رونالد وصابرينا ميكود .. أفغانستان .. حضارة مستمرة
رونالد وصابرینا میکود أو الزوجين ميكود ، يمارسان معاً مهنة التصوير الفوتوغرافي ضمن رحلات لهما في أجزاء بعيدة ونائية لنقل أساليب حياتية لم تصل اليها حضارة العصر الحديث ، خصوصاً بين الهند وافغانستان .
يدور حديثنا في بدايته حول صحراء واسعة تتميز بالوميض ، تجتاحها رياح شتوية مثلجة وتمتد طويلا قبل أن تنتهي الي جبـال هـنـدوكـوش الـرائـعـة والمغطاة بالثلوج .
و امام سفوح هذه الجبال ، تشاهد سلسلة من الأشكال الدقيقة : هم رجال وحيوانات يبـدو عليهم انهم متاثرون بالمنظر الطبيعي المثير للأحاسيس والمحيط بهم ، ولكنـك اذا دققت النظر بهؤلاء عن قرب ، تجـدهم رجالا ملتحفين بالفراء انحنت ظهورهم اتقاء للريح البارد وهم يقودون قافلة من الجمال والخيول المحملة يجتازون بها الصحراء . انها احدى قوافل التتار في واحدة من رحلتين سنويتين الى الجنوب من خلال افغانستان - رحلات لم تتغير الا قليلا منذ مئات السنين .
هذه المشاهـد وما شابهها هي التي يعمل رونالد وصابرينا ميكود على تصويرها بشكل رائع ، فقد أمضى الزوجان ميكـود أربع سنوات ونصف السنة في افغانستان ، يعملان هناك على التقاط روح وجـوهـر الشعب الذي يعيش في مـواطنـه النـائيـة ، وهكـذا شكلت الصـور الفوتوغرافية الجديرة بالاهتمام والتي نتجت عن تلك الزيارة ، الجزء الأكبر من كتاب قوافل التتار ( Caravans of Ta tary )الـذي أكسـب الزوجين ميكود شهرة عالمية .
فالزوجان میکود هما مصوران فوتوغرافيان رحـالـة بالمعنى الكـلي للكلمـة . أمضيـا معظم السنوات العشرين المـاضيـة يقـومـان باستكشافات طويلة الأمد لثقـافـات شرقيـة مختلفة حيث تعرفا على أساليب حيـاتيـة لم تبلغها تقريبـاً تلك التغييرات الهائلة التي حدثت في مناطق أخرى من العالم .
لم يكن هدفهما من السفر مجرد اعتمـاد طريقة مثيرة لكسب لقمة العيش من خـلال التصوير الفوتوغرافي لشعوب ومشاهد غريبة بل العمل بشكل كلي شامل على الاستكشـاف والتصوير للآخرين ، اشياء يعتبرونها ذات أهمية قصوى ـ التناسق الطبيعي بين الانسان وبيئته في مناطق نائية .
للقيام بذلك ، كثيراً ما ضحيا بالرفاهيات ، بـل وبالضرورات الحياتية في بعض الأحيان فعاشا في مناطق نائية بعيدين هكذا عن حسنات ما يسمى بـالـحـيـاة « الحضـاريـة ، حيث شغـلا نفسيهما على الدوام بالثقافة والحياة اليوميـة لشعب يدرسانـه ـ يتعلمان لغتـه ويـحـتـرمـان عاداته .
أما المنفذ الرئيسي لاعمالهما فهو نشرهـا في كتب ومجـلات ، اذ الى جانب كتـاب قـوافـل التتار ، نشرا عدداً من الكتب الجميلة الأخرى نخص منها بالذكر كتابي « افغانستان ، ومـرآة الشرق ( The Mirror of The Orient ) ، الى جانب الكتابة ونشر الصور التوضيحية في عدد لا يحصى من المجلات ، بما في ذلك أعمالا لمجلتي جیو » و « ناشینال جيوغرافيك ..
رغم هذا ، تجدهما نادراً ما يمارسان عملاً بعمولة ، حيث يفضلان تقديم أفكار لمشاريعها الذاتية أو مقالاتهما المنتهية أصلا . سبب ذلـك أن رحلاتهما قد تدوم طيلة أية فترة تتراوح بين بضعة اشهر وبضع سنـوات أمـا العمولة المحددة من مجلة ما أو تاريخ التسليم المحدد منها ، فقد يمنعهما من تكييف فترة مكوثهما مع الظروف أو تغطية أحداث خاصة .
