روجر بيترسون .. يراقب الطيور بمنظار فني
روجر توري بيترسون مصور له اختصاصه المميز في مجال تصوير الطبيعة ، وتحديداً الطيور ، ولمزيد من الدقة نقول انه شبه متخصص بأنواع فريدة من هذه الطيور .
حدث ذلك عام ١٩٤٢ ، مباشرة بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية
وارتفاع التوتر الى اشده فيها ومنذ ظهور غواصة المانية على منای من راس لونغ آيلاند في نيويورك ، بدا المواطنون في سيفورد يشاهدون الجواسيس في كل مكان ، ولا عجب أن ذلك الرجل الرفيع الطويل صاحب المظهر الجرماني آثار الشكوك وهو يحمل كاميرته الكبيرة . كان شبه مختبيء وراء أغصان شجـرة قـابعـا هنـاك على باب حظيرة ، مرفوعاً على حصان خشبي يعلو بضع اقدام عن الأرض . كانت كاميرا المنظر الواحد القديمة لديه مركزة على ركيزة خشبية ثلاثية الأرجل وقد لاحظ رجل البوليس ، الذي أرسل للاستفسار ، وجود عش عصافير على غصن تحت الباب ، فطرح السؤال المعهود . اجـاب الرجل انه يصور عصافير الحسون .
على ان الجواب زاد رجـل البـوليس ريبـة وحذراً ، ففي وقت سابق من ذات النهار ، قابـل مصـوراً فـوتـوغـرافيـا غيـره يسعى وراء الحساسين ، مما زاده شكوكاً .
وعندما سمع الرجل القابع على باب الحظيرة عن ذلك الحدث السابق ، سـال عما إذا كـان المصور الفوتوغرافي الأول يحمل كتاباً معه .
اجابه رجل البوليس : نعم ..
فابتسم المصور الفوتوغرافي وشرح قائلا ان الكتاب يذكر سيفورد على أنها مكان محتمـل لتعشيش الحساسين .
وسـال رجـل البوليس الغريب عن كيفية معرفته ذلك القدر عن هذا الكتاب .
فاجاب المصور الفوتوغرافي ، أنا كتبته ، .
هكذا هم مراقبو الطيور المتخصصون يعرف عنهم انهم يسارعون على الفـور حـال علمهم
بمشاهدة نوع من الطيور يتشوقون اليه ، لذلك ليس مستغرباً من واحد او اثنين أن يتجاهلوا الجهود الحربية بحثاً عن عش حسون ، بل ويقل الاستغراب عندما يتحول هؤلاء الى روجرتوري بيترسون سعيا وراء النصيحـة ، طالما أن بيترسون ، ذلك الرجل الطويل القابع على باب الحظيرة هو مؤلف الكتاب فعلا ـ بـل المؤلف لمجمـوعـة كتب في الحقيقة ـ فبين مـلايين المؤلفات الارشادية عن الطبيعة والطيور مما يباع كل عام ، تظل أعمال بيترسون هي الكتب المعيارية منذ أكثر من ٥٠ سنة حتى الآن .
فكتابه الأول ( A field Guide of the birds ) الذي نشر عام 1934 هو احد الكتب الأكثر مبيعاً على الاطلاق ، يوجد منه الآن أكثر من ثلاثة ملايين نسخة . اما الكتب اللاحقة التي ألفها بيترسون او قدم لها ، فقد باعت أكثر من عشرة ملايين نسخة .
مثلما هي حال الافكار الكبيرة ، يبدو ما فعله بيترسون واضحاً من حيث استعادة الذكريات .
ففي الأيام السالفة عندما كان في ريعان الشباب كانت الأداة الرئيسية لعالم الطيور هذا هي بندقية . كان مراقبـو الطيور القدامى هؤلاء يصطادون الطيور ، ثم يبـطحونها على طبق عينات ويأخذون الى استكشافها ودراستها .
هذا ذاته كان التدبير الذي يلجا اليـه رسـامـوا الطيور : فقد قبل عن جيمس أودوبون انه كان يقتل مائة طير يومياً ، ثم يستعملها كنماذج للوحاته .
