فردان (معركه)
Battle of Verdun - Bataille de Verdun
فردان (معركة -)
معركة فردان Battle of Verdun معركة كبيرة من معارك الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، استمرت وقائعها عشرة أشهر ( شباط/فبراير - تشرين الثاني/نوفمبر 1916) بين القوات الألمانية والقوات الفرنسية، وكانت جزءاً من عملية هجومية ألمانية مخفقة، بهدف أخذ زمام المبادأة، وإنهاء حالة الجمود على الجبهة الغربية.
فردان تاريخياً
فردان مدينة فرنسية حصينة في مقاطعة الموز Meuse departement من منطقة اللورين Lorraine، شمال شرقي فرنسا على الضفة اليسرى لنهر الموز، وفي جوارها قلعة تاريخية، وقد كانت فردان حصناً للغاليين في العهد الروماني، وفيها تقاسم أولاد شارلمان الثلاثة امبراطوريته عام 843م وفق معاهدة حملت اسمها. غزاها الألمان في القرن العاشر، ثم انضمت إلى ميتز Metz وتول Toul لتؤلف معهما أراضي الأسقفيات الثلاث Trois-Évêchés التي ضمها ملك فرنسا هنري الثاني عام 1552 إلى أملاكه، وأقرَّت معاهدة السلام في وستفاليا (1648) تبعيتها لفرنسا. حاصر البروسيون فردان سنة 1792، واستولوا عليها قبيل النصر الذي حققته الثورة الفرنسية في معركة فالمي[ر] ببضعة أسابيع. كذلك سقطت فردان في يد بروسيا في حرب السبعين (1870-1871)، لكنها أعيدت إلى فرنسا عام 1873 بعد أن فقدت الألزاس واللورين، وغدت فردان مدينة حدودية لا تبعد أكثر من خمسين كيلومتراً عن الحدود بين البلدين. ورداً على هذا الوضع قامت فرنسا بتحصين المرتفعات المحيطة بالمدينة المقابلة للمعاقل الألمانية في ميتز.
الأسباب غير المباشرة للمعركة
في السنوات التي سبقت الحرب العظمى، كما كانت تدعى، كانت ألمانيا الدولة الصناعية الرائدة في أوربا. ومع أن فرنسا كانت في ذلك الحين ثاني أكبر دولة استعمارية في العالم، بعد بريطانيا، فقد كان الفرنسيون يشعرون بوطأة التهديد الصناعي الألماني المتزايد، وأدركوا أن فرنسا لن تستطيع الصمود وحدها في وجه القوة الألمانية المتنامية. ورداً على التهديد الألماني شيد الفرنسيون خطاً متصلاً من الحصون المطمورة تحت الأرض؛ على أمل الحد من قدرات الجيش الغازي على المناورة في أراضيهم، وامتد خط التحصينات من الحدود السويسرية حتى فردان.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى أصبحت فردان قلعة فرنسا الأمامية، وشكلت الحصون حولها كتلة العوائق الرئيسة التي تقطع الطريق إلى باريس من جهة الشرق، كما أضحت الهدف الأول للهجوم الألماني عام 1916.
الأسباب المباشرة للمعركة
كان الجنرال إيريش فون فالكنهاين Erich von Falkenhayn القائد العام للجيش الألماني يؤمن باستراتيجية الاستنزاف والإنهاك، ويعتقد أن على ألمانيا أن تستنزف فرنسا حتى الموت باختيار نقطة يضطر الفرنسيون عندها إلى تجنيد كل رجل لديهم من أجل الحفاظ عليها، وخاصة بعد أن وصلت الحرب إلى طريق مسدود وتحولت إلى حرب مواضع. وقد وقع اختيار فالكنهاين على قلعة فردان وما يحيط بها من حصون للقيام بهجوم ساحق. وحشد للهجوم قوات ضخمة مدعمة بأعداد كبيرة من المدفعية. وكان الفرنسيون يتوقعون مثل هذا الهجوم غير أنهم كانوا يعتقدون أنه سيكون على اتجاه آخر.
سير القتال
بدأ الهجوم الألماني في 21 شباط/فبراير 1916 بتمهيد مدفعي كثيف لم تعهده جبهات القتال من قبل، ولم تلق القوات الألمانية في تقدمها إبان الأيام الأربعة الأولى مقاومة تذكر، إلى أن بلغت حصن دوامون Douaumont واحتلته بعد قتال شرس. وكان الفرنسيون قد انسحبوا من خطوطهم الأمامية مع بدء التمهيد المدفعي إلى مواقع معدة سلفاً، وفي الوقت نفسه تسلَّم الجنرال فيليب بيتان[ر] H.Ph. Pétain قيادة الجيش المدافع عن فردان، وقد عزم على الدفاع عنها بأي ثمن، وأُثِر عنه قوله: «Ils ne passeront pas» أي (لن يمروا)، واستغل تباطؤ وتيرة الهجوم وتعثُّر الألمان عند دوامون بهجماتهم المعاكسة، فأعاد ترتيب قواته وتعويض الخسائر بتقديم الاحتياطات من دون انقطاع.
