أهل السنة Sunnis - Sunnites

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أهل السنة Sunnis - Sunnites

    السنة (أهل ـ)

    هم أصحاب المنهج القويم الذين يلتزمون ما أنزل الله في قرآنه المجيد، وما أوحاه الله إلى رسوله الأمين من السنة النبوية، واتبعها الصحابة الكرام رضي الله عنهم قبل ظهور الابتداع في الدين والسياسة.
    والدليل الواضح: ما أخرجه مالك في الموطأ، بلغه أن رسول اللهr قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله»، وما أخرجه أيضاً أبو داود والترمذي: «... أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل مُحْدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». وهذا في ضوء الآيات القرآنية الكريمة الواردة في هذا الشأن مثل قوله تعالى: ]اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُون[(الأعراف 3)، وقوله سبحانه: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.[ (النساء 59)؛ وقوله عز وجل:]وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[ (التوبة 100).
    وبدايات هذه الصفة ظهرت في عهد الإمام علي بن أبي طالب[ر] بعد حدوث موقعة صِفِّين، وانقسام الأمة الإسلامية سياسياً بسبب تآمر المفسدين والتعصب المذهبي، ولكن مصطلح «أهل السنة» لم يطلق إلا في العصر العباسي الأول على من يتمسك بالكتاب والسنة، في مقابل ظهور اسم المعتزلة الذي كان يطلق على من يأخذ بالكلام والنظر، وظلت الحال كذلك، إلى أن ظهر الإمامان: أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي في أواخر القرن الثالث الهجري، واضمحلت أمامهما كل الفرق الأخرى، فلم يعد بارزاً في الوسط الاجتماعي إلا مذهب أهل السنة الذي يضم جماهير المسلمين، ومذهب الشيعة الباقي إلى اليوم.
    أهم عقائدهم
    تمثِّل عقائدهم ظواهر القرآن والسنة، فهم يؤمنون بأركان الإيمان الستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقَدَر خيره وشره، ويدينون بأركان الإسلام الخمسة وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً.
    وينزّهون الله تعالى عن كل شريك في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهم أهل التوحيد الخالص، أي إن الله عز وجل واحد لا شريك له، فَرْد، صَمَدٌ (مقصود في الحوائج كلها) لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، متصف بالعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة والكلام والحياة.
    ويعتقدون بأن الجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان، وأن الساعة (القيامة) لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، ويوقنون بسؤال منكر ونكير في القبر بعد الموت، وأن عذاب القبر للعصاة حق، ونعيمه للطائعين حق، والميزان حق، والصراط (بين الجنة والنار) حق، والحوض (حوض النبيrفي الجنة) حق، وأن الله وحده يحاسب الخلائق أجمعين، وأن كلام الله قديم غير مخلوق، وأنه لا يكون في الأرض شيء من خير أو شـر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله تعالى، ولا يستغني أحد عن الله ربه، وأنه لا خالق على الإطلاق إلا الله، وأن أعمال العباد مخلوقة لله مقدورة، والعباد لا يقدرون على أن يَخْلُقوا شيئاً ولو اجتمعوا له، وهم يُخلَقون، وأن الله وفّق المؤمنين لطاعته ولطف بهم، ولم يلطف بمن كفروا به، وأن الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون لا غيرهم، ولا يكفِّرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه ولو كان كبيراً، كالزنا والسرقة وشرب الخمر والمسكرات، ويدينون بأن الله تعالى يقلِّب القلوب كيف يشاء. والإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، ولكن أصل الإيمان جوهر واحد، والإسلام[ر] أوسع من الإيمان، فليس كل إسلام إيماناً. وأهل السنة يحبون السلف الصالح من الصحابة والقرابة