مضاء (احمد عبد رحمن)
Ibn Mada’(Ahmad ibn Abdul Rahman-) - Ibn Mada’(Ahmad ibn Abdul Rahman-)
ابن مضاء (أحمد بن عبد الرحمن ـ)
(513 ـ 592 هـ/1116 ـ 1196م)
أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن مضاء اللخمي القرطبي، من علماء النحو، وله فيه آراء ومذاهب خالف فيها جميع النحويين، ولد في قرطبة، وإليها يُنسب، وقد خرج من بيت حسب وشرف منقطعاً إلى العلم والعلماء، معنياً أشد العناية بلقاء أساتذة عصره، فارتحل إلى إشبيلية حيث ابن الرماك (ت541هـ) ليدرس عليه كتاب سيبويه، ثم هاجر في طلب الحديث إلى سبتة حيث القاضي عياض (ت544هـ) أشهر محدثي المغرب وفقهائه في عصره، ولم يزل يُعنى بالحديث حتى (صار رُحْلة في الرواية) قال ابن فرحون: «كان واسع الرواية ضابطاً لما يحدث به».
ولم يكتف ابن مضاء بالعلوم اللغوية والدينية، إذ كان «عارفاً بالطب والحساب والهندسة... وشاعراً بارعاً كاتباً».
وانتهى المطاف به أن أصبح حجة في الفقه الظاهري، وهو مذهب الموحدين الذين حكموا المغرب والأندلس (541 - 668هـ) فولوه أولاً قضاء فاس وبجاية، ثم ما لبث الأمير يوسف بن عبد المؤمن (ت580هـ) أن جعله قاضي الجماعة في الدولة كلها، ويوسف هذا عُرف بتعصبه للمذهب الظاهري، وظل ابن مضاء في هذا المنصب إلى أن توفي في عهد الأمير يعقوب بن يوسف (ت 595هـ).
وكان طبيعياً أن يحمل ابن مضاء حملة الموحدين على أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة لما ملأوا به كتبهم من فروع، فإذا هم يأمرون بإحراق كثير من تلك الكتب، وحملوا الناس في دولتهم على المذهب الظاهري الذي يرفض القياس وما يتصل به من علل، ويكتفي بالظاهر من القرآن والحديث.
وقد استلهم ابن مضاء هذه الثورة لا في حمله على الفقه والفقهاء فحسب، بل في حَمله على النحو والنحاة من حوله، وذلك أنه وجد الأبحاث النحوية ـ كأبحاث الفقه ـ تتضخم بتقديرات وتأويلات وتعليلات وأقيسة وشُعب وفروع وآراء لا حصر لها ولا غناء حقيقي في تتبعها، فمضى يهاجمها في ثلاثة كتب، هي: «المشرق في النحو»، و«تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان»، و«الرد على النحاة» وهذا الأخير هو الذي انتهى إلينا من آثاره، وقد أقيم الكتاب على أسس هي في الحقيقة انعكاسٌ لمذهب ابن مضاء في الفقه، ويمكن إجمالها في الأسس الآتية:
أولاً: الدعوة إلى إلغاء نظرية العامل التي يرى أنها عقدت النحو وأكثرت فيه من التقديرات والمباحث التي لا طائل وراءها، فالمتكلم هو الذي يرفع وينصب ويجر لا شيء آخر قد يكون متخيلاً كما يرى النحاة، ونظرية العامل في رأيه هي التي أدخلت على النحو عُقد التقديرات، على نحو ما هو معروف في العوامل المحذوفة، ودفعت من ثمّ إلى تمحلات لا داعي لها، كتقدير أن شبه الجملة قد تتعلق بعامل محذوف، ولا حذف هناك ولا عامل ولا عمل، ولا شك أن هذه الدعوة إلى عدم التقدير هي انعكاس لمذهبه الظاهري الذي يرى ضرورة التمسك بحرفية آي الذكر الحكيم، بعيداً عن الحذف والتقدير، ولكي يوضح ابن مضاء فساد نظرية العامل وأنها دفعت النحاة إلى اصطناع بعض الأساليب التي لا تعرفها العرب درس بابي التنازع والاشتغال، ونَصب المضارع بعد واو المعية وفاء السببية مصوراً تعسف النحاة في التأويل والتقدير مستلهماً في كل ما صدر عنه مذهبه الظاهري الذي يرفض ما وراء ظاهر النصوص من تقديرات وتأويلات.
ثانياً: الدعوة إلى إطراح ما يسمى بعلة العلة، كبيان علة رفع الفاعل ونصب المفعول، ولماذا نصبت «إن» الأسماء ثم رفعتها، ولِمَ لا يكون العكس، مما ليس فيه نفع ولا فائدة في ضبط الألسنة.
ثالثاً: مهاجمة القياس النحوي لما يعتوره من ضعف وفساد.
رابعاً: الدعوة إلى التخلي عن التمارين غير العملية التي وقعت في كتب النحاة وأولهم سيبويه، مما يُعد فضولاً ينبغي أن يُبَرّأ منه النحو حتى لا يكون فيه عسرٌ ولاصعوبة.
إن ثورة ابن مضاء هذه يمكن أن يُفهم منها ـ بعيداً عن كونها صدى لمذهبه الظاهري ـ أنها دعوة إلى ما يمكن أن يسمى تيسيراً للنحو العربي، وقد لقيت هذه الثورة أصداءً لها عند الباحثين المعاصرين فرأوا فيها قدوتهم في دعواتهم إلى تيسير النحو وتبسيطه، وفي الوقت نفسه استغل بعض الدارسين هذه الدعوة وجعلها ستاراً لهدفٍ أبعد هو هدم التراث النحوي برمته.
