الفيلسوف ميشال أونفري يعلن قرب وصول الإنسان اللا-إنساني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفيلسوف ميشال أونفري يعلن قرب وصول الإنسان اللا-إنساني


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	IMG_٢٠٢٣٠٦٢٦_١٩٣٢٤٧.jpg 
مشاهدات:	5 
الحجم:	52.6 كيلوبايت 
الهوية:	126702 كتاب سجالي جديد يبحث في مصير النفس البشرية العاقلة مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
    مارلين كنعان
    يواصل الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري المولود عام 1959 في كتابه الجديد الصادر في باريس عن دار "ألبان ميشال" "أنيما، حياة النفس وموتها من لاسكو حتى التحول الإنساني"، مراجعته النقدية لتاريخ الفكر الأوروبي الذي أقام عليه الغرب أفكاره عن المعرفة والحقيقة والمعنى، في زمنٍ اختُرِقت فيه الأفكار التي وَعَدَ بها عصرا الإنسانوية والأنوار. وتتواصل كما دوماً ردود الفعل والتعليقات على أطروحاته وتحليلاته التي ترافق إطلالاته وصدور كتبه العديدة. وعنوان الكتاب الذي يبدأ بعبارة لاتينية "أنيما" تعني النفس، يعبّر بوضوح عن موضوعه الأساسي: قراءة في تاريخ تحولات مفهوم النفس الذي وضعه الإنسان في تحديد ماهيته ومواجهته للموت.

    في هذا الكتاب يعود الفيلسوف الفرنسي الطامح إلى إنزال الفلسفة من فضاء النخب الجامعيّة إلى الفضاء العمومي والباحث في فكر فلاسفة منسيين أو مهملين، إلى الأفكار الزئبقية التي نسجها الإنسان الأول الناظر إلى الحياة خارج الأرض عن ذاته، منذ أن اكتشف دوراتها وصولاً إلى إنسان القرن الواحد والعشرين، أو كما يسميه إنسان ما بعد-الإنسان، أي منذ عصور ما قبل التاريخ وحضارات سومر وآكاد وبابل ومصر الفرعونية القديمة، فالحضارتين اليونانية والرومانية، فظهور المسيحية وتعاليم كنيستها. فيه يتوقف أونفري عند مفهوم النفس التي عرّفها الفلاسفة قديماً بوصفها المبدأ أو القوة التي تمنح الإنسان الحركة الذاتية والحياة وتحدّد حَقِيقَته وَجَوْهَره الَّذِي هُوَ مَحل المعقولات، والتي تجعله يتميز بالإدراك العقلي والوعي أولاً، وبالإرادة والضمير ثانياً. أي أن ميشال أونفري يراجع مفهوم النفس ودلالاتها منذ أن قيل إنها مبدأ غير مادي خالد، ينفصل ساعة الموت عن الجسد، وصولاً إلى ما يسميه النفس الرقمية أو نفس إنسان ما بعد-الإنسان التي تعلن، مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، عن وصول الإنسان اللا-إنساني في المستقبل القريب.
    والكتاب عبارة عن تحقيق فلسفي حقيقي مبني على شكل رواية بوليسية. نفهم عند قراءته أنه المجلد الأول من سلسلة مخصّصة للإنسان ولما بعد-الإنسان، وأن المجلد الثاني الذي يليه سيكون بعنوان "البربرية".

    الإنسان والثورة الرقمية

    في "أنيما" يبدأ أونفري بدرس طبيعة هذا المستقبل الإنساني الناشئ الذي لاحت تباشيره مع تقدم الثورة الرقمية، التي ستؤدي بحسبه إلى إعادة النظر بمفاهيم إنسانية كثيرة، طارحاً من خلاله إشكاليات مرتبطة بتفوق الآلة على الإنسان وعلى ذكائه الذي أطلق عليه فلاسفة اليونان قديماً اسم النفس العقلية، متوقفاً أمام المخاطر الناجمة عن تداعيات هذا التحول على الحياة البشرية.

    يمكن تلخيص أطروحة الكتاب الأساسية كما يأتي: إن مفهوم النفس هو مفهوم مركب. يكفي أن نستعيد تحديداته عبر العصور لنتبين كيف تغيّر أو تطور إدراكه لدى المفكرين القدامى منذ مرحلة ما قبل التاريخ مروراً بالسومريين والبابليين والمصريين واليونانيين والرومان ثُم أوروبا المسيحية، وصولاً إلى أيامنا هذه مع إيلون ماسك والمرحلة التي يطلق عليها أونفري اسم مرحلة ما بعد-الإنسانية أو التحول الإنساني.
    والنفس في عرف أونفري موجودة بالطبع. لكن مفهومها ليس هو نفسه عند أبيقور أو ديكارت أو القديس أغوسطينوس أو شوبنهاور أو نيتشه أو حتى عند إيلون ماسك. فهذا الأخير، بحسب الفيلسوف، يعتقد أن النفس إنما هي مجموع البيانات والخوارزميات التي نتركها وراءنا والتي يمكننا رقمنتها، مما يُؤهل الآلة والمنظومات الإلكترونية التي تجتاح حياتنا في ما بعد، للقيام بمهمات تتطلب فهماً وأداءً بشريين. هذا يعني أن إيلون ماسك يقول بنفس-آلة يمكن بواسطتها فعل الكثير من الأشياء.

    هذا التحديد الجديد لـ"الأنيما" يعلن بحسب أونفري أن الإنسان يموت حقاً وإن بداية حقبة ما بعد-الإنسانية أو الإنسان-الآلة إنما هي بداية حقبة "الاستبدال الحقيقي العظيم". هذا هو بالضبط برأيه الحدث الوحيد المثير للضيق والخوف، والذي بدأت معالم ما بعد-إنسانيته تلوح في الأفق، ولو ادعى منظروه أن الهدف الأساس منه إنما هو رفع الكفاءة والمهارة والإنتاجية في سبيل راحة الإنسان.

    إنسان بلا إسم

    باختصار يرى ميشال أونفري أن الإنسان العاقل في طور تسليم مقاليد حياته إلى إنسان لا اسم له بعد، هو بالتأكيد إنسان سيبراني، تبشّرُ به التطورات العلمية الإلكترونية المتسارعة. وما كتابه هذا إلا رواية قصة هذا الكائن منذ أن أدرك ذاته كائناً واعياً، وأدرك العالم من حوله. فبدأ بالتساؤل عن الوجود والنفس والحياة والموت والخير والشر، وبدأ بإعطاء أجوبة اختلف مضمونها على اختلاف العصور.

    يتوقف الكتاب عند الأجوبة التي ظهرت على وجه الخصوص في ملاحم بلاد ما بين النهرين وفي برديات مصر الذي كان إنسانها أول من أدرك خلود النفس، ثم في ميثولوجيات وكتابات الشعراء والفلاسفة في بلاد اليونان الأوائل منذ القرن التاسع قبل الميلاد، والتي يستعرض الكتاب تعريفاتها للنفس، وكذلك تعريفات المفكرين الرومان، التي سرعان ما أصبحت مرتبطة بتعاليم الكنيسة، وعرفت في كل مرحلة من مراحل التاريخ لحظة حاسمة أو انعطافة في فهم هذا المبدأ الذي جعل منه البعض جوهر الإنسان بامتياز.
يعمل...
X