ثم انطلق بيترسون وراء وسيلة بذات الدقة ولكنها أكثر انسانية للتعرف على الطيور . كانت وسيلته هذه ناجحة بالفعل . فمـع اختراع المنظار ذي العدسة المنشوريـة ، أصبح الأسلوب كمـا يصـفـه بيتـرسـون عبـارة عن تبسيط بصري يجعلك قادراً بسهولة على تمييز الطير بين كل الطيور الأخـرى بلمحة بصر ، مهما كان البعد ، . ولاثبات ذلك ، صنع لوحات مفضلة جدا فيها أسهم تشير الى المزايا الرئيسية في كل فصيلة هـذا ، وقـد تعلم بيترسون أن يعتمد على صورة الفوتوغرافية الى حد ما لصنع تلك اللوحات ، فهو مصور فوتوغرافي ماهر كذلك رغم أن هذا ليس معروفاً بالنسبة للكثيرين .
ففي الربيع الماضي على سبيل المثـال وبينما هو مسافر الى افريقيا الشرقية وجزر غالاباغوس وخليج هدسون ، التقط بيترسون ما يزيد على ۷۰۰۰ سلايد . ويقدر ان أرشيفه يحتوي على ١٠٠ ألف سلايد ، بما في ذلك عشرة آلاف لقطة على الأقل لطيور البطريق . وبينما نجد معظم كتب بيترسون مزينة بـولحاتـه او رسـومـه ، يحتوي بعضها على صورة الفوتوغرافية كذلك . فكتابه « طيور فوق أمريكا الذي نشر عام ١٩٤٨ ، جاء مدعماً بأكثر من ١٠٠ صورة بيضاء سوداء من صنعه دون اية لوحة على الإطلاق .
ذلك أن التصوير الفوتوغرافي يلعب بالفعل دوراً مزدوجاً في حياة ومهنة روجـر تـوري بيترسون ، فهو يستعمل هذا المجال كاداة علمية ووسيلة للتعبير الفني في ذات الوقت .
انه في السابعة والسبعين الآن وقد خلف وراءه ٦٠ سنة من التصوير الفوتوغرافي للطيور ، وما زال يلتقط الصور أكثر وأكثر ، وهو يقول :
اصبحت جديا أكثر بكثير في الآونة الأخيرة لأن التصوير الفـوتـوغـرافـي هـو اسلوبي العلاجي ، فهو يمتعني ، كما أنه يساعدني على المشاهدة بالفعل .
بدأ بيترسون عمله كمصور فوتوغرافي في ذات الوقت تقريباً من بدأ يرسم في اوائل مراهقته ، وكانت كاميرته الأولى هي « بريمو ، ، قطعة ضخمة ولكنها جيدة النوعية تعمل بلوحات زجاج ٤ × ٥ بوصة ، أما توفيره المال لشراء هذه الكاميرا فكان من خلال عمله كموزع صباحي للصحف طوال عام كامل ومنذ صغره كان قلقاً على أدواته شغوفاً بها ، ففي صـورة أخذت له حينذاك ، يظهر جانبيا كصبي طويـل قوي العزيمة جالس على الأرض متعبط بكاميرته مع كيس وكاميرا أخرى على الأرض أمامه .
ولم يطل الأمر بالمصور الفوتوغرافي الشاب ليعثر على مادته ، وهو يقول :
- أول طائر صورته كان بوماً صياحاً التقطه أحد الأولاد المحليين ، ربطنا سلكاً حول رجله بحيث لم يعد قادراً على الطيران ، وركزناه بشكل يظهره دون السلك ، انه تدبير لم الجا الى تكراره أبدأ بعد ذلك ، ولكنها كانت محاولتي الأولى .
على أن هذه البداية الشاذة أثبتت فيه ما يكفي من بعد الخيال ، وثابر بيترسون على تصوير الطيور مندرجاً به نحو كاميرات أفضل وأقدر من اوتوغراف ( X ) الى سبيد غرافيك الى هاسيلبلاد ونيكونز ، كما تعلم أساليب عمل أكثر كفاءة ، واليوم ، يستطيع بكل استعداد ان يفصـل أدق الفروقات بين الفـوجـيـكـروم والإكتاكروم على سبيل المثال ، كما أنه يتحول دائما ليعمل باحدث الكاميرات .
