فايس (بيتر)
Weiss (Peter-) - Weiss (Peter-)
ڤايس (بيتر -)
(1916-1982)
بيتر ڤايس Peter Weiss كاتب مسرحي وروائي ورسام ألماني الأصل سويدي الجنسية. ولد في بلدة نوڤاڤِس Nowawes بالقرب من برلين وتوفي في ستوكهولم. يتحدر من أسرة يهودية اعتنقت المذهب البروتستنتي في نهاية القرن التاسع عشر. كان والده صاحب مصنع للنسيج، واضطر بسبب الملاحقات النازية إلى الهجرة عام 1934 إلى إنكلترا ثم سويسرا ثم تشيكوسلوڤاكيا حيث درس ڤايس التصوير في أكاديمية الفنون في براغ. وفي عام 1939 استقرت العائلة في السويد وحصلت على الجنسية عام 1946. وفي عام 1940 أقام ڤايس أول معرض للوحاته في ستوكهولم، كما أخرج بعض الأفلام السينمائية تحت تأثير السريالية[ر]، وصمم في تلك المرحلة الرسوم التزيينية لطبعة «ألف ليلة وليلة» بالسويدية، ونشر عام 1946 باللغة السويدية مجموعة من قصائد النثر، عاد على إثرها وبصورة نهائية إلى الكتابة باللغة الألمانية. وكانت بوادر هذا القرار المصيري في مسرحية «البرج» Der Turm التي عُرضت في ستوكهولم مترجمة إلى السويدية عام 1948، وهي تشي بتأثر ڤايس العميق بأدب فرانتس كافكا[ر] F.Kafka من حيث التعبير عن الملاحقة الدائمة والاضطهاد المؤلم من قوى مهيمنة مجهولة الهوية والأهداف. وفي عام 1952 ظهرت مسرحية «التأمين» Die Versicherung سلسلةً من المشاهد السريالية حول العالم البرجوازي المتهافت. وكتب في العام نفسه رواية قصيرة بعنوان «ظل جسم الحوذي» Der Schatten des Körpers des Kutschers عبّر فيها عن عبث حياته في المنفى. وبعد عشر سنوات صدرت روايته «وداع الوالدين» Abschied von den Eltern، ثم نشر في السنة اللاحقة رواية تحمل عنواناً ملتبس المعنى، فهو يعني من جهة «نقطة الهروب» ويعني بلغة الرسم «نقطة التقاء خطوط اللوحة» Fluchtpunkt، ولكلا الروايتين طابع السيرة الذاتية؛ وفي حين تعبر الأولى حسب قوله عن «عدم إمكانية التفاهم بين الأجيال أو الآباء والأبناء»، تتضمن الثانية ذكريات واعترافات تبين تجربة المؤلف كإنسان معزول قومياً واجتماعياً وعرقياً. وفي عقد الخمسينيات ترجم ڤايس عدة مسرحيات للكاتب السويدي أ.سترندبرغ[ر] A.Strindberg وكتب مجموعة من المقالات وحقق كثيراً من أعمال الحفر والكولاَّج إلى جانب أفلام وثائقية تجريبية. وفي عام 1963 حصل ڤايس على جائزة شارل ڤييّون Charles Veillon، وعلى جائزة لسينغ Lessing من مدينة هامبورغ عام 1965، ثم على جائزة هاينريش مَنْ Heinrich Mann عام 1966 من أكاديمية الفنون في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وكان في عام 1963 قد نشر مجموعته القصصية الأولى «حديث السائرين الثلاثة» Gespräch der drei Gehenden ومسرحيته الثانية «ليلة مع ضيوف» Nacht mit Gästen التي عرضت في مسرح شيلَّر Schiller في برلين الغربية عام 1964، الذي قدم له في الموسم نفسه مسرحيته الأكثر شهرة عالمياً «اضطهاد واغتيال جان بول مارا، كما قدمتها الفرقة التمثيلية لمصح شارنتون بإشراف السيد دي ساد» Die Verfolgung und Ermordung Jean Paul Marat, dargestellt durch die Schauspielgruppe des Hospizes zu Charenton unter Anleitung des Herrn de Sade. على