هذا الى جانب أن الأعمال الكثيرة التي جمعا نتائجها على مدى عشرين عـامـا تحقق لهما مدخولا مستمراً ، فمنزلهما في باريس مكدس بصناديق الكاتـالـوكـات ذات الترقيم الدقيق
لشفافيات ملونة , اذ يصر رولاند على الاحتفاظ بلقطات تفصيلية مع تعليقات لكل صورة . كمـا أنهما أثناء الرحلات ، برقمان كل فيلم ويحتفظان بملاحظات لكل الصور التي يحققانها ، انه نظام سـاعـد همـا للـغـايـة ، وما زالت الصـور التي التقطـاهـا منـذ ٢٠ سنة تستعمل في دوائر المعارف « انساكلو بيديـات ، والكتب التعليمية والمجلات ، حيث للمعلومات الدقيقة أهميتها الحاسمة وغالباً ما لا يستعاض عنها .
كذلك لهما عملاء في لندن وباريس يحتفظون بنسخ لأعمالهما ، حيث يتمتعان هكذا بالحرية للسفر دون تجاهل هذا المصدر زللمدخول على انهما نادراً ما يبعدان الشفافيات الأصلية عن عنايتهما الذاتية لشعورهما ان نـوعيـة الطبع والتعامل تراجعت .
وقد تبدلت الأمور عما كانت عليه يوم دخل
الزوجان ميكـود عالم التصوير الفوتوغرافي .
كانت أول رحلة فوتوغرافية لهمـا هـي ١٧ شهراً جـالا خـلالـهـا أفـريـقيـا بسيـارة سيتروين ( 2CV ) صغيرة - مـسـافـران هـكـذا بـالـطـريـقـة الصعبة - وعلى الرغم من تمـتـع رولاند بالتقاط الصور ، نادراً ما اعتبر نفسه مصوراً فوتوغرافيا محترفاً حينذاك ، مع هذا ، كانت تلك الرحلة هي التي وضعت بداية تحـولهما الى فريق فوتوغرافي . ففي قرية زاراها في الصومال كانت هناك منطقة لا يسمح بدخولها الا للنساء . وبذلك استثني رولاند ، فتعلمت صابرينا كيفية التقاط الصور الفوتوغرافية حتى من تسجيل هذه الناحية المثيرة من حياة القرية .
كانت تلك رحلـة أشعلت حمـاسهمـا فبدأ العمل على كسب المال لرحلتهمـا التاليـة حال عودتهما الى باريس .
فحاولا توفير المال بكل طريقة يستطيعـانها ، بما في ذلك بيـع مقالات مدعمة بالصور التوضيحية حـول رحلتهما السابقة نشرت في مجلات . بل وحدث ان ما سجلاه في هذه الرحلة حقق لهما الفوز بجائزة من سيتروين ..
ثم توفر لهمـا المال للتجوال في آسيا طيلـة عام ، بل صار ما اقتصداه في حقيقة الأمر كافياً لقضائهما أربع سنوات ونصف السنـة متنقلين في الأجزاء النائية في افعانستان ، البلد الذي اصبح يمثل جزءاً رئيسياً من حياتهما . فخلال هذه الرحلة ، تأثرا كلياً بجمال تلك البلاد وحياة مواطنيها الى حد أنهما مـا لبثا أن عـادا اليها بضع مرات لتسجيـل الطرق المعيشية هنـاك وظهرت النتائج في بعض اعمالهما الرئيسية .
بين كتبهما الأحدث واحد هو مرأة الشرق احتاج انجازه الى ١٤ سنة ، ويتحدث أحدهما عن هذا الكتاب بشغف قائلا : « أظنـه نوعا من الأعمال التي تمثلنا أفضل تمثيل لأننا في نهاية المطاف لسنا مصورين فوتوغرافيين تماماً ربما بل نحـن رحـالـة نبحث عن الجمال ، عن الحقيقة ..
كل صورة في الكتـاب لـهـا عـلاقـة بـلـوحـة اسلامية صغيرة وقديمة ، والتشابهـات مذهلة ذلك أن الـزوجـين ميكـود تعلقـا بحب هـذه اللوحات على الدوام ، وادهشهمـا الشبه بين محتوياتها وبالحياة اليومية في الشرق حاضرا .
