السَّموأل الأزدي
(… ـ نحو 65ق.هـ/… ـ نحو 560م)
السّموأل بن عُرَيض (وقيل: غُرَيض) ابن عادياء (بالمدِّ وقد يُقصر) الغسّاني الأزدي، ويدرج بعضُهم عُرَيضاً في النّسب ويرفعون السّموأل إلى جدِّه؛ فيقولون: السّموأل بن عادياء. وساق نسبه آخرون فقالوا: السَّموأل بن حَِيّا ابن عادياء، وإنّما الصّواب: السَّموأل بن عُرَيض بن عادياء؛ بآية ما جاء في نسب أخيه سَعْيَة بن عُرَيض بن عادياء، وهو نسبٌ متَّفقٌ عليه.
شاعر جاهليّ من أهل تيماء، جعله ابن سلاّم أوّلَ طبقة شعراء يهود؛ وهم ثمانية فيهم أخوه سَعْيَة، وبيتُهُ بيتُ الشِّعر في يَهود، فهو شاعرٌ وأبوه شاعرٌ، وأخوه سَعْيَة شاعر متقدِّم مجيد.
كان لجدِّه عادياء حصنٌ منيع اشْتُهِر بالأبلق، وبئرٌ رويّة عذبة احتفرتْ فيه، فكان السَّموأل يُضِيف العرب حين تَنْزِل بالحصن ويَمِيْرها منه. وبالسَّموأل ضُرِب المثل في الوفاء لإسلامِه ابنَهُ للقَتْل على أن يُفَرِّط في دروعٍ أُوْدِعها أمانةً، في خبرٍ طويل، وقصّة مشهورةٍ، تُطْوَى في قولهم: إنّ امرأ القيس صاحب (قِفا نَبْكِ) اسْتَودع السَّموأل دروعاً، كانت ملوك كندة يتوارثونها ملكاً عن ملك، فطلبها الحارثُ بن أبي شَمِر الغَسّانيّ وألَحّ في تَطْلابِها، فلمّا حُجِبَتْ عنه سار إلى السَّموأل (وقيل: بل وجّه إليه الحارث بن ظالم)، فلمّا دَهَم الجيشُ السَّموأل أغلق الحصن دون من دَهَمَه، فأُخِذ له ابنٌ كان خارج الحصن في مُتَصَيَّدٍ له، فخَيّر الحارث السَّموأل بين دَفْعِ الدروع التي في حِرْزه وقَتْل ابنه، فاختار السَّموأل الوفاءَ بالذِّمّة؛ وفي ذلك يقول الأعشى، مخاطباً بعض بَنِي السَّموأل:
كُنْ كالسَّموأل إِذْ طاف الهُمامُ بهِ
في جَحْفَلٍ كَسَوادِ اللّيل جَرّارِ
بالأبلقِ الفَرْدِ مِن تَيْماءَ منزلُهُ
حصنٌ حصينٌ وجارٌ غير غدّار
فقال: ثُكْلٌ وغَدْرٌ أنت بينهما
فاخْتَرْ وما فيهما حظٌّ لِمُخْتارِ
فَشَكَّ غيرَ طويلٍ، ثمّ قال له:
اقْتُلْ أسيرَكَ إنِّي مانعٌ جاري
جازف نفرٌ فنسبوا لاميّة عبد الملك الحارثيّ إلى السّموأل، وهي التي يقول فيها:
إذا المرءُ لم يَدْنَسْ مِنَ اللؤمِ عِرضُهُ
فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جميلُ
وإنْ هو لم يحملْ على النَّفس ضَيْمَها
فليس إلى حُسْنِ الثّناء سبيلُ
وفيها يقول الحارثيّ في ثنائه على رهطه؛ بني الدَّيّان رأس بني الحارث بن كعب:
فإنّ بَني الدَّيّان قُطْبٌ لقومِهمْ
تدورُ رَحاهمْ حولَهُمْ وتجولُ
وفيها أيضاً:
لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَنْ نُجِيْرُهُ
منيعٌ يردُّ الطَّرفَ وهْو كَلِيْلُ
ولمكانِ هذا البيت جازف مَنْ جازف في نسبة هذه القصيدة إلى السّموأل، ثمّ بالغوا فيما ذهبوا إليه فتزيّدوا أبياتًا في القصيدة كي توائم ضَلال هذه النّسبة، من ذلك قولهم عقب البيت السالف:
هو الأبلقُ الفَرْدُ الذي سارُ ذِكْرُهُ
يعزّ على مَنْ رامَهُ ويَطولُ
واتّبعوا ظَنَّ مَنْ ظَنّ أنّ الجبل في القصيدة هو حصن السّموأل الذي يقال له الأبلق، وإنّما المُراد بالجبل في القصيدة العِزّة والمَنْعة، كما لا يخفى. ولعلّ هؤلاء النّفر لم يُصيبوا شيئاً أعَزّ ولا أنْفَسَ من لاميّة الحارثيّ تكون هِبةً خالصة للسَّموأل، على وفائه بدروع الكنديّ.
