الظاهرية Phenomenalism هي مذهب قائل بالوجود الحقيقي للظواهر وإنكار الجوهر المادي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الظاهرية Phenomenalism هي مذهب قائل بالوجود الحقيقي للظواهر وإنكار الجوهر المادي

    ظاهريه (مذهب)

    Phenomenalism - Phénoménisme

    الظاهرية (مذهب ـ)

    الظاهرية (أو الظواهرية أو الظاهراتية) Phenomenalism في الفلسفة هي المذهب القائل بالوجود الحقيقي للظواهر وإنكار الجوهر المادي. ويزعم أصحاب هذا المذهب أن الإدراك لايكون إلا بظاهر الأشياء، أي بما تبدو عليه، بمعنى أنه إدراك بما ينطبع من الظواهر على الحس، وما يتخلف عن هذا الانطباع من صور، وما يترتب عليها من أفكار، وعلى ذلك يكون الحديث عن الشيء، حديثاً في الواقع عن انطباعات عنه، وليس عن الشيء نفسه، وكأن وجود الأشياء هو وجودها في الوعي،وليس وجودها في الواقع، والتفكير بها أو الحديث عنها هو إيجاد لها، وهذا ما يسمى بالظاهرية اللغوية التي قال بها آير Ayer وبرايس Price ورسل[ر].
    يمكن التمييز بين معنيين للظاهرية، المعنى الأول: الذي يقول إنه لا وجود إلا للظواهر، وإن ما يسمى بالشيء في ذاته ليس سوى لفظ أو مفهوم، وهو مذهب هيوم [ر] ورينوفييه Ch.Renouvier، والمعنى الثاني: وهو الظاهراتية Phenomenalism أي المذهب القائل بوجود الشيء في ذاته، وأنه غير مدرك، فالعقل يدرك الظاهرات وحسب، أي ما يحدث في الزمان والمكان، ويتجلى هذا المذهب في نقدية «كنت»[ر] وفي وضعية «أوغست كونت»[ر] .
    وسواء أكانت الظاهرية بالمعنى الأول أم المعنى الثاني فإنها تنطلق في نظرتها للوجود من وصفه مجموعةً من الظواهر المدركة عن طريق المشاهدة والتجربة، فتلك الظواهر تؤثر في الحواس فتثير فيها الأحاسيس، ومن خلالها يتم التوصل إلى معرفة هذه الظواهر بارتباطيّها الزماني والمكاني، فالمعرفة بهذا المعنى ليست سوى عملية تفسير لما تنقله الحواس، وهي تأتي بالمرحلة الثانية بعد عملية الإحساس، إذ أنها ليست في النهاية إلا معرفة لما هو ظاهر، فلا وجود لما يسمى الجوهر، لأن هذا الجوهر غير خاضع للملاحظة ومن ثم هو خارج نطاق المعرفة.
    وقد ظهرت بوادر الظاهرية ضمن إطار الفكر التجريبي، في فلسفة بركلي[ر] G.Berkeley المثالية ونظرية هيوم D.Hume في المعنى، ولكنها لم تتخذ شكلها الحقيقي إلا في فلسفة جون ستوارت مل Mill، وخاصة في نظرته للموجودات المادية في أنها، على حد قوله: «إمكان دائم للإحساس». وقد اكتملت هذه النظرة وتبلورت نهائي مع ظهور الوضعية positivism المنطقية، في بداية القرن العشرين، فكانت الظاهرية في الفلسفة الوضعية نتيجة للنظرية الوضعية في المعنى، تسعى من خلال تحليل العبارات الشيئية وترجمتها إلى لغة المعطيات الحسية إلى تجنب التأويل المثالي، وذلك بهدف تصحيح ما توسمه أصحاب المذهب الظاهري من أخطاء في النظرة الواقعية الساذجة، وفي النظرة السببية في الإدراك التي تجد جذورها في الواقعية التمثيلية،في فلسفة لوك وفي مثالية بركلي.
