاباه «مقاييس اللغة» و«المجمل» من أشهر معجمات الألفاظ في العربيّة، ويمتاز الأول بأنه المعجم العربي الوحيد الذي سعى فيه مؤلفه إلى كشف الستار عن المعنى الأصلي المشترك الذي ترجع إليه ألفاظ المادة الواحدة، قال في المقدمة: «إن للغة العرب مقاييس صحيحة وأصولاً تتفرع منها فروع، وقد ألّف الناس في جوامع اللغة ما ألفوا، ولم يعربوا في شيء من ذلك عن مقياس من تلك المقاييس، ولا أصل من تلك الأصول، والذي أومأنا إليه باب من العلم جليل وله خطرٌ عظيم». ولما كانت فكرة المقاييس هي المسيطرة عليه سمّى بها معجمه.
    وتكفي الإشارة إلى مثال واحد يتّضح به مراده، قال في مادة «جنح»: «الجيم والنون والحاء أصلٌ واحد يدل على الميل والعدوان، ويقال: جنح إلى كذا أي مال إليه، وسمّي الجناحان جناحين لميلهما في الشقّين، والجُناح: الإثم، سمي بذلك لميله عن طريق الحق».
    وقد راعى ابن فارس في معجميه الاختصار وإثبات الصحيح الفصيح من اللغات، ونأى عن الشاذّ الغريب، ولعل المأخذ الوحيد هو ما يلقاه القارئ من صعوبة في مراجعة هذين المعجمين، إذ سلك في ترتيب موادّهما مسلكاً لم يجر عليه أحدٌ من أصحاب المعجمات.
    ومن مصنفاته التي لقيت شهرة واسعة كتاب «الصاحبي في فقه اللغة»، صنفه لخزانة الصاحب ابن عباد، وهو من أجود ما صنف في باب فقه اللغة عند القدماء، تضمن الكتاب طائفة من المسائل اللغوية والنحوية مثل: أوّلية اللغة ونشأتها، واختلاف لغات العرب، وفصاحة لغة قريش، واللغات المذمومة، ومراتب الكلام، وحقيقته، وأقسامه، وكيف تقع الأسماء على المسميات، ومعاني الحروف، وأجناس الكلام.
    نبيل أبو عمشة
يعمل...
X