ويقول عنها رولاند « تتميز الحياة اليومية هناك في أيامنا هذه بذات الألوان وذات المواقف وذات التلميحـات كما في اللوحات الصغيرة ... كانت تلـك أعمـالا اعتمـدت كثيراً على الصدفة والظروف ، ولكنها صمدت في رأسي دائماً ..
على ان الانتقاد يـوجـه الى رولاند في بعض
الأحيان لعدم دخوله الكلي الشامل الى الحياة الواقعية لتلك البلاد ، وذلك لأن صـوره لا تعرض الا الجانب الجميل منها ، الا انه بعدما غاص هو وزوجته وابنه في الثقافة الأفغانية وتعلم لغة وعادات البـلاد ، يشعر بالحزن لأن الناس ينظرون اليه هكذا .
وهو يقول :
يخطر لي في بعض الأحيان أن مجـال الاختيار أو الامكانات المتوفرة لا تسمح لي بالتقاط صور من نوع آخر ، وذلك لأنه على دوافعي أن تنبع من الداخل ما يشغل اهتمـامي هو استمرارية حضارة ، فمهم جداً بالنسبة الي ادراكي أنه على مدى ما يزيد عن ٥٠٠ سنة ، ما زال الناس يلبسون بالطريقة ذاتها ، ويتخذون المـواقـع ذاتهـا ويفكرون بـالشكل ذاتـه ويـعـانـون المعضلات ذاتها .
من مشاريع كتبـه الحديثة الأخرى واحد وضـع رولاند تحقيقه على عـائقـه وحـده انـه استكشاف للحياة في كوريا الجنوبية ، كان قد دعي للاقامة هناك من قبـل شقيقه الذي يدرس معالجة الأمراض بوخز الابر ، وما لاحظه هنـاك منذ بداية المطاف هـو أن الثقافة التقليدية اختفت تماماً تقريباً ، الا انه عندما توغل اكثر في اعمـاق البلاد ، أدرك أنهـا تضعـه أمـام نسبـة التحديات ذاتها كما أفغانستان ، ثم عند عودته الى أوروبا ، اكتشف عدم وجـود كـتـب فوتوغرافية عن كوريا الجنوبية ـ كانت هذه أرضا ليست ملموسة . فعاد ليجمـع مزيداً من المواد .
على أن الصور التي اختارها لهذا الكتـاب خلت من لقطات النساء تقريباً ـ شاهد قوي على غياب صابرينا - فعندما يسافران معاً ، تميل هي لتركز على حياة النساء ، معنى هذا ان عملهما كفريق له فائدته الخاصة في مجتمعات يكثر فيها أن يتلاقى الرجـال وحدهم معـا والنساء وحدهن معاً كما في العالم الاسلامي .
وعـلى الـرغـم مـن تشـابـه أسـالـيـبـهـمـا الفوتوغرافية ، يفضلان عدم العمل متقاربين جداً معاً . فأثناء السفر ، يقوم رولاند بانجاز معظم أعمال التصوير الفوتوغرافي ، ولكنهما حالما يستقران ، يبد أن العمـل كل على حدة ـ لا يلتقيـان الا على طاولة الطعـام و في المناسبات العائلية .
يحاولان السفر باخف ماهو ممكن طالما أنهما كثيراً ما يسيران لأميال . وهما يعملان وكل منهما يحمل كاميرتي نيكون ويستعمل عدسات ممكنة التبديل . يحتفظان بمعداتها على انفراد . للوقاية والملاءمة ، وهي عادة بررت ذاتها عندما شرفت معدات صابرينا كلها في افغانستان .
هذا ، وعلى الرغم من امتلاكهمـا لمجمـوعـة كبيرة من العدسات يفضل الـزوجـان ميكـود البقاء ضمن مجال ٣٥ ملم الى ١٨٠ ملم طالما أنهما لا يريدان لصورهمـا ان تتشـوه بـاية طريقة ، ولهذا السبب ذاته يتجنبـان استعمال الفلاش أو المرشحات فيلتقطان صورهما بالنور المتوفر ليسجلا المشاهد طبيعياً .
