مطبعه
Printery - Maison d'imprimerie
المطبعة
المطبعة لغة من الطباعة[ر]، والمَطبعة المكان المعَدّ لطباعة الكتب وغيرها، والمِطبعة آلة الطباعة، وجمعها مطابع.
أهمية الطباعة والمطابع
الطباعة من المهن والفنون الراقية، ومن أجلّ الاختراعات التي عرفتها الإنسانية، إذ كانت نواة كل ما استجد في عالم الفكر والثقافة، ونقطة تحوّل انتقلت بها الحياة إلى فجر باسم مشرق؛ فلولاها ما ذاعت المعرفة. ويمكن الحكم على المستوى الثقافي لبلد ما بعدد ما فيها من مطابع وما تصدره من كتب مطبوعة، وتعدد المطابع وتنوعها دليل على تحضر المجتمع، وإسهامه في تطوير البلاد.
عدد المطبوعات في العالم
يصدر في العالم سنوياً ما لا يقل عن 200000 كتاب. ويزيد عدد الصحف والدوريات التي تصدر في العالم على 13000 صحيفة، تطبع يومياً نحو 224 مليون نسخة. وتوفر هذه الأرقام فكرة عن كمية المطبوعات التي توزع في مختلف أرجاء العالم.
لم تدخل الطباعة البلاد العربية إلا بعد قرنين من اختراع الطباعة بالحروف. وأول مطبعة ظهرت في البلاد العربية ودشنت للطباعة بالحرف العربي هي تلك التي أسسها بطريرك الأرثوذكس أثناسيوس الثالث في حلب سنة 1706 وتولى الشماس عبدالله الزاخر صب حروفها العربية.
ومع وفرة ما يُطبع في بعض البلاد العربية من كتب - مثل مصر وسورية ولبنان والعراق- فإنها لا تعد شيئاً أمام ما يطبع في البلاد الأجنبية.
لمحة تاريخية
كانت المطبوعات تنفذ بالأبيض والأسود على لوح واحد، باستخدام قالب خشبي. وتتلخص برسم الصورة المطلوبة على لوح من خشب صلب، ثم حفره بحيث تصبح معالم الصورة بارزة. بعد ذلك يطلى سطح اللوح بحبر سائل ويوضع فوقه طرس ورق ماص للحبر، ثم يمرر العامل فوقه أسطوانة لدنة ذات سطح أملس مع الضغط فيتشرّب الورق الحبر، وتنتقل معالم الصورة من القالب إلى الورقة. ويمكن استخدام القالب مراراً لإنتاج العديد من اللوحات المطبوعة المتشابهة.
ما زالت هذه الطريقة مستعملة في الطباعة اليدوية على الأقمشة، والطباعة الحجرية، لكن تطور الطباعة كان نتيجة حتمية للحاجة الملحّة إلى الكتب وخاصة الكتاب المقدس، وقد تم ذلك على يد الألماني يوهان غوتنبرغ[ر] J.Gutenberg الذي ابتكر أسلوب الطباعة بالحروف المتحركة عام 1440م. وأنشأ أول مطبعة في العالم استخدم فيها حروفاً خشبية قابلة للتجميع والتفريق، وكانت تضم صندوقاً للحروف، ومكبساً للطباعة. ويقوم العامل بصفّ (ترتيب) كلمات صفحة أو صفحتين معاً من صندوق الحروف، ثم يحصرها في إطار معدني، ويملأ الفراغات بينهما بفواصل حديدية فارغة، حتى يحكم رصّها من كل الجوانب وتسمى «صفّة». ثم توضع الصفّة (الشاسيه) المعدة للطبع على منضدة المكبس (الصينية). ثم تحبر حروفها بأسطوانة متحركة (محبرة) من المطاط، ثم يوضع طرس الورق على الصَفّة، وتضغط من الأعلى فتنطبع الحروف على الورقة. ولكي تكون الكتابة صحيحة يجب أن تكون الحروف معكوسة عند إعدادها أو سكبها من المعدن. وتستخدم لصبّ هذه الحروف خليطة من الرصاص الممزوج بنسبة بسيطة من القصدير الإثمو (الأنتموان)؛ ليكسبه صلابة، فالرصاص الصرف يتآكل بسرعة. وبعد طبع العدد اللازم من النسخ يعاد فكّ الصفّة وتفريق الحروف إلى بيوتها في صندوق الحروف، لاستعمالها من جديد. أما أول كتاب طبع بهذه الطريقة في العالم فكان الكتاب المقدس عام 1468.
