ما هو الفطر – ما هي الفطور ؟ للإجابة عن هذا السؤال، دعونا نبدأ بشيءٍ مألوف، وهو فطر «عيش الغراب». لا بد أن الجميع قد رأى الفطور في الحدائق والحقول، ويعلم أنّها تظهر غالبًا في الخريف، وتستمر في الوجود لمدة قصيرة قبل أن تتعفَّن، متحولةً إلى فوضى رطبة، كوصفٍ نموذجي، نرى الجذرَ والقبعةَ والخياشيم أسفل القبّعة.
عند رؤيتك هذا الفطر ينبثقُ من الأرض، فأنت تشاهد جزءًا من الفطر، لا بنيته كاملةً. توجد معظم بنية جسم الفطر (غالبًا 90% أو أكثر) تحت الأرض، لتكوّن شبكةَ خيوطٍ مجهرية رفيعةٍ منتشرة في التربة. يدعى الخيط المفرد بـ(الخوط – hypha) وشبكة الخيوط تدعى (أُفْطورة – mycelium). توجد الأفطورة على مدار السنة بمكانها، حيث تتغذى وتتوسع. سترى أن الأفطورة غالبًا تمثل الجزء النباتي من الفطر.
حين تتوفر الظروف الملائمة، تُنتجُ الأفطورة القابعة تحت الأرضِ الفطر الذي نُشاهده، وهو بدوره مكوّن من خيوط. تتمثل وظيفة الفطر النابت بإنتاج الأبواغ ونشرها، والتي بدورها تطوّر فطورًا جديدةً.
يمكن شرح هذا بسياقٍ مشابهٍ آخر، وهو إجراءُ مقارنةٍ مع شجرةِ تفّاح. أنت تعلم بأنّ شجرة التفاح توجد في حديقتك على مدار السنة، ولكنها لا تُنتج التفاح إلا لفترةٍ محدودة. بشكلٍ مشابه، فإن الأفطورة توجد تحت التربة على مدار السنة، ولكنها لا تُنشئ الفطر إلّا لفترة قصيرة. يمثّل التفاح طريقة الشجرة في إنتاج البذور التي تُنشئُ أشجارَ تفاحٍ جديدة، مشابهةً بذلك دور الفطر كما وُضّح أعلاه. تُنتج شجرة التفاح خاصتك العديدَ من التفاح، لذا فأفطورةٌ واحدة تُنتج العديد من الفطور. قد لا تُنتج شجرتك أيّ تفاحٍ في سنةٍ ما بسبب الظروف السيئة، ولكنها تبقى هناك. وبشكلٍ مشابه، فإن الأفطورة قد لا تُنتج أي فطورٍ بسبب الظروف السيئة، ولكنها تبقى قابعةً تحت الأرض. إن مقارنة الفطور وشجرة التفاح مثالٌ شرحي جيد، ولكن لا يمكن استعماله أكثر من هذا وذلك للاختلافات الجذرية ما بين بذور النباتات وأبواغ الفطور.
تَنتج الأبواغ في الفطور من الخياشيم التي تقع تحت القبعة، ثم تتحرر الأبواغ من الخياشيم عند البلوغ، ساقطةً إلى الأسفل تحت تأثير الجاذبية، فتُحمل بعيدًا عبر نسيم الهواء. إن أبواغ الفطور بالغةُ الصغر – نموذجيًا، أقل من عُشر المليمتر – لذا فهي سهلة الانتشار تحت تأثير أضعف نسيم هواءٍ ممكن. تتمثّل وظيفة ساق الفطر بإبعاد القبعة عن العشب والأغصان والأحجار القريبة من الأرض، فإذا كانت القبعة مرتفعةً بشكل مناسب، فإن الأبواغ الساقطة تمتلك فرصةً جيدةً كي تُحمل إلى مسافةٍ ملحوظةٍ، بدلًا من أن تعلق بعوائقَ مثل العشب، أو الأحجار، أو الأغصان المذكورة.