ليس في شعره الذي انتهى إلينا ما يدلّ على طَبْعٍ أو فحولة كالذي لأخيه سَعْيَة، عدا ما نُسِب إليه من شعر عبد الملك الحارثيّ، وتائيّته التي انتخب منها ابن سلاّم أبياتًا، منها:
إِنَّ حِلْمِي إذا تَغَيَّبَ عَنِّي
فاعْلمي أنّني عَظيمًا رُزِيْتُ
ضَيِّقُ الصّدرِ بالخِيانةِ، لا يَنْـ
ـقُضُ فَقْري أمانَتي، ما حَيِيْتُ
كم فَظيعٍ سمعتُهُ فَتصامَمْـ
ـتُ، وغَيٍّ تركتُهُ فكُفِيتُ
وقد ذهِل عن هذا المعنى من نشر شعر السّموأل، فذهبوا إلى الشكّ في نسبة كثير من قوافي الرجل؛ لأنّها دون جودة اللاّميّة بمَفاوز، ولو شكّوا في نسبة اللاّميّة إلى السّموأل لأصابوا قرائنَ كثيرةً تدلّ على أنّ لها صاحباً غير السّموأل، وأيّ صاحب هو!
نُشِر شعره قبل نحو قَرْن، عن قطعة عتيقةٍ، منسوبة الصَّنْعة إلى أبي عبد الله بن نِفْطَويه، مُسْتَلَّةٍ من مجموعٍ قديم، ثم اعْتورته الأيدي بعد ذلك بالزّيادة والنّقصان، نشرةً تِلوَ أخرى، ليس في واحدةٍ منهنّ عظيم غناء عن النشرة الأولى.
مقبل التام عامر الأحمدي
(… ـ نحو 65ق.هـ/… ـ نحو 560م)
السّموأل بن عُرَيض (وقيل: غُرَيض) ابن عادياء (بالمدِّ وقد يُقصر) الغسّاني الأزدي، ويدرج بعضُهم عُرَيضاً في النّسب ويرفعون السّموأل إلى جدِّه؛ فيقولون: السّموأل بن عادياء. وساق نسبه آخرون فقالوا: السَّموأل بن حَِيّا ابن عادياء، وإنّما الصّواب: السَّموأل بن عُرَيض بن عادياء؛ بآية ما جاء في نسب أخيه سَعْيَة بن عُرَيض بن عادياء، وهو نسبٌ متَّفقٌ عليه.
شاعر جاهليّ من أهل تيماء، جعله ابن سلاّم أوّلَ طبقة شعراء يهود؛ وهم ثمانية فيهم أخوه سَعْيَة، وبيتُهُ بيتُ الشِّعر في يَهود، فهو شاعرٌ وأبوه شاعرٌ، وأخوه سَعْيَة شاعر متقدِّم مجيد.