يعد يوهان غوتنبرغ أبا الطباعة، وإن كان ذلك غير صحيح؛ إذ إن ابتكاره في الواقع اختصر بالحروف المتحركة. أما الطباعة بألواح الحفر فكانت معروفة قبل عصر غوتنبرغ بقرون، ومن صورها استعمال الأختام والألواح الطينية والخشبية المحفورة.
جاء بعد غوتنبرغ جان فوست وبطرس شويفر اللذان استعاضا عن الحروف الخشبية السريعة التلف بحروف معدنية من الرصاص تصبّ في قوالب من النحاس، فكانت نقلة تحول مهمة في تطوير عملية الطباعة سهلت تصحيح الأخطاء، واستعمال الحروف نفسها مرات ومرات. ويتم صب الحروف في معمل خاص يدعى المسبك.
أنواع الطباعة
بدأت الطباعة باستخدام الحروف المتحركة في مطبعة غوتنبرغ، وعن طريق آلة طباعة بسيطة تطبع على سطح مستوٍ باستخدام مكبس يدوي. أما الصور فقد كانت تحفر على لوح خشبي يدوياً، أو تحفر على أسطوانة ذات سطح لدن. ومع مرور الزمن تطورت الطباعة تطوراً كبيراً وتحسنت تقنياتها وتنوعت أشكالها.
يمكن حصر أنواع الطباعة في ثلاثة أنواع رئيسية هي:
- طباعة التيبوغراف typography: وهي التي تستخدم الحروف والرواسم (الكليشهات).
- طباعة الليثوغراف lithography، أو الطباعة الحجرية الملساء: وهي تستخدم الماء والحبر معاً، وقد بدأت باستخدام ألواح حجرية، فكانت الطباعة الحجرية، ثم تطورت إلى طباعة الأوفست[ر] offset التي تستخدم ألواحاً معدنية (صفائح من التوتياء Zinc).
- طباعة الهليوغراف heliography الحفر التصويري الشمسي[ر. الطباعة]: ويستخدم فيها الحبر المائع، ويكون لوح الطباعة محفوراً من النحاس، غير أن حفر النقطة فيه إلى العمق، بخلاف الأوفست الذي تكون فيه نقاط الشبكة بارزة. وقد أَُدخل هذا النوع من الطباعة إلى سورية في الأربعينات واستُخدم آنذاك لطباعة مجلة كل جديد المصورة، وملايين الطوابع البريدية للجمهورية العربية السورية.
تصنيف المطابع
تقوم المطابع بوظائف مختلفة يمكن تصنيفها على النحو الآتي:
- مطابع الكتب: وتهتم بأن يكون فيها فضلاً عن آلات الطباعة، قسم للتجليد لطي الملازم وتجميعها، ثم خياطتها أو خرزها وقطعها بالمقاييس المطلوبة وتركيب جلدة لها.
- المطابع التجارية: وهي فرع من طباعة التيبوغراف، وفيها قسم خاص بالصف التجاري، وتطبع الفواتير والسجلات والمطبوعات التجارية وذوات الترقيم. وتحتاج هذه إلى قسم تجليد مصغر يحوي آلة جمع وآلة تثقيب وآلة خرز ومقطعاً كهربائياً. ويستخدم في هذا القسم عداد numerator لترقيم الأوراق آلياً، وقد تكون من عدة نسخ. ويوافق هذا النوع من الطباعة آلة طبع مروحية.
- مطابع عبوات التعبئة: تطبع هذه المطابع علب الكرتون وأكياس الورق وغيرها. وتستخدم آلات لتحييز الكرتون وتقطيع بعض أجزائه. وآلة للسلفنة لتكسوها بطبقة لدنة شفافة من السيلوفان وتحييزها ولصقها.
- مطابع النايلون والقماش: وهي مطابع خاصة تطبع على النايلون والبلاستيك بحبر خاص، وأخرى تطبع على القماش.
- مطابع المعدن: وتختص بالطباعة على الصفائح المعدنية بطريقة مشابهة للأوفست، ثم يكسى السطح المطبوع بمادة تلميع (برنين) شفافة، وتمرر في فرن لتثبيت الطباعة.
أما تصنيف المطابع حسب طريقة الطباعة فهي كما يأتي:
- التيبوغراف: وهي تعتمد على صف الحروف والجداول يدوياً وآلياً، وتستخدم الرواسم (الكليشهات) للصور.