الفطر
الأفطورة النامية
تحت الأرض، ينمو كلّ خوطٍ hypha طوليًا، وليس عرضيًا، ومن الممكن أن يتفرع، وكل فرعٍ ينمو طوليًا ويتفرع بدوره، وهكذا دواليك. إضافةً لذلك، فهناك اتّصالات تنشأ بين الخيوط المتجاورة. بعد مرور وقتٍ طويل، فإن التفرع والاستطالة يعني أن الأفطورة تستطيع استكشافَ حجمٍ كبيرٍ من التراب.
لا نجدُ صباغَ التصنيع الضوئي الأخضر «الكلوروفيل» في الأفطورة، لذا فإن المتعضّية لا تصنع طعامها الخاص كما تفعل النباتات، كما لا تستطيع الخيوط ابتلاع جزيئات الطعام كما تفعل الحيوانات، بدلًا من ذلك تُفرز إنزيماتٌ من ذروة الخيوط في الأفطورة، لتقوم هذه الإنزيمات بتفكيك الجزيئات المعقدة الموجودة في التربة لجزيئاتٍ أصغر، تُمتصُّ من جدران الخيوط عند الحافة النامية.
عندما تستنفد الأفطورة مخزونها من الغذاء، فإنها تسعى إلى المزيد من مصادر الطعام، إذ لا فائدةَ من الاحتفاظ بالأفطورة الداخلية حيث انتهى المخزون الغذائي. لذا، فإن الأفطورة الداخلية تموت لتقوم المتعضية باستخراج ما يمكنها من المغذّيات، التي تستطيع إعادة استخدامها لنقلها خارجًا.
كما ترى فإن الأفطورة لا تنمو دائريًا، وإنما على شكل حلقةٍ، وتكون أطراف الحلقة هي المكان الأكثر نشاطًا. ليس من الغريب أن نرى الفطور السطحية تنمو بشكل حلقةٍ تُدعى الحلقة الخرافية، عاكسةً بذلك التواجدَ الأفطوري تحت الأرض. يعد النمو المتوسّع الحلقي المستمر هو نظريًا النمط الأمثل للأفطورة، إلا أن هناك العديد من العوامل التي قد تُخلّ بهذا النمو المتناسب المثالي. على سبيل المثال، قد يواجه جزءٌ من الأفطورة النامية مكانًا غير صالحٍ للعيش، أو فقيرًا بالمغذيات، مثل نهرٍ، أو تجمعٍ للصخور الصلبة، أو تربةٍ حمضية للغاية، أو قلوية للغاية. ويمكن عند أعمال البناء أن يجرف أحدهم الأفطورة، تاركًا بقعًا أفطوريةً معزولةً غير متأذّية. أنّى حدث الخلل، فإن الأفطورة – أو ما تبقى منها – ستستمر بالتوسع لمناطقَ جديدة، ولكن هذا التوسع سيكون غير منتظمٍ بعض الشيء، حيث سيتوقف في أحد الاتجاهات، أو سيكون سريعًا في اتّجاهٍ آخر.
في النهاية ما هي الإجابة عن: ما هي الفطور أو ما هو الفطر ؟
يُعدُّ وصف عيش الغراب والأفطورة القابعة تحت الأرض شاملًا لكل الفطور المرئية، فهناك أفطوراتٌ مهملةٌ تحوي بنىً منتجةً للأبواغ المرئية، تدعى الفواكِه المبوّغة sporocarps.
عيش الغراب ما هو إلّا فاكهةٌ مبوّغة، وفي تصنيف الفطور، سترى العديدَ من الأمثلة للفواكه المبوّغة، ستكون على معرفةٍ سابقةٍ ببعضها. على سبيل المثال: معظم البشر قد رأوا فطورَ البوغ المنفوخة على الأرض، أو مستندةً ناميةً من شجرة، ولكن تذكر أنه عندما ينمو عيش الغراب على رَوث الومبات (ثدي يقطن أستراليا)، أو فطرٍ منفوخٍ ينمو على ارتفاع عشبي بيضوي، أو فطرٍ مستندٍ ينمو من شجرةِ لِبان، فإنك ترى مجرد فاكهة مبوغة، وظيفتها الوحيدة هي إنتاج الأبواغ ونشرها. يوجد تحت كل منها أفطورة تفرز إنزيمات محطِّمة للجزيئات العضوية تحت التربة، أو الروث، أو غصن شجرة.