على ان للتنويـر اهمية قصـوى بـالنسبة لنـوعيـة صـورهـمـا ، ويحدث لهما في بعض الأحيان أن يعودا ثانية وثالثة الى مكان ما حتى تصبح الإنارة مناسبة تماماً ، ففي أفغانستان واد شهير يتميز بوجود انصاب حجرية هائلة لبوذا منحوتة على الواجهة الصخرية هناك . عندما أراد رولاند تصويرها ، وجدها مستحيلة التسجيـل بشكـل جـيـد لعدم وجـود أشعة شمسية مباشرة - تكـون تفاصيل المنحوتة مخفية دائماً ، فادرك انه بحاجة الى نور منعكس ليعرض التفاصيل ، واذ به يعود الى الوادي في أحـد فصـول الشتاء عنـدمـا علم انه سيجد الأرض مغطاة بطبقة ثلجيـة سميكة . وصح ظنـه ، اذ رمى الثلـج مـا يكفي من النـور عـلى المنحوتات لينجح بتصويرها حسبما أراد .
أما الأوقات المفضلة من النهار عندهما فهي الصباح الباكر وأوائل المساء ، عندمـا يـكـون النور في ابدع حالاته ، كذلك يجدان هذا الوقت هو الأفضل لالتقاط جوهـر البلاد ، يقـول رولاند عن ذلك :
ـ في تلك البلدان المحافظة على التقاليد تبدأ الحياة اليومية مبكرة للغاية ، فليس باستطاعتك أن تتفهم الهند على سبيل المثال اذا لم تخرج عند الرابعة أو الخامسة صباحاً لتشاهد الناس .
هذا ، وتحب عائلة ميكود ان تسافر كوحدة كاملة ، هذا التدبير يحقق تلامساً مع الناس هو أعمق من التلامس الذي يتحقق عنـدمـا يسـافر الرجل وحـده او الامراة وحـدها ، فـالـنـاس في المجتمعات المحافظة يستـريـحـون من وجود عائلة ويتقبلونها بمزيد من الاستعداد ـ انه شيء يصعب على معظم الغربيين ان يحققونه كما أنه تدبير يعطيهما مظهر السياح عوضاً عن مصورين فوتوغرافيين او صحافيين ، فيتجنبان هكـذا الكثير من التدابير البيروقراطيـة والشكوك .
ثم عندما يخطط الزوجان ميكـود لرحلـة ماء يغرقان كلياً في البحث والتنظيم طيلة شهـور قبل الانطلاق . يقرا الاثنان كتبـاً مختلفة لتوفير الوقت وتبادل معلومات مفيدة ، كمـا انهمـا ينطلقان في رحلتهما وطريقهمـا مخطط بدقة وتفصيـل ونصب أعينهما فكـرة دقيقة حـول ما هما بصدد عمله .
وأثناء الطريق ، يعتنيـان بـمعـداتهمـا كـل العناية وهمـا عـلى علم بـانـهـا قطـع لا مجـال لتعويضها . فعندما سافرا عبر جبال بـامير في شمال افغانستان اثناء الشتاء ، كان الجو بارداً للغـايـة والى حـد انـه كـان عليهمـا النـوم وكاميرتيهما داخل أكياس النوم معهما . وعوضاً عن الاحتفاظ طويلا بالأفلام المعرضـة ضوئياً يبحثان عن اشخـاص عـائـدين الى أوروبا لارسالها معهم .
ولا يقلقـان بـخصـوص عدم وصول هذه الأفلام الى المكان المقصود ـ ذلك انهمـا يعتمدان النفسية ذاتها في اختيـار مـن يـأتـمنـانـه عـلى افلامهما مثلما يفعلان مع من يطلبان تصويره . ونادراً ما يـواجـهـان بـالاعتذار طـالمـا انهمـا يختاران من يطلبان خدماته بعناية .
تملا السعادة قلبي الزوجين ميكـود دائماً لبدئهما رحلة جديدة ، فهما على علم بالامتياز الذي يحصلان عليـه لاستطاعتهما السفر الى مناطق بعيدة ، ولكنهما على علم بسرعـة زوال هذا الامتياز ايضاً ، ويختتم رولاند :
ـ اذا لم نـعـد مزودين بـالألـوان ، وبـالـنـور وبالخبرة ، نكون قد فقدنا الاستفادة ، نكون قد اضعنا الوقت هدراً⏹
رونالد وصابرینا میکود أو الزوجين ميكود ، يمارسان معاً مهنة التصوير الفوتوغرافي ضمن رحلات لهما في أجزاء بعيدة ونائية لنقل أساليب حياتية لم تصل اليها حضارة العصر الحديث ، خصوصاً بين الهند وافغانستان .
