السنديان
السنديان Quercus تسمية تطلق في سورية ولبنان على القرقس القلبرينيQuercus calliprinos الدائم الخضرة. كما تطلق تسمية البلوط على القرقس المنفتك Quercus infectoria المتساقط الأوراق، وتستعمل تسمية العزر للدلالة على القرقس الأشعرQ.cerris المتساقط الأوراق الذي ينبت في الجبال العالية السورية اللبنانية، وتسمية الملول للدلالة على القرقس الطبرانيQ.ithaburensis شبه متساقط الأوراق، وتسمية البهش للدلالة على القرقس الفلينيQ.suber الذي يستحصل منه الفلين. وتطلق تسمية السنديان في الكتابة العلمية التصنيفية مقابل التسمية اللاتينية قرقسQuercus. فالسنديان في هذا المفهوم، من الناحية التصنيفية، اسم جنس شجر مميز لغابات مناخ البحر المتوسط، أوراقه مفصصة، تستعمل أخشابه في النجارة وصناعة الأثاث.
الصفات العامة لجنس السنديان
السنديان أشجار أو جَنَبات، يؤلف مع الكستناء والزان الفصيلة الزانيَّة Fagaceae. تتعمق جذور بعض أنواع السنديان في التربة، في حين تنتشر انتشاراً سطحياً أفقياً في أنواع أخرى. الساق إما مفردة منتصبة متفرعة في جزئها العلوي تؤلف غابة (الشكل-1)، وإما متعددة متفرعة القاعدة تؤلف مِنْسغَة كثيرة الأغصان، (الشكل-2).
البراعم الورقية إما جانبية مدورة متطاولة مستديرة النهاية أو مدببة، وإما نهائية علوية عريضة وكبيرة. الأوراق متعاقبة، بسيطة، مسننة أو مفصصة أو مجزَّأة أو ريشية العروق، ونادراً ما تكون كاملة الحافة. وهي إما دائمة أو متساقطة كلها كما في السنديان الأشعر Quercus cerris، وقد تبقى الأوراق عالقة بالشجرة شتاءً أو في جزء منه، مثل ذلك السنديان القلبرينيQ.calliprinos الذي يحتفظ بأوراقه طوال الشتاء ويفقدها في مدة قصيرة تسبق ظهور الأوراق الجديدة. وتصادف عادة كل الحالات الممكنة بين الأنواع ذات الأوراق الدائمة في الشتاء وتلك التي تتساقط كلها في الخريف. الأذنات stipules اثنتان متطاولتان أو خيطيتان أو متساقطتان، وربما تكون أذنات الأوراق العلوية دائمة. الأزهار وحيدة الجنس وحيدة المسكن: المذكرة مجتمعة في نورات هُريرية رفيعة متهدلة إبطية، والمؤنثة وحيدة الزهرة أو قليلة عدد الأزهار، إبطية أو قمِّية. الثمار جافة غير متفتحة تدعى بلوطة (الشكل- 3)، محاطة بقمع مؤلف من حراشف متلاصقة دقيقة متطاولة ومتراكبة.
وتنضج الثمار في كثير من الأنواع في خريف سنة تَكَوُّن الأزهار وتُحمل على أغصان عمرها سنة واحدة. وقد يستغرق نضج الثمار عامين في بعض الأنواع حيث تُحمل على أغصان عمرها سنتان. وهكذا تُحمل الأزهار الأنثوية الفتية على أغصان عام تَكَوُّنها في حين تُحمل الثمار على أغصان عمرها سنتان.
وتثمر الأشجار المتحدرة من أخلاف أبكر من تلك التي تحدرت من تكاثر بذري. كما تثمر الأشجار التي تنمو على أرض فقيرة أبكر من الأشجار التي تنمو على أرض خصبة غنية.
وتثمر أنواع السنديان في حوض المتوسط دورياً، أي إن الإنتاج الثمري الغزير يحدث كل سنتين أو كل ثلاث إلى عشر سنوات. ومن النادر أن يمر عام دون أن تعطي الأشجار بعضاً من الثمار.