- الأوفست: وهي تعتمد على استخدام ألواح الطباعة المحضرة من معدن الزنك (البلاكات)، بعد حفرها بالطريقة الضوئية، وقد تكون النقاط فيها بارزة.
- الروتوغراف: وتستخدم ألواح الطباعة النحاسية بعد حفرها ضوئياً، وتكون النقاط فيها غائرة، وحبرها مائعاً، وكمية الحبر المطلوبة على قدر عمق النقطة، فالنقطة العميقة تعطي نقطة كبيرة، والنقطة الضحلة تعطي نقطة صغيرة [ر. الطباعة].
الشروط الأساسية الواجب توافرها في المطبعة
مهنة الطباعة من المهن الحساسة الدقيقة، التي لابدّ أن تتوافر لها شروط أساسية. فدرجة الحرارة في المطبعة مثلاً يجب أن تكون ثابتة ومحدّدة؛ والحبر المستخدم في طباعة الأوفست يختلف من حيث مادته ومواصفاته بين الشتاء والصيف، مما يؤثر في نتائج الطباعة، ولابدّ والحالة هذه من الحفاظ على درجة حرارة معتدلة للحصول على أحسن النتائج.
ويجب أن يكون الورق المستخدم في الطباعة على درجة محددة من الجفاف؛ لأن الرطوبة تمدده وتتسبب في تجعده، فلا يعود صالحاً للطباعة.
وتحتل الإضاءة مكانة أساسية؛ لأن الطباعة حرفة دقيقة وتحتاج إلى إضاءة كافية، وخاصة في الموضع من الآلة الطابعة الذي تنزل فيه الأوراق المطبوعة، لمتابعة سلامتها وجودتها.
ومن جهة أخرى تعد النظافة في المطبعة من الضروريات القصوى، لأن الغبار والأوساخ والزيوت تؤثر في جودة الطباعة وخاصة الملونة، كذلك تيارات الهواء قد تجفف الحبر على المحابر، فضلاً عن الزغبر (الزئبر) الذي يتطاير من سطح الورق ويتراكم على لوح الطباعة. أما الماء المستعمل في طباعة الأوفست فيجب أن يكون صافياً خالياً من الأملاح.
ومن المهم جداً أن يكون البناء مطابقاً المواصفات المناسبة للمطبعة، وأن يكون العمل موزعاً فيه على نحو يؤمن السرعة والتكامل.
بناء المطبعة
من أسوأ الأمور وجود المطبعة بين بيوت السكن ضمن المدينة، لأنها لا توفر الشروط الضرورية للعمل من جهة، وتضر بالسكان من جهة أخرى، لما يصدر عنها من روائح وأصوات واهتزازات.
ومن الضروري أن ينجز البناء وفق الغرض من المطبعة ونوعها وطبيعة إنتاجها، وأن يكون في منطقة صناعية يتوافر فيها الماء والكهرباء، وقريباً من طرق المواصلات.
يخصص الطابق الأرضي من البناء للآلات الثقيلة ويقسم إلى أربعة أقسام: قسم للتنضيد وقص الورق والتثقيب، وقسم للأوفست، وقسم للتقطيع والتحييز، والقسم الرابع للإدارة والمرافق العامة. ويعزل كل قسم عن الآخر عزلاً جزئياً.
وبعد تحديد مكان الآلات الطابعة الثقيلة تصبّ وسادة مستوية من الخرسانة المسلّحة لكل آلة بحجمها؛ لتتحمل الأرض ثقل الآلة التي توضع عليها وتمنعها من الاهتزاز، ويجعل في زاوية مناسبة من البلاطة الإسمنتية حفرة ينساق إليها الزيت المتقاطر من الآلة. وتجعل لكل آلة إضاءتها الخاصة المدلاة من السقف، بحيث تكون قريبة منها.
أما آلة قص الورق (المقطع) فتتطلب مكاناً مناسباً لرص الورق وترتيبه، ومكاناً في جواره لركم قصاصة الورق الناتجة من القص والتي تكون كبيرة في بعض الأحيان.
وتتطلب آلة الأوفست مكاناً خاصاً لها ومصرفاً لغسل محابر الماء كلما اتسخت. ويفضل ألا يكون بناء المطبعة معرضاً لتيارات الهواء منعاً لتطاير الغبار والورق.
