علم الأحياء التطوري (الإنمائي) developmental biology
يهدف فرع علوم الحياة المُسمى ب البيولوجيا التطورية (علم الأحياء التّطوري) إلى فهم العمليات الطارئة التي تصيب الكائنات الحية منذ تلقيح الخلية البيضية (أو ما يكافئها) حتی تشكُّل كائن حي وظيفي حسن البنيان ومتعدد الخلايا. قد يبدو ذلك مجرد هدف أكاديمي مدفوع بفضول بحت للوهلة الأولى، ولا يستحق تكاليف مادية تُنفق عليه، ولكن يُعد علم الأحياء التطوري في الحقيقة محركًا للبحث في الأمراض البشرية والخصوبة ، واستدامة الأغذية والاستجابة الحيوية للتلوث البيئي والاحتباس الحراري.
يشير مجلس الأبحاث الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأثُّر ما يزيد عن نصف حالات الحمل بعيوب تطورية، ومعاناة ما يقارب 3% من الولادات الحية من شذوذات تطورية شديدة، وارتباط ما يقارب 70% من حالات وفيات حديثي الولادة و22% من وفيات الرضع بأسباب تطورية، وعودة حوالي 30% من حالات إدخال الأطفال للمستشفيات لعيوب كهذه.
قد تمتثل المسببات على شكل أخطاء عشوائية أو طفرات جينية موروثة أو مكتسبة أو سموم؛ كما تبيَّن في تشوهات الأطراف الشديدة لآلاف المولودين إثر فضيحة دواء الثاليدوميد في خمسينيات القرن العشرين، أو التزايد الكبير بالعيوب الولادية بعد كارثة الغاز في بوبال عام 1984.
تطالب كل تلك الأرقام والأمثلة بشكل واضح بتحريات علمية للعمليات التطورية المتأثرة، وليس لاستيعاب الاضطرابات البشرية أو حتى علاجها فحسب، وإنما لتقديم حجج قوية تُقنع صناع القرار من أجل إنقاص المخلفات السامة والأدخنة والمواد البلاستيكية التي تُهدد صحة الموروثات والتطور على سبيل المثال. تقع على عاتق علم الأحياء التطوري تحريات، وله نقطتا قوة استراتيجيتان مهمتان ستردان تاليًا.
علم الأحياء التطوري
يطرح علم الأحياء التطوري أسئلة عميقة على مستوى الكائنات الحية ككل أو على أعضائها، ويتحرى أسئلة مثل: «كيف تتطور الكلية والدماغ؟ كيف تأخذ الأطراف والأوراق أشكالها ومواقعها المميزة؟». وللإجابة عن أسئلة كهذه، يمكن أن تبدأ الاستراتيجية النموذجية لبحث ما في علم الأحياء التطوري بتحديد الجينات (المورثات) أو الشبكات الجينية المنظمة للعمليات التطورية الخاصة بأي حيوان أو نبات مُختار، ويمكن بعد ذلك التلاعب بتلك الجينات وظيفيًا أو حذفها لدراسة الشذوذات التطورية الناتجة.
تُتيح النتائج غالبًا استنتاج آلية عمل المورثات والعمليات المشاركة على مستوى الصحة، يمكن أيضًا أن تفسر حالات سريرية لاضطرابات تطورية لدى البشر، ما يُوجِّه المزيد من الأبحاث الحيوية الطبية لحالات كهذه.
ولتحري العمليات انطلاقًا من مستوى جيني وصعودًا إلى مستوى الكائن الحي أو الأعضاء، يجب أن يكون علم الأحياء التطوري شاملًا بشكل كبير ومتعدد الاختصاصات، مُفعِّلًا كلًا من الفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الخلوي والفسيولوجيا والتشريح إلى جانب علم الوراثة، ما قد يعود باكتشافات متعددة عالية التعقيد.
يبدو علم الأحياء التطوري أشبه بمظلة تضم تحتها تفسيرات حيوية أساسية، وتبني جسورًا تربط بينها وبين الأطباء أو مربيي الحيوانات والنباتات على مستوى الكائن الحي والأعضاء.
يوظف علم البيولوجيا التطورية الكائنات الحية النموذجية بشكل استراتيجي
لا تستخدم معظم أبحاث علم الأحياء التطوري الأجنة البشرية، ولكنها تغطي المملكتين الحيوانية والنباتية بوسعهما، وقد يوحي ذلك بمجازفة بالتمديد المفرط للسعات البحثية. ولكنه في الحقيقة يُعتبر نقطة قوة كبيرة لعلم الأحياء التطوري ومنجمًا من الذهب ينبغي التنقيب عنه.
