فلسطين (موسيقي فنون شعبيه في)
Palestine - Palestine
الموسيقى في فلسطين
ترك الكنعانيون تراثاً موسيقياً غنياً، لا تزال الموسيقى العربية تستمد منه بعض جذورها، وقد اكتشف المنقبون عن الآثار في منطقة «مَجَدّو» في فلسطين، صورة لامرأة تعزف بالقيثارة يعود تاريخها إلى ألفي سنة قبل عصر داود. وقد عملت إسرائيل على طمس تراث عرب فلسطين بل نسبت هذا التراث إلى التاريخ اليهودي، علماً أن أصل الاحتفالات الموسيقية التي كانت تقام في الهيكل والتي ورد ذكرها في التوراة، كنعاني، فقد كان المغنون والعازفون بالآلات الموسيقية كنعانيين، وحتى إنشاء الفرق الموسيقية العبرية في أيام داود وسليمان عليهما السلام كانت بمساعدة مباشرة من الكنعانيين، ويبدو ذلك واضحاً من أسماء المغنين المشهورين المذكورين في التوراة، وهي أسماء كنعانية، كما أن أسماء الآلات الموسيقية المذكورة في التوراة هي أسماء كنعانية أيضاً.
أما الآلات الموسيقية التي عرفها الفلسطينيون منذ القدم فهي: القيثارة والنبل، والسبكة، والفيترس والجيت. والآلات الموسيقية النفخية: العوجاب، والناي، والشروقية (المِجْوِز) والقرن أو الشوفار. والآلات الإيقاعية: الدف، والصنوج. أما في العهود المتقدمة فعرفوا من الآلات الوترية: العود، والقانون، والرباب. ومن الآلات النفخية: الناي، والأرغول، والمزمار، والمجوز.
دخلت الموسيقى المحترفة إلى المدن الفلسطينية قادمة من مصر، حاملة معها منجزات القرن التاسع عشر في الغناء من قصائد وموشّحات وأدوار وطقاطيق، إضافة إلى تأثير فن بعض أعلامها من مثل عبده الحامولي، ومحمد عثمان، ليتنامى هذا التأثير منذ مطلع القرن العشرين من وراء أعمال عبد اللطيف البنا، ودرويش الحريري، وسيد درويش، وزكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد القصبجي وغيرهم، وقد أدى هذا التأثير إلى ظهور مجموعة من الموسيقيين والمغنين المحترفين كفرقة أولاد أبي السباع، وعبد السلام الأقرع، وخيرزان، وثريا قدورة، وأمينة العماري، وجوليا السلطي، ومحمد السباسي، وواصف جوهرية الذي أخذ علم الموسيقى ومقاماتها وضروبها وفن الموشحات عن الموسيقي السوري- الحلبي عمر البطش، حتى غدا من ألمع الملحنين والمغنين وعازفي العود.
وقد أدت ثلاث مؤسسات دوراً مهماً في تطوير الموسيقى في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، نقلها بقفزة واسعة إلى الموسيقى المحترفة. وأولى هذه المؤسسات مدرسة «تيراسانتا» Terra Santa الإيطالية التبشيرية التي ألزمت طلابها بدراسة مادة الموسيقى المُدْرَجة في منهاجها الدراسي جدياً. وقد نبغ من خريجيها في مجال الموسيقى أغسطين لاما، وسلفادور عرنيطة الذي درس عزف الأرغن في روما، وفن قيادة الأوركسترا السمفونية في لندن. وبعد عودته تعاقد مع الجامعة الأمريكية في بيروت ليتولى رئاسة القسم الموسيقي فيها. ثاني هذه المؤسسات «جمعية الشبان المسيحيين»، وهذه الجمعية شُيَّدت في بنائها عام 1933 قاعة للحفلات الموسيقية تتسع لألف مقعد، وقد استضافت في برامجها الموسيقية فرقاً محلية وعربية وأجنبية كبيرة، وكانت احتفالات الميلاد فيها تقوم على ترانيم العيد بمرافقة الأرغن Organ الكبير المربوط بنظام أجراس خارج البناء، يشتمل على دواوين عدة موسيقية. أما المؤسّسة الثالثة، فكانت إذاعة القدس التي أنشأها الانتداب البريطاني عام 1936، وكان لدورها أثر مباشر في تطوير حركة الموسيقى العربية المعاصرة؛ إذ استقطبت المواهب الموسيقية والغنائية في فلسطين والأقطار العربية المجاورة لها، وأسَّست فرقتين موسيقيتين، واحدة للموسيقى العربية، وكان من أبرز عازفيها رامز الزافة، وروحي الخماش للعود، وإبراهيم عبد العال للقانون، والأخرى للموسيقى السمفونية بقيادة يوسف بتروني، وكان حنا الخل للكمان الجهير (فيولونسيل)، وتوفيق جوهرية للفلوت flûte من أمهر عازفيها. وكانت الفرقتان والمواهب الموسيقية والغنائية الأخرى تزوِّد بفنونها إذاعة الشرق الأدنى ـ لندن اليوم ـ التي أنشأتها بريطانيا في قبرص عام 1940.
