مرافق عامه (التزام)
Concession of public services - Concession des services publics
المرافق العامة (التزام ـ)
عقد التزام المرافق العامة la concession des services publics هو الأسلوب الذي به تعهد الإدارة إلى شخص طبيعي أو اعتباري «فرداً كان أو مؤسسة» بتولي مرفق عام وإدارته على أن يقوم بتنفيذ جميع التزاماته على نفقته ومسؤوليته الخاصة تحت إشراف الإدارة ورقابتها مقابل السماح له باستغلال هذا المرفق مدة محددة من الزمن على أن يتقاضى رسوماً من المنتفعين مقابل الخدمات التي يقدمها.
ويتضح من ذلك أن هذا النوع من العقود يرتب على الملتزم التزامات مهمة، ويمنحه بالمقابل حقوقاً محددة.
التزامات الملتزم
وهي تشمل التزام تنفيذ العقد، والتزام التنفيذ الشخصي والتزام احترام مدة العقد.
1- التزام تنفيذ العقد:
على الملتزم أن يقوم بتنفيذ جميع التزاماته التعاقدية بحسب الشروط التي وافق عليها لحظة إبرامه العقد، وذلك من تقديمه الخدمات المنصوصة بالعقد دون أن يكون له الحق بتعديل كمية الخدمات المطابقة للنصوص التعاقدية ونوعيتها. وعليه أن يحترم القوانين والأنظمة المرعية وقت إبرام العقد وجميع النصوص القانونية والتنظيمية التي يمكن أن تحصل في أثناء التنفيذ، والأساس القانوني لهذه الفكرة هو مبدأ الشرعية.
ولما كان الملتزم مسؤولاً عن إدارة المرفق العام وجب عليه احترام كل القواعد العامة التي تحكم إدارة المرافق، وهي ثلاث قواعد:
أ- قاعدة استمرار المرفق العام: إن صاحب الامتياز ـ أي الملتزم ـ ملزم بتسيير المرفق العام تسييراً صحيحاً ومستمراً وإن واجهته صعوبات متوقعة لحظة إبرام العقد (نظرية الظروف الطارئة). وعند توقف الملتزم ـ جزئياً أو كلياً ـ عن التنفيذ تقوم الإدارة باتخاذ الإجراءات كافة من أجل تسيير المرفق العام على نفقة صاحب الامتياز ومسؤوليته. غير أن هذه القاعدة لا تطبق في حالة القوة القاهرة و«فعل الأمير» Fait du prince (فعل الإدارة) إذا قدّر الملتزم أنه عاجز عن تنفيذ العقد وفق المطلوب؛ لأن التعديلات التي فرضت عليه قد تجاوزت إمكاناته المادية والتقنية. لكن مبدأ استمرار المرفق العام ليس مطلقاً؛ لأن الإدارة تملك في كل وقت فسخ عقد الالتزام وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة على أن يكون للملتزم الحق بالمطالبة بالتعويض - إن كان لذلك وجه قانوني - عن كل الأضرار التي لحقت به من جراء هذا القرار.
ب - تطابق المرفق العام أو ملاءمته للضرورات المستجدة: لمّا كان الهدف من إنشاء المرفق العام هو دائماً ضمان الحاجات العامة بأفضل الشروط وبأدنى قيمة؛ فصاحب الامتياز مجبر على ضمان هذه الحاجات بحسب ضرورات المصلحة العامة المتغيرة مع الوقت، وهذا المبدأ لايمكن تحقيقه إلا من ملاءمة المرفق وتطابقه مع المتطلبات الجديدة للحاجات العامة.
وللإدارة الحق في إجبار الملتزم على إحلال تقنية جديدة محل التقنيات القديمة لحظة إبرام العقد إذا رأت أنها أصبحت غير ملاءمة لإشباع الحاجات العامة المستجدّة.
جـ - التزام احترام مبدأ مساواة جميع المنتفعين أمام المرفق العام: يلتزم صاحب الامتياز معاملة جميع المنتفعين من المرفق العام - الذين تتوافر فيهم الشروط المحددة في دفتر الشروط - على قدم المساواة بالاستفادة من المرفق العام. وهكذا يكون الملتزم مجبراً على تقديم الخدمة العامة إلى المواطنين والأجانب والرجال والنساء والأطفال من دون تفريق، إلاَّ عند وجود نص قانوني صريح يجيز هذا التفريق.