يدور حديثنا في بدايته حول صحراء واسعة تتميز بالوميض ، تجتاحها رياح شتوية مثلجة وتمتد طويلا قبل أن تنتهي الي جبـال هـنـدوكـوش الـرائـعـة والمغطاة بالثلوج .
و امام سفوح هذه الجبال ، تشاهد سلسلة من الأشكال الدقيقة : هم رجال وحيوانات يبـدو عليهم انهم متاثرون بالمنظر الطبيعي المثير للأحاسيس والمحيط بهم ، ولكنـك اذا دققت النظر بهؤلاء عن قرب ، تجـدهم رجالا ملتحفين بالفراء انحنت ظهورهم اتقاء للريح البارد وهم يقودون قافلة من الجمال والخيول المحملة يجتازون بها الصحراء . انها احدى قوافل التتار في واحدة من رحلتين سنويتين الى الجنوب من خلال افغانستان - رحلات لم تتغير الا قليلا منذ مئات السنين .
هذه المشاهـد وما شابهها هي التي يعمل رونالد وصابرينا ميكود على تصويرها بشكل رائع ، فقد أمضى الزوجان ميكـود أربع سنوات ونصف السنة في افغانستان ، يعملان هناك على التقاط روح وجـوهـر الشعب الذي يعيش في مـواطنـه النـائيـة ، وهكـذا شكلت الصـور الفوتوغرافية الجديرة بالاهتمام والتي نتجت عن تلك الزيارة ، الجزء الأكبر من كتاب قوافل التتار ( Caravans of Ta tary )الـذي أكسـب الزوجين ميكود شهرة عالمية .
فالزوجان میکود هما مصوران فوتوغرافيان رحـالـة بالمعنى الكـلي للكلمـة . أمضيـا معظم السنوات العشرين المـاضيـة يقـومـان باستكشافات طويلة الأمد لثقـافـات شرقيـة مختلفة حيث تعرفا على أساليب حيـاتيـة لم تبلغها تقريبـاً تلك التغييرات الهائلة التي حدثت في مناطق أخرى من العالم .
لم يكن هدفهما من السفر مجرد اعتمـاد طريقة مثيرة لكسب لقمة العيش من خـلال التصوير الفوتوغرافي لشعوب ومشاهد غريبة بل العمل بشكل كلي شامل على الاستكشـاف والتصوير للآخرين ، اشياء يعتبرونها ذات أهمية قصوى ـ التناسق الطبيعي بين الانسان وبيئته في مناطق نائية .
للقيام بذلك ، كثيراً ما ضحيا بالرفاهيات ، بـل وبالضرورات الحياتية في بعض الأحيان فعاشا في مناطق نائية بعيدين هكذا عن حسنات ما يسمى بـالـحـيـاة « الحضـاريـة ، حيث شغـلا نفسيهما على الدوام بالثقافة والحياة اليوميـة لشعب يدرسانـه ـ يتعلمان لغتـه ويـحـتـرمـان عاداته .
أما المنفذ الرئيسي لاعمالهما فهو نشرهـا في كتب ومجـلات ، اذ الى جانب كتـاب قـوافـل التتار ، نشرا عدداً من الكتب الجميلة الأخرى نخص منها بالذكر كتابي « افغانستان ، ومـرآة الشرق ( The Mirror of The Orient ) ، الى جانب الكتابة ونشر الصور التوضيحية في عدد لا يحصى من المجلات ، بما في ذلك أعمالا لمجلتي جیو » و « ناشینال جيوغرافيك ..
رغم هذا ، تجدهما نادراً ما يمارسان عملاً بعمولة ، حيث يفضلان تقديم أفكار لمشاريعها الذاتية أو مقالاتهما المنتهية أصلا . سبب ذلـك أن رحلاتهما قد تدوم طيلة أية فترة تتراوح بين بضعة اشهر وبضع سنـوات أمـا العمولة المحددة من مجلة ما أو تاريخ التسليم المحدد منها ، فقد يمنعهما من تكييف فترة مكوثهما مع الظروف أو تغطية أحداث خاصة .