استعانت إذاعة القدس بالموسيقيين السوريين واللبنانيين، فترأَّس يحيى اللبابيدي القسم الموسيقي فيها، وعمل محمد عبد الكريم في التلحين والعزف بالبزق والعود، ولحَّن لعدد من المطربين والمطربات، وكان تانغو «يا جارتي ليلى» الذي غنته المطربة الفلسطينية ماري عكاوي من أشهر أعماله؛ لأنه دلَّ الموسيقيين الفلسطينيين على الإيقاعات الغربية الراقصة التي يمكن الاستفادة منها في التأليف والتلحين. وفي مستهل سني الأربعينيات تعاقدت الإذاعة مع عازف الكمان الجهير السوري تيسير عقيل. كذلك اشتغل السوري باصيل سروة ضارباً للإيقاع في فرقة الإذاعة، وعبد الفتاح سكر مطرباً وملحناً للأغنية الشعبية، في حين تعاقد المطرب رفيق شكري مع الإذاعة على أداء وصلتين أسبوعياً لمدة ثلاثة أشهر.
بعد قرار التقسيم ونكبة فلسطين عام 1948، نزح عدد من الموسيقيين الأعلام، حاملين معهم فنهم وخبراتهم إلى البلدان العربية، فعمل حليم الرومي بين إذاعتي بيروت ودمشق، ويوسف بتروني ويحيى السعودي في إذاعة دمشق، ومدرسين في المعهد الموسيقي الشرقي التابع لوزارة المعارف (التربية اليوم). واختارت ماري عكاوي دمشق، فكانت مطربة أولى في الإذاعة، واختار روحي الخماش بغداد واستقر فيها واشتغل في الإذاعة مؤلفاً موسيقياً وعازفاً للعود. كذلك وفد إلى إذاعة دمشق الملحِّن رياض البندك، في حين ظل المطرب محمد غازي تائهاً بين مختلف الإذاعات العربية التي تستدعيه. وقد استطاع هؤلاء جميعاً إقامة جسر ثقافي فني بينهم كفلسطينيين وبين أمتهم العربية. ومن أبرز أعمال هؤلاء القصائد التي لحنها حليم الرومي من مثل: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» و«وامعتصماه» و«ومضة على ضفاف النيل». والأدوار والموشَّحات التي لحنها يحيى السعودي لفتى دمشق (بهجت الأستاذ) وكروان، ومحمد غازي إضافة إلى قيامه بإحياء التراث الموسيقي العربي. وأسَّس يوسف بتروني فرقة الماندولينات mandolines الحديثة لإذاعة دمشق، كذلك اشتغل إبراهيم عبد العال عازفاً للقانون في فرقة الإذاعة، وعيسى فرنجية مدرساً لآلة البيانو. وعلى الرغم من وفاة أكثرهم فإن أبناءهم تابعوا رسالة آبائهم، فلمع منهم عبد الرحمن عبد العال الشهير بعبود أبرع عازف للكمان في الموسيقى العربية، وماجدة الرومي مطربة.