لديـه اجهـزة نيكون ، و ، اوليمـبـاس كاملة ، رغم اعترافـه انـه ليس بحاجة الى الاثنين ، فمثلما هو حال معظم عشاق الكاميرا نجد لديه من المعدات أكثر مما ينبغي بكثير سبب ذلك في جزء منه مجرد حبه لأن يتلاعب باستعمالاتها .
فالعلاقة بين الأسلوب والمعدات ليست مهمة على الاطلاق ، ويقول بيترسون ان التصوير الفوتوغرافي للطيور هو اليوم أسهل مما كان عليه بسبب الأجهزة تحت الحمراء واجـهـزة التحكم عن بعد أساساً فالمحاولات القديمة لتصوير الطيور من مسافة بعيدة كانت بدائية حينذاك . وفي أواسـط تسعيـنـات القـرن الماضي ، قام الانكليزيان اولیفر ج بايك ور ب ، لودج الرائـدان فـي التـصـويـر الفوتوغرافي للطيور ، بتصميم عملية - إطلاق اوتوماتيكي ، يعمل بواسطة الطيور عندما تحط في أعشاشها . ويتذكر بيترسون قائلا :
ـ الأمر ببساطة يعتمد على وضع سلك على مطلق المغلاق يسحب المسكة الصغيرة الى الأسفل . ثم تسارع نحو الطير ونخيفه فيهرب . ويقع ساعة أخرى بانتظار عودته .
هذا ، وعلى الرغم من ترحيب بيتـرسـون وتمنعه بالتكنولوجيا الجديدة التي أصبحت متوفرة لمصوري الطيور فوتوغرافياً ، يقلقه أن السهولة تولد الكسل . فالادوات الأكثر أهمية بالنسبة لمصور فوتوغرافي جيد يعمل على الطيـور هي الصبر ومعرفة الموضوع وهو يقول :
ـ يتم أفضل تصوير فوتوغرافي للحيـاة الضارية على يد اشخاص يلتزمون بالموضوع ولا يتجولون باحثين عنه .
ليس باستطاعة أحد اتهام بيترسون انه بنجول لاختيار موضوعه : موضوعه محصـور بالطيور تقریباً فقط ، دون فراشات ومواضيـع طبيعية أخرى يقذفها في صوره حيناً بعد حين . مؤثراته الفنية كما يقول تـاتيه من مصورين فوتوغرافيين ورسامين للطبيعة أمثال آرثر ! - آلان - أحد مصوري ، نـاشينال جيوغرافيك . القدامى ، وروبرت بيتمـان ، مصـور الطيـور الكندي ، وعلى الرغم من اطلاعه على اعمـال مصورين فوتوغرافيين آخرين ـ كان ومـا زال موضوع وجهيـات لمشاهير من أمثال الفريد ایزینشتاندت وجوزيف كارش ـ يقول ان اعمالهم لا تؤثر فيه بأية طريقة يعرفها .
ما يؤثر على اعماله فعلا هو ادواره الثنائية كعالم وفنان - فلوحاته وصوره الفوتوغرافية مكرسة للتفاصيل . صورة الفوتوغرافية حادة البروز دقيقة وغنية بالألوان والتدرج اللوني كما انها معلوماتية جدا بخصوص الطيور التي تظهر فيها . أما العنصر التجريدي والتجريبي فهو منهج له قيمة كبيرة عندما يكون الفن هو الهدف النهائي ، الا أنه عنصر لا يتقدم باية مساعدة عنـدمـا نـكـون بـحـاجـة الى وصف الفروقات بين صقر من نوع الهارلان أحمر الذيل وآخر من نوع الكريدر احمل الذيل ايضاً .
ولكن هـل الفارق بين اللوحـات والصـور الفوتوغرافية قوي وسريع دائمـاً .. ؟ في السنوات الأولى من العمل ، كان بيتـرسـون صارماً بالفعل عندما يتعلق الأمر باستخدامه الكاميرا لمجرد تسجيل تفاصيل ومعلومات فقط ، وترك للوحته ان تقوم بالتفسير الابداعي .
كتب مرة يقول :
ـ اللوحة هي محتوي ينبع من خبرة الفنان .