2- التزام التنفيذ الشخصي
إن التزام التنفيذ الشخصي يُعدّ مبدأً عاماً من مبادئ القانون العام[ر]؛ لأن الإدارة عندما تختار الملتزم تستند إلى معيار نوعية شخص الملتزم وإمكاناته ولاسيما التقنية والمالية منها. وهذا المبدأ يطبق بعناية فائقة جداً في عقود الالتزام؛ وذلك للطبيعة الخاصة التي تتميز بها هذه العقود، لأنها تبرم لمدة طويلة، وهي بحاجة إلى رأس مال كبير، وتقنية عالية جداً. لكن الملتزم يستطيع النزول كلياً لغيره عن العقد أو أن يتعاقد مع الغير من أجل تنفيذ جزء من العقد عندما يجد نفسه غير قادر على تنفيذ التزاماته التعاقدية بشرط حصوله على موافقة مسبقة من الإدارة المتعاقدة. وكل تصرف من الملتزم قبل حصوله على الموافقة يعدّ باطلاً، ويبقى الملتزم مسؤولاً مسؤولية كاملة أمام الإدارة، ويعاقب على هذا الخطأ بشروط المعاقبة على الأخطاء التعاقدية الأخرى. ولا تنتج أي علاقة قانونية بين الإدارة والمتعاقد الثانوي عند نزول الملتزم هذا التعاقد عن التزامه من دون الحصول على موافقة الإدارة المسبقة.
3- التزام احترام مدة العقد
إن عقود الالتزام تحدد المدة التي على الملتزم أن ينفذ إبانها التزاماته التعاقدية كافة. هذه المدة لها أهمية كبيرة جداً لكلٍ من الإدارة والملتزم؛ لأن كلاً منهما يوافق على العقد بعد أن يضع في الحسبان إمكاناته التقنية والمالية لتنفيذ العقد ضمن المدة المحددة. وعند إهمال الملتزم تفرض عليه العقوبة ولاسيما عقوبة غرامة التأخير التعاقدية؛ علماً أن هناك كثيراً من الظروف التي يمكن أن تسمح بإطالة مدة التنفيذ، أو تعفي المتعاقد من التقيد بالمدة المنصوصة بالعقد «اتفاق الأطراف المتعاقدة»، «فعل الأمير»، «نظرية القوة القاهرة».
حقوق الملتزم
صحيح أن الملتزم يبقى على الدوام متعهداً خاصاً؛ إلاّ أنه يقوم بإدارة مرفق عام، وهو ملزم أيضاً بتأدية خدمة عامة للمواطنين؛ لذا يجب على الإدارة أن تمنحه بعض امتيازات السلطة العامة؛ ليتمكن من تحقيق الهدف الذي تعاقد من أجله، ومن أهم هذه الامتيازات:
1- التزام الإدارة حماية الملتزم من المنافسة: لما كانت الإدارة هي المسؤولة الوحيدة عن تقدير المصلحة العامة وتحقيقها ونزلت للغير عن طريق إبرام عقد التزام؛ وجب عليها أن تقدِّم للملتزم جميع الضمانات لتنفيذ المهمة الموكلة إليه، ومن أهم هذه الضمانات: أن يقوم الملتزم باستغلال المرفق العام من دون أن يجابه ممارسة أي نشاط منافس لعمله. وهذا الحق ثابت للملتزم حتى عند خلو العقد من شرط صريح. وإذا سمحت الإدارة للغير بمنافسة الملتزم الأصلي تُعرِّض نفسها للمسؤولية الإدارية؛ وذلك بدفع مبلغ نقدي نتيجة لفعلها الخاطئ الذي أدى إلى انقلاب التوازن المالي للعقد.
