الكربوهيدرات هي السكر و النشويات و الألياف الموجودة في كل من الفواكه والخضروات ومنتجات الحليب، وعلى الرغم من أنها منبوذة في العديد من الأنظمة الغذائية الحديثة، فإنها تُعد واحدة من مجموعات الغذاء الرئيسة والمهمة جدًا لصحة الإنسان، وتُشكل مع البروتينات والدهون العناصرَ الغذائية الكبرى التي يحتاجها الجسم بكميات كبيرة، ويجب الحصول عليها من المصادر الغذائية، وتُعد الكربوهيدرات في الواقع مصدر الطاقة الرئيس للجسم، وتسمى بهذا الاسم بسبب تركيبها الكيميائي الذي يحتوي على الكربون والهيدروجين والأكسجين.
تُقدر معاهد الصحة الوطنية الأمريكية الكمية الغذائية المُوصى بها من الكَربوهيدرات بـ (135) غرامًا للبالغين، لكنها توصي أيضًا كل شخص بأخذ الكمية التي تُناسب جسمه ووضعه الصحي، وعمومًا يجب أن تشكل الكربوهيدرات نسبة تتراوح بين (45-65)% من كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص يوميًا.
وفي حين أن غرام الكربوهيدرات الواحد يمد الجسم بأربع سعرات حرارية، فإن النظام الغذائي المبني على (1800) سعرة حرارية سيحتوي على (202) غرام كربوهيدرات بالحد الأدنى، و(292) غرام بالحد الأقصى، ولا يجدر بالأشخاص المصابين بالسكري أن يأخذوا أكثر من (200) غرام يوميًا، بينما تحتاج المرأة الحامل (175) غرام كربوهيدرات على الأقل.
وظيفة الكربوهيدرات
تزود الكَربوهيدرات الجهاز العصبي المركزي والعضلات بالطاقة، كما أنها تقي من استخدام البروتينات بصفتها مصدرًا للطاقة، وتسمح باستخدام الدهون لذلك، وتملك الكربوهيدرات تأثيرًا على وظائف الدماغ والمزاج والذاكرة، وتُعد مصدرَ طاقةٍ سريعًا للدماغ، فعادة ما تُقدر الكمية الغذائية الموصى بها من الكَربوهيدرات اعتمادًا على احتياج الدماغ منها، إضافة إلى أنها تملك تأثيرًا على اتخاذ القرار، ويُرجع العلماء ذلك إلى مستويات الدوبامين التي تزداد بعد تناول الكربوهيدرات.
الكربوهيدرات البسيطة مقابل المعقدة
تُصنف الكربوهيدرات إلى بسيطة ومعقدة، ويكمن الفرق بينهما في التركيب الكيميائي، وسرعة هضم وامتصاص السكر فيها، وبشكل عام وحسب معاهد الصحة الوطنية الأمريكية فإن الكربوهيدرات البسيطة تُهضم وتُمتص بصورة أسرع من تلك المعقدة، إذ تحتوي الكربوهيدرات البسيطة على جزيء سكر واحد كالفركتوز الموجود في الفواكه، والغالكتوز الموجود في مشتقات الحليب، وتدعى بالسكريات الأحادية.
أما السكريات الثنائية فهي بجزيئي سكر، كالسكروز وهو سكر المائدة، واللاكتوز وهو سكر الحليب، والمالتوز وهو سكر الشعير، وتوجد الكربوهيدرات البسيطة في الحلوى والمشروبات الغازية وغيرها، وغالبًا ما تصنع هذه المواد الغذائية باستخدام سكريات مُعالَجة ومُكررَة، ولا تحتوي على أي فيتامينات أو معادنَ أو ألياف، وتتصف بأنها ذات سعرات حرارية فارغة، تؤدي إلى زيادة الوزن.
تملك الكربوهيدرات المعقدة (السكريات المتعددة) ثلاثة جزيئات سكر أو أكثر، وغالبًا ما تُدعى بالأطعمة النشوية والتي تضم: (الفاصولياء، والبازلاء، والعدس، والفول السوداني، والبطاطا، والذرة، والجزر الأبيض، والحبوب، والخبز المصنع من الحبوب الكاملة)، وفي حين أن جميع أنواع الكَربوهيدرات تمثل مصدر طاقة سريعًا للجسم، إلا أن البسيطة تتسبب بدفعة من الطاقة أسرع من تلك المعقدة؛ لأن هضمها وامتصاصها أسرع، ويؤدي تناول الكربوهيدرات البسيطة إلى ارتقاع مستويات السكر في الدم بصور سريعة ومفاجئة، بينما تُعد المعقدة مصدر طاقة مستدام للجسم.
