ظافر (علي)
Ibn Zafir (Ali-Ibn Zafir) - Ibn Zafir (Ali-)
ابن ظـافر (علي ـ)
(567 ـ613 هـ/1171ـ 1216م)
أبو الحسن، جمال الدين، علي بن ظافر بن حسين الأزدي الخزرجي، من الشعراء الأدباء المؤرخين. ولد في القاهرة، وتفقه على والده، كما قرأ عليه الأصول، ثم قرأ الأدب وبرع فيه وفي علم التاريخ وأخبار الملوك، وحفظ في ذلك جملة وافرة، ودرّس بمدرسة المالكية بمصر بعد أبيه.
عاصر كثيراً من الأدباء والشعراء وانعقدت بينه وبينهم أواصر المودة وأسباب اللقاء، ومنهم: القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبي، وابن ممّاتي ناظر الدواوين في الديار المصرية وناظم سيرة صلاح الدين الأيوبي، وابن سناء الملك الشاعر المشهور، والعماد الأصفهاني الكاتب صاحب «خريدة القصر»، وأبو اليمن الكندي إمام النحاة في عصره، وغيرهم من فضلاء ذلك العصر. وكان بينه وبينهم مساجلات وحكايات أورد طائفة منها في كتابه «بدائع البدائه»، كما كانت داره في القاهرة محط رحال العلماء والأدباء من الشام والعراق واليمن والحجاز شرقاً، ومن بلاد المغرب والأندلس غرباً. وكانت لديه مكتبة عامرة بصنوف الكتب والدواوين الشعرية، ومنها استمد مواد كتبه التي ألّفها والمعارف المتنوعة التي حفظها.
ولما سيّر الملك العادل أبو بكر بن أيوب ابنه موسى إلى «الرُّهـا» من بلاد الشام صحب معه ابن ظافر فأقرّ الأمن هناك، وأضيفت إليه حرّان ونصيبين وسِنجار والخابور، وأصبحت هذه البلاد مملكة واسعة، تملكها موسى بن الملك العادل، ودعي بالملك الأشرف، واتخذ ابن ظافر وزيراً له في هذه البلاد.
ولكن ابن ظافر لم يلبث أن تبرّم بالوزارة وكره الإمارة، وحنّ إلى القاهرة، وفيها داره وجيرانه وإخوانه وعشيرته، فتمنى لو خلص من هذا القيد وعاد. وكان أن تحققت أمنيته بالعودة، وعدّ ذلك كما يقول: «أعظم ظَفَر وأرفق قدر، ولو لم يكن فيه إلا الرجوع إلى الباب الذي منه درجت، وفي خدمته تخرّجت، والوطن الذي هو أول أرض مسَّ ثراها جلدي، وعلقت فيه تمائمي، فالله تعالى يحقق الرجاء ويكمّل الأمل، بمنّه وطَوْله». وهكذا شد ركابه إلى القاهرة وسار إليها يحدوه الأمل المعسول والحنين الشديد إلى لقاء مفاتن بلاده وملاعب حداثته ومحراب كتبه. وولي هناك وكالة بيت المال مدة، ثم أقبل في آخر عمره على مطالعة الأحاديث النبوية وكتب الأدب وأخلد إلى الراحة والاطمئنان، وعاوده الأنس والابتهاج، وأخذ في التأليف والتصنيف وقول الشعر فيما يعرض له من المناسبات.
كان ابن ظافر الأزدي، كما قال فيه ياقوت، «نعم الرجل له علوم جمة وفضائل كثيرة» وقال فيه ابن شاكر الكتبي «كان متوقد الخاطر، طلق العبارة، ومع تعلقه بالدنيا له ميل كثير إلى أهل الآخرة، محباً لأهل الدين والصلاح».
ولابن ظافر شعر مفرق في الكتب ولاسيما كتابه «بدائع البدائه» ومعظمه في الوصف والغزل والمساجلات الشعرية مع بعض أصدقائه من الشعراء. ومن شعره قوله:
إني لأعجب من حبي أكتِّمه
جهدي، وجفني بفيض الدمع يعلنه
وكون من أنا أهواه وأعشقه
يخرِّب القلب عمداً وهو يسكنه
وأعجبُ الكلِّ أمراً أن مبسِمه
من أصغر الدرّ جِرماً وهو أثمنه
أما مؤلفاته فمنها: «أخبار الشجعان»، و«أخبار ملوك الدولة السلجوقية والدول المنقطعة» وكتاب «التشبيهات». وأشهر كتبه كتاب «بدائع البدائه»: يتضمن أخبار من قال شعراً على البديهة، وهو على صغر حجمه نال حظوة كبيرة عند أهل الأدب، ودار على الألسنة ما رواه صاحبه من الأشعار والأخبار والطُرف وما إلى ذلك. وكان قد شرع في تأليفه أيام الفتوة والشباب، وظل يضيف إليه ما يظفر به في كتب الأدب والنقد والتاريخ، ويتناوله بالتهذيب والتنقيح حتى تناسبت أبوابه واطّردت فصوله وحوى كل جميل وطريف من غرر الأخبار ورائق الأشعار وروائع القصص، وقد يورد في كتابه بعض أشعاره وأخباره وسيرته الذاتية مع معاصريه مستخدماً في أسلوبه المحسنات البديعية من لفظية ومعنوية: كالجناس والطباق والمقابلة والتورية وما إلى ذلك.
توفي ابن ظافر الأزدي على أصح الأقوال سنة 613هـ، وبعض المصادر تجعل وفاته سنة 623هـ، ولعل فيها تصحيفاً.
