اطرش (سلطان باشا)
Al-Atrash (Sultan Pasha-) - Al-Atrach (Sultan Pacha-)
الأطرش (سلطان باشا ـ)
(1306ـ 1403هـ/ 1888ـ 1982م)
زعيم شعبي، وقائد الثورة السورية الكبرى عام 1925 على الاستعمار الفرنسي، ولد في القْرَيّة بمحافظة السويداء، وتمرّس على يد والده المجاهد الشيخ ذوقان الأطرش بالفروسية والرماية وفنون القتال. وقد تعلّم مبادئ القراءة والكتابة على بعض المعلمين. ثم تابع دراسته بالمطالعة الشخصية. وكانت أول معركة شارك فيها مع والده في مواجهة الاحتلال العثماني سنة 1910م في قرية الكَفر، وقد أبدى فيها شجاعة ملحوظة.
أعدم العثمانيون والده وعدداً من زعماء الجبل مع من أُعدم من الأحرار 1911، وتركت هذه الحادثة أثراً عميقاً في نفسه، وبحصافة الزعيم جعل الثأر الشخصي ثأراً وطنياً من الاستعمار كله.
كانت علاقة سلطان بالملك فيصل الأول وطيدة، كما كانت كذلك مع والده الشريف حسين، وغيرهما من القادة والزعماء العرب.
هبّ سلطان مع فرسانه لنجدة يوسف العظمة في معركة ميسلون، ولكن المعركة كانت قد حسمت سريعاً فقال عندئذ: «خسارة معركة لا تعني الاستسلام للمحتلين»، ولذلك أرسل رسولاً خاصاً (الشهيد حمد البربور) إلى الملك فيصل ليقنعه بالمجيء إلى جبل العرب ومتابعة المقاومة، لكن الملك فيصل رأى أن الفرصة قد فاتت بعد أن صعد إلى ظهر الطراد البريطاني في طريقه إلى منفاه.
نشب بين سلطان والفرنسيين نزاع دائم. فلم يترك مناسبة إلا أعرب فيها عن سخطه على وجودهم في سورية، وكانت أول ثورة له عليهم عندما ألقوا القبض على أدهم خنجر الذي اتهم بمعاونة المجاهد الشهيد أحمد مريود، في محاولة اغتيال الجنرال غورو على طريق القنيطرة وكان أدهم خنجر قد وصل إلى القريّة مستجيراً، فخرج سلطان ورجاله مطالبين بإطلاق سراح ضيفهم، ولما لم يستجب الفرنسيون لطلبه تصدى لهم بالسلاح، وكانت معركة «تل الحديد» مع المصفحات الفرنسية التي ولّت الأدبار بعد إعطاب اثنتين منها وقتل سدنتهما، فكانت هذه الثورة التي دامت تسعة أشهر رفضاً للاستعمار وتأكيداً لتقاليد العرب الأصيلة في حماية الدخيل وإجارة المستجير، فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام، وهدموا بيته في القريّة قصفاً بالطائرات. ولمّا عجز الفرنسيون عن القبض عليه فاوضوه خشية انتشار العصيان، فأصدروا عفواً عنه وعن رفاقه، ولم ينزل سلطان عن أي مطلب من مطالبه، وهي الجلاء التام عن الوطن والاستقلال الناجز، ولم يحدّ من نشاطه في تمتين العلاقات مع الوطنيين داخل البلاد.