الفنون الشعبية الفلسطينية:
تحتل الرقصات والأغنيات الشعبية المرافقة لها موقعاً أساسياً في الفنون الشعبية الفلسطينية. وتُعبر هذه الرقصات والأغنيات والأنغام المرافقة لها عن مجموعة من المضامين السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرَّت بها مراحل تطور المجتمع المختلفة الذي فرضته ظروف داخلية وخارجية، ومن هذه الفنون الشعبية:
1- الدبكة: وهي شكل شائع من الرقص، نشأت في شمالي البلاد ثم وفدت إلى جنوبيها. ويرقص الشباب على شكل حلقة مفتوحة يقودها اللوِّيح وهو راقص ماهر رشيق القوام يلوح عادة بمنديله. ولها أشكال مختلفة وأشهرها: الدبكة الشمالية، ودبكة الغزالة والدبكة الخليلية.
2- السحجة: وهي عبارة عن قوس كبيرة من الرجال المصطفيِّن المتشابكي الأيدي على شكل هلال ثابت. وتجري في وضح النهار يوم الزفاف، ويصفقون جميعاً بإيقاع موسيقي معين يتناغم مع غناء شعبي غالباً ما يكون الحداء. والسحجة تنتمي إلى شمالي فلسطين ووسطها. وسحجة جنوبي فلسطين هي الدحية أو السامر وتقام في الليالي التي تسبق الزفاف، ويشارك فيها أبناء القرية والقرى المجاورة، وأشكالها المختلفة تراوح بين (4- 7 أشكال).
3- السامر: الأصل في السامر هو تلك الحلقة الشعبية الساهرة التي تقام في الأعراس. ثم صارت كلمة السامر تطلق على ذلك النوع من شعر المواليا الذي يؤدَّى بطريقة جماعية وبالتعاون بين فريقين. وهذا الغناء ينتمي إلى جنوبي فلسطين ويحمل أسماء: السامر، السحجة، الدحية، والهلا بوي هلا، والسريدا، والزرعة.
وهناك أنواع ثانوية لا تكتمل فيها صورة هذا اللون من الفنون إلا بعرضها مثل: رقصة بنت المدينة، وحلقات الدراويش، والنواح لمناسبة الوفاة، ورقصة الجلوة، ورقصة السيف، ورقصة الخيول والجمال، ورقصة بدر.
تستمد الأغنية الشعبية الفلسطينية جذورها من أصول كنعانية. وقد مرَّت هذه الأغاني في ثلاث مراحل أساسية رافقت التطورات التي حدثت في المجتمع وعبَّرت عنها. وأولى هذه المراحل هي: المرحلة الشامية البدائية التي عرفت نوعين من الغناء: «الهجيني» و«القصيد»، وترتبط كلمة الهجيني بالهجن وهي الإبل العربية الكريمة، ولا يزال البدو يغنون الهجيني في الدبكة مع ألحان وأوزان النغم الخامس والسادس على أنغام الشبابة والمجوز والأرغول. أما «القصيد» فهو الشعر البدوي الذي يقال في مدح الشيوخ ووصف كرمهم وشجاعتهم، ثم صار يقال في كل مناسبة. والمرحلة الثانية: أغاني الترحال والاستقرار، وعَرفت هذه المرحلة نمطين من الغناء: الحداء والعتابا والميجانا. ومن أبرز أغنيات المرحلة الثالثة: أغاني «الدلعونا»، و«زريف الطول»، والأغاني الجفراوية مثل: «يا الربع»، وقد ولدت هذه الأغنية على يد الشاعر الشعبي أحمد عزيز علي حسن عام 1939، وأصبحت نمطاً غنائياً مستقلاً في الأربعينيات. والجفرا هي الشاة الصغيرة طرية العود.