فقد تبين أن العديد من الجينات أو الشبكات الجينية الوظيفية التي تقود العمليات الحيوية الأساسية تمتلك أصولًا تطورية قديمة، وما تزال تستخدمها أنواع متباينة جدًا لأسباب متشابهة. فعلى سبيل المثال، تملك حوالي 75% من الجينات المرضية لدى البشر مقابلات لدى ذباب الفاكهة، ويُمكن استبدال ما يقارب 50% من جينات الخميرة وظيفيًا بأخرى بشرية.
وبالتركيز على مبدأ التماثل العميق هذا، يمكن إنجاز أبحاث عالية الفعالية ومُجدية وموثوقة اقتصاديًا لدى كائنات حية أصغر حجمًا مثل الديدان أو الذباب وحتى الخميرة. فيمكن اختبار الجينات والمفاهيم المُكتسبة لدى الثدييات (غالبًا الفئران) واستخدامها أخيرًا في التجارب السريرية.
وقد أدى خط الاكتشاف هذا لاستيعاب مُعتبَر لعلم الأحياء والأمراض لدى البشر وأثبت أيضًا عددًا مبهرًا من جوائز نوبل في الفسيولوجيا والطب مُنحت لعلماء يعملون على هذه الأنظمة النموذجية.
إنجازات علم الأحياء التطوري حتى الآن
وضعت الأبحاث حجر الأساس في عيادات الإخصاب اليوم، فقد بدأ بحث علم الأحياء التطوري بتلقيح الخلايا البيضية متحريًا كيف تنقسم خلايا البيضة الملقحة بشكل منظم لتنمو معطية أجسامًا بالحجم الكامل. وكيف تتواصل الخلايا المتشكلة في هذه العملية بطرق هادفة لتصبح مختلفة عن بعضها البعض، بالإضافة إلى هجرتها وتغيير شكلها والتصاقها ببعضها، وبالتالي تجتمع لتعطي نسيجًا وأعضاء معقدة.
يساعد علم الأحياء التطوري على تسريع التئام الجروح ومنع تشكل الندبات والتغلب على المضاعفات المزمنة الناتجة عنها.
توجّه أبحاث علم البيولوجيا التطورية هندسةَ النسج (التي تهدف إلى إنماء نسج بديلة في أطباق بلاستيكية) بشكل أساسي. ففي السرطان مثلا؛ تفقد الخلايا هويتها وتنقسم بشكل مفرط، وتنفصل عن بيئاتها المحيطة وتهاجر لتشكل نقائل. ويعود كثير من الفهم التفصيلي لآلية تطور السرطان لأبحاث علم الأحياء التطوري، ما يعطي أملًا في الشفاء.
تُعلق آمال كبيرة على أبحاث الخلايا الجذعية المستندة إلى علم الأحياء التطوري. على سبيل المثال؛ استبدال الغضاريف في حالات التهاب المفاصل أو الفقرات المتأذية، أو الخلايا الدماغية في حالة الخرف، علمًا أن النسج تحتفظ بخلايا جذعية يمكن إعادة تفعيلها بنسق منظمة لتنقسم وتعطي نسجًا بديلة.
وتتجاوز تطبيقات علم الأحياء التطوري الأبحاث الحيوية الطبية وتتعداها لتساعد في تحقيق أمن غذائي مُستدام في ظل الازدحام السكاني. فعلى سبيل المثال؛ يؤمِّن فهم تطور النباتات طريقة لتسريع عمليات النسل، كما في تحسين الأنظمة الجذرية أو حجم النبات أو موعد إزهاره.
علاوة على ذلك، يساعد علم البيولوجيا التطورية على فهم التأثيرات البيئية على التطور، ما يلعب دورًا هامًا في علم الحفاظ الحيوي لا سيما في ظل التلوث والاحتباس الحراري، فعلى سبيل المثال؛ يمكن تحديد الجنس اعتمادًا على درجة الحرارة لدى السلاحف.
البيولوجيا التطورية الخلايا الكائنات الحية
وختامًا، قد يبدو علم الأحياء التطوري اختصاصًا أكاديميًا بحتًا، ولكن قيمته المفيدة للمجتمع كبيرة، وهو ما يدفع للتفكير بنظام متوازن بعناية للتمويل العلمي. إذ تميل الاتجاهات الحالية لتفضيل الأبحاث السريرية أو الصناعية المُجراة لترجمة المعرفة الحيوية لمنفعة اقتصادية أو اجتماعية. لكن يجب عدم تجاهل فكرة أن البحث الأساسي، كما في مجال علم الأحياء التطوري، يُشيد الأساسات طويلة الأمد لتطورات كهذه.