هذا الى جانب أن الأعمال الكثيرة التي جمعا نتائجها على مدى عشرين عـامـا تحقق لهما مدخولا مستمراً ، فمنزلهما في باريس مكدس بصناديق الكاتـالـوكـات ذات الترقيم الدقيق
لشفافيات ملونة , اذ يصر رولاند على الاحتفاظ بلقطات تفصيلية مع تعليقات لكل صورة . كمـا أنهما أثناء الرحلات ، برقمان كل فيلم ويحتفظان بملاحظات لكل الصور التي يحققانها ، انه نظام سـاعـد همـا للـغـايـة ، وما زالت الصـور التي التقطـاهـا منـذ ٢٠ سنة تستعمل في دوائر المعارف « انساكلو بيديـات ، والكتب التعليمية والمجلات ، حيث للمعلومات الدقيقة أهميتها الحاسمة وغالباً ما لا يستعاض عنها .
كذلك لهما عملاء في لندن وباريس يحتفظون بنسخ لأعمالهما ، حيث يتمتعان هكذا بالحرية للسفر دون تجاهل هذا المصدر زللمدخول على انهما نادراً ما يبعدان الشفافيات الأصلية عن عنايتهما الذاتية لشعورهما ان نـوعيـة الطبع والتعامل تراجعت .
وقد تبدلت الأمور عما كانت عليه يوم دخل
الزوجان ميكـود عالم التصوير الفوتوغرافي .
كانت أول رحلة فوتوغرافية لهمـا هـي ١٧ شهراً جـالا خـلالـهـا أفـريـقيـا بسيـارة سيتروين ( 2CV ) صغيرة - مـسـافـران هـكـذا بـالـطـريـقـة الصعبة - وعلى الرغم من تمـتـع رولاند بالتقاط الصور ، نادراً ما اعتبر نفسه مصوراً فوتوغرافيا محترفاً حينذاك ، مع هذا ، كانت تلك الرحلة هي التي وضعت بداية تحـولهما الى فريق فوتوغرافي . ففي قرية زاراها في الصومال كانت هناك منطقة لا يسمح بدخولها الا للنساء . وبذلك استثني رولاند ، فتعلمت صابرينا كيفية التقاط الصور الفوتوغرافية حتى من تسجيل هذه الناحية المثيرة من حياة القرية .
كانت تلك رحلـة أشعلت حمـاسهمـا فبدأ العمل على كسب المال لرحلتهمـا التاليـة حال عودتهما الى باريس .
فحاولا توفير المال بكل طريقة يستطيعـانها ، بما في ذلك بيـع مقالات مدعمة بالصور التوضيحية حـول رحلتهما السابقة نشرت في مجلات . بل وحدث ان ما سجلاه في هذه الرحلة حقق لهما الفوز بجائزة من سيتروين ..
ثم توفر لهمـا المال للتجوال في آسيا طيلـة عام ، بل صار ما اقتصداه في حقيقة الأمر كافياً لقضائهما أربع سنوات ونصف السنـة متنقلين في الأجزاء النائية في افعانستان ، البلد الذي اصبح يمثل جزءاً رئيسياً من حياتهما . فخلال هذه الرحلة ، تأثرا كلياً بجمال تلك البلاد وحياة مواطنيها الى حد أنهما مـا لبثا أن عـادا اليها بضع مرات لتسجيـل الطرق المعيشية هنـاك وظهرت النتائج في بعض اعمالهما الرئيسية .
بين كتبهما الأحدث واحد هو مرأة الشرق احتاج انجازه الى ١٤ سنة ، ويتحدث أحدهما عن هذا الكتاب بشغف قائلا : « أظنـه نوعا من الأعمال التي تمثلنا أفضل تمثيل لأننا في نهاية المطاف لسنا مصورين فوتوغرافيين تماماً ربما بل نحـن رحـالـة نبحث عن الجمال ، عن الحقيقة ..
كل صورة في الكتـاب لـهـا عـلاقـة بـلـوحـة اسلامية صغيرة وقديمة ، والتشابهـات مذهلة ذلك أن الـزوجـين ميكـود تعلقـا بحب هـذه اللوحات على الدوام ، وادهشهمـا الشبه بين محتوياتها وبالحياة اليومية في الشرق حاضرا .