شهدت مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين بروز نمط جديد من الأغاني، وهي الأغاني العمالية، تعبيراً عن الحالة المأساوية التي يعيشها العمال. كما برزت الأغاني المتعلقة بالانتفاضة، وكنموذج لها ما غنته المناضلات السجينات في سجن الرملة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
على دلعونا فلسطينية
وأقسمنا نصنع لكم الحرية
قَلّي المحقق أكبر فدائية
بدك تعترفي بكل القضية
إبراهيم الراهب
Palestine - Palestine
الموسيقى في فلسطين
ترك الكنعانيون تراثاً موسيقياً غنياً، لا تزال الموسيقى العربية تستمد منه بعض جذورها، وقد اكتشف المنقبون عن الآثار في منطقة «مَجَدّو» في فلسطين، صورة لامرأة تعزف بالقيثارة يعود تاريخها إلى ألفي سنة قبل عصر داود. وقد عملت إسرائيل على طمس تراث عرب فلسطين بل نسبت هذا التراث إلى التاريخ اليهودي، علماً أن أصل الاحتفالات الموسيقية التي كانت تقام في الهيكل والتي ورد ذكرها في التوراة، كنعاني، فقد كان المغنون والعازفون بالآلات الموسيقية كنعانيين، وحتى إنشاء الفرق الموسيقية العبرية في أيام داود وسليمان عليهما السلام كانت بمساعدة مباشرة من الكنعانيين، ويبدو ذلك واضحاً من أسماء المغنين المشهورين المذكورين في التوراة، وهي أسماء كنعانية، كما أن أسماء الآلات الموسيقية المذكورة في التوراة هي أسماء كنعانية أيضاً.
أما الآلات الموسيقية التي عرفها الفلسطينيون منذ القدم فهي: القيثارة والنبل، والسبكة، والفيترس والجيت. والآلات الموسيقية النفخية: العوجاب، والناي، والشروقية (المِجْوِز) والقرن أو الشوفار. والآلات الإيقاعية: الدف، والصنوج. أما في العهود المتقدمة فعرفوا من الآلات الوترية: العود، والقانون، والرباب. ومن الآلات النفخية: الناي، والأرغول، والمزمار، والمجوز.
دخلت الموسيقى المحترفة إلى المدن الفلسطينية قادمة من مصر، حاملة معها منجزات القرن التاسع عشر في الغناء من قصائد وموشّحات وأدوار وطقاطيق، إضافة إلى تأثير فن بعض أعلامها من مثل عبده الحامولي، ومحمد عثمان، ليتنامى هذا التأثير منذ مطلع القرن العشرين من وراء أعمال عبد اللطيف البنا، ودرويش الحريري، وسيد درويش، وزكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد القصبجي وغيرهم، وقد أدى هذا التأثير إلى ظهور مجموعة من الموسيقيين والمغنين المحترفين كفرقة أولاد أبي السباع، وعبد السلام الأقرع، وخيرزان، وثريا قدورة، وأمينة العماري، وجوليا السلطي، ومحمد السباسي، وواصف جوهرية الذي أخذ علم الموسيقى ومقاماتها وضروبها وفن الموشحات عن الموسيقي السوري- الحلبي عمر البطش، حتى غدا من ألمع الملحنين والمغنين وعازفي العود.
وقد أدت ثلاث مؤسسات دوراً مهماً في تطوير الموسيقى في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، نقلها بقفزة واسعة إلى الموسيقى المحترفة. وأولى هذه المؤسسات مدرسة «تيراسانتا» Terra Santa الإيطالية التبشيرية التي ألزمت طلابها بدراسة مادة الموسيقى المُدْرَجة في منهاجها الدراسي جدياً. وقد نبغ من خريجيها في مجال الموسيقى أغسطين لاما، وسلفادور عرنيطة الذي درس عزف الأرغن في روما، وفن قيادة الأوركسترا السمفونية في لندن. وبعد عودته تعاقد مع الجامعة الأمريكية في بيروت ليتولى رئاسة القسم الموسيقي فيها. ثاني هذه المؤسسات «جمعية الشبان المسيحيين»، وهذه الجمعية شُيَّدت في بنائها عام 1933 قاعة للحفلات الموسيقية تتسع لألف مقعد، وقد استضافت في برامجها الموسيقية فرقاً محلية وعربية وأجنبية كبيرة، وكانت احتفالات الميلاد فيها تقوم على ترانيم العيد بمرافقة الأرغن Organ الكبير المربوط بنظام أجراس خارج البناء، يشتمل على دواوين عدة موسيقية. أما المؤسّسة الثالثة، فكانت إذاعة القدس التي أنشأها الانتداب البريطاني عام 1936، وكان لدورها أثر مباشر في تطوير حركة الموسيقى العربية المعاصرة؛ إذ استقطبت المواهب الموسيقية والغنائية في فلسطين والأقطار العربية المجاورة لها، وأسَّست فرقتين موسيقيتين، واحدة للموسيقى العربية، وكان من أبرز عازفيها رامز الزافة، وروحي الخماش للعود، وإبراهيم عبد العال للقانون، والأخرى للموسيقى السمفونية بقيادة يوسف بتروني، وكان حنا الخل للكمان الجهير (فيولونسيل)، وتوفيق جوهرية للفلوت flûte من أمهر عازفيها. وكانت الفرقتان والمواهب الموسيقية والغنائية الأخرى تزوِّد بفنونها إذاعة الشرق الأدنى ـ لندن اليوم ـ التي أنشأتها بريطانيا في قبرص عام 1940.