كما أظهرت الدراسات أن استبدال الدهون المُشبعة بكربوهيدرات بسيطة مثل تلك الموجودة في العديد من الأغذية المصنعة، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، ومرض السكري من النوع الثاني؛ لذا من الأفضل التركيز على تناول الكربوهيدرات المعقدة بالنسبة الأكبر في النظام الغذائي، بما فيها الحبوب الكاملة والخضراوات.
السكريات والنشويات والألياف
تتحلل الكربوهيدرات في الجسم إلى جزيئات أصغر من السكر كالجلوكوز والفركتوز، إذ تمتص الأمعاء الدقيقة هذه الجزئيات، التي تنتقل بعدها إلى مجرى الدم وتتجه إلى الكبد، ثم يحول الكبد كل هذه السكريات إلى جلوكوز ينتقل عبر الدم مع الإنسولين، ويتحول إلى طاقة يستخدمها الجسم للقيام بكافة الوظائف الحيوية، والنشاطات البدنية.
إن لم يستخدم الجسم الجلوكوز مباشرة لإنتاج الطاقة، يُخزن الجسم ما يصل إلى (2000) سعرة حرارية منه في الكبد والعضلات الهيكلية على شكل جلايكوجين، وبمجرد امتلاء مخازن الجلايكوجين يتم تخزين الكربوهيدرات على شكل دهون، أما إن كان ما يتناوله الشخص يوميًا من الكربوهيدرات غير كافٍ وكانت مخازنه غير كافية أيضًا، يستخدم الجسم حينها البروتين كمصدر للطاقة، وهو أمر جدي وخطير، إذ يستخدم الجسم البروتين لبناء العضلات، ويزيد استخدام البروتين كمصدر للطاقة عوضًا عن الكربوهيدرات، والضغط على الكلى، ما يتسبب بإفراز منتجات ثانوية في البول ومؤلمة عند التبول.
أما الألياف – حسب وزارة الزراعة الأمريكية -، فهي مهمة وأساسية للهضم، إذ تُعزز الألياف حركة الأمعاء، وتُقلل خطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل: مرض القلب التاجي، ومرض السكري، لكن وعلى عكس السكر والنشويات، فإن الألياف لا تُمتص في الأمعاء الدقيقة، ولا تُحوَّل إلى جلوكوز، ولكنها تنتقل كما هي إلى الأمعاء الغليظة، حيث تُحوَّل إلى هيدروجين، وثاني أكسد الكربون، وأحماض دهنية، ويُنصح بتناول ما يقارب الـ (14) غرامًا من الألياف لكل (1000) سعرة حرارية، ومن أهم مصادر الألياف: الفواكه، والحبوب، والخضراوات، والبقوليات.
توجد الكربوهيدرات بشكل طبيعي في بعض أنواع مشتقات الحليب، والخضراوات النشوية وغير النشوية، فالعدس واللفت والفاصولياء الخضراء والكرفس والجزر والبروكلي هي خضراوات غير نشوية تحتوي على الكربوهيدرات، أما النشوية كالبطاطا والذرة فتحتوي عليها بكميات أكبر، وعمومًا تحتوي غير النشوية (النيئة) على (5) غرامات من الكربوهيدرات في الكوب الواحد، ومصدر معظم هذه الكربوهيدرات هو الألياف.
الكربوهيدرات الجيدة مقابل السيئة
في الواقع توجد بعض الكربوهيدرات الضارة كتلك الموجودة في الدونات، وفي المقابل توجد المفيدة منها والجيدة كتلك الموجودة في الخضار، ومن الأطعمة التي تحتوي على الكَربوهيدرات السيئة: المخبوزات، والمشروبات الغازية، والأطعمة عالية التصنيع، والأرز الأبيض، والأطعمة التي استُخدم الطحين الأبيض في إنتاجها، إذ هي أطعمة تحتوي كربوهيدرات بسيطة، ونادرًا ما تملك قيمةً غذائيةً، بينما توصف الكربوهيدرات المعقدة بالجيدة، مثل: الحبوب الكاملة، والفواكه، والخضار، والبقوليات، فهي أغذية غير مصنعة وذات قيمة غذائية عالية.
تتصف الكربوهيدرات الجيدة بأنها:
- قليلة أو معتدلة السعرات الحرارية.
- محتواها الغذائي عالٍ.
- خالية من السكريات والحبوب المكررة.
- تحتوي على الألياف الطبيعية بكميات كبيرة.
- قليلة الصوديوم.
- قليلة الدهون المشبعة
- قليلة جدًا وخالية من الكوليسترول والدهون المتحولة
- ذات سعرات حرارية عالية.
- تحتوي على كميات كبيرة من السكريات المكررة، مثل: شراب الذرة، والسكر الأبيض، والعسل، وعصائر الفواكه.