عند الحديث بشكلٍ متشدّد، فإن وصفَ عيش الغراب على أنه فطرٌ، أمر غير صحيح، إذ إننا لا نرى إلا جزءًا من الفطر، ولكن الناس تُشير لعيش الغراب والفطر المنفوخ كفطورٍ، وهو أمرٌ شائع ومفهوم، كونها الأجزاء الوحيدة التي نراها.
نمط حياة الفطر أو الفطور
تحتاج كلّ الفطور لجزيئاتٍ عضويةٍ موجودة سابقًا كغذاء لها، تُدعى الفطور التي تتغذى على العضويات الميتة بـ«الفطور الرمّامة»، أما تلك التي تتغذى على الكائنات الحية فتدعى «طُفيلية». في حين أن هناك فطورًا رمامة بحتة، وأخرى لا تتغذى إلا على الأحياء، فقد يتنقل بعضها ما بين الرمّية والتطفل، بما يتناسب مع مصادر الغذاء الموجودة.
تحصلُ التجمّعات الفطرية الكبيرة على الطعام عبر اتّصالات تكافليّة مع النباتات، آخذةً بعض منتجاتِ التصنيع الضوئي الذي تقوم به النباتات. على عكس الطفيليات، فإن الاتصالات التكافلية لا تؤذي النباتات، وقد تكون مفيدةً للنباتات، «في الحقيقة، هي محور الأهمية فيما يتعلق ببقاء النبات على قيد الحياة». تملكُ أغلبية نباتات العالم رفقةً فطريةً، مثالٌ أسترالي: كل شجرة أوكاليبتوس قد تراها، تمتلك جذورًا فطريةً تسكن تحت الأرض.
أماكن معيشة وتوزع الفطر أو الفطور
توجد الفطور الكبيرة والصغيرة حول العالم، بعض أنواع الفطر الصغير تتواجد على اليابسة وفي الماء، إلا أن الفطور الكبيرة غالبًا أرضية.
بعض النباتات والحيوانات تتواجد في بيئاتٍ محدودةٍ للغاية، بينما يعيش البعض الآخر في طيفٍ متعددٍ من البيئات، ينطبق الشيء ذاته على معيشة الفطور، إذ يعتقد الكثير من الناس أن لها ارتباطًا دائمًا بالأماكن المَروية جيدًا بالماء، إلا أننا قد نجد فطورًا في صحاري العالم. على سبيل المثال: يستوطن فطر Podaxis pistillaris الأماكن الجافة في العالم.
لا تخلو البيئات البشرية من الفطور، إذ عرضت حدائق النبات الوطنية في أستراليا نباتاتٍ قارية من جزيرة ماكواري في صالة زوّراها، وحُفظت المعروضات في حافظةٍ مبرّدة، فتسربت الى المفروشات لتُظهر بعدها محصولًا جيدًا من فطر Peziza.
يَعلم الجميع أن بعض النباتات والحيوانات تمتلك توزعًا جغرافيًا واسعًا، بينما يمتلك بعضُها مدىً محدودًا جدًا، ينطبق هذا على الفطور، على سبيل المثال: يُمكن أن نجد فطر Schizophyllum commune في جميع القارات، ماعدا الأنتاركتيكا من طرف البحار إلى أعالي الجبال، بينما لا يتواجد Gymnopilus norfolkensis إلا في جزر نوركفولد في منتصف المسافة بين نيوزيلندا وأستراليا.
الركائز
يُمكن أن ينمو الفطر على جميع أشكال المواد العضوية. بدأ هذا المقال بفطر عيش الغراب الشائع، والأفطورة القابعة تحت الأرض، وكما أن للنباتات تفضيلات بالنسبة للتربة التي تنمو فيها، فإن للفطور ما تحب وما تكره.