2- حق الملتزم في استغلال المرفق طوال المدة المحددة بعقد الامتياز: إن عقد الالتزام يبرم لمدة طويلة، لذلك يحتاج إلى رأس مال كبير من أجل شراء المواد وأجور المستخدمين وإقامة المنشآت الضرورية لتسيير المرفق. إن هذه الأموال المستهلكة تكون من الأولويات التي يضعها الملتزم في حسبانه عندما يقبل بالمدة المحددة بالعقد. وإن الامتيازات المالية التي يحصل عليها الملتزم هي الوسيلة الوحيدة لتغطية النفقات التي أنفقها من أجل تسيير المرفق العام؛ لذلك يكون للملتزم حق مكتسب في متابعة تنفيذ عقده طوال المدة المحددة بالشروط التعاقدية. وهذا يعني أن الإدارة المتعاقدة لاتستطيع - منفردة - وضع نهاية لعقد الالتزام قبل الأوان المحدد لهذا التنفيذ.
3- حق الملتزم بالتعويض: لابد لتحقيق الهدف المنشود من عقد الالتزام من وجود التوازن المالي بين الأعباء الملقاة على عاتق الملتزم والمزايا المالية المعترف له بها من الإدارة. فإذا انقلب التوازن المالي للعقد في أثناء التنفيذ بسبب ظروف خارجة عن إرادته لابد من التعويض عن الخسائر التي لحقت به. وإن اختلال التوازن المالي يمكن أن يحدث إما عن أثر خطأ من الإدارة المتعاقدة أو عن أثر تصرف شرعي من الإدارة لضرورات المصلحة العامة »فعل الأمير« أو بسبب ظروف خارجة عن إرادة الإدارة المتعاقدة والملتزم تسمح للملتزم بطلب التعويض على أساس نظرية الظروف الطارئة.
4- حق المتعاقد الملتزم بتقاضي أجر للخدمات المقدمة من قبله: يتقاضى الملتزم ـ ضمن عقود التزام المرافق العامة ـ حقوقه المالية بفرض الرسم على المنتفعين بالمرفق العام ضمن حدود التعرفة المنصوصة بالعقد. ويتم تحديد التعرفة في نص العقد، أو من قِبَل الملتزم، أو من قبل السلطة العامة.
أ - تحديد التعرفة بنصوص العقد: ويتم عادة في قائمة الشروط، وإن دعوة الإدارة الملتزم لإعطاء رأيه بالتعرفة المنصوصة بالعقد ليس إلاّ من قبيل مساعدة الإدارة على تثبيتها.
ومع ذلك، فإن تحديد تعرفة الرسوم في عقد الالتزام قد يدع للملتزم بعض الحرية في جباية الرسوم على ألاّ يتجاوز الحد الأقصى للتعرفة المنصوصة في قائمة الشروط. لكن هذه الفكرة واجهت آراء متضاربة من الفقهاء، فالفقيه الفرنسي جيز Jèze - مثلاً- يُقَدِّر أن حرية الملتزم بجباية الرسوم ضمن سقف الحد الأقصى للتعرفة لا يكوّن حقاً مطلقاً، بل هو مشروط بالحصول على الموافقة السابقة من الإدارة المتعاقدة قبل رفع الرسم. في حين أن الفقيه الفرنسي أندريه دولوبادير A.de Laubadère يرى أن الحصول على الموافقة المسبقة من الإدارة ليس إلزامياً إلاَّ إذا نص العقد صراحة على ذلك، لكن عند غياب النص يمارس الملتزم حقه بحرية كاملة مع الوضع في الحسبان أن الإدارة لا يقتصر حقها على مراقبة جباية الرسوم، وهل هو ضمن الحدود المنصوصة في العقد؟ بل لها الحق في أن تبحث هل يتناسب هذا الرسم مع حسن تسيير المرفق العام الذي نزلت عنه للملتزم؟.
وقد تنص قائمة الشروط على تحديد المدة التي تستطيع الإدارة أن تمارس فيها حقها في معارضة الملتزم، فإذا انقضت هذه المدة دون معارضة يكتسب الرسم المعدَّل من الملتزم صفة الثبات.
ب - تحديد التعرفة من قبل المتعاقد الملتزم، وهذا المبدأ غير معمول به.
