معلّقة عنترة بن شدّاد
يقول عنترة في معلّقته:
ولَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ نَوَاهِلٌ
مِنِّي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي
فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّيُـوفِ
لأَنَّهَا لَمَعَتْ كَبَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِّـمِ
قصيدة رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
يقول عنترة بن شدّاد:[١]
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ
مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني
أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ
خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت
أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ
وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ
قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ
وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ
قَد قَلَّدَتهُ نُجومَها الجَوزاءُ
بَسَمَت فَلاحَ ضِياءُ لُؤلُؤِ ثَغرِه
فيهِ لِداءِ العاشِقينَ شِفاءُ
سَجَدَت تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايَلَت
لِجَلالِها أَربابُنا العُظَماءُ
يا عَبلَ مِثلُ هَواكِ أَو أَضعافُهُ
عِندي إِذا وَقَعَ الإِياسُ رَجاءُ
إِن كانَ يُسعِدُني الزَمانُ فَإِنَّني
في هِمَّتي بِصُروفِهِ إِزراءُ
قصيدة ذَنبي لِعَبلَةَ ذَنبٌ غَيرُ مُغتَفِرِ
يقول عنترة بن شدّاد:[١]
ذَنبي لِعَبلَةَ ذَنبٌ غَيرُ مُغتَفِرِ
لَمّا تَبَلَّجَ صُبحُ الشَيبِ في شَعري
رَمَت عُبَيلَةُ قَلبي مِن لَواحِظِه
بِكُلِّ سَهمٍ غَريقِ النَزعِ في الحَوَرِ
فَاِعجَب لَهُنَّ سِهاماً غَيرَ طائِشَةٍ
مِنَ الجُفونِ بِلا قَوسٍ وَلا وَتَرِ
كَم قَد حَفِظتَ ذِمامَ القَومِ مِن وَلَهٍ
يَعتادُني لَبَناتِ الدَلِّ وَالخَفَرِ
مُهَفهَفاتٍ يَغارُ الغُصنُ حينَ يَرى
قُدودَها بَينَ مَيّادٍ وَمُنهَصِرِ
يا مَنزِلاً أَدمُعي تَجري عَلَيهِ إِذ
ضَنَّ السَحابُ عَلى الأَطلالِ بِالمَطَرِ
أَرضُ الشَرَبَّةِ كَم قَضَّيتُ مُبتَهِج
فيها مَعَ الغيدِ وَالأَترابِ مِن وَطَرِ
أَيّامَ غُصنُ شَبابي في نُعومَتِهِ
أَلهو بِما فيهِ مِن زَهرٍ وَمِن ثَمَرِ
في كُلِّ يَومٍ لَنا مِن نَشرِها سَحَر
ريحٌ شَذاها كَنَشرِ الزَهرِ في السَحَرِ
وَكُلُّ غُصنٍ قَويمٍ راقَ مَنظَرُهُ
ما حَظُّ عاشِقَها مِنهُ سِوى النَظَرِ
أَخشى عَلَيها وَلَولا ذاكَ ما وَقَفَت
رَكائِبي بَينَ وِردِ العَزمِ وَالصَدَرِ
كَلّا وَلا كُنتُ بَعدَ القُربِ مُقتَنِع
مِنها عَلى طولِ بُعدِ الدارِ بِالخَبَرِ
هُمُ الأَحِبَّةُ إِن خانوا وَإِن نَقَضو
عَهدي فَما حُلتُ عَن وَجدي وَلا فِكري
أَشكو مِنَ الهَجرِ في سِرٍّ وَفي عَلَنٍ
شَكوى تُؤَثِّرُ في صَلدٍ مِنَ الحَجَرِ
قصيدة زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى
يقول عنترة بن شدّاد:[١]
زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَةَ في الكَرى
لمُتيِّم نشوانَ محلولِ العُرى
فنهضتُ أشكُو ما لَقيتُ لبُعدها
فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها
والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قدْ بَلَّ الثرى
وكشفتُ بُرقُعَها فأَشرَقَ وجهُها
حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً
عربيَّةٌ يهْتزُّ لِينُ قوَامِها
فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا
محجوبةٌ بصَوارمٍ وَذَوابلٍ
سمرٌ ودُونَ خبائها أسدُ الشَّرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى
وأنا المُعنَّى فيكِ منْ دُون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي
لمَّا جرت روحي بجمسي قدْ جَرَى
وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به
عَبْسٌ وَسيْفُ أبيهِ أفنى حِمْيَرا
يا شأْسُ جِرْني منْ غرامٍ قاتلٍ
أبداً أزيدُ بهِ غراماً مُسْعرا
يا شأسُ لولاَ أنّ سلْطانَ الـهوى
ماضي العَزِيمةِ ما تَملّكَ عنتَرا