على سبيل المثال: تُعدُّ الأمونيا شديدةَ السمية للعديد من الفطور، إلا أن هناك أنواعًا منها تملك مقاومةً لمستوياتٍ مرتفعة من الأمونيا، توجد هذه الأنواع بالقرب من أجساد الحيوانات الميتة، إذ إنها تُطلق كمياتٍ كبيرة من الأمونيا إلى التربة عندما تتعفن. عند زوال الجثة وعودة مستويات الأمونيا لحدودها الطبيعية، فإن الفطور التي قاومت تلك المستويات سيتم تفضيلها للبقاء. مثال على ذلك، الفطر الأسترالي المدعو Hebeloma aminophilum. على كلٍ، يمكننا القول أنهُ أينما تواجدت المادة العضوية، فهناك بلا شك فطورٌ ستسخدمها كما سنرى.
يعد الخشب موطنًا للعديد من أنواع الفطور، ويوفر العديد من المساكن لها. على سبيل المثال، تنمو بعض الفطور على الخشب الميت حصرًا، بينما تنمو أخرى على النباتات الحية. ولكن ليس كل الخشب الميت هو نفسه، إذ إن الخشب الصنوبري مختلفٌ قليلًا عن الخشب اللاصنوبري، لتجد أنواعًا لا تصمد إلا على الخشب الصنوبري، وبعضها لا يُطيقه أبدًا. وتختلف البيئة المتوفرة في الخشب الميت سابقًا والمتعفن جزئيًا والمتعفن تمامًا.
يوجد فطرُ الخشب الميت المدعو (Schizophllum commune) على العديد من الأخشاب المستميتة والميتة لعددٍ من الأنواع. وجدت على الأقل حالاتٌ لفواكهَ مبوّغة شبيهةٍ بعيش الغراب في الجيوب البشرية. رغم أنها فطور نامية على الأخشاب المتعفنة، أبدت نشاطَ غازٍ انتهازي عند البشر ضعيفي المناعة. على العكس من ذلك، تنمو فطور Cyttaria gunnii على الأشجار الحية من نوع Nothofagus.
تنمو فطورٌ أخرى على الروث حصرًا، وما قيل عن الخشب يمكن قوله عن الروث، فروث العاشبات يختلف عن روث آكلات اللحوم، وتختلف الفطور الموجودة على الروث الندي من الروث القديم.
الفطر – أًصدقاء أم أعداء؟
غالبًا ما يُطرح هذا السؤال بين الناس. يرى بعض البشر الفطورَ كأشياءٍ لزجة قذرة دون أي فائدةٍ تُذكر. يتعقبها البعض بمتعةٍ كبيرة – إما لتسهيل الهضم، أو لجمالها الداخلي، ولكن ما هي الحقيقة؟
في الحقيقة، بُعضها لزجٌ ومُقرف، انظر فقط إلى نوع Hygrocybe وإلى غطائها الجيلاتيني اللزج، الذي يلمع أمام عدسة الكاميرا، ولكن تخيل تكتلًا كبيرًا يفترش أرضية الغابة – سيكون حقًا تحفةً فنية.
تمتلك الفطور اتصالات مع متعضياتٍ أخرى. ذكرنا سابقًا أساليب حياة الطفيليات والجذور الفطرية، ومن الجلي أن التطفل سيىء، أما الجذور الفطرية جيدة لكلٍ من النبات والفطور، لذا، فالفطور بطبيعتها ليست جيدةً صرفةً أو سيئةً صرفة، ويبقى تحديدُ ما إذا كانت الفطور جيدةً أو سيئةً هي مسألة وجهة نظر.
فإذا كنت مُشجرًا، فالفطر المعفّن للأشجار، والذي يدمر الخشب الداخلي في الشجرة، سيكون طفيليًا خطيرًا بالنسبة لك، لما لهُ من أضرارٍ اقتصادية. ومن وجهة نظر الشجرة، الفطر ذاته ليس مضرًا ولا مفيدًا. الخشبُ الداخلي ميت، بينما النسيج الحي مرتبطٌ بطبقةٍ رقيقةٍ من لحاء الشجر. طالما لا يؤذي الفطر هذا النسيجَ الحي، فإن الشجرة ستستمر بالعيش بسعادة. توجد تجويفات على بعض الأشجار تشكل مكانًا لنمو الفطور، فإذا كنت ببغاءً أو حيوانَ «أبوسوم» فإنك ستبحث عنها حثيثًا، حيث تمثّل أماكن تعشيش ممكنة.