التوزيع الجغرافي للسنديان
ينتشر أغلب أنواع السنديان في المناطق المعتدلة من العالم القديم ومن القارة الجديدة، خاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (أوربا، حوض المتوسط، منطقة الهيمالايا، الصين، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك). وينتشر بعض أنواع السنديان المنتسبة إلى جُنَيْس دائري الحراشف Cyclobalanopsis في المنطقة المدارية وشبه المدارية من آسيا وماليزيا.
ويُعد السنديان من الأنواع المتمتعة بِوُسْعَةٍ حرارية وجفافية وتُرَبية وجغرافية. إذ ينبت في المناطق الحارة والباردة والرطبة وفي التربة الكلسية أو السيليسية وفي المناطق الجبلية أو السهلية أو الشاطئية. وقد وُجدت بقايا جيولوجية من السنديان ترجع إلى الكريتاسي السفلي في مواقع متعددة من الكرة الأرضية، في نصفيها الشمالي والجنوبي، ترجع إلى الكريتاسي السفلي.
أهمية السنديان التاريخية
احتل السنديان أهمية تاريخية عريقة، استمدت من سعة انتشاره، وتعدُّد طرائق استعماله، وضخامة أشجاره. فقد كان للسنديان مكانة مرموقة في الطقوس الدينية القائمة على عبادة الأشجار في دول البحر المتوسط. وفي بريطانيا وحتى نهاية العصور الوسطى، كان للسنديان قدسية خاصة. وفي جبال البيرينيه ساد الاعتقاد أن من يقطع شجرة سنديان توزا (سنديان البيرينيه)Q.tauza يموت في العام نفسه، لذلك سميت أشجاره بأشجار اللعنة. وساد الاعتقاد في فرنسا وإيطاليا بارتباط سوء الطالع بقطع أشجار السنديان.
وكان القسم الأكبر من سفوح الجبال الساحلية المحيطة بالبحر المتوسط مكسواً بغابات السنديان التي لم يبق منها في الوقت الحاضر إلا النزر اليسير؛ فقد أتلفت جحافل الليغوريين التي انطلقت من جنوب غربي أوربا من المناطق الواقعة بين مرسيليا وإيطاليا على هذه الغابات. وازداد الأمر سوءاً في العهد الروماني الذي عمل على إزالة الغابات التي كانت تُعيق تقدم جيوشه. ويذكر التاريخ تدشين قيصر لعملية قطع الأشجار، وكذلك مشاركة مالكي الأحراج في قطعها في حوض البحر المتوسط للتهرب من دفع الضرائب للامبراطورية الرومانية، وقد قوبل هذا التخريب في غابات المتوسط باتجاه ديني محافظٍ على الأشجار. ففي جوار بعض المزارات المقدسة كانت تترك بعض الأشجار أو بعض مكونات الغابة المحلية دلالة على الاحترام والتقديس، (الشكل- 4)، وقد ساعدت هذه المزارات بما تضمه من غطاء نباتي، على معرفة طبيعة الغابات التي كانت سائدة فيما مضى في تلك المواقع وتعرف حالتها.
وقد أتت عوامل التطور بأنواعه على جلّ غابات المنطقة المتوسطية التي مازال السنديان بأنواعه المتعددة يشكل القسم الأعظم منها، فهو يدخل في تكوين طرازيْن من الغابات يختلفان بيئياً ومظهرياً: الطراز الأول يسمى بغابات السنديان ذي الأوراق دائمة الخضرة، والطراز الثاني يسمى بغابات السنديان ذي الأوراق المتساقطة، المعروف محلياً بالبلوط.
أنواع السنديان المتوسطية
1ـ السِنْدِيان العادي أو القِلِبْرينيQuercus calliprinos: شجرة قد يتجاوز ارتفاعها عشرين متراً، كثيرة التفرع والفسائل إذا قطعت؛ الأوراق دائمة (عدة سنوات)، ذات عنق قصير، قاسية، مسطحة أو مجعَّدة، ذات حافة مسننة شوكية. تنضج ثماره في عامين؛ وتعطي كل ثمرة بلوطة بيضوية محاطة بقمع نصف كروي مغطّى بحراشف سفلية منطبقة على القمع، تتلوها حراشف علوية سنانية منتصبة أو ممتدة إلى الأسفل (الشكل- 3).