أما الصورة الفوتوغرافية فهي عرضة لتقلبـات الألوان والحرارة وصناعة الفيلم والوقت من النهـار وزاوية المشـاهـدة ومهارة المصدر الفوتوغرافي ومجرد الخـط بحد ذاته . للفنان اختيارات أكثر ومجال تحكم أكبر وبينما يمكن للصورة الفوتوغرافية أن تتمتع بفورية حية ، ياتي الرسم الجيد ليكون أكثر ارشاداً .
على أنه أصبح أكثر استرخاءاً في السنوات
الأخيرة ووسّـع مـوقـفـه مـن الـتـصـويـر الفوتوغرافي ، ويقول اليوم :
- هدفي : استخدام الكاميرا لاختبار وقفة أو بنية نوع ما حتى اصل الى شخصيته هناك من الطيـور ما هي متشابهة جـدأ : فباستطاعة الفوارق بين طيور الطيطوي أن تكون دقيقة جدا عندما تحاول ان تخططها في الطبيعة ، وهذا يعني ان الصورة الفوتوغرافية تساعد جدا لتظهر بدقة مدى انحدار المنقار أو إذا كان هذا مستوياً او مرفوعاً ـ أشياء من هذا القبيل .
يقول بيترسون انه من المحتمـل للتصوير الفوتوغرافي في المستقبل أن يلعب دوراً أكبر في أعمـالـه : فهـو يستعمله لمـواجـهـة بعض المعضلات التي تعترضه مع لوحـاته - نشـاط الابعاد الثلاثة ، والحـركـة في الفضـاء . والمزاج - وبينما يثابر بيترسون على توريط نفسـه أكثـر فـاكـثـر في المعضـلات الفـنـيـة ذات المستويات الجمـاليـة التي تتميز بها لوحاته . على ان تكريس نفسه لحبه الأول يؤكد الكلاسيكية لصنع الصور الفوتوغرافية ، يبدو ماموناً منا ان نتكهن بانه سيبذل جهده لبلوغ لقرائه ان الدقة سوف تتغلب على الجمال الذي يصنـع لذاته ، ففي صـور بـيتـرسـون الفوتوغرافية كما في لوحاتـه ، سوف تظهر الحساسين كحساسين دائماً .
وهذا هو كل ما يسعى اليه سيد عشاق الطيور في امريكا⏹
روجر توري بيترسون مصور له اختصاصه المميز في مجال تصوير الطبيعة ، وتحديداً الطيور ، ولمزيد من الدقة نقول انه شبه متخصص بأنواع فريدة من هذه الطيور .
حدث ذلك عام ١٩٤٢ ، مباشرة بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية
وارتفاع التوتر الى اشده فيها ومنذ ظهور غواصة المانية على منای من راس لونغ آيلاند في نيويورك ، بدا المواطنون في سيفورد يشاهدون الجواسيس في كل مكان ، ولا عجب أن ذلك الرجل الرفيع الطويل صاحب المظهر الجرماني آثار الشكوك وهو يحمل كاميرته الكبيرة . كان شبه مختبيء وراء أغصان شجـرة قـابعـا هنـاك على باب حظيرة ، مرفوعاً على حصان خشبي يعلو بضع اقدام عن الأرض . كانت كاميرا المنظر الواحد القديمة لديه مركزة على ركيزة خشبية ثلاثية الأرجل وقد لاحظ رجل البوليس ، الذي أرسل للاستفسار ، وجود عش عصافير على غصن تحت الباب ، فطرح السؤال المعهود . اجـاب الرجل انه يصور عصافير الحسون .
على ان الجواب زاد رجـل البـوليس ريبـة وحذراً ، ففي وقت سابق من ذات النهار ، قابـل مصـوراً فـوتـوغـرافيـا غيـره يسعى وراء الحساسين ، مما زاده شكوكاً .
وعندما سمع الرجل القابع على باب الحظيرة عن ذلك الحدث السابق ، سـال عما إذا كـان المصور الفوتوغرافي الأول يحمل كتاباً معه .
اجابه رجل البوليس : نعم ..
فابتسم المصور الفوتوغرافي وشرح قائلا ان الكتاب يذكر سيفورد على أنها مكان محتمـل لتعشيش الحساسين .
وسـال رجـل البوليس الغريب عن كيفية معرفته ذلك القدر عن هذا الكتاب .
فاجاب المصور الفوتوغرافي ، أنا كتبته ، .