جـ - تحديد التعرفة من قبل السلطة العامة: في هذه الحالة لا يجوز للملتزم أن يخالف التعرفة مادام قد وافق عليها وهو بكامل حريته، وعليه الالتزام بتنفيذ العقد كما هو. ولتوضيح ذلك لابد من تحديد الطبيعة القانونية للتعرفة ومعرفة مدى إمكان تعديلها.
(1ً) الطبيعة القانونية للتعرفات: يرى معظم الفقهاء أن عقد الالتزام يحتوي على نوعين من الشروط، فهناك شروط تنظيمية وأخرى تعاقدية، لذلك يثير عقد الالتزام بحق صعوبة إذا كانت التعرفة تؤلف شرطاً تنظيمياً أو تعاقدياً. وليس هناك أي مشكلة بخصوص المنتفعين، فالفقه والقضاء يريان أن التعرفة تؤلف شرطاً تنظيمياً. أما العلاقات بين الإدارة المتعاقدة والملتزم فهي تؤلف موضوعاً مختلفاً فيه، فمعظم الفقهاء ومنهم أندري دولوبادير يرون أن التعرفة تؤلف شرطاً تنظيمياً؛ لأن التعرفة تؤلف عنصراً أساسياً من قواعد تنظيم المرفق العام، وتهم مباشرة المنتفعين بالمرفق العام؛ ولأن التعرفة تخضع لإرادة الإدارة الوحيدة والمطلقة.
مع ذلك فإن الطبيعة القانونية للتعرفات بحسب وجهة نظر بعض الفقهاء ومنهم ميستر Mestre والقضاء الفرنسي، تؤلف شرطاً تعاقدياً.
(2ً) - تعديل التعرفة: يمكن تعديل التعرفة إبّان تنفيذ الالتزام من الملتزم نفسه، أو باتفاق الأطراف المتعاقدة، أو من قبل الإدارة المتعاقدة. فأما تعديل التعرفة من قبل الملتزم فالأصل فيه أن يحترم الملتزم شروط التعرفة من دون أن يكون له حق في تعديلها أو في جباية رسوم لا تتفق مع التعرفة المحددة، ولكن إذا تضمن عقد الالتزام شروطاً صريحة تمنح الملتزم هذا الحق، فليس ثمة ما يمنعه من استعمال حقه وفق نصوص العقد.
وأما اتفاق الطرفين المتعاقدين على تعديل في التعرفة فيعني أنه لا يحق للإدارة منفردة تعديل التعرفة من دون موافقة الملتزم، كما لا يحق للملتزم هذا التعديل من دون موافقة الإدارة، وكل تعديل في التعرفة يتم باتفاق سابق بين الطرفين. وتكون سلطة الإدارة المخولة تصديق التعرفات المقترحة على هذا النحو مرتبطة بشروط العقد أو أن لها سلطة تقديرية، ففي الحالة الأولى لا يحق للإدارة المتعاقدة رفض التصديق على تعديل التعرفة أو الرسم المقترح من الملتزم على أساس شروط العقد إلا بالاستناد إلى الأسباب التي حددها العقد نفسه، أما في حال غياب النصوص التعاقدية - وهي الحالة الثانية - فللإدارة سلطة تقدير ما إذا كانت التعرفات المقترحة من المتعاقد هي ضمن الحدود التعاقدية، ولها حق تسيير المرفق العام، وعلى الإدارة في حال رفض المقترحات ذكر الأسباب التي دعتها لرفضها.
وأما تعديل التعرفة من قبل الإدارة المتعاقدة فيتم بالاستناد إلى نص قانوني أو بقرار من السلطة الإدارية التي تملك هذه الصلاحية بحسب النصوص القانونية، وفي هذه الحالة يمكن للسلطة الإدارية تعديل شروط التعرفة؛ لأنها هي المسؤولة عن حسن تسيير المرفق العام.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن التعديلات التي تتم على تعرفة الرسوم - إن كانت من أصل تعاقدي أو قانوني أو تنظيمي - تطبق فوراً على العقود المبرمة مع المنتفعين على أساس احترام مبدأ قاعدة «عدم الرجوع».