وينتشر السنديان العادي في المناطق الشرقية من البحر المتوسط وغربي آسيا. في إيران والعراق وسورية وتركيا ولبنان وفلسطين والأردن واليونان وكذلك في ليبيا. يقابل ذلك السنديان القرمزي Q.cocciferaالمنتشر في القسم الغربي من منطقة البحر المتوسط. وهو ينبت في الأراضي الفقيرة والصخرية، غير متأثرٍ بالتركيب الكيميائي أو الفيزيائي للتربة؛ ويصادف على أنواع مختلفة من الصخور ويقاوم البرد ويتحمل الجفاف إلى حدٍ ما.
2ـ السنديان أو السنديان المنفتكQ.infectoria المعروف محلياً بالبلوط: شجرة يمكن أن يناهز ارتفاعها 20م وقطرها 130سم، الأوراق متساقطة، «بسيطة»، بيضوية متطاولة، مسننة أو مُفَرَّضة، وقد تكون شبه تامة. مسطحة أو متموجة الأطراف؛ حراشف قمع الثمرة منطبق بعضها على بعض ومكسوة بأوبار قصيرة؛ تنضج الثمار في السنة الأولى (الشكل- 5).
وينتشر هذا النوع في تركيا وإيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين. وهو يؤلف في سورية غابات خالصة تكون نطاقاً غابياً مستقلاً يحتل الجبال الساحلية على ارتفاع 700 ـ 1000م عن سطح البحر، ويختلط إذا كان ما دون ذلك بالسنديان العادي أي البلوط والسنديان الأشعر أي العزر، والصنوبر والأرز والشوح. وقد بيَّنتْ دراسات توزع السنديان المنفتك في سورية وجود نوعيْن هما المنفتك ودقيق الورق.
3ـ السنديان الأشعر، نويع الأشعر الزائفpseudocerris: شجرة كبيرة يمكن أن يصل ارتفاعها حتى 30 متراً وقطرها حتى 100سم. جذعها مستقيم مغطى بقشرة رمادية فاتحة فلينية تتخللها شقوق غزيرة طولانية وعرضانية. الأوراق مفصَّصة، والفصوص كاملة أو مقسمة، غير متساوية. الثمار ضخمة طولها ما بين 2.5 و3.5سم وعرضها ما بين 1.6 و2سم، أقماعها أسطوانية مغطاة بحراشف طويلة دقيقة مخرزية الشكل منطبقة أو مرتدة خارج القمع.
وينتشر النويْع في سورية وفي جبال الأمانوس، في حين ينتشر النوع في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وصقلية وألمانيا الغربية ويوغوسلافيا والبلقان (الشكل- 6).
4ـ السنديان القرمزي Q.coccifera: شجرة قد ترتفع إلى 15م، ويبلغ قطرها نحو 120سم. وتتميز بضخامة التاج وكبر الثمار التي يصل طولها إلى 4.5سم. ينتشر السنديان في اليونان وجزيرة كريت وجبال الأمانوس، وصقلية يستخرج منه صبغ أحمر كارمن تسببه غشائية الأجنحة Kermes vermilio.
5ـ السنديان الفليني Q.suber: من أسمائه المتناقلة البهش، وهي شجرة جميلة إذا نمت في شروط مواتية. يبلغ قطر ساقها 200سم. قشرتها سميكة متفلِّنة مشققة. الأوراق دائمة بيضوية، مستدقة القمة مسننة جرداء خضراء قائمة السطح العلوي. الثمار متطاولة خَمِلَة، وهي تنضج في عام تشكلها، والأقماع مخملية إلى حدٍ ما. وينتشر السنديان الفليني في الحوض الغربي للبحر المتوسط في النطاقات المُناخية الحيوية الرطبة وشبه الرطبة، الحارة والمعتدلة. لا تناسبه التربة الكلسية، ويؤلف غابات رائعة في المغرب تغطي مساحات واسعة، كما ينتشر شرقاً في تونس وشمالاً حتى إيطاليا. ويستحصل الفلين التجاري من السنديان الفليني كل تسع سنوات إذ يبلغ ثخنه 2.5سم.