عند رؤيتك هذا الفطر ينبثقُ من الأرض، فأنت تشاهد جزءًا من الفطر، لا بنيته كاملةً. توجد معظم بنية جسم الفطر (غالبًا 90% أو أكثر) تحت الأرض، لتكوّن شبكةَ خيوطٍ مجهرية رفيعةٍ منتشرة في التربة. يدعى الخيط المفرد بـ(الخوط – hypha) وشبكة الخيوط تدعى (أُفْطورة – mycelium). توجد الأفطورة على مدار السنة بمكانها، حيث تتغذى وتتوسع. سترى أن الأفطورة غالبًا تمثل الجزء النباتي من الفطر.
حين تتوفر الظروف الملائمة، تُنتجُ الأفطورة القابعة تحت الأرضِ الفطر الذي نُشاهده، وهو بدوره مكوّن من خيوط. تتمثل وظيفة الفطر النابت بإنتاج الأبواغ ونشرها، والتي بدورها تطوّر فطورًا جديدةً.
يمكن شرح هذا بسياقٍ مشابهٍ آخر، وهو إجراءُ مقارنةٍ مع شجرةِ تفّاح. أنت تعلم بأنّ شجرة التفاح توجد في حديقتك على مدار السنة، ولكنها لا تُنتج التفاح إلا لفترةٍ محدودة. بشكلٍ مشابه، فإن الأفطورة توجد تحت التربة على مدار السنة، ولكنها لا تُنشئ الفطر إلّا لفترة قصيرة. يمثّل التفاح طريقة الشجرة في إنتاج البذور التي تُنشئُ أشجارَ تفاحٍ جديدة، مشابهةً بذلك دور الفطر كما وُضّح أعلاه. تُنتج شجرة التفاح خاصتك العديدَ من التفاح، لذا فأفطورةٌ واحدة تُنتج العديد من الفطور. قد لا تُنتج شجرتك أيّ تفاحٍ في سنةٍ ما بسبب الظروف السيئة، ولكنها تبقى هناك. وبشكلٍ مشابه، فإن الأفطورة قد لا تُنتج أي فطورٍ بسبب الظروف السيئة، ولكنها تبقى قابعةً تحت الأرض. إن مقارنة الفطور وشجرة التفاح مثالٌ شرحي جيد، ولكن لا يمكن استعماله أكثر من هذا وذلك للاختلافات الجذرية ما بين بذور النباتات وأبواغ الفطور.
تَنتج الأبواغ في الفطور من الخياشيم التي تقع تحت القبعة، ثم تتحرر الأبواغ من الخياشيم عند البلوغ، ساقطةً إلى الأسفل تحت تأثير الجاذبية، فتُحمل بعيدًا عبر نسيم الهواء. إن أبواغ الفطور بالغةُ الصغر – نموذجيًا، أقل من عُشر المليمتر – لذا فهي سهلة الانتشار تحت تأثير أضعف نسيم هواءٍ ممكن. تتمثّل وظيفة ساق الفطر بإبعاد القبعة عن العشب والأغصان والأحجار القريبة من الأرض، فإذا كانت القبعة مرتفعةً بشكل مناسب، فإن الأبواغ الساقطة تمتلك فرصةً جيدةً كي تُحمل إلى مسافةٍ ملحوظةٍ، بدلًا من أن تعلق بعوائقَ مثل العشب، أو الأحجار، أو الأغصان المذكورة.
الفطر
الأفطورة النامية
تحت الأرض، ينمو كلّ خوطٍ hypha طوليًا، وليس عرضيًا، ومن الممكن أن يتفرع، وكل فرعٍ ينمو طوليًا ويتفرع بدوره، وهكذا دواليك. إضافةً لذلك، فهناك اتّصالات تنشأ بين الخيوط المتجاورة. بعد مرور وقتٍ طويل، فإن التفرع والاستطالة يعني أن الأفطورة تستطيع استكشافَ حجمٍ كبيرٍ من التراب.