محمد الحسين
Concession of public services - Concession des services publics
المرافق العامة (التزام ـ)
عقد التزام المرافق العامة la concession des services publics هو الأسلوب الذي به تعهد الإدارة إلى شخص طبيعي أو اعتباري «فرداً كان أو مؤسسة» بتولي مرفق عام وإدارته على أن يقوم بتنفيذ جميع التزاماته على نفقته ومسؤوليته الخاصة تحت إشراف الإدارة ورقابتها مقابل السماح له باستغلال هذا المرفق مدة محددة من الزمن على أن يتقاضى رسوماً من المنتفعين مقابل الخدمات التي يقدمها.
ويتضح من ذلك أن هذا النوع من العقود يرتب على الملتزم التزامات مهمة، ويمنحه بالمقابل حقوقاً محددة.
التزامات الملتزم
وهي تشمل التزام تنفيذ العقد، والتزام التنفيذ الشخصي والتزام احترام مدة العقد.
1- التزام تنفيذ العقد:
على الملتزم أن يقوم بتنفيذ جميع التزاماته التعاقدية بحسب الشروط التي وافق عليها لحظة إبرامه العقد، وذلك من تقديمه الخدمات المنصوصة بالعقد دون أن يكون له الحق بتعديل كمية الخدمات المطابقة للنصوص التعاقدية ونوعيتها. وعليه أن يحترم القوانين والأنظمة المرعية وقت إبرام العقد وجميع النصوص القانونية والتنظيمية التي يمكن أن تحصل في أثناء التنفيذ، والأساس القانوني لهذه الفكرة هو مبدأ الشرعية.
ولما كان الملتزم مسؤولاً عن إدارة المرفق العام وجب عليه احترام كل القواعد العامة التي تحكم إدارة المرافق، وهي ثلاث قواعد:
أ- قاعدة استمرار المرفق العام: إن صاحب الامتياز ـ أي الملتزم ـ ملزم بتسيير المرفق العام تسييراً صحيحاً ومستمراً وإن واجهته صعوبات متوقعة لحظة إبرام العقد (نظرية الظروف الطارئة). وعند توقف الملتزم ـ جزئياً أو كلياً ـ عن التنفيذ تقوم الإدارة باتخاذ الإجراءات كافة من أجل تسيير المرفق العام على نفقة صاحب الامتياز ومسؤوليته. غير أن هذه القاعدة لا تطبق في حالة القوة القاهرة و«فعل الأمير» Fait du prince (فعل الإدارة) إذا قدّر الملتزم أنه عاجز عن تنفيذ العقد وفق المطلوب؛ لأن التعديلات التي فرضت عليه قد تجاوزت إمكاناته المادية والتقنية. لكن مبدأ استمرار المرفق العام ليس مطلقاً؛ لأن الإدارة تملك في كل وقت فسخ عقد الالتزام وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة على أن يكون للملتزم الحق بالمطالبة بالتعويض - إن كان لذلك وجه قانوني - عن كل الأضرار التي لحقت به من جراء هذا القرار.
ب - تطابق المرفق العام أو ملاءمته للضرورات المستجدة: لمّا كان الهدف من إنشاء المرفق العام هو دائماً ضمان الحاجات العامة بأفضل الشروط وبأدنى قيمة؛ فصاحب الامتياز مجبر على ضمان هذه الحاجات بحسب ضرورات المصلحة العامة المتغيرة مع الوقت، وهذا المبدأ لايمكن تحقيقه إلا من ملاءمة المرفق وتطابقه مع المتطلبات الجديدة للحاجات العامة.
وللإدارة الحق في إجبار الملتزم على إحلال تقنية جديدة محل التقنيات القديمة لحظة إبرام العقد إذا رأت أنها أصبحت غير ملاءمة لإشباع الحاجات العامة المستجدّة.
جـ - التزام احترام مبدأ مساواة جميع المنتفعين أمام المرفق العام: يلتزم صاحب الامتياز معاملة جميع المنتفعين من المرفق العام - الذين تتوافر فيهم الشروط المحددة في دفتر الشروط - على قدم المساواة بالاستفادة من المرفق العام. وهكذا يكون الملتزم مجبراً على تقديم الخدمة العامة إلى المواطنين والأجانب والرجال والنساء والأطفال من دون تفريق، إلاَّ عند وجود نص قانوني صريح يجيز هذا التفريق.