هكذا هم مراقبو الطيور المتخصصون يعرف عنهم انهم يسارعون على الفـور حـال علمهم
بمشاهدة نوع من الطيور يتشوقون اليه ، لذلك ليس مستغرباً من واحد او اثنين أن يتجاهلوا الجهود الحربية بحثاً عن عش حسون ، بل ويقل الاستغراب عندما يتحول هؤلاء الى روجرتوري بيترسون سعيا وراء النصيحـة ، طالما أن بيترسون ، ذلك الرجل الطويل القابع على باب الحظيرة هو مؤلف الكتاب فعلا ـ بـل المؤلف لمجمـوعـة كتب في الحقيقة ـ فبين مـلايين المؤلفات الارشادية عن الطبيعة والطيور مما يباع كل عام ، تظل أعمال بيترسون هي الكتب المعيارية منذ أكثر من ٥٠ سنة حتى الآن .
فكتابه الأول ( A field Guide of the birds ) الذي نشر عام 1934 هو احد الكتب الأكثر مبيعاً على الاطلاق ، يوجد منه الآن أكثر من ثلاثة ملايين نسخة . اما الكتب اللاحقة التي ألفها بيترسون او قدم لها ، فقد باعت أكثر من عشرة ملايين نسخة .
مثلما هي حال الافكار الكبيرة ، يبدو ما فعله بيترسون واضحاً من حيث استعادة الذكريات .
ففي الأيام السالفة عندما كان في ريعان الشباب كانت الأداة الرئيسية لعالم الطيور هذا هي بندقية . كان مراقبـو الطيور القدامى هؤلاء يصطادون الطيور ، ثم يبـطحونها على طبق عينات ويأخذون الى استكشافها ودراستها .
هذا ذاته كان التدبير الذي يلجا اليـه رسـامـوا الطيور : فقد قبل عن جيمس أودوبون انه كان يقتل مائة طير يومياً ، ثم يستعملها كنماذج للوحاته .
ثم انطلق بيترسون وراء وسيلة بذات الدقة ولكنها أكثر انسانية للتعرف على الطيور . كانت وسيلته هذه ناجحة بالفعل . فمـع اختراع المنظار ذي العدسة المنشوريـة ، أصبح الأسلوب كمـا يصـفـه بيتـرسـون عبـارة عن تبسيط بصري يجعلك قادراً بسهولة على تمييز الطير بين كل الطيور الأخـرى بلمحة بصر ، مهما كان البعد ، . ولاثبات ذلك ، صنع لوحات مفضلة جدا فيها أسهم تشير الى المزايا الرئيسية في كل فصيلة هـذا ، وقـد تعلم بيترسون أن يعتمد على صورة الفوتوغرافية الى حد ما لصنع تلك اللوحات ، فهو مصور فوتوغرافي ماهر كذلك رغم أن هذا ليس معروفاً بالنسبة للكثيرين .
ففي الربيع الماضي على سبيل المثـال وبينما هو مسافر الى افريقيا الشرقية وجزر غالاباغوس وخليج هدسون ، التقط بيترسون ما يزيد على ۷۰۰۰ سلايد . ويقدر ان أرشيفه يحتوي على ١٠٠ ألف سلايد ، بما في ذلك عشرة آلاف لقطة على الأقل لطيور البطريق . وبينما نجد معظم كتب بيترسون مزينة بـولحاتـه او رسـومـه ، يحتوي بعضها على صورة الفوتوغرافية كذلك . فكتابه « طيور فوق أمريكا الذي نشر عام ١٩٤٨ ، جاء مدعماً بأكثر من ١٠٠ صورة بيضاء سوداء من صنعه دون اية لوحة على الإطلاق .
ذلك أن التصوير الفوتوغرافي يلعب بالفعل دوراً مزدوجاً في حياة ومهنة روجـر تـوري بيترسون ، فهو يستعمل هذا المجال كاداة علمية ووسيلة للتعبير الفني في ذات الوقت .
انه في السابعة والسبعين الآن وقد خلف وراءه ٦٠ سنة من التصوير الفوتوغرافي للطيور ، وما زال يلتقط الصور أكثر وأكثر ، وهو يقول :
اصبحت جديا أكثر بكثير في الآونة الأخيرة لأن التصوير الفـوتـوغـرافـي هـو اسلوبي العلاجي ، فهو يمتعني ، كما أنه يساعدني على المشاهدة بالفعل .