يهدف فرع علوم الحياة المُسمى ب البيولوجيا التطورية (علم الأحياء التّطوري) إلى فهم العمليات الطارئة التي تصيب الكائنات الحية منذ تلقيح الخلية البيضية (أو ما يكافئها) حتی تشكُّل كائن حي وظيفي حسن البنيان ومتعدد الخلايا. قد يبدو ذلك مجرد هدف أكاديمي مدفوع بفضول بحت للوهلة الأولى، ولا يستحق تكاليف مادية تُنفق عليه، ولكن يُعد علم الأحياء التطوري في الحقيقة محركًا للبحث في الأمراض البشرية والخصوبة ، واستدامة الأغذية والاستجابة الحيوية للتلوث البيئي والاحتباس الحراري.
يشير مجلس الأبحاث الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأثُّر ما يزيد عن نصف حالات الحمل بعيوب تطورية، ومعاناة ما يقارب 3% من الولادات الحية من شذوذات تطورية شديدة، وارتباط ما يقارب 70% من حالات وفيات حديثي الولادة و22% من وفيات الرضع بأسباب تطورية، وعودة حوالي 30% من حالات إدخال الأطفال للمستشفيات لعيوب كهذه.
قد تمتثل المسببات على شكل أخطاء عشوائية أو طفرات جينية موروثة أو مكتسبة أو سموم؛ كما تبيَّن في تشوهات الأطراف الشديدة لآلاف المولودين إثر فضيحة دواء الثاليدوميد في خمسينيات القرن العشرين، أو التزايد الكبير بالعيوب الولادية بعد كارثة الغاز في بوبال عام 1984.
تطالب كل تلك الأرقام والأمثلة بشكل واضح بتحريات علمية للعمليات التطورية المتأثرة، وليس لاستيعاب الاضطرابات البشرية أو حتى علاجها فحسب، وإنما لتقديم حجج قوية تُقنع صناع القرار من أجل إنقاص المخلفات السامة والأدخنة والمواد البلاستيكية التي تُهدد صحة الموروثات والتطور على سبيل المثال. تقع على عاتق علم الأحياء التطوري تحريات، وله نقطتا قوة استراتيجيتان مهمتان ستردان تاليًا.
علم الأحياء التطوري
يطرح علم الأحياء التطوري أسئلة عميقة على مستوى الكائنات الحية ككل أو على أعضائها، ويتحرى أسئلة مثل: «كيف تتطور الكلية والدماغ؟ كيف تأخذ الأطراف والأوراق أشكالها ومواقعها المميزة؟». وللإجابة عن أسئلة كهذه، يمكن أن تبدأ الاستراتيجية النموذجية لبحث ما في علم الأحياء التطوري بتحديد الجينات (المورثات) أو الشبكات الجينية المنظمة للعمليات التطورية الخاصة بأي حيوان أو نبات مُختار، ويمكن بعد ذلك التلاعب بتلك الجينات وظيفيًا أو حذفها لدراسة الشذوذات التطورية الناتجة.
تُتيح النتائج غالبًا استنتاج آلية عمل المورثات والعمليات المشاركة على مستوى الصحة، يمكن أيضًا أن تفسر حالات سريرية لاضطرابات تطورية لدى البشر، ما يُوجِّه المزيد من الأبحاث الحيوية الطبية لحالات كهذه.
ولتحري العمليات انطلاقًا من مستوى جيني وصعودًا إلى مستوى الكائن الحي أو الأعضاء، يجب أن يكون علم الأحياء التطوري شاملًا بشكل كبير ومتعدد الاختصاصات، مُفعِّلًا كلًا من الفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الخلوي والفسيولوجيا والتشريح إلى جانب علم الوراثة، ما قد يعود باكتشافات متعددة عالية التعقيد.
يبدو علم الأحياء التطوري أشبه بمظلة تضم تحتها تفسيرات حيوية أساسية، وتبني جسورًا تربط بينها وبين الأطباء أو مربيي الحيوانات والنباتات على مستوى الكائن الحي والأعضاء.
يوظف علم البيولوجيا التطورية الكائنات الحية النموذجية بشكل استراتيجي
لا تستخدم معظم أبحاث علم الأحياء التطوري الأجنة البشرية، ولكنها تغطي المملكتين الحيوانية والنباتية بوسعهما، وقد يوحي ذلك بمجازفة بالتمديد المفرط للسعات البحثية. ولكنه في الحقيقة يُعتبر نقطة قوة كبيرة لعلم الأحياء التطوري ومنجمًا من الذهب ينبغي التنقيب عنه.
