الهواجس والإشكالات في الحروفية العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الهواجس والإشكالات في الحروفية العربية


    آالفنان والناقد محمود شاهين يكشف عن الهواجس والإشكالات في الحروفية العربية


    تشرين- علي الرّاعي:

    حسبما يُعرّف به المتابعون للشأن التشكيلي والفنون الجميلة بشكلٍ عام أن اللوحة الحروفية، أو الخطية – كم تختلف التسميات- تعنيٍ رسم الحرف بشكلٍ جميل، وذلك بعد مرور أكثر من ستين سنة على ظهور مصطلح الحروفية، ويرى الفنان والناقد التشكيلي محمود شاهين أنه تقوم اليوم جهات وتجمعات وباحثون بالبحث عن مصطلحٍ بديل، يكون أقدر وأنسب على استيعاب هذا التيار الذي يرى فيه البعض الآخر أنه نمّط، وأطّر الفنون الجميلة العربية باتجاهٍ أحاديٍّ فقير، ولاسيما بما صنفه الغرب واستقبله، وما ركّز عليه مال الفكر الظلامي كمنحى جمالي وحيد لما يُعرف، أو عُرف به العرب من أشكال الفنون الجميلة، وذلك بعد تحطيم رؤوس تماثيل عمرها آلاف السنين بفتاوى تكفيرية.
    حيوات تشكيلية
    في كتابه الصادرعن الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان «الحروفية العربية – الهواجس والإشكالات» يسلط الدكتور محمود شاهين على هذا الشكل من الفنون الجميلة، وذلك بالبحث والدراسة، وبتقديم الشواهد من دراسة تجارب فنانين كان لهم باع طويل في هذا المجال في سورية وفي العالمين العربي والإسلامي.
    وخلال هذا الكتاب يتعرض الباحث لظاهرة الحروفية في الحيوات التشكيلية العربية المعاصرة، وهاجسها القديم – الجديد في المواءمة بين الأصالة والحداثة في منجزٍ بصري متفرد يغرد خارج الاتجاهات والتقانات الفنية الغربية.
    فقد شكّل الخط العربي أحد المظاهر البارزة للحضارة العربية منذ صيرورتها الأولى وحتى اليوم، وكان أهم روافعها وتميمها، وفي الوقت نفسه عُومل كعملٍ فني قائم بذاته، له خصائصه ومزاياه التشكيلية والتعبيرية التي شهدت بدورها تطوراً كبيراً، ولايزال حتى يومنا موضع اهتمام وبحث وتجريب بهدف استيلاد منجز بصري عربي معاصر مما يكتنز عليه من قيمٍ تشكيلية ودلالية وتعبيرية.
    ويذكر شاهين أنه توفر للخط العربي رواد مهرة برزوا من خلال إتقانهم الرفيع له، ويأتي في طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، والحسن البصري، والخليل بن أحمد، وإسحاق بن حماد وإبراهيم ويوسف الشجري، وغيرهم الكثير.. وفي أيامنا هذه يعكف جيشٌ من عشاق الخط العربي ومريديه والبارعين في كتابته، وبعد البحث والتمحيص وجد التشكيلي العربي نفسه أمام خيارين لمنح هذا المنجز خصائص الآن والمكان، الخيار الأول تبني الموضوعات والمضامين والملامح اللصيقة بالإنسان العربي، أي عبر البيئة الشعبية المكونة له، والخيار الثاني عبر معطيات تراثية إسلامية متفردة تجلت في أكثر من منحى أبرزها في القدرات التشكيلية التعبيرية المتميزة للحرف العربي والزخرفة الإسلامية التي طالما اقترنت به وتكاملت معه، فقد اختلفت وتعددت نظرة التشكيلي العربي المسكون بهم المواءمة بين الآن والمكان إلى الصيغة الأنجح لتحقيقها في منجزه، فهناك من زاوج بين التقنية الأوروبية والمضمون المحلي الذي اكتفى البعض بأخذه من الحياة الشعبية حوله، والبعض الآخر ضرب في التاريخ القديم محاولاً استلهامه والتأكيد على هوية مميزة، البعض الثالث وجد في التاريخ الأقرب ضالته، فصوّر المحطات المضيئة فيه، والبعض الرابع اهتدى إلى صيغة أخرى قد لا تكون جديدة شكلاً ومضموناً، أخذت مصطلح الحروفية التي شكلت أحد الخيارات أمام الفنان التشكيلي العربي المعاصر لتأكيد محلية عربية في منجزه البصري الحديث، ولاسيما بعد اكتشافه مدى ما يتمتع به الحرف العربي من قدرات تشكيلية مطواعة تصلح لأن تشكّل معمار لوحة أو منحوتة أو محفورة فنية عربية الخصائص والمقومات.
    تيار له ثقله
    ويستنتج شاهين أنّ ما هو مؤكد اليوم أن الحروفية تحولت إلى تيارٍ له ثقله الكمي والنوعي في الحيوات التشكيلية العربية والإسلامية المعاصرة، وهي على قدر كبير من التنوع والاختلاف وتباين المستوى الفني والتعبيري من فنانٍ لآخر ومن بلدٍ لآخر.
    فالفنان محمود حمّاد استخدم الحرف كجزء لايتجزأ من نسيج اللوحة، وكعنصر أساس من عناصرها، صنع بتجمعاته المدروسة، وألوانه المرصوفة بإحساس المصور وليس المزخرف، تكويناته التجريدية الموحية التي غطى بها فضاء اللوحة رابطاً بإحكام بينها وبين الخلفية عبر تقطيعات هندسية مسحوبة شكلاً ولوناً وبتوليفة أبرزت التكوين وأكدته، والتكوين بدوره أبرز وأكد الخلفية ما خلق حالةً مثالية من الترابط العضوي بين أرضية اللوحة وتكوينها الحروفي التجريدي، وأما الفنان معد أورفلي فلم يغادر دائرة التراث، فجمع بين تشكيلات الخطوط والمساحات اللونية المتدرجة والمتداخلة بشفافية لافتة، ودراية محسوبة بدقة كقيمة تشكيلية ودلالية، وهذه المساحات ترد على تشكيلات الحروف الموزعة تارةً في أكثر من مكان في اللوحة، وتارةً أخرى يطرّز أطراف اللوحة بعد أن يماهيها بالأرضية اللونية لتبدو وكأنها جزءٌ لا يتجزأ منها.