بدأ بيترسون عمله كمصور فوتوغرافي في ذات الوقت تقريباً من بدأ يرسم في اوائل مراهقته ، وكانت كاميرته الأولى هي « بريمو ، ، قطعة ضخمة ولكنها جيدة النوعية تعمل بلوحات زجاج ٤ × ٥ بوصة ، أما توفيره المال لشراء هذه الكاميرا فكان من خلال عمله كموزع صباحي للصحف طوال عام كامل ومنذ صغره كان قلقاً على أدواته شغوفاً بها ، ففي صـورة أخذت له حينذاك ، يظهر جانبيا كصبي طويـل قوي العزيمة جالس على الأرض متعبط بكاميرته مع كيس وكاميرا أخرى على الأرض أمامه .
ولم يطل الأمر بالمصور الفوتوغرافي الشاب ليعثر على مادته ، وهو يقول :
- أول طائر صورته كان بوماً صياحاً التقطه أحد الأولاد المحليين ، ربطنا سلكاً حول رجله بحيث لم يعد قادراً على الطيران ، وركزناه بشكل يظهره دون السلك ، انه تدبير لم الجا الى تكراره أبدأ بعد ذلك ، ولكنها كانت محاولتي الأولى .
على أن هذه البداية الشاذة أثبتت فيه ما يكفي من بعد الخيال ، وثابر بيترسون على تصوير الطيور مندرجاً به نحو كاميرات أفضل وأقدر من اوتوغراف ( X ) الى سبيد غرافيك الى هاسيلبلاد ونيكونز ، كما تعلم أساليب عمل أكثر كفاءة ، واليوم ، يستطيع بكل استعداد ان يفصـل أدق الفروقات بين الفـوجـيـكـروم والإكتاكروم على سبيل المثال ، كما أنه يتحول دائما ليعمل باحدث الكاميرات .
لديـه اجهـزة نيكون ، و ، اوليمـبـاس كاملة ، رغم اعترافـه انـه ليس بحاجة الى الاثنين ، فمثلما هو حال معظم عشاق الكاميرا نجد لديه من المعدات أكثر مما ينبغي بكثير سبب ذلك في جزء منه مجرد حبه لأن يتلاعب باستعمالاتها .
فالعلاقة بين الأسلوب والمعدات ليست مهمة على الاطلاق ، ويقول بيترسون ان التصوير الفوتوغرافي للطيور هو اليوم أسهل مما كان عليه بسبب الأجهزة تحت الحمراء واجـهـزة التحكم عن بعد أساساً فالمحاولات القديمة لتصوير الطيور من مسافة بعيدة كانت بدائية حينذاك . وفي أواسـط تسعيـنـات القـرن الماضي ، قام الانكليزيان اولیفر ج بايك ور ب ، لودج الرائـدان فـي التـصـويـر الفوتوغرافي للطيور ، بتصميم عملية - إطلاق اوتوماتيكي ، يعمل بواسطة الطيور عندما تحط في أعشاشها . ويتذكر بيترسون قائلا :
ـ الأمر ببساطة يعتمد على وضع سلك على مطلق المغلاق يسحب المسكة الصغيرة الى الأسفل . ثم تسارع نحو الطير ونخيفه فيهرب . ويقع ساعة أخرى بانتظار عودته .
هذا ، وعلى الرغم من ترحيب بيتـرسـون وتمنعه بالتكنولوجيا الجديدة التي أصبحت متوفرة لمصوري الطيور فوتوغرافياً ، يقلقه أن السهولة تولد الكسل . فالادوات الأكثر أهمية بالنسبة لمصور فوتوغرافي جيد يعمل على الطيـور هي الصبر ومعرفة الموضوع وهو يقول :
ـ يتم أفضل تصوير فوتوغرافي للحيـاة الضارية على يد اشخاص يلتزمون بالموضوع ولا يتجولون باحثين عنه .