6ـ السنديان الأخضر Q.ilex: شجرة جميلة متوسطة القد. أوراقها دائمة متباينة الأبعاد تراوح بين 1 و8سم طولاً و0.5 و5سم عرضاً، وهي بيضوية متطاولة تامة الحافة أو مسننة شوكية. الثمار حولية النضج محاطة بأقماع نصف كروية. ينتشر السنديان الأخضر في القسم الغربي من حوض البحر المتوسط حيث يشغل مساحة واسعة. ويمتد شرقاً إلى غرب اليونان. وينمو السنديان الأخضر نتيجة للاحتطاب الجائر في أفراد مبعثرة بعد أن كان يؤلف غابات كثيفة.
7ـ السنديان الزَّان Q.faginea: شجرة خشنة القشرة، متساقطة الأوراق التي تبقى محمولة على الشجرة حولاً كاملاً حتى الربيع القادم. وهي متباينة الشكل والأبعاد، معنَّقة، متعرجة الحافة. أو مسننة مُفَرَّضة والثمار حولية النضج. وتنتشر غابات هذا النوع في إسبانيا والبرتغال والمغرب والجزائر وتونس على نحو يشابه إلى حدٍ ما، من الناحية البيئية، أماكن انتشار غابات الأرز في بعض هذه الدول.
8ـ سنديان البيرينية Q.pyrenaïca: شجرة متوسطة القد، أوراقها متساقطة غائرة الفصوص والثمار حولية النضج محمولة على أغصان العام نفسه. وتنتشر في المغرب لاسيما في المواقع الجبلية. كما توجد في إسبانيا وجنوب غربي فرنسا.
أهم أنواع السنديان الأوربية
1ـ السنديان المعلاقيQ.pedunculata: شجرة كبيرة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى نحو 35م. تنتشر في القسم الأكبر من أوربا، من جنوب اسكندينافيا في الشمال حتى القفقاس في الشرق.
2ـ السنديان اللاطئ الزهر Q.sessilflora: شجرة كبيرة يمكن أن يراوح ارتفاعها ما بين 35م و40م. وتنتشر في أوربا حتى القفقاس.
ولهذين النوعين من السنديان قيمة اقتصادية كبيرة لاستعمال أخشابهما في مجالات كثيرة أبرزها صناعة الأثاث والمفروشات.
استعمالات السنديان
يُعد خشب بعض الأنواع، في مجال الصناعة، واحداً من أرقى أخشاب البناء والمفروشات، ومن أفضل أنواع أخشاب الوقود، إذ تزداد طاقته الحرارية بارتفاع كثافته. كما يعطي فحماً من النوع الجيد. وتختلف نوعية الخشب وخصائصه من نوع إلى آخر، كما تختلف باختلاف الشروط البيئية التي تنمو فيها أفراد النوع الواحد والأنواع المختلفة.
من ثمار السنديان المرُّ اللاذع، ومنها الحلوُ الذي يصلح للاستهلاك كمادة غذائية. وتعادل القيمة الغذائية لثمار السنديان خليطاً من الذرة الصفراء والشوفان، مكونة من المركبات الآتية: 4% مواد دهنية، 7% مواد عفصية، 4% آزوت عضوي، 10% سكر، 3% رماد، 30 ـ 37% نشاء، 32 % ماء.
وتمتاز ثمار بعض أنواع السنديان الهندي باحتوائها زيوتاً نباتية مثل زيت حمض النخل (18%) وحمض الزيت (82%). كما تحتوي ثمار أنواع هندية أخرى على نحو 61% من السكريات مما يجعلها مصدراً لاستخلاص الكحول.
يرجع تاريخ استعمال الفلين إلى الإغريق والرومان على الأقل. ويستحصل على الفلين التجاري من السنديان الفليني. ويتألف الفلين من القِلْف الخارجي المنزوع من الشجرة من دون إتلاف القِلْف الداخلي الذي يولِّد كل عام طبقات جديدة من الفلين. ويستحصل على الفلين بعمل قطاعات عمودية وعرضية في الشجرة بوساطة بلطات أو مناشير خاصة. وتُنزع أجزاء كبيرة من القِلْف الخارجي دون خدش القِلْف الداخلي الذي قد يمنع تكوين القِلْف الجديد أو قد يودي بحياة الشجرة. ويقشَّر الفلين عادة في منتصف الصيف أي في مرحلة نشاط حركة النسغ، وتستعمل لهذه الغاية السوق الرئيسية والأفرع الكبيرة. ويُنزع الفلين أول مرة من أشجار يراوح عمرها بين 15 و18سنة ومن ارتفاع ما بين 2 و3م، ويعرف هذا بالفلين البِكر أو المذكَّر، وهو فلين قاس غير متجانس رديء، ذو قيمة منخفضة؛ ثم تُتابع عملية التقشير كل تسع سنوات. ويستحصل على أجود أنواع الفلين انطلاقاً من التقشير الثالث. وتعيش الشجرة ما بين 100 و500 سنة، ومتوسط إنتاجها من 200 إلى 250كغ. يتمتع الفلين بخصائص صناعية مهمة، فهو خفيف الوزن يطفو بسهولة على سطح الماء، سهل الانضغاط، مرن يتحمل الصدمات، ناقل رديء للحرارة وغير نفوذ للرطوبة والسوائل ويمتص الصوت والاهتزازات.