فقد تبين أن العديد من الجينات أو الشبكات الجينية الوظيفية التي تقود العمليات الحيوية الأساسية تمتلك أصولًا تطورية قديمة، وما تزال تستخدمها أنواع متباينة جدًا لأسباب متشابهة. فعلى سبيل المثال، تملك حوالي 75% من الجينات المرضية لدى البشر مقابلات لدى ذباب الفاكهة، ويُمكن استبدال ما يقارب 50% من جينات الخميرة وظيفيًا بأخرى بشرية.
وبالتركيز على مبدأ التماثل العميق هذا، يمكن إنجاز أبحاث عالية الفعالية ومُجدية وموثوقة اقتصاديًا لدى كائنات حية أصغر حجمًا مثل الديدان أو الذباب وحتى الخميرة. فيمكن اختبار الجينات والمفاهيم المُكتسبة لدى الثدييات (غالبًا الفئران) واستخدامها أخيرًا في التجارب السريرية.
وقد أدى خط الاكتشاف هذا لاستيعاب مُعتبَر لعلم الأحياء والأمراض لدى البشر وأثبت أيضًا عددًا مبهرًا من جوائز نوبل في الفسيولوجيا والطب مُنحت لعلماء يعملون على هذه الأنظمة النموذجية.
إنجازات علم الأحياء التطوري حتى الآن
وضعت الأبحاث حجر الأساس في عيادات الإخصاب اليوم، فقد بدأ بحث علم الأحياء التطوري بتلقيح الخلايا البيضية متحريًا كيف تنقسم خلايا البيضة الملقحة بشكل منظم لتنمو معطية أجسامًا بالحجم الكامل. وكيف تتواصل الخلايا المتشكلة في هذه العملية بطرق هادفة لتصبح مختلفة عن بعضها البعض، بالإضافة إلى هجرتها وتغيير شكلها والتصاقها ببعضها، وبالتالي تجتمع لتعطي نسيجًا وأعضاء معقدة.
يساعد علم الأحياء التطوري على تسريع التئام الجروح ومنع تشكل الندبات والتغلب على المضاعفات المزمنة الناتجة عنها.
توجّه أبحاث علم البيولوجيا التطورية هندسةَ النسج (التي تهدف إلى إنماء نسج بديلة في أطباق بلاستيكية) بشكل أساسي. ففي السرطان مثلا؛ تفقد الخلايا هويتها وتنقسم بشكل مفرط، وتنفصل عن بيئاتها المحيطة وتهاجر لتشكل نقائل. ويعود كثير من الفهم التفصيلي لآلية تطور السرطان لأبحاث علم الأحياء التطوري، ما يعطي أملًا في الشفاء.
تُعلق آمال كبيرة على أبحاث الخلايا الجذعية المستندة إلى علم الأحياء التطوري. على سبيل المثال؛ استبدال الغضاريف في حالات التهاب المفاصل أو الفقرات المتأذية، أو الخلايا الدماغية في حالة الخرف، علمًا أن النسج تحتفظ بخلايا جذعية يمكن إعادة تفعيلها بنسق منظمة لتنقسم وتعطي نسجًا بديلة.
وتتجاوز تطبيقات علم الأحياء التطوري الأبحاث الحيوية الطبية وتتعداها لتساعد في تحقيق أمن غذائي مُستدام في ظل الازدحام السكاني. فعلى سبيل المثال؛ يؤمِّن فهم تطور النباتات طريقة لتسريع عمليات النسل، كما في تحسين الأنظمة الجذرية أو حجم النبات أو موعد إزهاره.
علاوة على ذلك، يساعد علم البيولوجيا التطورية على فهم التأثيرات البيئية على التطور، ما يلعب دورًا هامًا في علم الحفاظ الحيوي لا سيما في ظل التلوث والاحتباس الحراري، فعلى سبيل المثال؛ يمكن تحديد الجنس اعتمادًا على درجة الحرارة لدى السلاحف.
البيولوجيا التطورية الخلايا الكائنات الحية
وختامًا، قد يبدو علم الأحياء التطوري اختصاصًا أكاديميًا بحتًا، ولكن قيمته المفيدة للمجتمع كبيرة، وهو ما يدفع للتفكير بنظام متوازن بعناية للتمويل العلمي. إذ تميل الاتجاهات الحالية لتفضيل الأبحاث السريرية أو الصناعية المُجراة لترجمة المعرفة الحيوية لمنفعة اقتصادية أو اجتماعية. لكن يجب عدم تجاهل فكرة أن البحث الأساسي، كما في مجال علم الأحياء التطوري، يُشيد الأساسات طويلة الأمد لتطورات كهذه.