الرغم من اعتماد ڤايس في هذه المسرحية على وقائع تاريخية ومواد وثائقية، إلا أنه لم يكتب مسرحية تاريخية عن الثورة الفرنسية، بل لجأ إلى أسلوب (المسرح داخل المسرح) ليقدم وجهة نظره في مسيرة حياة مارا ومقتله، الذي كان يرى فيه مفكراً وسياسياً ثورياً سبق زمنه. فبعد مرور خمسة عشر عاماً على مقتل مارا بيد شارلوت كوردي Charlotte Corday يقوم المركيز دي ساد، نزيل مصح المجانين شارنتون، بإخراج المسرحية مع الممثلين المجانين. يتمحور الصراع الفكري الحاد في المسرحية بين الأفكار الثورية المرتبطة بمصالح الشعب، ممثلة في شخص مارا، وبين أقصى درجات التطرف الفرداني، ممثلاً في شخص دي ساد، وتنتهي المسرحية من دون أن يحسم المؤلف الموقف لمصلحة أحد الطرفين. وفي العام التالي قام المخرج بيتر بروك Peter Brook بإخراج المسرحية لمصلحة فرقة شكسبير الملكية وعرضها في لندن ونيويورك فحققت نجاحاً مذهلاً، على صعيد المضمون الفكري والشكل الفني الطليعي على حد سواء، ثم صوَّر بروك العرض سينمائياً، فانتشر عالمياً، وكان مؤشراً على بداية حركة المسرح التسجيلي أو الوثائقي Documentary Theatre، إلى جانب مسرحية «النائب» Der Stellvertreter لرولف هوخهوت Rolf Hochhut حول تعاون الڤاتيكان مع النازيين، التي أخرجها في برلين أيضاً عام 1964 مؤسس المسرح الوثائقي في ثلاثينيات القرن العشرين إرڤين بيسكاتور Erwin Piscator. وفي مسرحية «كيف يتم تخليص السيد موكينبوت من آلامه» Wie dem Herrn Mockinpott das Leiden ausgetrieben wird عام (1968) استخدم ڤايس تقانات المهرج الشعبي ومسرح كابوكي الياباني والكوميديا الساخرة للأفلام الصامتة، ليعبر بأسلوب مبتكر، عن الفكرة الماركسية بأن التراكم الكمي يؤدي إلى تغيّر نوعي وإنْ في عالمٍ مبنيّ على الاستلاب alienation. وقد تعمق هذا التوجه السياسي في مسرحية «أنشودة غول لوزيتانيا» Gesang vom Lusitanischen Popanz التي عرّى فيها آليات الاستعمار الغربي في إفريقيا.
في المسرحيات اللاحقة عمل ڤايس على دمج أدوات مسرح العبث وتقانات المسرح الملحمي والوثائقي باتجاه نوع من المسرح الشامل Total Theatre الذي كان أكثر فعالية وانتشاراً سياسياً في أثناء الستينيات والسبعينيات، لا على مستوى أوربا فحسب، بل عالمياً أيضاً، فقاده طريقه من التمرد إلى الثورة، من معالجة مشكلات وقضايا مغرقة في ذاتيتها، إلى عرض موضوعات اجتماعية ذات أهمية عالمية، فركّز المعالجة الدرامية على المواقف السياسية الفلسفية الجذرية التي تبرز المواقف الطبقية وقضايا الصراع الطبقي عالمياً. ومن أبرز مسرحيات هذه المرحلة «الاستقصاء» Die Ermittlung عـام (1965)، و«حوارية ڤييتنام» Viet Nam Diskurs عـام (1968) حول تاريخ ڤييتنام النضالي ضد جميع أنواع الاستعمار، ولاسيما الأمريكي الوحشي منه.
كانت مسرحية «هولدرلين»Hölderlin عام (1971) منعطفاً نحو تناول قضية الفنان الأديب ودوره في سياق حركة التنوير في مجتمعه. ولاشك في أن المسرحية تحمل ملمحاً من سيرة ڤايس الذاتية وموقفه من الكلاسيكية الألمانية، ممثلة تحديداً في شخصية الإنسان الشامل المبدع غوته[ر]. الذي يثور هولدرلين على عقلانيته المنظِّمة لظواهر الحياة قاطبة.