عاود الألمان الهجوم في 6 آذار/مارس، واستسلم لهم حصن هاركور Harcourt في22 آذار/مارس، كما سقط حصن مالانكور Malancourt القريب من المدينة بعد أسبوع، وتبعهما ثلاثة حصون أخرى مجاورة في أسابيع قليلة، لكن فردان نفسها بقيت صامدة. وكانت المعارك تدور على مدار الساعة، وتتعرض المرتفعات على نهر الموز والمواقع المحيطة بالمدينة للقصف الشديد وتُحتل ثم تُسترد مراراً. غير أنه تحقق للفرنسيين في نيسان/إبريل السيادة الجوية الكاملة على أرض المعركة، الأمر الذي ساعدهم على الصمود والدفاع الناجح عن المدينة، ومع ذلك تمكنت القوات الألمانية في حزيران/يونيو من الاستيلاء على حصن تيامون Thiaumont وعلى حصن فوكس Vaux.
في الأول من تموز/يوليو شن البريطانيون هجوماً عنيفاً على القوات الألمانية عند نهر السوم[ر]، استخدموا فيه أول مرة سلاح الدبابات الجديد؛ بهدف التخفيف من الضغط الألماني على القوات الفرنسية، كذلك أجبر الهجوم الروسي على الجبهة الشرقية القيادة الألمانية على سحب قسم من قواتها بعيداً عن فردان. وأدت هذه الحوادث متضافرة إلى إقناع الألمان في تموز/يوليو بعدم جدوى متابعة الهجوم، وعجزهم عن كسر شوكة الفرنسيين وإرادة المقاومة لديهم فتحولوا إلى الدفاع. وبدءاً من شهر تشرين الأول/أكتوبر حتى أواخر العام تقريباً انتقلت مبادأة الهجوم إلى الفرنسيين الذين تمكنوا من استرداد حصونهم ومواقعهم تدريجيا، والعودة إلى خطوط الدفاع السابقة التي كانوا يحتلونها عند بدء المعركة.
دفع الطرفان المتحاربان ثمناً باهظاً في المعارك التي خاضوها حول فردان، وقد بلغت خسائر الطرفين نحو700000 جندي بين قتيل وجريح، نصفهم من الألمان، وما تزال النصب التذكارية ومقابر الضحايا في ضواحي فردان شاهداً على ضراوة المعركة، غير أن المعركة نفسها لم تكن حاسمة، ولم تمنح أياً من الطرفين أي ميزات استراتيجية أو تكتيكية.
محمد وليد الجلاد
Battle of Verdun - Bataille de Verdun
فردان (معركة -)
معركة فردان Battle of Verdun معركة كبيرة من معارك الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، استمرت وقائعها عشرة أشهر ( شباط/فبراير - تشرين الثاني/نوفمبر 1916) بين القوات الألمانية والقوات الفرنسية، وكانت جزءاً من عملية هجومية ألمانية مخفقة، بهدف أخذ زمام المبادأة، وإنهاء حالة الجمود على الجبهة الغربية.
فردان تاريخياً
فردان مدينة فرنسية حصينة في مقاطعة الموز Meuse departement من منطقة اللورين Lorraine، شمال شرقي فرنسا على الضفة اليسرى لنهر الموز، وفي جوارها قلعة تاريخية، وقد كانت فردان حصناً للغاليين في العهد الروماني، وفيها تقاسم أولاد شارلمان الثلاثة امبراطوريته عام 843م وفق معاهدة حملت اسمها. غزاها الألمان في القرن العاشر، ثم انضمت إلى ميتز Metz وتول Toul لتؤلف معهما أراضي الأسقفيات الثلاث Trois-Évêchés التي ضمها ملك فرنسا هنري الثاني عام 1552 إلى أملاكه، وأقرَّت معاهدة السلام في وستفاليا (1648) تبعيتها لفرنسا. حاصر البروسيون فردان سنة 1792، واستولوا عليها قبيل النصر الذي حققته الثورة الفرنسية في معركة فالمي[ر] ببضعة أسابيع. كذلك سقطت فردان في يد بروسيا في حرب السبعين (1870-1871)، لكنها أعيدت إلى فرنسا عام 1873 بعد أن فقدت الألزاس واللورين، وغدت فردان مدينة حدودية لا تبعد أكثر من خمسين كيلومتراً عن الحدود بين البلدين. ورداً على هذا الوضع قامت فرنسا بتحصين المرتفعات المحيطة بالمدينة المقابلة للمعاقل الألمانية في ميتز.