المنتجات الثانوية لأحراج السنديان
تمثل الكمأة أحد النواتج الثانوية التي تقدمها أحراج السنديان الأزغب أو الوبريQ.pubescens المنتشرة في أوربا، إذ تستضيف جذور هذه الأشجار فطر الدرن الأسود البزر أو البوغ Tuber melanosporumالذي يُوَلِّد أجساماً ثمرية معروفة باسم الكمأة السوداء عالية القيمة الاقتصادية.
كما تشكل المواد العفصية الموجودة في العصارة الخلوية، وفي القِلْف والخشب والأوراق والجذور والثمار والعفصات التي تستعمل بكثرة مصدراً للمواد الدباغية. والعفصات أورام تكونت على أفرع شجرة السنديان المنفتك (البلوط) كرد فعل على الضرر الناتج من عملية وضع البيض لأحد أنواع الحشرات. وقد استخدم عفص البلوط المعروف تجارياً بعفص حلب، لأول مرة في القرن الحادي عشر، في صناعة حبر الكتابة.
تستعمل أوراق كثير من أنواع السنديان مواد علفية رعوية. كما أن أوراق عديد من الأنواع النامية في آسيا الشرقية تستخدم في تربية دودة القز.
محمد نبيل الشلبي
السنديان Quercus تسمية تطلق في سورية ولبنان على القرقس القلبرينيQuercus calliprinos الدائم الخضرة. كما تطلق تسمية البلوط على القرقس المنفتك Quercus infectoria المتساقط الأوراق، وتستعمل تسمية العزر للدلالة على القرقس الأشعرQ.cerris المتساقط الأوراق الذي ينبت في الجبال العالية السورية اللبنانية، وتسمية الملول للدلالة على القرقس الطبرانيQ.ithaburensis شبه متساقط الأوراق، وتسمية البهش للدلالة على القرقس الفلينيQ.suber الذي يستحصل منه الفلين. وتطلق تسمية السنديان في الكتابة العلمية التصنيفية مقابل التسمية اللاتينية قرقسQuercus. فالسنديان في هذا المفهوم، من الناحية التصنيفية، اسم جنس شجر مميز لغابات مناخ البحر المتوسط، أوراقه مفصصة، تستعمل أخشابه في النجارة وصناعة الأثاث.
الصفات العامة لجنس السنديان
السنديان أشجار أو جَنَبات، يؤلف مع الكستناء والزان الفصيلة الزانيَّة Fagaceae. تتعمق جذور بعض أنواع السنديان في التربة، في حين تنتشر انتشاراً سطحياً أفقياً في أنواع أخرى. الساق إما مفردة منتصبة متفرعة في جزئها العلوي تؤلف غابة (الشكل-1)، وإما متعددة متفرعة القاعدة تؤلف مِنْسغَة كثيرة الأغصان، (الشكل-2).
الشكل (1) غابة السنديان القلبريني في الجبال الساحلية السورية في الطريق إلى الصلنفة |
الشكل (2) مِنسغة السنديان القلبريني في الجبال الداخلية السورية في قرية برقش في جبل الشيخ |
الشكل (3) ثمار السنديان المكونة من بلوطات محاطة بأقماع حرشفية |
وتثمر الأشجار المتحدرة من أخلاف أبكر من تلك التي تحدرت من تكاثر بذري. كما تثمر الأشجار التي تنمو على أرض فقيرة أبكر من الأشجار التي تنمو على أرض خصبة غنية.