استعانت إذاعة القدس بالموسيقيين السوريين واللبنانيين، فترأَّس يحيى اللبابيدي القسم الموسيقي فيها، وعمل محمد عبد الكريم في التلحين والعزف بالبزق والعود، ولحَّن لعدد من المطربين والمطربات، وكان تانغو «يا جارتي ليلى» الذي غنته المطربة الفلسطينية ماري عكاوي من أشهر أعماله؛ لأنه دلَّ الموسيقيين الفلسطينيين على الإيقاعات الغربية الراقصة التي يمكن الاستفادة منها في التأليف والتلحين. وفي مستهل سني الأربعينيات تعاقدت الإذاعة مع عازف الكمان الجهير السوري تيسير عقيل. كذلك اشتغل السوري باصيل سروة ضارباً للإيقاع في فرقة الإذاعة، وعبد الفتاح سكر مطرباً وملحناً للأغنية الشعبية، في حين تعاقد المطرب رفيق شكري مع الإذاعة على أداء وصلتين أسبوعياً لمدة ثلاثة أشهر.
بعد قرار التقسيم ونكبة فلسطين عام 1948، نزح عدد من الموسيقيين الأعلام، حاملين معهم فنهم وخبراتهم إلى البلدان العربية، فعمل حليم الرومي بين إذاعتي بيروت ودمشق، ويوسف بتروني ويحيى السعودي في إذاعة دمشق، ومدرسين في المعهد الموسيقي الشرقي التابع لوزارة المعارف (التربية اليوم). واختارت ماري عكاوي دمشق، فكانت مطربة أولى في الإذاعة، واختار روحي الخماش بغداد واستقر فيها واشتغل في الإذاعة مؤلفاً موسيقياً وعازفاً للعود. كذلك وفد إلى إذاعة دمشق الملحِّن رياض البندك، في حين ظل المطرب محمد غازي تائهاً بين مختلف الإذاعات العربية التي تستدعيه. وقد استطاع هؤلاء جميعاً إقامة جسر ثقافي فني بينهم كفلسطينيين وبين أمتهم العربية. ومن أبرز أعمال هؤلاء القصائد التي لحنها حليم الرومي من مثل: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» و«وامعتصماه» و«ومضة على ضفاف النيل». والأدوار والموشَّحات التي لحنها يحيى السعودي لفتى دمشق (بهجت الأستاذ) وكروان، ومحمد غازي إضافة إلى قيامه بإحياء التراث الموسيقي العربي. وأسَّس يوسف بتروني فرقة الماندولينات mandolines الحديثة لإذاعة دمشق، كذلك اشتغل إبراهيم عبد العال عازفاً للقانون في فرقة الإذاعة، وعيسى فرنجية مدرساً لآلة البيانو. وعلى الرغم من وفاة أكثرهم فإن أبناءهم تابعوا رسالة آبائهم، فلمع منهم عبد الرحمن عبد العال الشهير بعبود أبرع عازف للكمان في الموسيقى العربية، وماجدة الرومي مطربة.
