من هي حواء الميتوكوندرية ؟
تعود أقوى الفحوصات الإحصائية لتاريخ جينات نوعنا إلى “حواء الميتوكوندرية” أو السلف الأمومي لكل البشر، إذ تثبت الفحوصات أنها عاشت منذ 200,000 سنة مضت. اعتمدت الدراسة على مقارنة النماذج الجينية لعشرة أفراد بهدف تحديد الوقت الذي عاشت فيه حواء بواسطة استخدام افتراضات مختلفةً تمامًا حول طريقة هجرة البشر وانتشارهم في أنحاء كوكب الأرض.
يقول أحد الباحثين في الدراسة (ماريك كيمل – Marek Kimmel): «تؤكد اكتشافاتنا أهمية أخذ الطبيعة العشوائية للعمليات السكانية في الاعتبار، مثل النمو والانقراض. لا تأخذ النماذج الكلاسيكية الحتمية هذه العمليات العشوائية في الاعتبار، بما في ذلك النماذج المطبقة بهدف محاولة تأريخ حواء الميتوكوندرية».
مقطع عرضي في الميتاكوندريا، Credit: iStockphoto/David Marchal
يُعتَبر السعي وراء تأريخ حواء الميتوكوندرية مثالًا على طريقة استكشاف العلماء للماضي الجيني بهدف التعلم أكثر حول الطفرات، والانتقاء، وغيرهما من العمليات الجينية التي تلعب دورًا محوريًا في الأمراض. يقول كيمل: «هذا هو سبب اهتمامنا بأنماط التنوع الجيني عمومًا، فهي بالغة الأهمية للطب».
على سبيل المثال، تعتمد الطريقة التي يحاول بها العلماء تأريخ حواء الميتوكوندرية على الأساليب الجينية الحديثة. تُقارَن الحسابات الجينية لمتطوعي دم عشوائيين، ويتمكن العلماء اعتمادًا على التشابهات والاختلافات بين جينات معينة من تحديد رقم يصف مدى العلاقة بين أي متطوعَين.
يستخدم علماء الوراثة الجينوم الميتوكوندري لقياس مدى العلاقة بين المتطوعين بمثابة وسيلة لتبسيط مهمة إيجاد سلف مشترك عاش منذ فترة طويلة. يعود ذلك إلى احتواء الجينوم البشري على أكثر من 20,000 جين، إذ تُعتبَر مقارنة الاختلافات بين جينات كثيرة جدًا لأسلاف بعيدة أمرًا معقدًا، حتى مع أكبر وأسرع الحواسيب الفائقة اليوم.
ولكن الميتوكوندريا -العضية الصغيرة العاملة بمثابة مصانع طاقة داخل كل الخلايا البشرية- تمتلك جينومها الخاص. إضافةً إلى احتوائها على 37 جينًا متغيرًا بندرة، فإنها تحتوي على منطقة “شديدة التغير” والمتغيرة بسرعة كافية لتزويد ساعة جزيئية مدرّجة بوقت قابل للمقارنة مع عمر البشر حديثًا. وبما أن كل فرد يرث الجينوم الميتوكوندري الخاص به من والدته، فإن جميع التسلسلات الميتوكوندرية أمومية. لاستخلاص عمر حواء الميتوكوندرية، على العلماء تحويل مدى العلاقة بين متطوعي الدم العشوائيين إلى قياسات زمنية.
يقول (كرزيستوف سايرن – Krzysztof Cyran)، أحد الباحثين في الدراسة والرئيس السابق لمعهد المعلومات في جامعة سيليسيان للتكنولوجيا في بولندا: «لا بد من ترجمة الاختلافات بين تتابع الجينات إلى طريقة تطورها مع الزمن، والمعتمدة على نموذج التطور الذي نستخدمه. على سبيل المثال، ما هو معدل الطفرات الجينية، وهل يكون معدل التغير هذا ثابتًا مع مرور الزمن؟ وماذا عن الفقد العشوائي للمتغيرات الجينية والتي نسميها بالانحراف الجيني؟».
داخل كل نموذج، تأخذ الإجابات لهذه الأسئلة صورة معامِلات -وهي ثوابت رقمية توضع في المعادلة- لتعطينا إجابةً حول الزمن الذي عاشت فيه حواء الميتوكوندرية.
لكل نموذج افتراضاته الخاصة، ولكل افتراض تضميناته الرياضية. لتعقيد الأمور أكثر من ذلك، نجد بعض الافتراضات ليست صالحةً للبشر. فمثلًا، تفترض بعض النماذج أن تعداد السكان لا يتغير أبدًا، ويُعد هذا غير صحيحًا بالنسبة للبشر الذين نمت أعدادهم أُسّيًا لعدة آلاف من الأجيال على الأقل. وتفترض بعض النماذج الأخرى اختلاطًا مثاليًا للجينات، ما يعني أن أي شخصين في أي مكان في العالم يمتلكان فرصةً متساويةً في إنتاج النسل.
قال سايرن أن النماذج الجينية البشرية أصبحت أكثر تعقيدًا في العقود القليلة الماضية في محاولة النظريين تصحيح الافتراضات اللاغية. ولكن بعض التصحيحات –مثل إضافة عمليات متشعبة تهدف إلى تحديد دينامية النمو السكاني في الهجرات البشرية الأولى- معقدة للغاية، ما يطرح التساؤل حول قدرة النماذج الأقل تعقيدًا لتحديد ما يحدث.
قال كيمل: «أردنا معرفة مقدار دقة التقديرات في افتراضات النماذج. وجدنا أن جميع النماذج التي تفسر حجم السكان العشوائي –مثل عمليات التشعب المختلفة- قدمت تقديرات متشابهةً. هذا أمر مطمئن، إذ يُظهر أن تنقية افتراضات النموذج ليست ذات أهمية كبيرة بعد نقطة معينة، في الصورة الكبيرة». دُعِمَت الدراسة بإعانات من وزارة العلوم والتعليم العالي البولندية ومعهد الأبحاث والوقاية من السرطان في تكساس. ونتجت الدراسة عن تعاون قوي بين جامعة رايس وجامعة سيليسان للتكنولوجيا.