العظام يمكنها أن تحكي قصصنا وأسرار حياتنا، حتى بعد فترة طويلة من موتنا وتحول أجسادنا إلى تراب، إذ من المتوقع أن يتمكن علماء الآثار في المستقبل من معرفة الحقائق عن صحتنا وماضينا ومكاننا في المجتمع بواسطة عظامنا كما أنها قادرة على التمييز بين الجنسين حتى لو احترقت . ويحدث أحيانًا أن تتلاشى هذه الأدلة إذا مُزق أو شُوه رفاتنا بفعل الحرارة عند (حرق الجثث – cremation)، لكن هناك تقنية جديدة مُكتشفة يمكن أن تزود الباحثين بأفكار جديدة لفهم العظام القديمة؛ وذلك عن طريق التقاط التلميحات الخفية عن الجنس والموجودة في بقايا الهياكل العظمية .
يعتقد مكتشفو هذه التقنية الجديدة -المعتمدة على الخصائص الجسمانية للعظام المحترقة لتحديد الجنس- أنها فعالة بنسبة 80%، وهي بذلك قريبة من دقة وواقعية الطرق المستخدمة حاليًا في تحليل الهياكل العظمية السليمة. وعن ذلك الأمر يقول كلاوديو كافازوتي، أخصائي الأنثروبولوجيا البيولوجية من جامعة دورهام: «ستساعدنا هذه الطريقة الجديدة في تحديد جنس البقايا البشرية المحترقة ( العظام ) من العصور القديمة، وهي طريقة سهلة وموثوقة ويمكن تكرارها».
بعيدًا عن العلاقة بين الانعكاسات الاجتماعية والبيولوجية للجنس والنوع، فإن الإنسان يُعد جنسًا ثنائي الهيئة؛ إذ إن اختلافات التوقيع الموجودة في الهياكل العظمية يمكن تصنيفها بشكل عام طبقًا لخصائص الذكور والإناث. ليست هذه العملية سهلة المنال حتى في ظل الظروف المثالية؛ لأن الرُفات الذي حُطم -وربما حدث له ما هو أسوأ بفعل الحرارة- تستحيل قراءة التوقيع الخاص به. يعني هذا قلة الأدوات المتاحة للباحثين الراغبين في معرفة جنس العظام ، تتمثل هذه الأدوات في الشظايا والرماد العائد لقرون مضت.
العظام
ولكن، اكتشف كافازوتي وزملاؤه أنه ما يزال من الممكن العثور على أدلة قوية، فقط إذا علمنا أين نبحث عنها. جمع الفريق رفات جثث محروقة لـ 124 شخصًا من خمسة مدافن مختلفة تعود إلى العصر البرونزي والحديدي من مختلف أنحاء إيطاليا، يحتوي كل قبر منها على عينات لبقايا يُعتقد أنها توفر أدلة قوية لتحديد الجنس. بعد ذلك، فُحصت العديد من المتغيرات مثل سُمك عظام الفك، وارتفاع رضفة الركبة، وأقصى عرض لعظام إصبع القدم الكبير. وبالنسبة لهذه هذه العظام فإن معظمها لم يعد مفيدًا في التمييز بين الجنسين؛ نتيجة للتغير الحادث في الهيئة والتركيب بفعل التشوه. لكن هناك ثمانية خصائص احتفظت بشكل مدهش بمعلومات كافية على درجة عالية من الدقة.
يمكن العثور على أفضل القياسات للدراسة في الفخذ والعضد والكعبرة والرضفة والفك وأجزاء من الكاحل والمعصم وإصبع القدم الكبير وغيرها من العظام ، كل واحدة من هؤلاء يمكنها التنبؤ بطبيعة الرفات المأخوذ من القبر في أكثر من ثماني مرات من كل عشر. تلعب بعض الافتراضات الكبرى دورًا في هذه العملية بالطبع؛ لأن أنثروبولوجيا الجنس على درجة من التعقيد؛ فبداية من حيازة الكروموسوم Y إلى ثقافة (النوع – gender)، توجد العديد من المتغيرات التي يجب أخذها بعين الاعتبار.
إن وجود مغزل في القبر ليس دليلًا على أنه قبر امرأة، أيضًا، امتلاك أسلحة في القبر ليس دليلًا على أن صاحبه رجل. يجب أيضًا أخذ الوقت والجغرافيا في الحسبان، إذ يشير الفريق إلى أن طريقة القطع المستخدمة لتمييز الجنس في البقايا التاريخية المبكرة تختلف عن الطرق المستخدمة لتصنيف الهياكل العظمية الحديثة. إذا خلطنا الطرق، نحصل على نتائج مختلفة تمامًا. ما تزال هذه الأدوات مفيدة بشكل كبير إذا استُخدمت على عينة كبيرة من السكان، مع أخذ المحاذير في الاعتبار. دمج هذه الطريقة مع الأدلة القوية والفهم الجيد للثقافة، يمكن أن يوفر لعلماء الأنثروبولوجيا بيانات إضافية لنسج قصة ممكنة لصاحب القبر، الذي لم يبق منه سوى العظام المحطمة أو المحروقة.