السبات العميق أو وضع الأموات الأحياء أو الغيبوبة أو ما يُعرف بـ (الزومبي – zombie)، هي حلول تبتكرها البكتيريا للبقاء على قيد الحياة ومكافحة الجوع والموت، اكتشاف هام قام به العلماء يمكن أن يساعدنا في معرفة المزيد عن كيفية علاج الأمراض والإصابات في المستقبل. لكي نكون واضحين، نتكلم عن وضع الغيبوبة zombie الشبيهة بالأموات مع توقف الوظائف الحيوية الطبيعية ، لا عن الزومبي الذين يتغذون على الأحياء. لم نشهد من قبل خطة للبقاء تعتمد على (النمو منخفض التغذية – oligotrophic growth) أو ما يُعرف بالمغذيات الفقيرة. الكائنات أحادية الخلية مثال على ذلك، إذ تتباطأ جميع العمليات الحيوية إلى مستوى منخفض جدًا ضمن البوغ إلى أن تصبح الظروف أفضل.
البكتيريا الزرمبي
استخدم الباحثون البكتيريا غير الممرضة (العصويات الرقيقة – Bacillus subtilis) في الدراسة، وتحديدًا مجموعة متنوعة لا يمكنها تكوين طبقة خارجية محيطة (التحوصل أو البوغ الداخلي endospores)؛ وهي إحدى حيل الجرائيم للبقاء إذ تحيط نفسها بهذا الدرع الخارجي لتستطيع مواجهة الظروف القاسية. تكون البكتيريا داخل البوغ الداخلي في حالة تُدعى (حالة النوم أو السبات – dormant state).
لكن في هذه التجربة، عندما جوّع الباحثون الجرائيم حدث أمر غير متوقع، لم تعد البكتيريا إلى حالة السبات أو النوم ولم تعد إلى حالة النشاط؛ ما دل على حدوث أمر آخر. ذكر الفريق المختص بالدراسة: «رغم البطء الشديد في العملية، فإن الجرائيم تنقسم وتنمو وليست في حالة سبات رغم الجوع». إن الفارق بالغ الأهمية بين حالة السبات وحالة الدرع الخارجي أو البوغ الداخلي؛ ففي حالة السبات تستمر البكتيريا بالانقسام والنمو ولكن بعملية أبطأ ١٠٠ مرة عن المعتاد، وهذا لا يحدث في حالة البوغ الداخلي.
يقول كبير الباحثين ليندرت هامون Leendert Hamoen من جامعة أمستردام في هولندا: «لقد رأينا اختلافات واضحة بين الحالة النشطة وحالة السبات، وفي هذه الحالة عادة ما تكون العصويات على شكل قضيب، لكن الجراثيم الجائعة تقلصت حتى أصبحت كروية تقريبًا». تبدلت كل العمليات النشطة الاعتيادية في البكتيريا، لكنها لم تتوقف تمامًا كما في حالة التراجع إلى البوغ والسبات. يستهلك تشكيل البوغ الداخلي أو الدرع أيضًا طاقة كبيرة من البكتيريا؛ ما يصعب عليها الاستيقاظ أو التعافي بشكل صحيح، هنا يبدو أن البكتيريا تستطيع العودة من حالة الزومبي بشكل أفضل وبسهولة أكثر، وعلى ما يبدو أنها تستطيع ذلك بعد جرعة من المضادات الحيوية.
يمكن لما سبق أن يساهم في مساعدة الباحثين والعلماء في إيجاد حل لمشكلة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية.
نعتقد أن الدراسات المستقبلية ستعطينا بعض الإجابات لتوضيح كيف ولماذا تلجأ الجراثيم إلى حالة الزومبي . هل من الممكن أن يحدث النمو منخفض التغذية في أنواع أخرى من البكتيريا؟ هذا هو التحدي التالي. تستطيع هذه الكائنات الدقيقة المكونة من خلية واحدة فقط أن تفاجئ العلماء بكثير من أنواع الحيل التي تستخدمها.
يقول هامون: «السؤال الكبير الآن: هل تعرف أنواع البكتيريا الأخرى (غير العصويات) ذلك أيضًا؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا سيغير نظرتنا للبكتيريا بشكل جذري، وسيدل على تمكن البكتيريا من البقاء دون تشكيل أبواغ». إذا عُثر على المزيد من الجراثيم القادرة على التحول إلى هذه الحالة، سيُلقى الضوء على أمور من بينها كيفية تمكن البكتيريا من مقاومة المضادات الحيوية.