لا نجدُ صباغَ التصنيع الضوئي الأخضر «الكلوروفيل» في الأفطورة، لذا فإن المتعضّية لا تصنع طعامها الخاص كما تفعل النباتات، كما لا تستطيع الخيوط ابتلاع جزيئات الطعام كما تفعل الحيوانات، بدلًا من ذلك تُفرز إنزيماتٌ من ذروة الخيوط في الأفطورة، لتقوم هذه الإنزيمات بتفكيك الجزيئات المعقدة الموجودة في التربة لجزيئاتٍ أصغر، تُمتصُّ من جدران الخيوط عند الحافة النامية.
عندما تستنفد الأفطورة مخزونها من الغذاء، فإنها تسعى إلى المزيد من مصادر الطعام، إذ لا فائدةَ من الاحتفاظ بالأفطورة الداخلية حيث انتهى المخزون الغذائي. لذا، فإن الأفطورة الداخلية تموت لتقوم المتعضية باستخراج ما يمكنها من المغذّيات، التي تستطيع إعادة استخدامها لنقلها خارجًا.
كما ترى فإن الأفطورة لا تنمو دائريًا، وإنما على شكل حلقةٍ، وتكون أطراف الحلقة هي المكان الأكثر نشاطًا. ليس من الغريب أن نرى الفطور السطحية تنمو بشكل حلقةٍ تُدعى الحلقة الخرافية، عاكسةً بذلك التواجدَ الأفطوري تحت الأرض. يعد النمو المتوسّع الحلقي المستمر هو نظريًا النمط الأمثل للأفطورة، إلا أن هناك العديد من العوامل التي قد تُخلّ بهذا النمو المتناسب المثالي. على سبيل المثال، قد يواجه جزءٌ من الأفطورة النامية مكانًا غير صالحٍ للعيش، أو فقيرًا بالمغذيات، مثل نهرٍ، أو تجمعٍ للصخور الصلبة، أو تربةٍ حمضية للغاية، أو قلوية للغاية. ويمكن عند أعمال البناء أن يجرف أحدهم الأفطورة، تاركًا بقعًا أفطوريةً معزولةً غير متأذّية. أنّى حدث الخلل، فإن الأفطورة – أو ما تبقى منها – ستستمر بالتوسع لمناطقَ جديدة، ولكن هذا التوسع سيكون غير منتظمٍ بعض الشيء، حيث سيتوقف في أحد الاتجاهات، أو سيكون سريعًا في اتّجاهٍ آخر.
في النهاية ما هي الإجابة عن: ما هي الفطور أو ما هو الفطر ؟
يُعدُّ وصف عيش الغراب والأفطورة القابعة تحت الأرض شاملًا لكل الفطور المرئية، فهناك أفطوراتٌ مهملةٌ تحوي بنىً منتجةً للأبواغ المرئية، تدعى الفواكِه المبوّغة sporocarps.
عيش الغراب ما هو إلّا فاكهةٌ مبوّغة، وفي تصنيف الفطور، سترى العديدَ من الأمثلة للفواكه المبوّغة، ستكون على معرفةٍ سابقةٍ ببعضها. على سبيل المثال: معظم البشر قد رأوا فطورَ البوغ المنفوخة على الأرض، أو مستندةً ناميةً من شجرة، ولكن تذكر أنه عندما ينمو عيش الغراب على رَوث الومبات (ثدي يقطن أستراليا)، أو فطرٍ منفوخٍ ينمو على ارتفاع عشبي بيضوي، أو فطرٍ مستندٍ ينمو من شجرةِ لِبان، فإنك ترى مجرد فاكهة مبوغة، وظيفتها الوحيدة هي إنتاج الأبواغ ونشرها. يوجد تحت كل منها أفطورة تفرز إنزيمات محطِّمة للجزيئات العضوية تحت التربة، أو الروث، أو غصن شجرة.