2- التزام التنفيذ الشخصي
إن التزام التنفيذ الشخصي يُعدّ مبدأً عاماً من مبادئ القانون العام[ر]؛ لأن الإدارة عندما تختار الملتزم تستند إلى معيار نوعية شخص الملتزم وإمكاناته ولاسيما التقنية والمالية منها. وهذا المبدأ يطبق بعناية فائقة جداً في عقود الالتزام؛ وذلك للطبيعة الخاصة التي تتميز بها هذه العقود، لأنها تبرم لمدة طويلة، وهي بحاجة إلى رأس مال كبير، وتقنية عالية جداً. لكن الملتزم يستطيع النزول كلياً لغيره عن العقد أو أن يتعاقد مع الغير من أجل تنفيذ جزء من العقد عندما يجد نفسه غير قادر على تنفيذ التزاماته التعاقدية بشرط حصوله على موافقة مسبقة من الإدارة المتعاقدة. وكل تصرف من الملتزم قبل حصوله على الموافقة يعدّ باطلاً، ويبقى الملتزم مسؤولاً مسؤولية كاملة أمام الإدارة، ويعاقب على هذا الخطأ بشروط المعاقبة على الأخطاء التعاقدية الأخرى. ولا تنتج أي علاقة قانونية بين الإدارة والمتعاقد الثانوي عند نزول الملتزم هذا التعاقد عن التزامه من دون الحصول على موافقة الإدارة المسبقة.
3- التزام احترام مدة العقد
إن عقود الالتزام تحدد المدة التي على الملتزم أن ينفذ إبانها التزاماته التعاقدية كافة. هذه المدة لها أهمية كبيرة جداً لكلٍ من الإدارة والملتزم؛ لأن كلاً منهما يوافق على العقد بعد أن يضع في الحسبان إمكاناته التقنية والمالية لتنفيذ العقد ضمن المدة المحددة. وعند إهمال الملتزم تفرض عليه العقوبة ولاسيما عقوبة غرامة التأخير التعاقدية؛ علماً أن هناك كثيراً من الظروف التي يمكن أن تسمح بإطالة مدة التنفيذ، أو تعفي المتعاقد من التقيد بالمدة المنصوصة بالعقد «اتفاق الأطراف المتعاقدة»، «فعل الأمير»، «نظرية القوة القاهرة».
حقوق الملتزم
صحيح أن الملتزم يبقى على الدوام متعهداً خاصاً؛ إلاّ أنه يقوم بإدارة مرفق عام، وهو ملزم أيضاً بتأدية خدمة عامة للمواطنين؛ لذا يجب على الإدارة أن تمنحه بعض امتيازات السلطة العامة؛ ليتمكن من تحقيق الهدف الذي تعاقد من أجله، ومن أهم هذه الامتيازات:
1- التزام الإدارة حماية الملتزم من المنافسة: لما كانت الإدارة هي المسؤولة الوحيدة عن تقدير المصلحة العامة وتحقيقها ونزلت للغير عن طريق إبرام عقد التزام؛ وجب عليها أن تقدِّم للملتزم جميع الضمانات لتنفيذ المهمة الموكلة إليه، ومن أهم هذه الضمانات: أن يقوم الملتزم باستغلال المرفق العام من دون أن يجابه ممارسة أي نشاط منافس لعمله. وهذا الحق ثابت للملتزم حتى عند خلو العقد من شرط صريح. وإذا سمحت الإدارة للغير بمنافسة الملتزم الأصلي تُعرِّض نفسها للمسؤولية الإدارية؛ وذلك بدفع مبلغ نقدي نتيجة لفعلها الخاطئ الذي أدى إلى انقلاب التوازن المالي للعقد.
