أبو تمّام
شاعِرٌ عباسيّ يأتي في الطّليعة بينَ شُعراءِ عصره
هُو أبو تمّام حَبيب بن أوس الطّائيّ، شاعِرٌ شديد الاعتداد بنفسه، يأبى الذّلّ ويترفّع عن الدّون، ويُعدُّ مِن ألمع الشّخصيّات الّتي عرفها الأدب العربيّ القديم، كانَ شِعره موضع عناية كثيرٍ من الأدباء، والعلماء القُدامى والمُحدثين، فصنّفوا في ما ألّفه، وجمعه مصنّفاتٍ كثيرة، كَما أنَّهم تدارسوا شعره، ومجاميعه الأخرى، حيثُ استأثرت أخباره مواطن كثيرة من كُتب التّاريخ، والأدب، والتّراجم، وغيرها، كونَهُ كانَ من الطّبقة البارزة بين شعراء العصر العباسيّ الأوّل، كالبُحتريّ، والمتنبّي.[١]
مولد أبي تمّام ونشأته
وُلِد أبو تمام الطّائيّ عام 188 هـ، في قرية جاسم في دمشق، وقدِم مصر وهو شاب، فأقام فيها خمسَ سنواتٍ، كانَ قد تلقّى خلالها الأدب والشّعر، ثُمّ عادَ إلى دمشقَ، بعدما قويت ملكته الشّعريّة، ومنها انتقل إلى حمص، وعَرف فيها البُحتريّ، وبعدَها أقامَ شهرًا في خرسان، كَما أنَّ أبو تمام كانَ قد تولّى بريد الموصل، فأقام فيها لمدّة سنتين.[٢]
ثقافة أبي تمَّام
عمِل أبو تمام عند حائك بدمشق، واعتنق الإسلام حينما وصل إلى سنّ الرُّشد، فأخذ يذهبُ إلى حلقات المسجد، وكان ينهلُ ممَّا كانَ يجري فيها، من جداول الشّعر والثّقافة، فكانَ ذلك سببًا لتدفُّق الشِّعر على لسانه، واتّجه به إلى بعض اليمنيّين، والطّائيين في بلدته، وبعدَها غادر أبو تمام دمشق متَّجِهًا إلى حمص، ولقي فيها ديك الجنّ، فأخذ عنهُ الجودة في الرثاء، والتّشيّع الحسن.[٣]
أسلوب أبي تمّام الشعري
كانَ المنهجُ الأسلوبيّ لأبي تمام يقعُ تحتَ سبعة أغراضٍ شعريّة، كَما قالَ مؤلّف كِتاب "أبو تمام الطائيّ: حياته وشعره في المراجع العربيّة والأجنبيّة ": " كانَ شعرُ أبي تمام غير مرتّب، وقوامه مئتا ورقة على قول ابن النّديم، فجمعه أبو بكر الصّولي في ثلاثمئة ورقة، ورتّبه على حروف المعجم، ثمّ جمعه علي بن حمزة الأصفهانيّ ورتّبه على أغراض الشّعر، وهي سبعة: المديح، الهجاء، المعاتبات، الأوصاف، الفخر، الغزل، والمراثي."[٤]
مؤلّفات أبي تمام
لَم يصِلنا ديوان أبي تمام كامِلًا، حيثُ إن الدّيوان الّذي وصلنا لا يُمثِّلُ كلّ ما قالهُ ونظمه أبو تمام، ويدلُّ على ذلك ما قاله مُعتزّ في كتاب طبقات الشّعراء المُحدَثين: "إنّ لأبي تمّام ستُّمئة قصيدة وثمانمئة مقطوعة جيدة" أي ما يقارب أربعمئة وألف قصيدة، أمّا في ديوانه المطبوع والشّروح، فلا يصل إلى خمسمئة قصيدة ومقطوعة، وهذا التَّضارب يدلُّنا بأنّ أجزاءً من شعره قد ضاعت ولم تصِلنا. أمّا عن مختاراته الشعريّة فرتّبها "مرجليوث" في ستّة كُتب وهي:[٥]
كتاب الاختيارات من أشعار القبائل.
كتاب الاختيارات من أشعار الشّعراء.
الفحول.
الحماسة.
اختيار المقطعات.
مختارات من شعر المحدثين.
نموذج من شِعر أبي تمام
قالَ أبو تمام يرثي محمد بن الفضل الحميري:[٦]
رَيبُ دَهرٍ أَصَمَّ دونَ العِتابِ مُرصِدٌ بِالأَوجالِ وَالأَوصابِ
جَفَّ دَرُّ الدُنيا فَقَد أَصبَحَت تَك تالُ أَرواحَنا بِغَيرِ حِسابِ
لَو بَدَت سافِراً أُهينَت وَلَكِن شَغفَ الخَلقَ حُسنُها في النِقابِ
إِنَّ رَيبَ الزَمانِ يُحسِنُ أَن يُه دي الرَزايا إِلى ذَوي الأَحسابِ
فَلِهَذا يَجِفُّ بَعدَ اِخضِرارٍ قَبلَ رَوضِ الوِهادِ رَوضُ الرَوابي
لَم تَدُر عَينُهُ عَنِ الحُمسِ حَتّى ضَعضَعَت رُكنَ حِميَرَ الأَربابِ
بَطَشَت مِنهُم بِلُؤلُؤَةِ الغَوّا صِ حُسناً وَدُميَةِ المِحرابِ
بِالصَريحِ الصَريحِ وَالأَروَعِ الأَر وَعِ مِنهُم وَبِاللُبابِ اللُبابِ[٧]
ذَهَبَت يا مُحَمَّدُ الغُرُّ مِن أَيّا مِكَ الواضِحاتِ أَيَّ ذَهابِ
عَبَّسَ اللَحدُ وَالثَرى مِنكَ وَجهاً غَيرَ ما عابِسٍ وَلا قَطّابِ
أَطفَأَ اللَحدُ وَالثَرى لُبَّكَ المُس رَجَ في وَقتِ ظُلمَةِ الأَلبابِ
وَتَبَدَّلتَ مَنزِلاً ظاهِرَ الجَد بِ يُسَمّى مُقَطِّعَ الأَسبابِ
مَنزِلاً موحِشاً وَإِن كانَ مَع موراً بِجلِّ الصَديقِ وَالأَحبابِ
يا شِهاباً خَبا لِآلِ عُبَيدِ الل لَهِ أَعزِز بِفَقدِ هَذا الشِهابِ
زَهرَةٌ غَضَّةٌ تَفَتَّقَ عَنها ال مَجدُ في مَنبِتٍ أَنيقِ الجَنابِ
وفاة أبي تمّام
تُوفي أبو تمام في الموصل سنة 231