    وتقوم الظاهرية على نظرة معينة إلى الإدراك الحسي، مفادها أنه لايمكن معرفة العالم المادي مباشرةً، فهو موضوع للمعرفة من خلال المعطيات الحسية وحسب، فما يُدْرَكُ مباشرة في العالم الخارجي ليس الموجودات المادية، بل صفات لها، كاللون والشكل والحجم وما شابه. وبهذا تجري الظاهرية تعديلاً على المثالية في مسألتين:المسألة الأولى،تتعلق بوجود الأشياء المادية التي لا تشكل موضوعاً لأي إدراك فعلي. وتنظر للأشياء المادية على أنها منظومات من الإحساسات الواقعة والممكنة. والمسألة الثانية، تردّ الأشياء المادية إلى منظومات من الإحساسات أو الأفكار، وتستبدل الإحساسات بالمعطيات الحسية، فالمعطى الحسي يختلف عن الإحساس في أنه يشكل موضوع التجربة، وليس جزءاً من محتوى التجربة، كإحساس الإنسان بأنه يرى الألوان ويسمع الأصوات مباشرة، فهي معطيات حسية، بمعنى أنها موضوعات تجربته. إن ما يراه ويسمعه ويتذوقه هو معطى حسي وليس إحساساً، إن رؤيته للون وإحساسه به ليسا شيئاً واحداً.
    إن المعطيات الحسية هي الأساس الأخير للمعرفة، وهي لذلك ذات أسبقية إبستمولوجية[ر] على الأشياء المادية، وذات أسبقية منطقية على الأخيرة، ولكن ليس ذات أسبقية أنطولوجية[ر].
    والظاهراتية كما تجلت في مذهب كونت Comte الوضعي، تنظر للعالم كما هو يبدو بالمشاهدة والتجريب، فموضوع المعرفة هو الأشياء الظاهرة من خلال الحواس، والبحث فيما يسمى بالعلل الأولى أمر مرفوض وخالٍ من كل معنى، فالروح الوضعية ترفض النظر في أصل الأشياء، لأن هذا الأمر يتجاوز نطاق المشاهدة والتجربة. والخاصية الأساسية للفلسفة الوضعية برأي «كونت» هي النظر إلى كل الظواهر على أنها خاضعة لقوانين طبيعية ثابتة، وهدف الوجود اكتشاف هذه القوانين وردِّها إلى أقل عدد ممكن.
    واستخدم كَنْت I.Kant في مذهب الظاهراتية مصطلح «ظاهري» للتمييز بين عالم الظواهر وعالم الشيء في ذاته، فــ«الفينومين» phenomen عند «كنت» هو عالم الظواهر المعطى في التجربة، وفي الإدراك الحسي، الذي يتواجد في الزمان والمكان، أما «النومين» nomen فهو الشيء في ذاته، الذي يتعذر الوقوف عليه من خلال التجربة والممارسة، فالأشياء في ذاتها مستعصية على المعرفة، فالإنسان لايستطيع معرفة سوى الظواهر، وعلى الرغم من أن «كَنْت» كان يعي تماماً أن في هذا إظهار لعجز العقل عن إدراك جوهر الأشياء وقصر إدراكه على الظواهر فقط، فإنه يرى أن هذا الحد ضروري لتطور العلوم، إذ أن ذلك من شأنه أن يلغي كل الادعاءات القائلة بإمكانية إقامة البرهان المنطقي على وجود الإله وعالم الغيب.
    وقد ظهر هذا المذهب لدى «كنت» في مؤلفاته النقدية، فهو يفرق بين «النومينات» و«الفينومينات»، ويقول بعالم مستقل عن الفكر والحواس، وهو عالم الأشياء في ذاتها، وتبدأ عملية المعرفة بأن تؤثر الأشياء في ذاتها على الحواس، فتثير فيها الأحاسيس، إلا أن الأحاسيس والأفكار العقلية لا تعطي معرفة نظرية عن الأشياء في ذاتها، فمهما تكن يقينية حقائق الرياضيات والعلوم الطبيعية، فإن المعرفة التي تقدمها ليست معرفة للشيء في ذاته، فهذه المعرفة تقتصر على تناول الأحاسيس والمفاهيم والأحكام،وليس في الإمكان تحصيل أية معرفة عن الشيء في ذاته، وكل ما يمكن معرفته هو الظواهر.
    عبير الأطرش
يعمل...
X