قصيدة لِمَن طَلَلٌ بِالرَقمَتَينِ شَجاني
يقول عنترة بن شدّاد:
لِمَن طَلَلٌ بِالرَقمَتَينِ شَجاني
وَعاثَت بِهِ أَيدي البِلى فَحَكاني
وَقَفتُ بِهِ وَالشَوقُ يَكتُبُ أَسطُر
بِأَقلامِ دَمعي في رُسومِ جَناني
أُسائِلُهُ عَن عَبلَةٍ فَأَجابَني
غُرابٌ بِهِ ما بي مِنَ الهَيَمانِ
يَنوحُ عَلى إِلفٍ لَهُ وَإِذا شَك
شَكا بِنَحيبٍ لا بِنُطقِ لِسانِ
وَيَندُبُ مِن فَرطِ الجَوى فَأَجَبتُهُ
بِحَسرَةِ قَلبٍ دائِمِ الخَفَقانِ
أَلا يا غُرابَ البَينِ لَو كُنتَ صاحِبي
قَطَعنا بِلادَ اللَهِ بِالدَوَرانِ
عَسى أَن نَرى مِن نَحوِ عَبلَةَ مُخبِر
بِأَيَّةِ أَرضٍ أَو بِأَيِّ مَكانِ
وَقَد هَتَفَت في جُنحِ لَيلٍ حَمامَةٌ
مُغَرَّدِةٌ تَشكو صُروفَ زَمانِ
فَقُلتُ لَها لَو كُنتِ مِثلي حَزينَةً
بَكَيتِ بِدَمعٍ زائِدِ الهَمَلانِ
وَما كُنتِ في دَوحٍ تَميسُ غُصونُهُ
وَلا خُضِبَت رِجلاكِ أَحمَرَ قاني
أَيا عَبلَ لَو أَنَّ الخَيالَ يَزورُني
عَلى كُلِّ شَهرٍ مَرَّةً لَكَفاني
لَئِن غِبتِ عَن عَينَيَّ يا اِبنَةَ مالِكٍ
فَشَخصُكِ عِندي ظاهِرٌ لِعِياني
غَداً تُصبِحُ الأَعداءُ بَينَ بُيوتِكُم
تَعَضُّ مِنَ الأَحزانِ كُلَّ بَنانِ
فَلا تَحسَبوا أَنَّ الجُيوشَ تَرُدُّني
إِذا جُلتُ في أَكنافِكُم بِحِصاني
دَعوا المَوتَ يَأتيني عَلى أَيِّ صورَةٍ
أَتى لِأُريهِ مَوقِفي وَطِعاني
قصيدة أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ
يقول عنترة بن شدّاد:[١]
أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ
فَقَبَّلَني ثَلاثاً في اللَثامِ
وَوَدَّعَني فَأَودَعَني لَهيب
أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي
وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي
وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي
لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنّي
أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ
أَيا اِبنَةَ مالِكٍ كَيفَ التَسَلّي
وَعَهدُ هَواكِ مِن عَهدِ الفِطامِ
وَكَيفَ أَرومُ مِنكِ القُربَ يَوم
وَحَولَ خِباكِ آسادُ الأَجامِ
وَحَقِّ هَواكِ لا داوَيتُ قَلبي
بِغَيرِ الصَبرِ يا بِنتَ الكِرامِ
إِلى أَن أَرتَقي دَرَجَ المَعالي
بِطَعنِ الرُمحِ أَو ضَربِ الحُسامِ
أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتِ عَنهُ
رَعَيتُ جِمالَ قَومي مِن فِطامي