أما غرفة الإدارة فيفضل أن تكون قريبة من مدخل المطبعة ومطلَّة على ما يجري في الداخل، وأن يحال بين الزبائن ودخول المطبعة.
كذلك يفضل أن تحفظ مواد الطباعة كالورق والحبر وخلافه في مستودعات خاصة إن توفرت، ويمكن أن تخزن في الطابق الثاني من البناء على أن يجهز مصعد لإنزال تلك المواد ورفعها. ويقسم هذا الطابق في حال وجوده إلى قسمين: مستودع للورق ومواد الطباعة، تجعل فيه المطبوعات الجاهزة للتسليم، والقسم الثاني للتجليد وأجهزة السلفنة. ويضم قسم التجليد آلات طي الورق وخرزه وخياطته. وإذا ألحق بالمطبعة قسم للرواسم (الكليشهات)، وقسم لتجهيز ألواح الطباعة بالأوفست فيخصص لها طابق ثالث.
التجهيزات الأساسية وتوزيع العمل
تحوي أغلب المطابع قسمين أساسيين: قسم التيبوغراف، وقسم طباعة الأوفست. لذلك تقسم المطبعة نصفين: نصف للأوفست، ونصف للتيبوغراف. ويجعل «المقطع» في مكان وسط بينهما ليتم استخدامه لمطبوعات الجهتين.
يلحق بقسم الأوفست مغسل خاص لغسل محابر الماء كلما اتّسخت، وترص على أحد الرفوف علب الحبر بألوانها المختلفة. وهناك منضدة للفحص والتدقيق أمام الآلة ينزل الورق المطبوع للفحص والتدقيق. ويملأ خزان الماء في الآلة بالماء النقي من الأملاح الكلسية وكلما كان الماء المستخدم نقياً كان الطبع نقياً.
أما قسم التيبوغراف فيلحق به طاولة لتنضيد المطبوعات، مزوّدة بكل ما يلزم لهذه الغاية، وعدّادات للترقيم المتسلسل.
ملحقات الطباعة
هناك عدة أقسام ملحقة بالمطبعة، ولا يمكن إنجاز الطباعة إلا بوجودها، كقسم الحفر الضوئي[ر] zincograph وقسم إعداد ألواح الطباعة بالأوفست، وقد يكون بعض الأقسام متمماً لعمل المطبعة، كقسم التجليد[ر. الكتب (تجليد -)]، وقسم السلفنة والتحييز.
وللقسم الأخير في المطابع التي تصنع العلب والأكياس مكانة مهمة. فبعد طبع مادة العلبة (الكرتونة) بطريقة الأوفست يجب ضغط أماكن الثني فيها ثم قص الزوائد مهنا لتأخذ شكلها على النحو المطلوب. ثم تثنى قطعة الكرتون وتحزز أو تلصق لتتحول إلى علبة، ويمكن سلفنتها بتمريرها على آلة السلفنة قبل تحييزها فتكسوها بطبقة لدائنية شفافة لامعة، تقاوم الرطوبة والماء وتحافظ على الحبر المطبوع.
شروط الأمن والسلامة
لكل مهنة أخطارها ومحاذيرها، وهي ناتجة من المواد والآلات المستخدمة فيها. ولا تخلو الطباعة من الأضرار والأخطار التي يجب تفاديها وأخذ الحيطة منها. وقد كانت الأضرار الناتجة من الطباعة كبيرة في الماضي، حين كانت تستخدم الحروف الرصاصية التي هي على تماس مباشر مع عمال التنضيد (صف الحروف)، فكان الرصاص يدخل إلى أجسامهم ويترسب مع الكلس في عظامهم، وكثيراً ما كان يتسمم بعض العمال بأكاسيد الرصاص. وعلى نحو ذلك وبدرجة أقل هناك الخطر الناتج من الأحبار المستعملة إذا لامست أيدي العمال، فإن فيها مركبات سامة تؤثر في صحة العامل على المدى البعيد.
ومع استخدام آلات التنضيد الآلي (أنترتيب) تفاقمت خطورة التسمم؛ لأن الرصاص الذائب المستخدم فيها يصدر غازات فتاكة، تدخل الجسم عن طريق التنفس فتصيبه بالتسمم والهزال، وقد تؤدي إلى الموت.