قاد سلطان الأطرش عام 1925، الثورة السورية الكبرى، التي شارك فيها خيرة مجاهدي الوطن وحظيت بإجماع وطني منقطع النظير، وخاض أشرف المعارك وكانت معركة «الكفر» أولى معارك الثورة (23 تموز 1925)، فكانت معركة سريعة أبيدت فيها الحملة الفرنسية على بكرة أبيها، ولم ينج منها إلا نفر قليل حمل أخبار الهزيمة إلى قيادتهم في السويداء. وقد أصدر سلطان الأطرش بيان الثورة التاريخي الذي توّجه بشعار «الدين لله والوطن للجميع» ونادى فيه العرب بقوله: «إلى السلاح إلى السلاح أيها العرب السوريون»، وطالب فيه بوحدة البلاد وتعيين حكومة شعبية تجري انتخابات مجلس تأسيسي لوضع قانون أساسي يقوم على مبدأ سيادة الأمة المطلقة والقانون والعدل والحرية والمساواة ولاقت هذه الدعوة استجابة عارمة في البلاد اختير بعدها سلطان قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية. وفي آب 1925 جرّد المستعمرون الفرنسيون وحدات عدة مسلحة بأحدث الأسلحة آنذاك من طائرات ودبابات ومدافع ثقيلة ورشاشات لقمع الثورة فتصدى الثوار لهذه الحملة وجرت معركة المزرعة قرب مدينة السويداء (2 و3 آب) واستطاع الثوار فيها إبادة الحملة إلا القليل من أفرادها، وفرّ قائدها الجنرال ميشو، وكانت معركة المزرعة أعظم معركة في معارك الاستقلال وقد انتشرت أنباء الثورة وانتصاراتها في جميع أنحاء سورية، كما وصلت أنباؤها إلى أوربة، وعمت المقاومة أرجاء سورية وانتشرت في البقاع المتاخمة في لبنان وكانت معارك المجدل وسحيتة وراشية، وكانت معركة راشية أشهرها، إذ تسلق الثوار قلعتها الحصينة واستولوا عليها وأحرقوها. ثم توالت المعارك فكانت وقعة المسيفرة والسويداء ورساس وعرى وأم الرمّان وغيرها، مما جعل الفرنسيين يشددون الحصار على الثوار، فاضطر الثوار إلى النزوح إلى الأزرق في إمارة شرقي الأردن، ثم نزح سلطان ورجاله إلى وادي السرحان والنبك في الحجاز على أمل العودة إلى الوطن في وقت قريب.
استعان سلطان بملوك الدول العربية آنذاك لمتابعة الكفاح، فبعث رسله إلى الملك عبد العزيز آل سعود والملك فيصل الأول ورئيس وزراء مصر وإلى فلسطين إيماناً منه بوحدة الكفاح العربي ووحدة الهدف، ولكن اتفاق الحلفاء الأوربيين، وضعف المقاومة العربية أدّيا إلى وقف القتال. وظل سلطان ورفاقه المجاهدون أوفياء لمبادئهم، يحدوهم إيمانهم الراسخ بوحدة سورية والوحدة العربية ووجوب استقلال الوطن استقلالاً تاماً. ولم تنقطع الصلات بالحركة الوطنية في سورية طوال مدة نفيه حتى عاد هو ورفاقه إلى الوطن بعد إبرام المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، فأصدرت فرنسة عفواً شاملاً عن كل المجاهدين، واستقبل سلطان ورفاقه بدمشق في 18 أيار سنة 1937 باحتفالات شعبية عارمة، ومُنح أرفع الأوسمة وقد رحب بقيام الوحدة بين سورية ومصر سنة 1958، والتقى الرئيس جمال عبد الناصر، ووقف دائماً إلى جانب الثورة الفلسطينية وكان يردد القول: «ما أخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ».
كان سلطان رقيق القلب عطوفاً، وكان رب أسرة غيوراً ومحباً لأبنائه، وكان فلاحاً مجدّاً يحب أرضه، كما أنه كان رجلاً مؤمناً ورعاً، ومحافظاً على التقاليد والعادات العربية الأصيلة، وكان منفتحاً على روح العصر، فاهتم بتشجيع العلم ونشره، فأرسل أبناءه وبناته إلى الجامعات، داخل القطر وخارجه، وبنى غير مدرسة في قريته من أمواله الخاصة ومن التبرعات التي كانت تصل إليه، وعرف عنه الزهد في مغريات الدنيا والترفع عنها.
توفي في مسقط رأسه، ونعاه رئيس الجمهورية العربية السورية الرئيس حافظ الأسد، وكانت جنازته يوماً مشهوداً إذ حُمل نعشه في طائرة حلقت فوق مواقع المعارك الخالدة التي قادها، ودفن في القريّة، وأقيم حول قبره صرح تذكاري.
منصور الأطرش