وبعد هذا النشاط المسرحي المؤثر عاد ڤايس إلى ميدانه القديم والأثير، الرواية، ليكتب بين 1975-1981 «جمالية المقاومة» Ästhetik des Widerstands، وهي ثلاثية روائية يتابع فيها عبر سيرة بطله البروليتاري مسيرة النضال من أجل عالم اشتراكي، بين نهاية عهد جمهورية ڤايمار Die Weimarer Republik وسقوط النازية مع نهاية الحرب العالمية الثانية. إنها بانوراما تاريخية لعقدين حافلين بالأحداث والطموحات وانكسار الأحلام، اعتمد فيها المؤلف على المادة الوثائقية وعلى خياله، منطلقاً من خبرته الذاتية في دور الفن والأدب في الثورة الاجتماعية السياسية لتحقيق العدالة الحلم، إلا أن انهماكه في الكتابة الروائية لم يحل بينه وبين قبول عرض لمسرحة رواية كافكا «المحاكمة» Der Prozess بالعنوان نفسه عام 1975. وعلى الرغم من تقيده بحرفية النص الروائي في معالجة المسرحية فقد كان هدفه الفكري إدراك واقع بطل الرواية ومصيره من وجهة نظر ماركسية، لينفذ عبره إلى تحليل آليات المجتمع الرأسمالي وتأثيره في صياغة حياة الفرد. وبعد مرور سبع سنوات عاد ڤايس إلى المادة نفسها بعنوان «المحاكمة الجديدة» Der neue prozess عام (1981) ليحوِّل بطل كافكا إلى خبير قانوني في شركة تأمين كبيرة يصعد سلمها درجة فدرجة، باجتهاده وإحساسه بالعدالة وبعُصابه الذاتي الذي يعزله عن الآخرين، مما يجعل منه جسراً مناسباً (أو غبياً مفيداً) لسياسة الشركة التوسعية، ولاسيما أن اهتماماته الثقافية تحجب عنه حقيقة أهداف الشركة. وعندما يشغلُ أحد المناصب العليا ويصير من الضروري والحتمي اطّلاعه على خفايا العمل وأهدافه، يبدي تمنّعاً ومعارضة، ويصبح عديم الفائدة للشركة فتقضي عليه، مثلما قُضي على بطل كافكا.
إلى جانب مسرح برتولد برشت[ر] B.Brecht السردي الملحمي episches theater كان لمسرح ڤايس دور بالغ الأثر في تبلور المسرح السياسي في البلدان العربية في سياق حركة التحرر العربي عبر عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، إذ غدا بماركسيته المشاكسة غير الدوغمائية عنصر استقطاب وجذب عند كثير من المسرحيين اليساريين العرب الذين كانوا ينشدون، كما ڤايس، تحقيق العدالة الاجتماعية والتغيير على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي. فقد ترجمت غالبية أعماله المسرحية إلى العربية في القاهرة ودمشق وبيروت إضافة إلى بعض كتاباته النظرية في المسرح السياسي الوثائقي، ومنها «في المسرح الوثائقي» Zum dokumentarischen Theater و«حول موقف الكاتب في العالم المجزأ» Über den Standpunkt des Schriftstellers in der geteilten Welt. وقدمت المسارح العربية، على صعيد المحترفين والهواة، سواء في المسارح القومية أم مسارح المنظمات الشعبية كالعمالي والشبيبي والجامعي، بعض مسرحياته، مثل «أنشودة غول لوزيتاينا» و«المحاكمة الجديدة»، كما اقتبس المسرحي السوري سعد الله ونوس مسرحية «موكينبوت» وقدمها إلى المسرح التجريبي بإخراج فواز الساجر، بعنوان «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» التي حُظيت بإخراجات متعددة في مسارح عربية عدة.
نبيل الحفار
Weiss (Peter-) - Weiss (Peter-)
ڤايس (بيتر -)
(1916-1982)
في المسرحيات اللاحقة عمل ڤايس على دمج أدوات مسرح العبث وتقانات المسرح الملحمي والوثائقي باتجاه نوع من المسرح الشامل Total Theatre الذي كان أكثر فعالية وانتشاراً سياسياً في أثناء الستينيات والسبعينيات، لا على مستوى أوربا فحسب، بل عالمياً أيضاً، فقاده طريقه من التمرد إلى الثورة، من معالجة مشكلات وقضايا مغرقة في ذاتيتها، إلى عرض موضوعات اجتماعية ذات أهمية عالمية، فركّز المعالجة الدرامية على المواقف السياسية الفلسفية الجذرية التي تبرز المواقف الطبقية وقضايا الصراع الطبقي عالمياً. ومن أبرز مسرحيات هذه المرحلة «الاستقصاء» Die Ermittlung عـام (1965)، و«حوارية ڤييتنام» Viet Nam Diskurs عـام (1968) حول تاريخ ڤييتنام النضالي ضد جميع أنواع الاستعمار، ولاسيما الأمريكي الوحشي منه.