2- حق الملتزم في استغلال المرفق طوال المدة المحددة بعقد الامتياز: إن عقد الالتزام يبرم لمدة طويلة، لذلك يحتاج إلى رأس مال كبير من أجل شراء المواد وأجور المستخدمين وإقامة المنشآت الضرورية لتسيير المرفق. إن هذه الأموال المستهلكة تكون من الأولويات التي يضعها الملتزم في حسبانه عندما يقبل بالمدة المحددة بالعقد. وإن الامتيازات المالية التي يحصل عليها الملتزم هي الوسيلة الوحيدة لتغطية النفقات التي أنفقها من أجل تسيير المرفق العام؛ لذلك يكون للملتزم حق مكتسب في متابعة تنفيذ عقده طوال المدة المحددة بالشروط التعاقدية. وهذا يعني أن الإدارة المتعاقدة لاتستطيع - منفردة - وضع نهاية لعقد الالتزام قبل الأوان المحدد لهذا التنفيذ.
3- حق الملتزم بالتعويض: لابد لتحقيق الهدف المنشود من عقد الالتزام من وجود التوازن المالي بين الأعباء الملقاة على عاتق الملتزم والمزايا المالية المعترف له بها من الإدارة. فإذا انقلب التوازن المالي للعقد في أثناء التنفيذ بسبب ظروف خارجة عن إرادته لابد من التعويض عن الخسائر التي لحقت به. وإن اختلال التوازن المالي يمكن أن يحدث إما عن أثر خطأ من الإدارة المتعاقدة أو عن أثر تصرف شرعي من الإدارة لضرورات المصلحة العامة »فعل الأمير« أو بسبب ظروف خارجة عن إرادة الإدارة المتعاقدة والملتزم تسمح للملتزم بطلب التعويض على أساس نظرية الظروف الطارئة.
4- حق المتعاقد الملتزم بتقاضي أجر للخدمات المقدمة من قبله: يتقاضى الملتزم ـ ضمن عقود التزام المرافق العامة ـ حقوقه المالية بفرض الرسم على المنتفعين بالمرفق العام ضمن حدود التعرفة المنصوصة بالعقد. ويتم تحديد التعرفة في نص العقد، أو من قِبَل الملتزم، أو من قبل السلطة العامة.
أ - تحديد التعرفة بنصوص العقد: ويتم عادة في قائمة الشروط، وإن دعوة الإدارة الملتزم لإعطاء رأيه بالتعرفة المنصوصة بالعقد ليس إلاّ من قبيل مساعدة الإدارة على تثبيتها.
ومع ذلك، فإن تحديد تعرفة الرسوم في عقد الالتزام قد يدع للملتزم بعض الحرية في جباية الرسوم على ألاّ يتجاوز الحد الأقصى للتعرفة المنصوصة في قائمة الشروط. لكن هذه الفكرة واجهت آراء متضاربة من الفقهاء، فالفقيه الفرنسي جيز Jèze - مثلاً- يُقَدِّر أن حرية الملتزم بجباية الرسوم ضمن سقف الحد الأقصى للتعرفة لا يكوّن حقاً مطلقاً، بل هو مشروط بالحصول على الموافقة السابقة من الإدارة المتعاقدة قبل رفع الرسم. في حين أن الفقيه الفرنسي أندريه دولوبادير A.de Laubadère يرى أن الحصول على الموافقة المسبقة من الإدارة ليس إلزامياً إلاَّ إذا نص العقد صراحة على ذلك، لكن عند غياب النص يمارس الملتزم حقه بحرية كاملة مع الوضع في الحسبان أن الإدارة لا يقتصر حقها على مراقبة جباية الرسوم، وهل هو ضمن الحدود المنصوصة في العقد؟ بل لها الحق في أن تبحث هل يتناسب هذا الرسم مع حسن تسيير المرفق العام الذي نزلت عنه للملتزم؟.
وقد تنص قائمة الشروط على تحديد المدة التي تستطيع الإدارة أن تمارس فيها حقها في معارضة الملتزم، فإذا انقضت هذه المدة دون معارضة يكتسب الرسم المعدَّل من الملتزم صفة الثبات.
ب - تحديد التعرفة من قبل المتعاقد الملتزم، وهذا المبدأ غير معمول به.