وتثمر أنواع السنديان في حوض المتوسط دورياً، أي إن الإنتاج الثمري الغزير يحدث كل سنتين أو كل ثلاث إلى عشر سنوات. ومن النادر أن يمر عام دون أن تعطي الأشجار بعضاً من الثمار.
التوزيع الجغرافي للسنديان
ينتشر أغلب أنواع السنديان في المناطق المعتدلة من العالم القديم ومن القارة الجديدة، خاصة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية (أوربا، حوض المتوسط، منطقة الهيمالايا، الصين، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك). وينتشر بعض أنواع السنديان المنتسبة إلى جُنَيْس دائري الحراشف Cyclobalanopsis في المنطقة المدارية وشبه المدارية من آسيا وماليزيا.
ويُعد السنديان من الأنواع المتمتعة بِوُسْعَةٍ حرارية وجفافية وتُرَبية وجغرافية. إذ ينبت في المناطق الحارة والباردة والرطبة وفي التربة الكلسية أو السيليسية وفي المناطق الجبلية أو السهلية أو الشاطئية. وقد وُجدت بقايا جيولوجية من السنديان ترجع إلى الكريتاسي السفلي في مواقع متعددة من الكرة الأرضية، في نصفيها الشمالي والجنوبي، ترجع إلى الكريتاسي السفلي.
أهمية السنديان التاريخية
احتل السنديان أهمية تاريخية عريقة، استمدت من سعة انتشاره، وتعدُّد طرائق استعماله، وضخامة أشجاره. فقد كان للسنديان مكانة مرموقة في الطقوس الدينية القائمة على عبادة الأشجار في دول البحر المتوسط. وفي بريطانيا وحتى نهاية العصور الوسطى، كان للسنديان قدسية خاصة. وفي جبال البيرينيه ساد الاعتقاد أن من يقطع شجرة سنديان توزا (سنديان البيرينيه)Q.tauza يموت في العام نفسه، لذلك سميت أشجاره بأشجار اللعنة. وساد الاعتقاد في فرنسا وإيطاليا بارتباط سوء الطالع بقطع أشجار السنديان.
الشكل (4) غابة السنديان القلبريني في الجبال السورية في منطقة مزار الشيخ سعد في الطريق إلى الدريكيش |
وقد أتت عوامل التطور بأنواعه على جلّ غابات المنطقة المتوسطية التي مازال السنديان بأنواعه المتعددة يشكل القسم الأعظم منها، فهو يدخل في تكوين طرازيْن من الغابات يختلفان بيئياً ومظهرياً: الطراز الأول يسمى بغابات السنديان ذي الأوراق دائمة الخضرة، والطراز الثاني يسمى بغابات السنديان ذي الأوراق المتساقطة، المعروف محلياً بالبلوط.
أنواع السنديان المتوسطية
1ـ السِنْدِيان العادي أو القِلِبْرينيQuercus calliprinos: شجرة قد يتجاوز ارتفاعها عشرين متراً، كثيرة التفرع والفسائل إذا قطعت؛ الأوراق دائمة (عدة سنوات)، ذات عنق قصير، قاسية، مسطحة أو مجعَّدة، ذات حافة مسننة شوكية. تنضج ثماره في عامين؛ وتعطي كل ثمرة بلوطة بيضوية محاطة بقمع نصف كروي مغطّى بحراشف سفلية منطبقة على القمع، تتلوها حراشف علوية سنانية منتصبة أو ممتدة إلى الأسفل (الشكل- 3).
وينتشر السنديان العادي في المناطق الشرقية من البحر المتوسط وغربي آسيا. في إيران والعراق وسورية وتركيا ولبنان وفلسطين والأردن واليونان وكذلك في ليبيا. يقابل ذلك السنديان القرمزي Q.cocciferaالمنتشر في القسم الغربي من منطقة البحر المتوسط. وهو ينبت في الأراضي الفقيرة والصخرية، غير متأثرٍ بالتركيب الكيميائي أو الفيزيائي للتربة؛ ويصادف على أنواع مختلفة من الصخور ويقاوم البرد ويتحمل الجفاف إلى حدٍ ما.