ويقول عنها رولاند « تتميز الحياة اليومية هناك في أيامنا هذه بذات الألوان وذات المواقف وذات التلميحـات كما في اللوحات الصغيرة ... كانت تلـك أعمـالا اعتمـدت كثيراً على الصدفة والظروف ، ولكنها صمدت في رأسي دائماً ..
على ان الانتقاد يـوجـه الى رولاند في بعض
الأحيان لعدم دخوله الكلي الشامل الى الحياة الواقعية لتلك البلاد ، وذلك لأن صـوره لا تعرض الا الجانب الجميل منها ، الا انه بعدما غاص هو وزوجته وابنه في الثقافة الأفغانية وتعلم لغة وعادات البـلاد ، يشعر بالحزن لأن الناس ينظرون اليه هكذا .
وهو يقول :
يخطر لي في بعض الأحيان أن مجـال الاختيار أو الامكانات المتوفرة لا تسمح لي بالتقاط صور من نوع آخر ، وذلك لأنه على دوافعي أن تنبع من الداخل ما يشغل اهتمـامي هو استمرارية حضارة ، فمهم جداً بالنسبة الي ادراكي أنه على مدى ما يزيد عن ٥٠٠ سنة ، ما زال الناس يلبسون بالطريقة ذاتها ، ويتخذون المـواقـع ذاتهـا ويفكرون بـالشكل ذاتـه ويـعـانـون المعضلات ذاتها .
من مشاريع كتبـه الحديثة الأخرى واحد وضـع رولاند تحقيقه على عـائقـه وحـده انـه استكشاف للحياة في كوريا الجنوبية ، كان قد دعي للاقامة هناك من قبـل شقيقه الذي يدرس معالجة الأمراض بوخز الابر ، وما لاحظه هنـاك منذ بداية المطاف هـو أن الثقافة التقليدية اختفت تماماً تقريباً ، الا انه عندما توغل اكثر في اعمـاق البلاد ، أدرك أنهـا تضعـه أمـام نسبـة التحديات ذاتها كما أفغانستان ، ثم عند عودته الى أوروبا ، اكتشف عدم وجـود كـتـب فوتوغرافية عن كوريا الجنوبية ـ كانت هذه أرضا ليست ملموسة . فعاد ليجمـع مزيداً من المواد .
على أن الصور التي اختارها لهذا الكتـاب خلت من لقطات النساء تقريباً ـ شاهد قوي على غياب صابرينا - فعندما يسافران معاً ، تميل هي لتركز على حياة النساء ، معنى هذا ان عملهما كفريق له فائدته الخاصة في مجتمعات يكثر فيها أن يتلاقى الرجـال وحدهم معـا والنساء وحدهن معاً كما في العالم الاسلامي .
وعـلى الـرغـم مـن تشـابـه أسـالـيـبـهـمـا الفوتوغرافية ، يفضلان عدم العمل متقاربين جداً معاً . فأثناء السفر ، يقوم رولاند بانجاز معظم أعمال التصوير الفوتوغرافي ، ولكنهما حالما يستقران ، يبد أن العمـل كل على حدة ـ لا يلتقيـان الا على طاولة الطعـام و في المناسبات العائلية .
يحاولان السفر باخف ماهو ممكن طالما أنهما كثيراً ما يسيران لأميال . وهما يعملان وكل منهما يحمل كاميرتي نيكون ويستعمل عدسات ممكنة التبديل . يحتفظان بمعداتها على انفراد . للوقاية والملاءمة ، وهي عادة بررت ذاتها عندما شرفت معدات صابرينا كلها في افغانستان .
هذا ، وعلى الرغم من امتلاكهمـا لمجمـوعـة كبيرة من العدسات يفضل الـزوجـان ميكـود البقاء ضمن مجال ٣٥ ملم الى ١٨٠ ملم طالما أنهما لا يريدان لصورهمـا ان تتشـوه بـاية طريقة ، ولهذا السبب ذاته يتجنبـان استعمال الفلاش أو المرشحات فيلتقطان صورهما بالنور المتوفر ليسجلا المشاهد طبيعياً .
