نصر علي ميكائيل.. الشاعر الذي شدا بقصائده كبار المطربين وعزف عن طباعتها
تشرين- سامر الشغري:
للشعر في أرض الشام حكاية لا تنتهي، فالشعر شامي وشعراؤه مقدّمون على سائر البلدان كما رأى ذلك الثعالبي، ولأنهم الأغزر في العدد والنوع سنظل نقرأ لشعراء قصائد مترفة الجمال لشعراء بعيدين عن دائرة الضوء، من غير أن يؤثر ذلك في تدفق إبداعهم، ومن هؤلاء الشاعر نصر علي ميكائيل.
نصر هو من أبناء ريفنا المغرق في غناه وبساطته، والطيار المقاتل في صفوف الجيش العربي السوري الذي جرح وهو يذود عن سماء الوطن في حرب تشرين التحريرية، والمحامي الذي لم تثنه إصابته عن دراسة القانون والانتصار للمظلومين، وقبل ذلك وبعده هو الشاعر الذي صدح بقصائده على المنابر وغنّاها كبار مطربي الزمن الجميل.
بداية نصر مع الشعر كانت في المرحلة الإعدادية عندما كتب مقطوعة زجلية أسمعها لوالده الذي أثنى عليه ووصفه بالشاعر، ففرح بها هذا الفتى اليافع وتركت أثراً محرضاً في نفسه كي يكتب ويحصل على المزيد من الثناء.. لقد تأثر نصر أيضاً ببيئته الريفية فوصف حالاتها ومنغصاتها، ثم أخذ يغني تجربته من تجربته ومن معاناة الآخرين، وآمن بأن الشاعر يؤثر بالنفس من خلال الكلمة الصادرة عنه سواء إن كانت إيجابية أم سلبية، حيث ستلفت القارئ ويبحث عن قائلها.
وعندما سألته عن المقومات التي يركز عليها في شعره أجابني بأنه الصدق والوضوح، والشاعر برأيه إذا أراد أن يكون محبوباً فعليه أن يكون صادقاً، وحتى يفهم صدقه الآخرون يجب أن يكتب بكلمات بسيطة وذات دلالة يفهمها البسطاء، ومن أجل ذلك حرص على أن تكون مفرداته سهلة وتحمل الدلالة نحو الغاية.
ويقر الشاعر بميله للغنائية، فهو يحب الموسيقا ويحرص على أن تكون كلماته المترادفة تعزف لحناً، لذلك بدأ في أول مشواره بكتابة الأغنية والوطنية بشكل خاص لأن عشق الوطن متغلغل فينا، وله في هذا الصدد ثلاث أغنيات وطنية مسجلة في إذاعة دمشق جميعها من ألحان الموسيقار الراحل سهيل عرفة، الأولى “تشارين الغار” للمطرب فهد بلان والثانية “وصية أب” غناء الفنان مصطفى نصري والثالثة “حيوا الأبطال” للمطرب داود رضوان.
ونصر كحال العديد من الشعراء الذين جمعوا بين دراسة الحقوق وكتابة القصيدة، ووجد في العمل بالمحاماة سبيلاً لتأمين رزقه وفي الشعر منفذاً ليعبّر عن مشاعره، غير أن القاسم المشترك الأكبر بين هذين العملين المتنافرين كان الصدق والكلمة الصادقة البسيطة والسهلة التي تترجم إحساسه وتصل إلى متلقيها.. ورغم إنتاجه الغزير والقديم فإن نصر لم يسعَ إلى طباعة ما كتب في ديوان لأن الطباعة عنده ليست هدفاً ولا غاية، والمهم برأيه ما يطبع في روح ونفس المتلقي، عندما يجد ما يكتب من نص أو أغنية أو مقطوعة زجلية في صفحته بوسائل التواصل الاجتماعي الفيسبوكية نال صدى عند زوار الصفحة وأصدقائه ما يشجعه على الاستمرار في الكتابة.
ويحظى الشعر المحكي والأغنية بشكل خاص بالمكانة الفضلى في قلب نصر، لأنه بجدها الأسهل تعبيراً والترجمة الحقيقية عن إحساسه وشعوره وعما يجول في خاطره.. ونشتم في قصائد نصر الفصيحة والمحكية رائحة التراث وصدى الموال وهو أمر يؤكده لأنه كما يصف نفسه فلاح وابن فلاح عاش فوق أرض طوعها ببنانه لتعطي الخير، رغم ما ذاق عليها من مرارة الفقر والظلم والقهر والتعب والحرمان.
نصر الذي تحمل معظم قصائده قصة أو تطرح موضوعاً معيناً لا يعير جماهيرية الشاعر أهمية كبيرة، فهي بنظره مسألة نسبية لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فهناك من يستمتع بالكلمة ويقف عندها ويعشقها، وهناك من يمر عليها مرور الكرام.
ويختم الشاعر نصر حديثه حول نظرته للشعر ومستقبله في قادمات الأيام بالقول: “الشعر ديوان العرب وكذلك سيبقى، ليسجل أحاسيس وشعوراً في برهة معينة، ويؤرخ لأحداث وقعت في زمن ما، ويطرب ويبهج في بعض الأحيان ويبكي في أحيان أخرى”..