نبيل أبو عمشة
Ibn Mada’(Ahmad ibn Abdul Rahman-) - Ibn Mada’(Ahmad ibn Abdul Rahman-)
ابن مضاء (أحمد بن عبد الرحمن ـ)
(513 ـ 592 هـ/1116 ـ 1196م)
أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن مضاء اللخمي القرطبي، من علماء النحو، وله فيه آراء ومذاهب خالف فيها جميع النحويين، ولد في قرطبة، وإليها يُنسب، وقد خرج من بيت حسب وشرف منقطعاً إلى العلم والعلماء، معنياً أشد العناية بلقاء أساتذة عصره، فارتحل إلى إشبيلية حيث ابن الرماك (ت541هـ) ليدرس عليه كتاب سيبويه، ثم هاجر في طلب الحديث إلى سبتة حيث القاضي عياض (ت544هـ) أشهر محدثي المغرب وفقهائه في عصره، ولم يزل يُعنى بالحديث حتى (صار رُحْلة في الرواية) قال ابن فرحون: «كان واسع الرواية ضابطاً لما يحدث به».
ولم يكتف ابن مضاء بالعلوم اللغوية والدينية، إذ كان «عارفاً بالطب والحساب والهندسة... وشاعراً بارعاً كاتباً».
وانتهى المطاف به أن أصبح حجة في الفقه الظاهري، وهو مذهب الموحدين الذين حكموا المغرب والأندلس (541 - 668هـ) فولوه أولاً قضاء فاس وبجاية، ثم ما لبث الأمير يوسف بن عبد المؤمن (ت580هـ) أن جعله قاضي الجماعة في الدولة كلها، ويوسف هذا عُرف بتعصبه للمذهب الظاهري، وظل ابن مضاء في هذا المنصب إلى أن توفي في عهد الأمير يعقوب بن يوسف (ت 595هـ).
وكان طبيعياً أن يحمل ابن مضاء حملة الموحدين على أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة لما ملأوا به كتبهم من فروع، فإذا هم يأمرون بإحراق كثير من تلك الكتب، وحملوا الناس في دولتهم على المذهب الظاهري الذي يرفض القياس وما يتصل به من علل، ويكتفي بالظاهر من القرآن والحديث.
وقد استلهم ابن مضاء هذه الثورة لا في حمله على الفقه والفقهاء فحسب، بل في حَمله على النحو والنحاة من حوله، وذلك أنه وجد الأبحاث النحوية ـ كأبحاث الفقه ـ تتضخم بتقديرات وتأويلات وتعليلات وأقيسة وشُعب وفروع وآراء لا حصر لها ولا غناء حقيقي في تتبعها، فمضى يهاجمها في ثلاثة كتب، هي: «المشرق في النحو»، و«تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان»، و«الرد على النحاة» وهذا الأخير هو الذي انتهى إلينا من آثاره، وقد أقيم الكتاب على أسس هي في الحقيقة انعكاسٌ لمذهب ابن مضاء في الفقه، ويمكن إجمالها في الأسس الآتية:
أولاً: الدعوة إلى إلغاء نظرية العامل التي يرى أنها عقدت النحو وأكثرت فيه من التقديرات والمباحث التي لا طائل وراءها، فالمتكلم هو الذي يرفع وينصب ويجر لا شيء آخر قد يكون متخيلاً كما يرى النحاة، ونظرية العامل في رأيه هي التي أدخلت على النحو عُقد التقديرات، على نحو ما هو معروف في العوامل المحذوفة، ودفعت من ثمّ إلى تمحلات لا داعي لها، كتقدير أن شبه الجملة قد تتعلق بعامل محذوف، ولا حذف هناك ولا عامل ولا عمل، ولا شك أن هذه الدعوة إلى عدم التقدير هي انعكاس لمذهبه الظاهري الذي يرى ضرورة التمسك بحرفية آي الذكر الحكيم، بعيداً عن الحذف والتقدير، ولكي يوضح ابن مضاء فساد نظرية العامل وأنها دفعت النحاة إلى اصطناع بعض الأساليب التي لا تعرفها العرب درس بابي التنازع والاشتغال، ونَصب المضارع بعد واو المعية وفاء السببية مصوراً تعسف النحاة في التأويل والتقدير مستلهماً في كل ما صدر عنه مذهبه الظاهري الذي يرفض ما وراء ظاهر النصوص من تقديرات وتأويلات.
ثانياً: الدعوة إلى إطراح ما يسمى بعلة العلة، كبيان علة رفع الفاعل ونصب المفعول، ولماذا نصبت «إن» الأسماء ثم رفعتها، ولِمَ لا يكون العكس، مما ليس فيه نفع ولا فائدة في ضبط الألسنة.
ثالثاً: مهاجمة القياس النحوي لما يعتوره من ضعف وفساد.
رابعاً: الدعوة إلى التخلي عن التمارين غير العملية التي وقعت في كتب النحاة وأولهم سيبويه، مما يُعد فضولاً ينبغي أن يُبَرّأ منه النحو حتى لا يكون فيه عسرٌ ولاصعوبة.
إن ثورة ابن مضاء هذه يمكن أن يُفهم منها ـ بعيداً عن كونها صدى لمذهبه الظاهري ـ أنها دعوة إلى ما يمكن أن يسمى تيسيراً للنحو العربي، وقد لقيت هذه الثورة أصداءً لها عند الباحثين المعاصرين فرأوا فيها قدوتهم في دعواتهم إلى تيسير النحو وتبسيطه، وفي الوقت نفسه استغل بعض الدارسين هذه الدعوة وجعلها ستاراً لهدفٍ أبعد هو هدم التراث النحوي برمته.
نبيل أبو عمشة