عند الحديث بشكلٍ متشدّد، فإن وصفَ عيش الغراب على أنه فطرٌ، أمر غير صحيح، إذ إننا لا نرى إلا جزءًا من الفطر، ولكن الناس تُشير لعيش الغراب والفطر المنفوخ كفطورٍ، وهو أمرٌ شائع ومفهوم، كونها الأجزاء الوحيدة التي نراها.
نمط حياة الفطر أو الفطور
تحتاج كلّ الفطور لجزيئاتٍ عضويةٍ موجودة سابقًا كغذاء لها، تُدعى الفطور التي تتغذى على العضويات الميتة بـ«الفطور الرمّامة»، أما تلك التي تتغذى على الكائنات الحية فتدعى «طُفيلية». في حين أن هناك فطورًا رمامة بحتة، وأخرى لا تتغذى إلا على الأحياء، فقد يتنقل بعضها ما بين الرمّية والتطفل، بما يتناسب مع مصادر الغذاء الموجودة.
تحصلُ التجمّعات الفطرية الكبيرة على الطعام عبر اتّصالات تكافليّة مع النباتات، آخذةً بعض منتجاتِ التصنيع الضوئي الذي تقوم به النباتات. على عكس الطفيليات، فإن الاتصالات التكافلية لا تؤذي النباتات، وقد تكون مفيدةً للنباتات، «في الحقيقة، هي محور الأهمية فيما يتعلق ببقاء النبات على قيد الحياة». تملكُ أغلبية نباتات العالم رفقةً فطريةً، مثالٌ أسترالي: كل شجرة أوكاليبتوس قد تراها، تمتلك جذورًا فطريةً تسكن تحت الأرض.
أماكن معيشة وتوزع الفطر أو الفطور
توجد الفطور الكبيرة والصغيرة حول العالم، بعض أنواع الفطر الصغير تتواجد على اليابسة وفي الماء، إلا أن الفطور الكبيرة غالبًا أرضية.
بعض النباتات والحيوانات تتواجد في بيئاتٍ محدودةٍ للغاية، بينما يعيش البعض الآخر في طيفٍ متعددٍ من البيئات، ينطبق الشيء ذاته على معيشة الفطور، إذ يعتقد الكثير من الناس أن لها ارتباطًا دائمًا بالأماكن المَروية جيدًا بالماء، إلا أننا قد نجد فطورًا في صحاري العالم. على سبيل المثال: يستوطن فطر Podaxis pistillaris الأماكن الجافة في العالم.
لا تخلو البيئات البشرية من الفطور، إذ عرضت حدائق النبات الوطنية في أستراليا نباتاتٍ قارية من جزيرة ماكواري في صالة زوّراها، وحُفظت المعروضات في حافظةٍ مبرّدة، فتسربت الى المفروشات لتُظهر بعدها محصولًا جيدًا من فطر Peziza.
يَعلم الجميع أن بعض النباتات والحيوانات تمتلك توزعًا جغرافيًا واسعًا، بينما يمتلك بعضُها مدىً محدودًا جدًا، ينطبق هذا على الفطور، على سبيل المثال: يُمكن أن نجد فطر Schizophyllum commune في جميع القارات، ماعدا الأنتاركتيكا من طرف البحار إلى أعالي الجبال، بينما لا يتواجد Gymnopilus norfolkensis إلا في جزر نوركفولد في منتصف المسافة بين نيوزيلندا وأستراليا.
الركائز
يُمكن أن ينمو الفطر على جميع أشكال المواد العضوية. بدأ هذا المقال بفطر عيش الغراب الشائع، والأفطورة القابعة تحت الأرض، وكما أن للنباتات تفضيلات بالنسبة للتربة التي تنمو فيها، فإن للفطور ما تحب وما تكره.