أَروحُ مِنَ الصَباحِ إِلى مَغيبٍ
وَأَرقُدُ بَينَ أَطنابِ الخِيامِ
أَذِلُّ لِعَبلَةٍ مِن فَرطِ وَجدي
وَأَجعَلُها مِنَ الدُنيا اِهتِمامي
وَأَمتَثِلُ الأَوامِرَ مِن أَبيه
وَقَد مَلَكَ الهَوى مِنّي زِمامي
رَضيتُ بِحُبِّها طَوعاً وَكَره
فَهَل أَحظى بِها قَبلَ الحِمامِ
وَإِن عابَت سَوادي فَهوَ فَخري
لِأَنّي فارِسٌ مِن نَسلِ حامِ
وَلي قَلبٌ أَشَدُّ مِنَ الرَواسي
وَذِكري مِثلُ عَرفِ المِسكِ نامي
وَمِن عَجَبي أَصيدُ الأُسدَ قَهر
وَأَفتَرِسُ الضَواري كَالهَوامِ
وَتَقنُصُني ظِبا السَعدِي وَتَسطو
عَلَيَّ مَها الشَرَبَّةِ وَالخُزامِ
لَعَمرُ أَبيكَ لا أَسلو هَواه
وَلَو طَحَنَت مَحَبَّتُها عِظامي
عَلَيكِ أَيا عُبَيلَةُ كُلَّ يَومٍ
سَلامٌ في سَلامٍ في سَلامِ
قصيدة عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ
يقول عنترة بن شدّاد:[١]
عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ
وَجورُ أَبيكِ إِنصافٌ وَعَدلُ
فَجوروا وَاِطلُبوا قَتلي وَظُلمي
وَتَعذيبي فَإِنّي لا أَمَلُّ
وَلا أَسلو وَلا أَشفي الأَعادي
فَساداتي لَهُم فَخرٌ وَفَضلُ
أُناسٌ أَنزَلونا في مَكانٍ
مِنَ العَلياءِ فَوقَ النَجمِ يَعلو
إِذا جاروا عَدَلنا في هَواهُم
وَإِن عَزّوا لِعِزِّتِهِم نَذِلُّ
وَكَيفَ يَكونُ لي عَزمٌ وَجِسمي
تَراهُ قَد بَقي مِنهُ الأَقَلُّ
فَيا طَيرَ الأَراكِ بِحَقِّ رَبٍّ
بَراكَ عَساكَ تَعلَمُ أَينَ حَلّوا
وَتُطلِقُ عاشِقاً مِن أَسرِ قَومٍ
لَهُ في حُبِّهِم أُسُرٌ وَغُلُّ
يُنادوني وَخَيلُ المَوتِ تَجري
مَحَلُّكَ لا يُعادِلُهُ مَحَلُّ
وَقَد أَمسَوا يَعيبوني بِأُمّي
وَلَوني كُلَّما عَقَدوا وَحَلّوا
لَقَد هانَت صُروفُ الدَهرِ عِندي
وَهانَت أَهلُهُ عِندي وَقَلّوا
وَلي في كُلِّ مَعرَكَةٍ حَديثٌ
إِذا سَمِعَت بِهِ الأَبطالُ ذَلّوا
قَطَعتُ رِقابَهُم وَأَسَرتُ مِنهُم
وَهُم في عُظمِ جَمعِهِمِ اِستَقَلّوا
وَأَحصَنتُ النِساءَ بِحَدِّ سَيفي
وَأَعدائي لِعُظمِ الخَوفِ فَلّوا
أُثيرُ عَجاجَها وَالخَيلُ تَجري
ثِقالاً بِالفَوارِسِ لا تَمَلُّ
وَأَرجِعُ وَهيَ قَد وَلَّت خِفاف
مُحَيَّرَةً مِنَ الشَكوى تَكِلُّ
وَأَرضى بِالإِهانَةِ مَع أُناسٍ
أُراعيهِم وَلَو قَتلي أَحَلّوا
وَأَصبُرُ لِلحَبيبِ وَإِن جَفاني
وَلَم أَترُك هَواهُ وَلَستُ أَسلو
عَسى الأَيّامُ تُنعِمُ لي بِقُربٍ
وَبَعدَ الهَجرِ مُرُّ العَيشِ يَحلو