الفنون الشعبية الفلسطينية:
تحتل الرقصات والأغنيات الشعبية المرافقة لها موقعاً أساسياً في الفنون الشعبية الفلسطينية. وتُعبر هذه الرقصات والأغنيات والأنغام المرافقة لها عن مجموعة من المضامين السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرَّت بها مراحل تطور المجتمع المختلفة الذي فرضته ظروف داخلية وخارجية، ومن هذه الفنون الشعبية:
1- الدبكة: وهي شكل شائع من الرقص، نشأت في شمالي البلاد ثم وفدت إلى جنوبيها. ويرقص الشباب على شكل حلقة مفتوحة يقودها اللوِّيح وهو راقص ماهر رشيق القوام يلوح عادة بمنديله. ولها أشكال مختلفة وأشهرها: الدبكة الشمالية، ودبكة الغزالة والدبكة الخليلية.
2- السحجة: وهي عبارة عن قوس كبيرة من الرجال المصطفيِّن المتشابكي الأيدي على شكل هلال ثابت. وتجري في وضح النهار يوم الزفاف، ويصفقون جميعاً بإيقاع موسيقي معين يتناغم مع غناء شعبي غالباً ما يكون الحداء. والسحجة تنتمي إلى شمالي فلسطين ووسطها. وسحجة جنوبي فلسطين هي الدحية أو السامر وتقام في الليالي التي تسبق الزفاف، ويشارك فيها أبناء القرية والقرى المجاورة، وأشكالها المختلفة تراوح بين (4- 7 أشكال).
3- السامر: الأصل في السامر هو تلك الحلقة الشعبية الساهرة التي تقام في الأعراس. ثم صارت كلمة السامر تطلق على ذلك النوع من شعر المواليا الذي يؤدَّى بطريقة جماعية وبالتعاون بين فريقين. وهذا الغناء ينتمي إلى جنوبي فلسطين ويحمل أسماء: السامر، السحجة، الدحية، والهلا بوي هلا، والسريدا، والزرعة.
وهناك أنواع ثانوية لا تكتمل فيها صورة هذا اللون من الفنون إلا بعرضها مثل: رقصة بنت المدينة، وحلقات الدراويش، والنواح لمناسبة الوفاة، ورقصة الجلوة، ورقصة السيف، ورقصة الخيول والجمال، ورقصة بدر.
تستمد الأغنية الشعبية الفلسطينية جذورها من أصول كنعانية. وقد مرَّت هذه الأغاني في ثلاث مراحل أساسية رافقت التطورات التي حدثت في المجتمع وعبَّرت عنها. وأولى هذه المراحل هي: المرحلة الشامية البدائية التي عرفت نوعين من الغناء: «الهجيني» و«القصيد»، وترتبط كلمة الهجيني بالهجن وهي الإبل العربية الكريمة، ولا يزال البدو يغنون الهجيني في الدبكة مع ألحان وأوزان النغم الخامس والسادس على أنغام الشبابة والمجوز والأرغول. أما «القصيد» فهو الشعر البدوي الذي يقال في مدح الشيوخ ووصف كرمهم وشجاعتهم، ثم صار يقال في كل مناسبة. والمرحلة الثانية: أغاني الترحال والاستقرار، وعَرفت هذه المرحلة نمطين من الغناء: الحداء والعتابا والميجانا. ومن أبرز أغنيات المرحلة الثالثة: أغاني «الدلعونا»، و«زريف الطول»، والأغاني الجفراوية مثل: «يا الربع»، وقد ولدت هذه الأغنية على يد الشاعر الشعبي أحمد عزيز علي حسن عام 1939، وأصبحت نمطاً غنائياً مستقلاً في الأربعينيات. والجفرا هي الشاة الصغيرة طرية العود.
شهدت مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين بروز نمط جديد من الأغاني، وهي الأغاني العمالية، تعبيراً عن الحالة المأساوية التي يعيشها العمال. كما برزت الأغاني المتعلقة بالانتفاضة، وكنموذج لها ما غنته المناضلات السجينات في سجن الرملة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
على دلعونا فلسطينية
وأقسمنا نصنع لكم الحرية
قَلّي المحقق أكبر فدائية
بدك تعترفي بكل القضية
إبراهيم الراهب