على ان للتنويـر اهمية قصـوى بـالنسبة لنـوعيـة صـورهـمـا ، ويحدث لهما في بعض الأحيان أن يعودا ثانية وثالثة الى مكان ما حتى تصبح الإنارة مناسبة تماماً ، ففي أفغانستان واد شهير يتميز بوجود انصاب حجرية هائلة لبوذا منحوتة على الواجهة الصخرية هناك . عندما أراد رولاند تصويرها ، وجدها مستحيلة التسجيـل بشكـل جـيـد لعدم وجـود أشعة شمسية مباشرة - تكـون تفاصيل المنحوتة مخفية دائماً ، فادرك انه بحاجة الى نور منعكس ليعرض التفاصيل ، واذ به يعود الى الوادي في أحـد فصـول الشتاء عنـدمـا علم انه سيجد الأرض مغطاة بطبقة ثلجيـة سميكة . وصح ظنـه ، اذ رمى الثلـج مـا يكفي من النـور عـلى المنحوتات لينجح بتصويرها حسبما أراد .
أما الأوقات المفضلة من النهار عندهما فهي الصباح الباكر وأوائل المساء ، عندمـا يـكـون النور في ابدع حالاته ، كذلك يجدان هذا الوقت هو الأفضل لالتقاط جوهـر البلاد ، يقـول رولاند عن ذلك :
ـ في تلك البلدان المحافظة على التقاليد تبدأ الحياة اليومية مبكرة للغاية ، فليس باستطاعتك أن تتفهم الهند على سبيل المثال اذا لم تخرج عند الرابعة أو الخامسة صباحاً لتشاهد الناس .
هذا ، وتحب عائلة ميكود ان تسافر كوحدة كاملة ، هذا التدبير يحقق تلامساً مع الناس هو أعمق من التلامس الذي يتحقق عنـدمـا يسـافر الرجل وحـده او الامراة وحـدها ، فـالـنـاس في المجتمعات المحافظة يستـريـحـون من وجود عائلة ويتقبلونها بمزيد من الاستعداد ـ انه شيء يصعب على معظم الغربيين ان يحققونه كما أنه تدبير يعطيهما مظهر السياح عوضاً عن مصورين فوتوغرافيين او صحافيين ، فيتجنبان هكـذا الكثير من التدابير البيروقراطيـة والشكوك .
ثم عندما يخطط الزوجان ميكـود لرحلـة ماء يغرقان كلياً في البحث والتنظيم طيلة شهـور قبل الانطلاق . يقرا الاثنان كتبـاً مختلفة لتوفير الوقت وتبادل معلومات مفيدة ، كمـا انهمـا ينطلقان في رحلتهما وطريقهمـا مخطط بدقة وتفصيـل ونصب أعينهما فكـرة دقيقة حـول ما هما بصدد عمله .
وأثناء الطريق ، يعتنيـان بـمعـداتهمـا كـل العناية وهمـا عـلى علم بـانـهـا قطـع لا مجـال لتعويضها . فعندما سافرا عبر جبال بـامير في شمال افغانستان اثناء الشتاء ، كان الجو بارداً للغـايـة والى حـد انـه كـان عليهمـا النـوم وكاميرتيهما داخل أكياس النوم معهما . وعوضاً عن الاحتفاظ طويلا بالأفلام المعرضـة ضوئياً يبحثان عن اشخـاص عـائـدين الى أوروبا لارسالها معهم .
ولا يقلقـان بـخصـوص عدم وصول هذه الأفلام الى المكان المقصود ـ ذلك انهمـا يعتمدان النفسية ذاتها في اختيـار مـن يـأتـمنـانـه عـلى افلامهما مثلما يفعلان مع من يطلبان تصويره . ونادراً ما يـواجـهـان بـالاعتذار طـالمـا انهمـا يختاران من يطلبان خدماته بعناية .
تملا السعادة قلبي الزوجين ميكـود دائماً لبدئهما رحلة جديدة ، فهما على علم بالامتياز الذي يحصلان عليـه لاستطاعتهما السفر الى مناطق بعيدة ، ولكنهما على علم بسرعـة زوال هذا الامتياز ايضاً ، ويختتم رولاند :
ـ اذا لم نـعـد مزودين بـالألـوان ، وبـالـنـور وبالخبرة ، نكون قد فقدنا الاستفادة ، نكون قد اضعنا الوقت هدراً⏹
تعليق