وآل البيت النبوي (بني هاشم وبني عبد المطلب) والتابعين لهم بإحسان، ويتولونهم أجمعين، ويثنون عليهم خيراً، ولاسيما الخلفاء الراشدين، ويشهدون بالجنة للعشرة المبشرين بها من النبيr. ولا يبتدعون في دين الله بدعة لم يأذن الله بها، ولا يقولون على الله مالا يعلمون، ويَدْعون لأئمة المسلمين بالصلاح والهداية، ويقرِّون بخروج الدجّال في آخر الزمان، ومن مات أو قتل مات بأجله. والأرزاق من الله تعالى لجميع عباده، والله عز وجل يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون إليه، وما كان وما يكون، ويعلم بالجزئيات والكليات. ويُخرج الله عصاة المؤمنين من النار، بعد تعذيبهم بمشيئة الله، فلا يُخلَّد مرتكب الكبيرة في النار، ويغفر الله لمن يشاء، ويعذِّب من يشاء، ويقبل التوبة من عباده، ويعفو عن السيئات، ويتبرؤون من أهل الأهواء والضلال، ويرون أن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويغريه بالمعاصي، من غير سلطان له ولا تأثير على عباد الله الصالحين. ويثبتون «الكرامة» لأولياء الله الصالحين، تمييزاً لها من المعجزة وهي الأمر الخارق للعادة، التي يجريها الله تعالى على يد الأنبياء والمرسلين لإثبات صدقهم، ويأخذون بكل ما جاءت به السنة النبوية من عقائد، سواء السنة المتواترة وأخبار الآحاد، ويعتقدون بظواهر النصوص الموهمة للتشبيه دون وقوع في التشبيه الفعلي، كاعتقاد وجود الوجه والعين واليد لله تعالى، كما جاءت بها النصوص الشرعية، بلا كيف معين، ولا تحديد، ولا تجسيم، ولا تشبيه بالبشر: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ (الشورى: 11) وأن الله استوى على عرش ملكه استواء يليق به، من غير تشبيه ولا تمثيل ولا حصر، لقوله تعالى:]الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[ (طه: 5).
    والشفاعة ثابتة للرسولr في الآخرة بإذن الله، خلافاً للمعتزلة، والإنسان يفعل أفعال الشر بالاكتساب دون أن يخلقها، وأعمال العباد مخلوقة لله ومقدورة له. وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأمر الله نافذ في كل حال، لقوله تعالى: ]إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[(النحل: 40). وأصل الهداية والضلال بيد الله تعالى حسبما يعلم من أحوال البشر سلفاً قبل الخلق، لقوله سبحانه: ]مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون[(الأعراف: 178) وما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا. ولا يجوز الخروج والعصيان على أئمة المسلمين المعروفين بالصلاح والتقوى، ولا القتال في الفتنة، ويصدِّقون بحديث المعراج، ويبيحون الصدقة عن موتى المؤمنين والدعاء لهم، والله ينفعهم.
    فرق أهل السنة
    مدارس أهل السنة والجماعة بالاستقراء ثلاث:
    1ـ أهل الحديث والأثر: وهم الذين يعتمدون على الأدلة النقلية أو السمعية من الكتاب والسنة والإجماع.
    2ـ أهل النظر العقلي في العقائد وهم الأشعرية والماتريدية.
    3ـ أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية، ومبادئهم كأهل النظر العقلي في الحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية.
    أما الأشاعرة: فهم أتباع الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري[ر] الشافعي إمام أهل السنة، ولد بالبصرة سنة 260هـ، وتوفي سنة 324هـ، قام بعد ترك مذهب أهل الاعتزال بإبطال آراء المعتزلة الذين حملوا على الفقهاء والمحدثين، وسمي أتباعُه (الأشاعرة) بأهل السنة والجماعة، لإثباتهم ما وردت به السنة النبوية، وانتشر مذهبهم في بلاد العراق وخراسان والشام وبلاد المغرب وإفريقيا، وآراؤه هي ما تقدم بيانه عن أهل السنة.
    وأما الماتريدية: فهم أتباع الإمام أبي منصور محمد بن محمد الحنفي الماتريدي، نسـبة إلى «ماتريد» بسمرقند التي ولد فيها، وتوفي سنة 333هـ، تتفق أكثر آرائه مع الأشـعري، مع فروق جزئية.