الأسباب غير المباشرة للمعركة
في السنوات التي سبقت الحرب العظمى، كما كانت تدعى، كانت ألمانيا الدولة الصناعية الرائدة في أوربا. ومع أن فرنسا كانت في ذلك الحين ثاني أكبر دولة استعمارية في العالم، بعد بريطانيا، فقد كان الفرنسيون يشعرون بوطأة التهديد الصناعي الألماني المتزايد، وأدركوا أن فرنسا لن تستطيع الصمود وحدها في وجه القوة الألمانية المتنامية. ورداً على التهديد الألماني شيد الفرنسيون خطاً متصلاً من الحصون المطمورة تحت الأرض؛ على أمل الحد من قدرات الجيش الغازي على المناورة في أراضيهم، وامتد خط التحصينات من الحدود السويسرية حتى فردان.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى أصبحت فردان قلعة فرنسا الأمامية، وشكلت الحصون حولها كتلة العوائق الرئيسة التي تقطع الطريق إلى باريس من جهة الشرق، كما أضحت الهدف الأول للهجوم الألماني عام 1916.
الأسباب المباشرة للمعركة
كان الجنرال إيريش فون فالكنهاين Erich von Falkenhayn القائد العام للجيش الألماني يؤمن باستراتيجية الاستنزاف والإنهاك، ويعتقد أن على ألمانيا أن تستنزف فرنسا حتى الموت باختيار نقطة يضطر الفرنسيون عندها إلى تجنيد كل رجل لديهم من أجل الحفاظ عليها، وخاصة بعد أن وصلت الحرب إلى طريق مسدود وتحولت إلى حرب مواضع. وقد وقع اختيار فالكنهاين على قلعة فردان وما يحيط بها من حصون للقيام بهجوم ساحق. وحشد للهجوم قوات ضخمة مدعمة بأعداد كبيرة من المدفعية. وكان الفرنسيون يتوقعون مثل هذا الهجوم غير أنهم كانوا يعتقدون أنه سيكون على اتجاه آخر.
سير القتال
بدأ الهجوم الألماني في 21 شباط/فبراير 1916 بتمهيد مدفعي كثيف لم تعهده جبهات القتال من قبل، ولم تلق القوات الألمانية في تقدمها إبان الأيام الأربعة الأولى مقاومة تذكر، إلى أن بلغت حصن دوامون Douaumont واحتلته بعد قتال شرس. وكان الفرنسيون قد انسحبوا من خطوطهم الأمامية مع بدء التمهيد المدفعي إلى مواقع معدة سلفاً، وفي الوقت نفسه تسلَّم الجنرال فيليب بيتان[ر] H.Ph. Pétain قيادة الجيش المدافع عن فردان، وقد عزم على الدفاع عنها بأي ثمن، وأُثِر عنه قوله: «Ils ne passeront pas» أي (لن يمروا)، واستغل تباطؤ وتيرة الهجوم وتعثُّر الألمان عند دوامون بهجماتهم المعاكسة، فأعاد ترتيب قواته وتعويض الخسائر بتقديم الاحتياطات من دون انقطاع.
عاود الألمان الهجوم في 6 آذار/مارس، واستسلم لهم حصن هاركور Harcourt في22 آذار/مارس، كما سقط حصن مالانكور Malancourt القريب من المدينة بعد أسبوع، وتبعهما ثلاثة حصون أخرى مجاورة في أسابيع قليلة، لكن فردان نفسها بقيت صامدة. وكانت المعارك تدور على مدار الساعة، وتتعرض المرتفعات على نهر الموز والمواقع المحيطة بالمدينة للقصف الشديد وتُحتل ثم تُسترد مراراً. غير أنه تحقق للفرنسيين في نيسان/إبريل السيادة الجوية الكاملة على أرض المعركة، الأمر الذي ساعدهم على الصمود والدفاع الناجح عن المدينة، ومع ذلك تمكنت القوات الألمانية في حزيران/يونيو من الاستيلاء على حصن تيامون Thiaumont وعلى حصن فوكس Vaux.
في الأول من تموز/يوليو شن البريطانيون هجوماً عنيفاً على القوات الألمانية عند نهر السوم[ر]، استخدموا فيه أول مرة سلاح الدبابات الجديد؛ بهدف التخفيف من الضغط الألماني على القوات الفرنسية، كذلك أجبر الهجوم الروسي على الجبهة الشرقية القيادة الألمانية على سحب قسم من قواتها بعيداً عن فردان. وأدت هذه الحوادث متضافرة إلى إقناع الألمان في تموز/يوليو بعدم جدوى متابعة الهجوم، وعجزهم عن كسر شوكة الفرنسيين وإرادة المقاومة لديهم فتحولوا إلى الدفاع. وبدءاً من شهر تشرين الأول/أكتوبر حتى أواخر العام تقريباً انتقلت مبادأة الهجوم إلى الفرنسيين الذين تمكنوا من استرداد حصونهم ومواقعهم تدريجيا، والعودة إلى خطوط الدفاع السابقة التي كانوا يحتلونها عند بدء المعركة.
دفع الطرفان المتحاربان ثمناً باهظاً في المعارك التي خاضوها حول فردان، وقد بلغت خسائر الطرفين نحو700000 جندي بين قتيل وجريح، نصفهم من الألمان، وما تزال النصب التذكارية ومقابر الضحايا في ضواحي فردان شاهداً على ضراوة المعركة، غير أن المعركة نفسها لم تكن حاسمة، ولم تمنح أياً من الطرفين أي ميزات استراتيجية أو تكتيكية.
محمد وليد الجلاد