ليس باستطاعة أحد اتهام بيترسون انه بنجول لاختيار موضوعه : موضوعه محصـور بالطيور تقریباً فقط ، دون فراشات ومواضيـع طبيعية أخرى يقذفها في صوره حيناً بعد حين . مؤثراته الفنية كما يقول تـاتيه من مصورين فوتوغرافيين ورسامين للطبيعة أمثال آرثر ! - آلان - أحد مصوري ، نـاشينال جيوغرافيك . القدامى ، وروبرت بيتمـان ، مصـور الطيـور الكندي ، وعلى الرغم من اطلاعه على اعمـال مصورين فوتوغرافيين آخرين ـ كان ومـا زال موضوع وجهيـات لمشاهير من أمثال الفريد ایزینشتاندت وجوزيف كارش ـ يقول ان اعمالهم لا تؤثر فيه بأية طريقة يعرفها .
ما يؤثر على اعماله فعلا هو ادواره الثنائية كعالم وفنان - فلوحاته وصوره الفوتوغرافية مكرسة للتفاصيل . صورة الفوتوغرافية حادة البروز دقيقة وغنية بالألوان والتدرج اللوني كما انها معلوماتية جدا بخصوص الطيور التي تظهر فيها . أما العنصر التجريدي والتجريبي فهو منهج له قيمة كبيرة عندما يكون الفن هو الهدف النهائي ، الا أنه عنصر لا يتقدم باية مساعدة عنـدمـا نـكـون بـحـاجـة الى وصف الفروقات بين صقر من نوع الهارلان أحمر الذيل وآخر من نوع الكريدر احمل الذيل ايضاً .
ولكن هـل الفارق بين اللوحـات والصـور الفوتوغرافية قوي وسريع دائمـاً .. ؟ في السنوات الأولى من العمل ، كان بيتـرسـون صارماً بالفعل عندما يتعلق الأمر باستخدامه الكاميرا لمجرد تسجيل تفاصيل ومعلومات فقط ، وترك للوحته ان تقوم بالتفسير الابداعي .
كتب مرة يقول :
ـ اللوحة هي محتوي ينبع من خبرة الفنان .
أما الصورة الفوتوغرافية فهي عرضة لتقلبـات الألوان والحرارة وصناعة الفيلم والوقت من النهـار وزاوية المشـاهـدة ومهارة المصدر الفوتوغرافي ومجرد الخـط بحد ذاته . للفنان اختيارات أكثر ومجال تحكم أكبر وبينما يمكن للصورة الفوتوغرافية أن تتمتع بفورية حية ، ياتي الرسم الجيد ليكون أكثر ارشاداً .
على أنه أصبح أكثر استرخاءاً في السنوات
الأخيرة ووسّـع مـوقـفـه مـن الـتـصـويـر الفوتوغرافي ، ويقول اليوم :
- هدفي : استخدام الكاميرا لاختبار وقفة أو بنية نوع ما حتى اصل الى شخصيته هناك من الطيـور ما هي متشابهة جـدأ : فباستطاعة الفوارق بين طيور الطيطوي أن تكون دقيقة جدا عندما تحاول ان تخططها في الطبيعة ، وهذا يعني ان الصورة الفوتوغرافية تساعد جدا لتظهر بدقة مدى انحدار المنقار أو إذا كان هذا مستوياً او مرفوعاً ـ أشياء من هذا القبيل .
يقول بيترسون انه من المحتمـل للتصوير الفوتوغرافي في المستقبل أن يلعب دوراً أكبر في أعمـالـه : فهـو يستعمله لمـواجـهـة بعض المعضلات التي تعترضه مع لوحـاته - نشـاط الابعاد الثلاثة ، والحـركـة في الفضـاء . والمزاج - وبينما يثابر بيترسون على توريط نفسـه أكثـر فـاكـثـر في المعضـلات الفـنـيـة ذات المستويات الجمـاليـة التي تتميز بها لوحاته . على ان تكريس نفسه لحبه الأول يؤكد الكلاسيكية لصنع الصور الفوتوغرافية ، يبدو ماموناً منا ان نتكهن بانه سيبذل جهده لبلوغ لقرائه ان الدقة سوف تتغلب على الجمال الذي يصنـع لذاته ، ففي صـور بـيتـرسـون الفوتوغرافية كما في لوحاتـه ، سوف تظهر الحساسين كحساسين دائماً .
وهذا هو كل ما يسعى اليه سيد عشاق الطيور في امريكا⏹
تعليق