    ومجمل الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية هو خلاف في فهم المراد ببعض النصوص أو في المأخوذ من بعض النصوص، ولا ترتقي إلى مسـائل أصول الإيمان وقواعده، ولا تمس صفات الله تعالى بنفي الثابت منها أو التحريف منها. وكل ما وعد الله به واقع ونافذ، ومن وعده: فتح باب الرجاء والأمل للفساق والعصاة بالعفو والمغفرة يوم القيامة بمشيئة الله تعالى.
    ـ ويلاحظ أن مذهب أهل السنة هو التوسط والاعتدال بين طريقين حادّين فيما يأتي:
    أولاً: المشبِّهة (المجسِّمة) الذين نسبوا الله تعالى إلى الجسمية، وأسندوا إليه سبحانه كثيراً مما يسند إلى الجسم، والمعطِّلة الذين نفوا صفات الله تعالى التي وردت في كتاب الله وسنة رسولهr، فقد أثبت أهل السنة لله تعالى كل الصفات التي أثبتها لنفسه مع التنزيه.
    ثانياً: في مسألة الجبر والاختيار: فالجبرية قالوا إن الله أجبر عباده على أقوالهم وأفعالهم من غير اختيار، والقَدَرية ذهبوا إلى الاختيار المطلق، وقال أهل السنة إن الخلق خلق الله، والكسب للإنسان (أو العبد المخلوق)، أي إن الإنسان يملك اختياراً وإرادة، والتكليف بالتكاليف الشرعية مرتبط بالكسب وهو الاقتران بين الفعل المخلوق من الله، وبين اختيار الإنسان.
    ثالثاً: في مسألة الشفاعة: المعتزلة نفوا الشفاعة من أصلها، والإمامية أثبتوها للنبيrولجميع الأئمة الاثني عشر، وأهل السنة قالوا إن الشفاعة مقصورة على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولمن أذن الله له بها من أهل الإيمان والصلاح.
    رابعاً: في مسألة الحسن والقبح للأشياء والأفعال: المعتزلة قالوا: إن الحسن والقبح عقليان، لا شـرعيان، والجبرية قالوا: إنهما شـرعيان، واتفق أهل السـنة من الأشـاعرة والماتريدية على أنه لا تكليف قبل ورود الشرع، وإن اختلفوا في إدراك مناط الثواب والعقاب في بعض الأفعال وكونه شرعياً أو عقلياً، مع الاتفاق حتى مع المعتزلة على أن العقل يدرك الحسن والقبح في شيئين: إطلاق الحسن على ما يلائم الطبع كالحلاوة والعذوبة أو صفة الكمال كالعلم والصدق، وإطلاق القبح على منافر الطبع كالمرارة والخشونة، وعلى صفة النقص كالجهل والكذب.
    خامساً: في مرتكب الكبيرة: قال الخوارج: إن مرتكب الذنوب الكبيرة كالزنا والسرقة وشرب الخمر كافر مخلَّد في النار، فضيقوا دائرة الإيمان. والمرجئة الذين وسّعوا دائرة الإيمان قالوا: لا تضر مع الإيمان معصية، والمعتزلة قالوا: إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين. وقال أهل السنة: إن الإيمان شرط لقبول كل عمل صالح، والسيئة يجزى بمثلها، وعفو الله تبارك وتعالى لا حدّ يقيده، وطاعات الإنسان ومعاصيه منسوبة إليه.
    سادساً: في مسألة التَّقِيَّة: غلب على الخوارج الطبيعة البدوية فأخذوا بموقف المجابهة والصراحة، فحرَّموا التقية مطلقاً. والشيعة أجازوها مطلقاً، بإظهار الموافقة وإخفاء المخالفة، وأهل السنة قالوا: إذا خاف الإنسان على نفسه وماله، هاجر من موضعه إلى حيث يأمن على نفسه، وإلا أخذ بها بقدر الضرورة حتى يتمكن من الفرار بدينه.
    وقد أشار القرآن إلى التقية في معاملة الأعداء فقط في الآية: ]إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ...[ (آل عمران: 28)، أي في حال الخوف من ضرر الأعداء كالقتل مثلاً، تجوز موالاة الأعداء في الظاهر بقدر دفع الضرر عنا.
    وهبة الزحيلي

يعمل...
X