كان لجدِّه عادياء حصنٌ منيع اشْتُهِر بالأبلق، وبئرٌ رويّة عذبة احتفرتْ فيه، فكان السَّموأل يُضِيف العرب حين تَنْزِل بالحصن ويَمِيْرها منه. وبالسَّموأل ضُرِب المثل في الوفاء لإسلامِه ابنَهُ للقَتْل على أن يُفَرِّط في دروعٍ أُوْدِعها أمانةً، في خبرٍ طويل، وقصّة مشهورةٍ، تُطْوَى في قولهم: إنّ امرأ القيس صاحب (قِفا نَبْكِ) اسْتَودع السَّموأل دروعاً، كانت ملوك كندة يتوارثونها ملكاً عن ملك، فطلبها الحارثُ بن أبي شَمِر الغَسّانيّ وألَحّ في تَطْلابِها، فلمّا حُجِبَتْ عنه سار إلى السَّموأل (وقيل: بل وجّه إليه الحارث بن ظالم)، فلمّا دَهَم الجيشُ السَّموأل أغلق الحصن دون من دَهَمَه، فأُخِذ له ابنٌ كان خارج الحصن في مُتَصَيَّدٍ له، فخَيّر الحارث السَّموأل بين دَفْعِ الدروع التي في حِرْزه وقَتْل ابنه، فاختار السَّموأل الوفاءَ بالذِّمّة؛ وفي ذلك يقول الأعشى، مخاطباً بعض بَنِي السَّموأل:
كُنْ كالسَّموأل إِذْ طاف الهُمامُ بهِ
في جَحْفَلٍ كَسَوادِ اللّيل جَرّارِ
بالأبلقِ الفَرْدِ مِن تَيْماءَ منزلُهُ
حصنٌ حصينٌ وجارٌ غير غدّار
فقال: ثُكْلٌ وغَدْرٌ أنت بينهما
فاخْتَرْ وما فيهما حظٌّ لِمُخْتارِ
فَشَكَّ غيرَ طويلٍ، ثمّ قال له:
اقْتُلْ أسيرَكَ إنِّي مانعٌ جاري
جازف نفرٌ فنسبوا لاميّة عبد الملك الحارثيّ إلى السّموأل، وهي التي يقول فيها:
إذا المرءُ لم يَدْنَسْ مِنَ اللؤمِ عِرضُهُ
فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جميلُ
وإنْ هو لم يحملْ على النَّفس ضَيْمَها
فليس إلى حُسْنِ الثّناء سبيلُ
وفيها يقول الحارثيّ في ثنائه على رهطه؛ بني الدَّيّان رأس بني الحارث بن كعب:
فإنّ بَني الدَّيّان قُطْبٌ لقومِهمْ
تدورُ رَحاهمْ حولَهُمْ وتجولُ
وفيها أيضاً:
لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَنْ نُجِيْرُهُ
منيعٌ يردُّ الطَّرفَ وهْو كَلِيْلُ
ولمكانِ هذا البيت جازف مَنْ جازف في نسبة هذه القصيدة إلى السّموأل، ثمّ بالغوا فيما ذهبوا إليه فتزيّدوا أبياتًا في القصيدة كي توائم ضَلال هذه النّسبة، من ذلك قولهم عقب البيت السالف:
هو الأبلقُ الفَرْدُ الذي سارُ ذِكْرُهُ
يعزّ على مَنْ رامَهُ ويَطولُ
واتّبعوا ظَنَّ مَنْ ظَنّ أنّ الجبل في القصيدة هو حصن السّموأل الذي يقال له الأبلق، وإنّما المُراد بالجبل في القصيدة العِزّة والمَنْعة، كما لا يخفى. ولعلّ هؤلاء النّفر لم يُصيبوا شيئاً أعَزّ ولا أنْفَسَ من لاميّة الحارثيّ تكون هِبةً خالصة للسَّموأل، على وفائه بدروع الكنديّ.
ليس في شعره الذي انتهى إلينا ما يدلّ على طَبْعٍ أو فحولة كالذي لأخيه سَعْيَة، عدا ما نُسِب إليه من شعر عبد الملك الحارثيّ، وتائيّته التي انتخب منها ابن سلاّم أبياتًا، منها:
إِنَّ حِلْمِي إذا تَغَيَّبَ عَنِّي
فاعْلمي أنّني عَظيمًا رُزِيْتُ
ضَيِّقُ الصّدرِ بالخِيانةِ، لا يَنْـ
ـقُضُ فَقْري أمانَتي، ما حَيِيْتُ
كم فَظيعٍ سمعتُهُ فَتصامَمْـ
ـتُ، وغَيٍّ تركتُهُ فكُفِيتُ
وقد ذهِل عن هذا المعنى من نشر شعر السّموأل، فذهبوا إلى الشكّ في نسبة كثير من قوافي الرجل؛ لأنّها دون جودة اللاّميّة بمَفاوز، ولو شكّوا في نسبة اللاّميّة إلى السّموأل لأصابوا قرائنَ كثيرةً تدلّ على أنّ لها صاحباً غير السّموأل، وأيّ صاحب هو!
نُشِر شعره قبل نحو قَرْن، عن قطعة عتيقةٍ، منسوبة الصَّنْعة إلى أبي عبد الله بن نِفْطَويه، مُسْتَلَّةٍ من مجموعٍ قديم، ثم اعْتورته الأيدي بعد ذلك بالزّيادة والنّقصان، نشرةً تِلوَ أخرى، ليس في واحدةٍ منهنّ عظيم غناء عن النشرة الأولى.
مقبل التام عامر الأحمدي