كانت مسرحية «هولدرلين»Hölderlin عام (1971) منعطفاً نحو تناول قضية الفنان الأديب ودوره في سياق حركة التنوير في مجتمعه. ولاشك في أن المسرحية تحمل ملمحاً من سيرة ڤايس الذاتية وموقفه من الكلاسيكية الألمانية، ممثلة تحديداً في شخصية الإنسان الشامل المبدع غوته[ر]. الذي يثور هولدرلين على عقلانيته المنظِّمة لظواهر الحياة قاطبة.
وبعد هذا النشاط المسرحي المؤثر عاد ڤايس إلى ميدانه القديم والأثير، الرواية، ليكتب بين 1975-1981 «جمالية المقاومة» Ästhetik des Widerstands، وهي ثلاثية روائية يتابع فيها عبر سيرة بطله البروليتاري مسيرة النضال من أجل عالم اشتراكي، بين نهاية عهد جمهورية ڤايمار Die Weimarer Republik وسقوط النازية مع نهاية الحرب العالمية الثانية. إنها بانوراما تاريخية لعقدين حافلين بالأحداث والطموحات وانكسار الأحلام، اعتمد فيها المؤلف على المادة الوثائقية وعلى خياله، منطلقاً من خبرته الذاتية في دور الفن والأدب في الثورة الاجتماعية السياسية لتحقيق العدالة الحلم، إلا أن انهماكه في الكتابة الروائية لم يحل بينه وبين قبول عرض لمسرحة رواية كافكا «المحاكمة» Der Prozess بالعنوان نفسه عام 1975. وعلى الرغم من تقيده بحرفية النص الروائي في معالجة المسرحية فقد كان هدفه الفكري إدراك واقع بطل الرواية ومصيره من وجهة نظر ماركسية، لينفذ عبره إلى تحليل آليات المجتمع الرأسمالي وتأثيره في صياغة حياة الفرد. وبعد مرور سبع سنوات عاد ڤايس إلى المادة نفسها بعنوان «المحاكمة الجديدة» Der neue prozess عام (1981) ليحوِّل بطل كافكا إلى خبير قانوني في شركة تأمين كبيرة يصعد سلمها درجة فدرجة، باجتهاده وإحساسه بالعدالة وبعُصابه الذاتي الذي يعزله عن الآخرين، مما يجعل منه جسراً مناسباً (أو غبياً مفيداً) لسياسة الشركة التوسعية، ولاسيما أن اهتماماته الثقافية تحجب عنه حقيقة أهداف الشركة. وعندما يشغلُ أحد المناصب العليا ويصير من الضروري والحتمي اطّلاعه على خفايا العمل وأهدافه، يبدي تمنّعاً ومعارضة، ويصبح عديم الفائدة للشركة فتقضي عليه، مثلما قُضي على بطل كافكا.
إلى جانب مسرح برتولد برشت[ر] B.Brecht السردي الملحمي episches theater كان لمسرح ڤايس دور بالغ الأثر في تبلور المسرح السياسي في البلدان العربية في سياق حركة التحرر العربي عبر عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، إذ غدا بماركسيته المشاكسة غير الدوغمائية عنصر استقطاب وجذب عند كثير من المسرحيين اليساريين العرب الذين كانوا ينشدون، كما ڤايس، تحقيق العدالة الاجتماعية والتغيير على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي. فقد ترجمت غالبية أعماله المسرحية إلى العربية في القاهرة ودمشق وبيروت إضافة إلى بعض كتاباته النظرية في المسرح السياسي الوثائقي، ومنها «في المسرح الوثائقي» Zum dokumentarischen Theater و«حول موقف الكاتب في العالم المجزأ» Über den Standpunkt des Schriftstellers in der geteilten Welt. وقدمت المسارح العربية، على صعيد المحترفين والهواة، سواء في المسارح القومية أم مسارح المنظمات الشعبية كالعمالي والشبيبي والجامعي، بعض مسرحياته، مثل «أنشودة غول لوزيتاينا» و«المحاكمة الجديدة»، كما اقتبس المسرحي السوري سعد الله ونوس مسرحية «موكينبوت» وقدمها إلى المسرح التجريبي بإخراج فواز الساجر، بعنوان «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» التي حُظيت بإخراجات متعددة في مسارح عربية عدة.
نبيل الحفار