ميخائيل بولغاكوف في رحلة مع تجارة: «النفوس الميتة»

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ميخائيل بولغاكوف في رحلة مع تجارة: «النفوس الميتة»


    ميخائيل بولغاكوف في رحلة مع تجارة: «النفوس الميتة»


    تشرين- راوية زاهر:
    (النفوس الميتة) كوميديا مأخوذة عن رواية بالاسم ذاته لنيقولاي غوغول، وهي من تأليف ميخائيل بولغاكوف وترجمة الدكتور هاشم حمادي، ومن منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب (المشروع الوطني للترجمة- المسرح العالمي).
    وقد عُرف عن بولغاكوف موروثه الثقافي واقتباسه لمسرحياته عن روايات عالمية كرواية (الحرب والسلم) لـ”تولستوي” حملت أيضاً الاسم نفسه، كما النص المسرحي الذي نحن بصدده.
    ومسرحية (النفوس الميتة) كنص في كتاب، مقسّمة إلى أربعة فصول، وموزّعة على اثنتي عشرة لوحةً.. تدور أحداثها في مدينةٍ روسية، ومزارع الإقطاعيين القريبة منها، والبطل الرئيس هو بافل تشيتشيكوف، الذي جال في المدينة وضواحيها، حيث يزور الموظفين البارزين، وأعمدة المجتمع المخملي، أصحاب الحل والرّبط، بدءاً من المحافظ وانتهاءً بالنسّاخ والكتبة، وحيث يلتقي عدداً من الإقطاعيين ويزورهم في ضيعهم، وهناك يتعرّف على الواقع الزراعي المُزري، حيث يسود الفقر والجهل، ولا غرابة في ذلك، فالفلاحون أقنان، يباعون ويشترون كأي سلعةٍ، ويعيشون حياة سداها الفقر والإملاق،
    ولحمتها الجهل والظلم، إضافة إلى أنّ الجهل والكسل يضربان أطنابهما بين أسيادهم وبين عليّة القوم الذين لا همّ لهم إلا المقامرة وملء البطون بالطعام والشراب.
    وما ميّز تشيتشيكوف أنه رجلٌ عملي وفي منتهى الحيوية والنشاط.. عنيد، ومكابر.. أخذ على عاتقه الطوفان على الأسياد الذين رُزِئت قراهم بالمصائب من أوبئة وحرائق وهروب للفلاحين، وأخذ يعرض عليهم تجارة لم يسمع بها أحد من قبل، إنه يشتري النفوس الميتة.. أي الفلاحين الذكور فقط، لكن أسماءهم لم تشطب بعد من السجلات الرسمية وذلك بغية رهنها لاحقاً، لدى مجلس الوصاية والحصول على الأموال الطائلة.. تتطور الأحداث في المسرحية، وفي خضّم عقد تشيتشيكوف الصفقات مع أصحابها يعرفنا الكاتب على المجتمع المخملي الثرثار، الفارغ.
    أما شخصيات المسرحية التي يجمعها استعباد قُيّانهم، النصب والاحتيال، والسّكر.. فهذا (مانيلوف سابا كيفيتش) إقطاعي غارق في أحلامه البعيدة عن الواقع، ونوزدريف: المنصرف إلى المنادمة والملذات، و(بلوشكين): سيد البخل المطلق.
    وقد لجأ بولغاكوف في تصوير المبالغة الفنية الساخرة والواقعية، ليس في وصف شخصياته فقط، بل في الأحداث والأوضاع المسرحية.. كما يلجأ إلى إضفاء الحدة على العنصر الخيالي، فهذه الإقطاعية (كارويوتشكا) تهرع إلى المدينة على عجلٍ لكي تعرف إن كانت غُبنت في صفقة بيع النفوس الميتة، وفي المدينة تروّج للشائعات حول تشيتشيكوف، وتصوّرهُ على أنه قاطع طريق مُسلّح داهم منزلها وهددها .
    وقد أسبغ الكاتب مسحة من الغموض والتشويق على الأحداث، وذلك بنشر الشائعات عن تشيتشيكوف، ويدبّ الذعر والهلع في نفوس أعيان المدينة وما ذلك إلا من شدة فسادهم وقد سقط النائب العام ميتاً من شدة خوفه.
    الجدير ذكره أن بولغاكوف التزم بفحوى النص الروائي، وراعى تسلسل الأحداث لكنه في نهاية المسرحية أخرجها عن النص الأصلي ووضع لها نهاية مفاجئة، فأعطى الظاهرة الخيالية الوهمية مغزى واقعياً، إذ وصل إلى المدينة حاكم عام، فيسارع المسؤولون لاعتقال تشيتشيكوف، وتهديده بالنفي إلى سيبيريا، ويعفى عنه في حال دفع (ثلاثين ألفاً توزع على العقيد والحاكم العام والمسؤولين الآخرين)، وهكذا ختمت المسرحية برحيل تشيتشيكوف خالي الوفاض، غير آبه لا بأموات المدينة ولا بأحيائها، وقد وصف أحدهم حكام المدينة “نصّاب يمتطي ظهر نصّاب، ويسوقُ نصّاباً”..
    وبالعودة إلى نص المسرحية الذي اعتمد على الحوار الطويل تارة والقصير تارة أخرى بما يتناسب مع المشاهد، وإضفاء شيءٍ من السخرية بشكلٍ ممتع.
    نوزدريف: هنئوني يا سادة، فلقد خسرتُ كل شيء.. صدقوني أنه لم يسبق لي في حياتي أن منيتُ بمثل هذه الخسارة. لم أكتف بخسارة أربعة جياد أصيلة، بل خسرت كل شيء، ولم يبق لدي السلسلة ولا الساعة هذا صهري ميجويف.
    مدير الشرطة: السلسلة غير مهمة، إنّ أحد سالفيك أقصر من الآخر.. لقد تناغمت الحركة على خشبة المسرح مع الشخصيات وسير الأحداث، إذ غلبت الجلبة وثار الضجيج في بعض اللوحات.. وأطبق الصمت أحياناً بحرفية، ليسدل الستار عندما تصل المشاهد إلى ذروة أحداثها.. وحالة الإرباك والدهشة عند سماع عبارة شراء الموتى بدت في اللوحة الثالثة في الحوار الذي دار بين مانيلوف الإقطاعي، وتشيتشيكوف.
    تشيتشيكوف: كلا لستُ أقصد الفلاحين الحقيقيين. إنّ بودي شراء الموتى.
    مانيلوف: كيف؟ اعذرني فسمعي ثقيل، لقد خيّل إلي أنني سمعت كلمة في غاية الغرابة.
    تشيتشيكوف: أريدُ شراء الموتى، الذين يعتبرون في السجلات أحياء.
    يسقط الغليون من يد مانيلوف، ويعمّ الصمت.
    ليختم الكاتب بمونولوج يدور في خلَد تشيتشيكوف بعد أن رُمي خارج المدينة “أوه أيها الطريق… كم مرة تشبثتُ بك، كما المشرف على الموت، كما الغريق، وفي كلّ مرة كنت تتحملني وتنقذني بشهامة.

    كثيرةٌ هي الخطط والأحلام الشاعريةُ التي ولدتْ فيك….
    ويسدل الستار مع النهاية.
يعمل...
X