وللتقليل من الإصابات بالتسمم الرصاصي، يوصي الأطباءُ عمال المطابع بتناول وجبة من الحليب يومياً لتخفيف فعل غازات الرصاص، وبضرورة تهوية المطبعة تهوية جيدة.
أما الأخطار الناتجة من الآلات الطابعة فكثيراً ما تحدث حوادث مأساوية بسبب الإهمال أو عدم الانتباه أو عدم تطبيق تعليمات الأمان، فتصاب أيدي العمال عند استخدام مقطع الورق وخاصة في المطابع اليدوية، وقد زودت آلات الطباعة ومقاطع الورق الحديثة بخلايا كهرضوئية تعمل على إيقافها على الفور عند حدوث طارئ، فبمجرد أن يقرّب العامل يده من سكين المقطع يتوقف المقطع ويجمد عن الحركة.
آفاق المستقبل
تظل الطباعة في تطور مستمر، وثمة دراسات وبحوث تهدف إلى الاستغناء عن ألواح الزنك، والاستعاضة عنها بأجهزة تختزل الصورة، لتعطيها إلى آلة الطباعة على شكل نبضات إلكترونية؛ توفيراً لمشقة إعداد ألواح الطباعة وتكاليفها، كما يمكن إجراء تعديل فوري على المادة المطبوعة بيسر وسهولة، والحصول على طباعة دقيقة ممتازة.
لبيب بيضون
Printery - Maison d'imprimerie
المطبعة
المطبعة لغة من الطباعة[ر]، والمَطبعة المكان المعَدّ لطباعة الكتب وغيرها، والمِطبعة آلة الطباعة، وجمعها مطابع.
أهمية الطباعة والمطابع
الطباعة من المهن والفنون الراقية، ومن أجلّ الاختراعات التي عرفتها الإنسانية، إذ كانت نواة كل ما استجد في عالم الفكر والثقافة، ونقطة تحوّل انتقلت بها الحياة إلى فجر باسم مشرق؛ فلولاها ما ذاعت المعرفة. ويمكن الحكم على المستوى الثقافي لبلد ما بعدد ما فيها من مطابع وما تصدره من كتب مطبوعة، وتعدد المطابع وتنوعها دليل على تحضر المجتمع، وإسهامه في تطوير البلاد.
عدد المطبوعات في العالم
يصدر في العالم سنوياً ما لا يقل عن 200000 كتاب. ويزيد عدد الصحف والدوريات التي تصدر في العالم على 13000 صحيفة، تطبع يومياً نحو 224 مليون نسخة. وتوفر هذه الأرقام فكرة عن كمية المطبوعات التي توزع في مختلف أرجاء العالم.
لم تدخل الطباعة البلاد العربية إلا بعد قرنين من اختراع الطباعة بالحروف. وأول مطبعة ظهرت في البلاد العربية ودشنت للطباعة بالحرف العربي هي تلك التي أسسها بطريرك الأرثوذكس أثناسيوس الثالث في حلب سنة 1706 وتولى الشماس عبدالله الزاخر صب حروفها العربية.
ومع وفرة ما يُطبع في بعض البلاد العربية من كتب - مثل مصر وسورية ولبنان والعراق- فإنها لا تعد شيئاً أمام ما يطبع في البلاد الأجنبية.
لمحة تاريخية
كانت المطبوعات تنفذ بالأبيض والأسود على لوح واحد، باستخدام قالب خشبي. وتتلخص برسم الصورة المطلوبة على لوح من خشب صلب، ثم حفره بحيث تصبح معالم الصورة بارزة. بعد ذلك يطلى سطح اللوح بحبر سائل ويوضع فوقه طرس ورق ماص للحبر، ثم يمرر العامل فوقه أسطوانة لدنة ذات سطح أملس مع الضغط فيتشرّب الورق الحبر، وتنتقل معالم الصورة من القالب إلى الورقة. ويمكن استخدام القالب مراراً لإنتاج العديد من اللوحات المطبوعة المتشابهة.