محمود فاخوري
Ibn Zafir (Ali-Ibn Zafir) - Ibn Zafir (Ali-)
ابن ظـافر (علي ـ)
(567 ـ613 هـ/1171ـ 1216م)
أبو الحسن، جمال الدين، علي بن ظافر بن حسين الأزدي الخزرجي، من الشعراء الأدباء المؤرخين. ولد في القاهرة، وتفقه على والده، كما قرأ عليه الأصول، ثم قرأ الأدب وبرع فيه وفي علم التاريخ وأخبار الملوك، وحفظ في ذلك جملة وافرة، ودرّس بمدرسة المالكية بمصر بعد أبيه.
عاصر كثيراً من الأدباء والشعراء وانعقدت بينه وبينهم أواصر المودة وأسباب اللقاء، ومنهم: القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبي، وابن ممّاتي ناظر الدواوين في الديار المصرية وناظم سيرة صلاح الدين الأيوبي، وابن سناء الملك الشاعر المشهور، والعماد الأصفهاني الكاتب صاحب «خريدة القصر»، وأبو اليمن الكندي إمام النحاة في عصره، وغيرهم من فضلاء ذلك العصر. وكان بينه وبينهم مساجلات وحكايات أورد طائفة منها في كتابه «بدائع البدائه»، كما كانت داره في القاهرة محط رحال العلماء والأدباء من الشام والعراق واليمن والحجاز شرقاً، ومن بلاد المغرب والأندلس غرباً. وكانت لديه مكتبة عامرة بصنوف الكتب والدواوين الشعرية، ومنها استمد مواد كتبه التي ألّفها والمعارف المتنوعة التي حفظها.
ولما سيّر الملك العادل أبو بكر بن أيوب ابنه موسى إلى «الرُّهـا» من بلاد الشام صحب معه ابن ظافر فأقرّ الأمن هناك، وأضيفت إليه حرّان ونصيبين وسِنجار والخابور، وأصبحت هذه البلاد مملكة واسعة، تملكها موسى بن الملك العادل، ودعي بالملك الأشرف، واتخذ ابن ظافر وزيراً له في هذه البلاد.
ولكن ابن ظافر لم يلبث أن تبرّم بالوزارة وكره الإمارة، وحنّ إلى القاهرة، وفيها داره وجيرانه وإخوانه وعشيرته، فتمنى لو خلص من هذا القيد وعاد. وكان أن تحققت أمنيته بالعودة، وعدّ ذلك كما يقول: «أعظم ظَفَر وأرفق قدر، ولو لم يكن فيه إلا الرجوع إلى الباب الذي منه درجت، وفي خدمته تخرّجت، والوطن الذي هو أول أرض مسَّ ثراها جلدي، وعلقت فيه تمائمي، فالله تعالى يحقق الرجاء ويكمّل الأمل، بمنّه وطَوْله». وهكذا شد ركابه إلى القاهرة وسار إليها يحدوه الأمل المعسول والحنين الشديد إلى لقاء مفاتن بلاده وملاعب حداثته ومحراب كتبه. وولي هناك وكالة بيت المال مدة، ثم أقبل في آخر عمره على مطالعة الأحاديث النبوية وكتب الأدب وأخلد إلى الراحة والاطمئنان، وعاوده الأنس والابتهاج، وأخذ في التأليف والتصنيف وقول الشعر فيما يعرض له من المناسبات.
كان ابن ظافر الأزدي، كما قال فيه ياقوت، «نعم الرجل له علوم جمة وفضائل كثيرة» وقال فيه ابن شاكر الكتبي «كان متوقد الخاطر، طلق العبارة، ومع تعلقه بالدنيا له ميل كثير إلى أهل الآخرة، محباً لأهل الدين والصلاح».
ولابن ظافر شعر مفرق في الكتب ولاسيما كتابه «بدائع البدائه» ومعظمه في الوصف والغزل والمساجلات الشعرية مع بعض أصدقائه من الشعراء. ومن شعره قوله:
إني لأعجب من حبي أكتِّمه
جهدي، وجفني بفيض الدمع يعلنه
وكون من أنا أهواه وأعشقه
يخرِّب القلب عمداً وهو يسكنه
وأعجبُ الكلِّ أمراً أن مبسِمه
من أصغر الدرّ جِرماً وهو أثمنه
أما مؤلفاته فمنها: «أخبار الشجعان»، و«أخبار ملوك الدولة السلجوقية والدول المنقطعة» وكتاب «التشبيهات». وأشهر كتبه كتاب «بدائع البدائه»: يتضمن أخبار من قال شعراً على البديهة، وهو على صغر حجمه نال حظوة كبيرة عند أهل الأدب، ودار على الألسنة ما رواه صاحبه من الأشعار والأخبار والطُرف وما إلى ذلك. وكان قد شرع في تأليفه أيام الفتوة والشباب، وظل يضيف إليه ما يظفر به في كتب الأدب والنقد والتاريخ، ويتناوله بالتهذيب والتنقيح حتى تناسبت أبوابه واطّردت فصوله وحوى كل جميل وطريف من غرر الأخبار ورائق الأشعار وروائع القصص، وقد يورد في كتابه بعض أشعاره وأخباره وسيرته الذاتية مع معاصريه مستخدماً في أسلوبه المحسنات البديعية من لفظية ومعنوية: كالجناس والطباق والمقابلة والتورية وما إلى ذلك.
توفي ابن ظافر الأزدي على أصح الأقوال سنة 613هـ، وبعض المصادر تجعل وفاته سنة 623هـ، ولعل فيها تصحيفاً.
محمود فاخوري