الشكل (5) السنديان المنفتك: غصن مثمر |
وينتشر هذا النوع في تركيا وإيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين. وهو يؤلف في سورية غابات خالصة تكون نطاقاً غابياً مستقلاً يحتل الجبال الساحلية على ارتفاع 700 ـ 1000م عن سطح البحر، ويختلط إذا كان ما دون ذلك بالسنديان العادي أي البلوط والسنديان الأشعر أي العزر، والصنوبر والأرز والشوح. وقد بيَّنتْ دراسات توزع السنديان المنفتك في سورية وجود نوعيْن هما المنفتك ودقيق الورق.
3ـ السنديان الأشعر، نويع الأشعر الزائفpseudocerris: شجرة كبيرة يمكن أن يصل ارتفاعها حتى 30 متراً وقطرها حتى 100سم. جذعها مستقيم مغطى بقشرة رمادية فاتحة فلينية تتخللها شقوق غزيرة طولانية وعرضانية. الأوراق مفصَّصة، والفصوص كاملة أو مقسمة، غير متساوية. الثمار ضخمة طولها ما بين 2.5 و3.5سم وعرضها ما بين 1.6 و2سم، أقماعها أسطوانية مغطاة بحراشف طويلة دقيقة مخرزية الشكل منطبقة أو مرتدة خارج القمع.
وينتشر النويْع في سورية وفي جبال الأمانوس، في حين ينتشر النوع في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وصقلية وألمانيا الغربية ويوغوسلافيا والبلقان (الشكل- 6).
4ـ السنديان القرمزي Q.coccifera: شجرة قد ترتفع إلى 15م، ويبلغ قطرها نحو 120سم. وتتميز بضخامة التاج وكبر الثمار التي يصل طولها إلى 4.5سم. ينتشر السنديان في اليونان وجزيرة كريت وجبال الأمانوس، وصقلية يستخرج منه صبغ أحمر كارمن تسببه غشائية الأجنحة Kermes vermilio.
الشكل (6) السنديان الأشعر شجرة منفردة في الجبال الساحلية السورية في منطقة الشيخ سعد في الطريق إلى الصلنفة |
6ـ السنديان الأخضر Q.ilex: شجرة جميلة متوسطة القد. أوراقها دائمة متباينة الأبعاد تراوح بين 1 و8سم طولاً و0.5 و5سم عرضاً، وهي بيضوية متطاولة تامة الحافة أو مسننة شوكية. الثمار حولية النضج محاطة بأقماع نصف كروية. ينتشر السنديان الأخضر في القسم الغربي من حوض البحر المتوسط حيث يشغل مساحة واسعة. ويمتد شرقاً إلى غرب اليونان. وينمو السنديان الأخضر نتيجة للاحتطاب الجائر في أفراد مبعثرة بعد أن كان يؤلف غابات كثيفة.
7ـ السنديان الزَّان Q.faginea: شجرة خشنة القشرة، متساقطة الأوراق التي تبقى محمولة على الشجرة حولاً كاملاً حتى الربيع القادم. وهي متباينة الشكل والأبعاد، معنَّقة، متعرجة الحافة. أو مسننة مُفَرَّضة والثمار حولية النضج. وتنتشر غابات هذا النوع في إسبانيا والبرتغال والمغرب والجزائر وتونس على نحو يشابه إلى حدٍ ما، من الناحية البيئية، أماكن انتشار غابات الأرز في بعض هذه الدول.
8ـ سنديان البيرينية Q.pyrenaïca: شجرة متوسطة القد، أوراقها متساقطة غائرة الفصوص والثمار حولية النضج محمولة على أغصان العام نفسه. وتنتشر في المغرب لاسيما في المواقع الجبلية. كما توجد في إسبانيا وجنوب غربي فرنسا.
أهم أنواع السنديان الأوربية
1ـ السنديان المعلاقيQ.pedunculata: شجرة كبيرة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى نحو 35م. تنتشر في القسم الأكبر من أوربا، من جنوب اسكندينافيا في الشمال حتى القفقاس في الشرق.
2ـ السنديان اللاطئ الزهر Q.sessilflora: شجرة كبيرة يمكن أن يراوح ارتفاعها ما بين 35م و40م. وتنتشر في أوربا حتى القفقاس.
ولهذين النوعين من السنديان قيمة اقتصادية كبيرة لاستعمال أخشابهما في مجالات كثيرة أبرزها صناعة الأثاث والمفروشات.