ما زالت هذه الطريقة مستعملة في الطباعة اليدوية على الأقمشة، والطباعة الحجرية، لكن تطور الطباعة كان نتيجة حتمية للحاجة الملحّة إلى الكتب وخاصة الكتاب المقدس، وقد تم ذلك على يد الألماني يوهان غوتنبرغ[ر] J.Gutenberg الذي ابتكر أسلوب الطباعة بالحروف المتحركة عام 1440م. وأنشأ أول مطبعة في العالم استخدم فيها حروفاً خشبية قابلة للتجميع والتفريق، وكانت تضم صندوقاً للحروف، ومكبساً للطباعة. ويقوم العامل بصفّ (ترتيب) كلمات صفحة أو صفحتين معاً من صندوق الحروف، ثم يحصرها في إطار معدني، ويملأ الفراغات بينهما بفواصل حديدية فارغة، حتى يحكم رصّها من كل الجوانب وتسمى «صفّة». ثم توضع الصفّة (الشاسيه) المعدة للطبع على منضدة المكبس (الصينية). ثم تحبر حروفها بأسطوانة متحركة (محبرة) من المطاط، ثم يوضع طرس الورق على الصَفّة، وتضغط من الأعلى فتنطبع الحروف على الورقة. ولكي تكون الكتابة صحيحة يجب أن تكون الحروف معكوسة عند إعدادها أو سكبها من المعدن. وتستخدم لصبّ هذه الحروف خليطة من الرصاص الممزوج بنسبة بسيطة من القصدير الإثمو (الأنتموان)؛ ليكسبه صلابة، فالرصاص الصرف يتآكل بسرعة. وبعد طبع العدد اللازم من النسخ يعاد فكّ الصفّة وتفريق الحروف إلى بيوتها في صندوق الحروف، لاستعمالها من جديد. أما أول كتاب طبع بهذه الطريقة في العالم فكان الكتاب المقدس عام 1468.
يعد يوهان غوتنبرغ أبا الطباعة، وإن كان ذلك غير صحيح؛ إذ إن ابتكاره في الواقع اختصر بالحروف المتحركة. أما الطباعة بألواح الحفر فكانت معروفة قبل عصر غوتنبرغ بقرون، ومن صورها استعمال الأختام والألواح الطينية والخشبية المحفورة.
جاء بعد غوتنبرغ جان فوست وبطرس شويفر اللذان استعاضا عن الحروف الخشبية السريعة التلف بحروف معدنية من الرصاص تصبّ في قوالب من النحاس، فكانت نقلة تحول مهمة في تطوير عملية الطباعة سهلت تصحيح الأخطاء، واستعمال الحروف نفسها مرات ومرات. ويتم صب الحروف في معمل خاص يدعى المسبك.
أنواع الطباعة
بدأت الطباعة باستخدام الحروف المتحركة في مطبعة غوتنبرغ، وعن طريق آلة طباعة بسيطة تطبع على سطح مستوٍ باستخدام مكبس يدوي. أما الصور فقد كانت تحفر على لوح خشبي يدوياً، أو تحفر على أسطوانة ذات سطح لدن. ومع مرور الزمن تطورت الطباعة تطوراً كبيراً وتحسنت تقنياتها وتنوعت أشكالها.
يمكن حصر أنواع الطباعة في ثلاثة أنواع رئيسية هي:
- طباعة التيبوغراف typography: وهي التي تستخدم الحروف والرواسم (الكليشهات).
- طباعة الليثوغراف lithography، أو الطباعة الحجرية الملساء: وهي تستخدم الماء والحبر معاً، وقد بدأت باستخدام ألواح حجرية، فكانت الطباعة الحجرية، ثم تطورت إلى طباعة الأوفست[ر] offset التي تستخدم ألواحاً معدنية (صفائح من التوتياء Zinc).
- طباعة الهليوغراف heliography الحفر التصويري الشمسي[ر. الطباعة]: ويستخدم فيها الحبر المائع، ويكون لوح الطباعة محفوراً من النحاس، غير أن حفر النقطة فيه إلى العمق، بخلاف الأوفست الذي تكون فيه نقاط الشبكة بارزة. وقد أَُدخل هذا النوع من الطباعة إلى سورية في الأربعينات واستُخدم آنذاك لطباعة مجلة كل جديد المصورة، وملايين الطوابع البريدية للجمهورية العربية السورية.
تصنيف المطابع
تقوم المطابع بوظائف مختلفة يمكن تصنيفها على النحو الآتي:
- مطابع الكتب: وتهتم بأن يكون فيها فضلاً عن آلات الطباعة، قسم للتجليد لطي الملازم وتجميعها، ثم خياطتها أو خرزها وقطعها بالمقاييس المطلوبة وتركيب جلدة لها.