جـ - تحديد التعرفة من قبل السلطة العامة: في هذه الحالة لا يجوز للملتزم أن يخالف التعرفة مادام قد وافق عليها وهو بكامل حريته، وعليه الالتزام بتنفيذ العقد كما هو. ولتوضيح ذلك لابد من تحديد الطبيعة القانونية للتعرفة ومعرفة مدى إمكان تعديلها.
(1ً) الطبيعة القانونية للتعرفات: يرى معظم الفقهاء أن عقد الالتزام يحتوي على نوعين من الشروط، فهناك شروط تنظيمية وأخرى تعاقدية، لذلك يثير عقد الالتزام بحق صعوبة إذا كانت التعرفة تؤلف شرطاً تنظيمياً أو تعاقدياً. وليس هناك أي مشكلة بخصوص المنتفعين، فالفقه والقضاء يريان أن التعرفة تؤلف شرطاً تنظيمياً. أما العلاقات بين الإدارة المتعاقدة والملتزم فهي تؤلف موضوعاً مختلفاً فيه، فمعظم الفقهاء ومنهم أندري دولوبادير يرون أن التعرفة تؤلف شرطاً تنظيمياً؛ لأن التعرفة تؤلف عنصراً أساسياً من قواعد تنظيم المرفق العام، وتهم مباشرة المنتفعين بالمرفق العام؛ ولأن التعرفة تخضع لإرادة الإدارة الوحيدة والمطلقة.
مع ذلك فإن الطبيعة القانونية للتعرفات بحسب وجهة نظر بعض الفقهاء ومنهم ميستر Mestre والقضاء الفرنسي، تؤلف شرطاً تعاقدياً.
(2ً) - تعديل التعرفة: يمكن تعديل التعرفة إبّان تنفيذ الالتزام من الملتزم نفسه، أو باتفاق الأطراف المتعاقدة، أو من قبل الإدارة المتعاقدة. فأما تعديل التعرفة من قبل الملتزم فالأصل فيه أن يحترم الملتزم شروط التعرفة من دون أن يكون له حق في تعديلها أو في جباية رسوم لا تتفق مع التعرفة المحددة، ولكن إذا تضمن عقد الالتزام شروطاً صريحة تمنح الملتزم هذا الحق، فليس ثمة ما يمنعه من استعمال حقه وفق نصوص العقد.
وأما اتفاق الطرفين المتعاقدين على تعديل في التعرفة فيعني أنه لا يحق للإدارة منفردة تعديل التعرفة من دون موافقة الملتزم، كما لا يحق للملتزم هذا التعديل من دون موافقة الإدارة، وكل تعديل في التعرفة يتم باتفاق سابق بين الطرفين. وتكون سلطة الإدارة المخولة تصديق التعرفات المقترحة على هذا النحو مرتبطة بشروط العقد أو أن لها سلطة تقديرية، ففي الحالة الأولى لا يحق للإدارة المتعاقدة رفض التصديق على تعديل التعرفة أو الرسم المقترح من الملتزم على أساس شروط العقد إلا بالاستناد إلى الأسباب التي حددها العقد نفسه، أما في حال غياب النصوص التعاقدية - وهي الحالة الثانية - فللإدارة سلطة تقدير ما إذا كانت التعرفات المقترحة من المتعاقد هي ضمن الحدود التعاقدية، ولها حق تسيير المرفق العام، وعلى الإدارة في حال رفض المقترحات ذكر الأسباب التي دعتها لرفضها.
وأما تعديل التعرفة من قبل الإدارة المتعاقدة فيتم بالاستناد إلى نص قانوني أو بقرار من السلطة الإدارية التي تملك هذه الصلاحية بحسب النصوص القانونية، وفي هذه الحالة يمكن للسلطة الإدارية تعديل شروط التعرفة؛ لأنها هي المسؤولة عن حسن تسيير المرفق العام.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن التعديلات التي تتم على تعرفة الرسوم - إن كانت من أصل تعاقدي أو قانوني أو تنظيمي - تطبق فوراً على العقود المبرمة مع المنتفعين على أساس احترام مبدأ قاعدة «عدم الرجوع».
محمد الحسين