على سبيل المثال: تُعدُّ الأمونيا شديدةَ السمية للعديد من الفطور، إلا أن هناك أنواعًا منها تملك مقاومةً لمستوياتٍ مرتفعة من الأمونيا، توجد هذه الأنواع بالقرب من أجساد الحيوانات الميتة، إذ إنها تُطلق كمياتٍ كبيرة من الأمونيا إلى التربة عندما تتعفن. عند زوال الجثة وعودة مستويات الأمونيا لحدودها الطبيعية، فإن الفطور التي قاومت تلك المستويات سيتم تفضيلها للبقاء. مثال على ذلك، الفطر الأسترالي المدعو Hebeloma aminophilum. على كلٍ، يمكننا القول أنهُ أينما تواجدت المادة العضوية، فهناك بلا شك فطورٌ ستسخدمها كما سنرى.
يعد الخشب موطنًا للعديد من أنواع الفطور، ويوفر العديد من المساكن لها. على سبيل المثال، تنمو بعض الفطور على الخشب الميت حصرًا، بينما تنمو أخرى على النباتات الحية. ولكن ليس كل الخشب الميت هو نفسه، إذ إن الخشب الصنوبري مختلفٌ قليلًا عن الخشب اللاصنوبري، لتجد أنواعًا لا تصمد إلا على الخشب الصنوبري، وبعضها لا يُطيقه أبدًا. وتختلف البيئة المتوفرة في الخشب الميت سابقًا والمتعفن جزئيًا والمتعفن تمامًا.
يوجد فطرُ الخشب الميت المدعو (Schizophllum commune) على العديد من الأخشاب المستميتة والميتة لعددٍ من الأنواع. وجدت على الأقل حالاتٌ لفواكهَ مبوّغة شبيهةٍ بعيش الغراب في الجيوب البشرية. رغم أنها فطور نامية على الأخشاب المتعفنة، أبدت نشاطَ غازٍ انتهازي عند البشر ضعيفي المناعة. على العكس من ذلك، تنمو فطور Cyttaria gunnii على الأشجار الحية من نوع Nothofagus.
تنمو فطورٌ أخرى على الروث حصرًا، وما قيل عن الخشب يمكن قوله عن الروث، فروث العاشبات يختلف عن روث آكلات اللحوم، وتختلف الفطور الموجودة على الروث الندي من الروث القديم.
الفطر – أًصدقاء أم أعداء؟
غالبًا ما يُطرح هذا السؤال بين الناس. يرى بعض البشر الفطورَ كأشياءٍ لزجة قذرة دون أي فائدةٍ تُذكر. يتعقبها البعض بمتعةٍ كبيرة – إما لتسهيل الهضم، أو لجمالها الداخلي، ولكن ما هي الحقيقة؟
في الحقيقة، بُعضها لزجٌ ومُقرف، انظر فقط إلى نوع Hygrocybe وإلى غطائها الجيلاتيني اللزج، الذي يلمع أمام عدسة الكاميرا، ولكن تخيل تكتلًا كبيرًا يفترش أرضية الغابة – سيكون حقًا تحفةً فنية.
تمتلك الفطور اتصالات مع متعضياتٍ أخرى. ذكرنا سابقًا أساليب حياة الطفيليات والجذور الفطرية، ومن الجلي أن التطفل سيىء، أما الجذور الفطرية جيدة لكلٍ من النبات والفطور، لذا، فالفطور بطبيعتها ليست جيدةً صرفةً أو سيئةً صرفة، ويبقى تحديدُ ما إذا كانت الفطور جيدةً أو سيئةً هي مسألة وجهة نظر.
فإذا كنت مُشجرًا، فالفطر المعفّن للأشجار، والذي يدمر الخشب الداخلي في الشجرة، سيكون طفيليًا خطيرًا بالنسبة لك، لما لهُ من أضرارٍ اقتصادية. ومن وجهة نظر الشجرة، الفطر ذاته ليس مضرًا ولا مفيدًا. الخشبُ الداخلي ميت، بينما النسيج الحي مرتبطٌ بطبقةٍ رقيقةٍ من لحاء الشجر. طالما لا يؤذي الفطر هذا النسيجَ الحي، فإن الشجرة ستستمر بالعيش بسعادة. توجد تجويفات على بعض الأشجار تشكل مكانًا لنمو الفطور، فإذا كنت ببغاءً أو حيوانَ «أبوسوم» فإنك ستبحث عنها حثيثًا، حيث تمثّل أماكن تعشيش ممكنة.