استعمالات السنديان
يُعد خشب بعض الأنواع، في مجال الصناعة، واحداً من أرقى أخشاب البناء والمفروشات، ومن أفضل أنواع أخشاب الوقود، إذ تزداد طاقته الحرارية بارتفاع كثافته. كما يعطي فحماً من النوع الجيد. وتختلف نوعية الخشب وخصائصه من نوع إلى آخر، كما تختلف باختلاف الشروط البيئية التي تنمو فيها أفراد النوع الواحد والأنواع المختلفة.
من ثمار السنديان المرُّ اللاذع، ومنها الحلوُ الذي يصلح للاستهلاك كمادة غذائية. وتعادل القيمة الغذائية لثمار السنديان خليطاً من الذرة الصفراء والشوفان، مكونة من المركبات الآتية: 4% مواد دهنية، 7% مواد عفصية، 4% آزوت عضوي، 10% سكر، 3% رماد، 30 ـ 37% نشاء، 32 % ماء.
وتمتاز ثمار بعض أنواع السنديان الهندي باحتوائها زيوتاً نباتية مثل زيت حمض النخل (18%) وحمض الزيت (82%). كما تحتوي ثمار أنواع هندية أخرى على نحو 61% من السكريات مما يجعلها مصدراً لاستخلاص الكحول.
يرجع تاريخ استعمال الفلين إلى الإغريق والرومان على الأقل. ويستحصل على الفلين التجاري من السنديان الفليني. ويتألف الفلين من القِلْف الخارجي المنزوع من الشجرة من دون إتلاف القِلْف الداخلي الذي يولِّد كل عام طبقات جديدة من الفلين. ويستحصل على الفلين بعمل قطاعات عمودية وعرضية في الشجرة بوساطة بلطات أو مناشير خاصة. وتُنزع أجزاء كبيرة من القِلْف الخارجي دون خدش القِلْف الداخلي الذي قد يمنع تكوين القِلْف الجديد أو قد يودي بحياة الشجرة. ويقشَّر الفلين عادة في منتصف الصيف أي في مرحلة نشاط حركة النسغ، وتستعمل لهذه الغاية السوق الرئيسية والأفرع الكبيرة. ويُنزع الفلين أول مرة من أشجار يراوح عمرها بين 15 و18سنة ومن ارتفاع ما بين 2 و3م، ويعرف هذا بالفلين البِكر أو المذكَّر، وهو فلين قاس غير متجانس رديء، ذو قيمة منخفضة؛ ثم تُتابع عملية التقشير كل تسع سنوات. ويستحصل على أجود أنواع الفلين انطلاقاً من التقشير الثالث. وتعيش الشجرة ما بين 100 و500 سنة، ومتوسط إنتاجها من 200 إلى 250كغ. يتمتع الفلين بخصائص صناعية مهمة، فهو خفيف الوزن يطفو بسهولة على سطح الماء، سهل الانضغاط، مرن يتحمل الصدمات، ناقل رديء للحرارة وغير نفوذ للرطوبة والسوائل ويمتص الصوت والاهتزازات.
المنتجات الثانوية لأحراج السنديان
تمثل الكمأة أحد النواتج الثانوية التي تقدمها أحراج السنديان الأزغب أو الوبريQ.pubescens المنتشرة في أوربا، إذ تستضيف جذور هذه الأشجار فطر الدرن الأسود البزر أو البوغ Tuber melanosporumالذي يُوَلِّد أجساماً ثمرية معروفة باسم الكمأة السوداء عالية القيمة الاقتصادية.
كما تشكل المواد العفصية الموجودة في العصارة الخلوية، وفي القِلْف والخشب والأوراق والجذور والثمار والعفصات التي تستعمل بكثرة مصدراً للمواد الدباغية. والعفصات أورام تكونت على أفرع شجرة السنديان المنفتك (البلوط) كرد فعل على الضرر الناتج من عملية وضع البيض لأحد أنواع الحشرات. وقد استخدم عفص البلوط المعروف تجارياً بعفص حلب، لأول مرة في القرن الحادي عشر، في صناعة حبر الكتابة.
تستعمل أوراق كثير من أنواع السنديان مواد علفية رعوية. كما أن أوراق عديد من الأنواع النامية في آسيا الشرقية تستخدم في تربية دودة القز.
محمد نبيل الشلبي