- تحتوي على كميات كبيرة من الحبوب المعالجة، والطحين الأبيض.
- فقيرة المحتوى الغذائي.
- كمية الصوديوم مرتفعة.
- تحتوي على كميات كبيرة من الدهون المشبعة في بعض الأحيان.
- تحتوي على كميات كبيرة من الكوليسترول والدهون المتحولة في بعض الأحيان.
يقيس المؤشر الغلايسيمي سرعة ارتفاع مستويات السكر في الدم بعد تناول الكربوهيدرات ومقدار ذلك الارتفاع، إذ ترفع الأطعمة عالية المؤشر الغلايسيمي مثل المخبوزات مستويات السكر في الدم بشكل كبير وسريع، بينما ترفعها الأطعمة منخفضة المؤشر بشكل بطئ وثابت، وحسب كلية هارفرد للصحة، تربط بعض الدراسات بين الأطعمة عالية المؤشر بمرض السكري، والسمنة، وأمراض القلب، وبعض أنواع السرطان.
وفي المقابل تشير دراسات حديثة إلى أن اتباع نظام غذائي يحتوي على أطعمة منخفضة المؤشر الغلايسيمي قد لا يكون مفيدًا للصحة كثيرًا، فقد وجدت إحدى الدراسات أن البالغين الذين اتبعوا نظامًا غذائيًا متوازنًا لم تشهد صحتهم أي تطور بسبب ذلك النظام قليل السعرات الحرارية ومنخفض المؤشر الغلايسيمي، إذ قاس العلماء آنذاك حساسية الأنسولين، وضغط الدم الانقباضي، والكوليسترول السيء والجيد، ولم يجدوا أي تحسن فيهم، إضافة إلى انخفاض مستويات الدهون الثلاثية.
فوائد الكربوهيدرات
إن تناول أنواع الكربوهيدرات الجيدة يمد الجسم بالعديد من الفوائد الصحية، وهي:
الصحة العقلية
قد تكون الكربوهيدرات مفيدة ومهمة جدًا للصحة العقلية، ويعتقد العلماء بأنها تُسهم في إنتاج السيروتونين في الدماغ، كما قد يسهم اتباع نظام غذائي يحتوي على الكميات الكافية من الكربوهيدرات في تقوية الذاكرة، ووظائف الإدراك، والاهتمام البصري، والذاكرة المكانية.
إنقاص الوزن
على الرغم من سمعة الكربوهيدرات السيئة فيما يتعلق بإنقاص الوزن، فإن الأنواع الجيدة منها تساعد في إنقاص الوزن، والحفاظ عليه بشكل صحي؛ ذلك لأن العديد من الكربوهيدرات الجيدة وخصوصًا الحبوب الكاملة والخضراوات بقشرها تحتوي على الألياف التي يسهم تناول الكميات الكافية منها في تعزيز الإحساس بالشبع، وغالبًا ما تكون تلك الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية.
مصدر جيد للعناصر الغذائية
تُعرف الخضراوات والفواكه الكاملة وغير المصنعة بمحتواها الغذائي العالي، وحتى أن بعضها يُعد أطعمة خارقة، وجميع هذه الخضراوات الورقية، والبطاطا الحلوة، والتوت، والحمضيات، والتفاح، وغيرها، تحتوي على الكربوهيدرات، إذ تمد الجسم بالألياف والطاقة والدهون المتعددة غير المشبعة، علاوة على مضادات الأكسدة.
صحة القلب
تُسهم الألياف في تخفيض مستويات الكوليسترول في الدم، إذ يتم تصنيع العصارة الصفراوية التي يحتاجها الجهاز الهضمي للهضم باستخدام بعض الكوليسترول، حيث يسحب الكبد الكوليسترول من الدم لتصنيعها، ما يقلل مستويات الكوليسترول السيء في الدم.
نقص الكربوهيدرات
يؤدي عدم تناول الكميات الكافية من الكربوهيدرات إلى العديد من المشاكل الصحية، فمن دونها لن يحصل الجسم على الطاقة، ومن دون الكميات الكافية من الجلوكوز ستنخفض مستويات السكر في الدم، وسيعاني الجهاز العصبي المركزي، ما يتسبب بالدوار والضعف الجسدي والعقلي، وسيضطر الجسم حينها إلى اللجوء إلى البروتين كونه مصدرًا للطاقة، وهو أمر خطير إذ يحتاج الجسم إلى البروتين لتصنيع العضلات، كما يزيد الضغط والحمل على الكلى، ما يتسبب بإفراز منتجات ثانوية مؤلمة عند الإخراج، كما قد يعاني الأشخاص الذين لا يستهلكون الكميات الكافية من الكربوهيدرات من نقص الألياف أيضًا، الأمر الذي يسبب مشاكل هضمية وإمساك.