    أما الفنان سعيد نصري فيمزج بين جماليات الخط العربي الكلاسيكية المحروسة بالقواعد، وقيم لونية متدرجة، تسبح فوقها الحروف والكلمات بحجومٍ مختلفة، وبألوانٍ قوية بارزة، بينما اختلفت لوحات الحروفية عند سامي برهان من مرحلة إلى أخرى، ففي حين تظهر النزعة الغرافيكية والحضور القوي للحروف والكلمات في الأعمال المنفذة بألوان الغواش والأحبار، تبدو في الأعمال الزيتية والمائية الشفيفة متداخلة ومتماهية بالخلفية المسحوبة من نفس درجات ألوان كتل الحروف أحياناً، والمنفذة بألوانٍ مضادة باردة في لوحاتٍ أخرى، كما يأتي النص المبني بهندسية محسوبة وتداخلات مدروسة بألوانٍ حارة فوق خلفية باردة والعكس صحيح أيضاً.
    في حين يرى خالد الساعي أن خطوط لوحاته متحررة من الخط، لكن إذا وقفنا أمامها نجدها مستمدة من المبادئ الأساسية له، وفي تجربة الفنان محمد غنوم، فإنه يأخذ حرفاً أو كلمة، ثم يقوم بتكرارها فوق سطح اللوحة التي ينفذها بألوان الزيت وبشيءٍ من التداخل المتدرج الإيقاع المختلف الوتيرة وضمن تجمعات حركية قد تأتي من الأسفل إلى الأعلى، أو قد تعبرُ من طرفٍ إلى آخر.
    ومن الفنانين الذين يسلط الضوء على تجاربهم الناقد شاهين في هذا الكتاب: كل من سعيد الطه، محمد الحسن دغستاني، منير الشعراني، حلمي حباب، محمد قنوع، محمد فاروق الحداد، شكري خارشو، محمد بدوي الديراني، وعدنان الشيخ عثمان من السوريين، إضافة لعدد آخر من الفنانين العرب والمسلمين.
يعمل...
X