- المطابع التجارية: وهي فرع من طباعة التيبوغراف، وفيها قسم خاص بالصف التجاري، وتطبع الفواتير والسجلات والمطبوعات التجارية وذوات الترقيم. وتحتاج هذه إلى قسم تجليد مصغر يحوي آلة جمع وآلة تثقيب وآلة خرز ومقطعاً كهربائياً. ويستخدم في هذا القسم عداد numerator لترقيم الأوراق آلياً، وقد تكون من عدة نسخ. ويوافق هذا النوع من الطباعة آلة طبع مروحية.
- مطابع عبوات التعبئة: تطبع هذه المطابع علب الكرتون وأكياس الورق وغيرها. وتستخدم آلات لتحييز الكرتون وتقطيع بعض أجزائه. وآلة للسلفنة لتكسوها بطبقة لدنة شفافة من السيلوفان وتحييزها ولصقها.
- مطابع النايلون والقماش: وهي مطابع خاصة تطبع على النايلون والبلاستيك بحبر خاص، وأخرى تطبع على القماش.
- مطابع المعدن: وتختص بالطباعة على الصفائح المعدنية بطريقة مشابهة للأوفست، ثم يكسى السطح المطبوع بمادة تلميع (برنين) شفافة، وتمرر في فرن لتثبيت الطباعة.
أما تصنيف المطابع حسب طريقة الطباعة فهي كما يأتي:
- التيبوغراف: وهي تعتمد على صف الحروف والجداول يدوياً وآلياً، وتستخدم الرواسم (الكليشهات) للصور.
- الأوفست: وهي تعتمد على استخدام ألواح الطباعة المحضرة من معدن الزنك (البلاكات)، بعد حفرها بالطريقة الضوئية، وقد تكون النقاط فيها بارزة.
- الروتوغراف: وتستخدم ألواح الطباعة النحاسية بعد حفرها ضوئياً، وتكون النقاط فيها غائرة، وحبرها مائعاً، وكمية الحبر المطلوبة على قدر عمق النقطة، فالنقطة العميقة تعطي نقطة كبيرة، والنقطة الضحلة تعطي نقطة صغيرة [ر. الطباعة].
الشروط الأساسية الواجب توافرها في المطبعة
مهنة الطباعة من المهن الحساسة الدقيقة، التي لابدّ أن تتوافر لها شروط أساسية. فدرجة الحرارة في المطبعة مثلاً يجب أن تكون ثابتة ومحدّدة؛ والحبر المستخدم في طباعة الأوفست يختلف من حيث مادته ومواصفاته بين الشتاء والصيف، مما يؤثر في نتائج الطباعة، ولابدّ والحالة هذه من الحفاظ على درجة حرارة معتدلة للحصول على أحسن النتائج.
ويجب أن يكون الورق المستخدم في الطباعة على درجة محددة من الجفاف؛ لأن الرطوبة تمدده وتتسبب في تجعده، فلا يعود صالحاً للطباعة.
وتحتل الإضاءة مكانة أساسية؛ لأن الطباعة حرفة دقيقة وتحتاج إلى إضاءة كافية، وخاصة في الموضع من الآلة الطابعة الذي تنزل فيه الأوراق المطبوعة، لمتابعة سلامتها وجودتها.
ومن جهة أخرى تعد النظافة في المطبعة من الضروريات القصوى، لأن الغبار والأوساخ والزيوت تؤثر في جودة الطباعة وخاصة الملونة، كذلك تيارات الهواء قد تجفف الحبر على المحابر، فضلاً عن الزغبر (الزئبر) الذي يتطاير من سطح الورق ويتراكم على لوح الطباعة. أما الماء المستعمل في طباعة الأوفست فيجب أن يكون صافياً خالياً من الأملاح.
ومن المهم جداً أن يكون البناء مطابقاً المواصفات المناسبة للمطبعة، وأن يكون العمل موزعاً فيه على نحو يؤمن السرعة والتكامل.
بناء المطبعة
من أسوأ الأمور وجود المطبعة بين بيوت السكن ضمن المدينة، لأنها لا توفر الشروط الضرورية للعمل من جهة، وتضر بالسكان من جهة أخرى، لما يصدر عنها من روائح وأصوات واهتزازات.
ومن الضروري أن ينجز البناء وفق الغرض من المطبعة ونوعها وطبيعة إنتاجها، وأن يكون في منطقة صناعية يتوافر فيها الماء والكهرباء، وقريباً من طرق المواصلات.
يخصص الطابق الأرضي من البناء للآلات الثقيلة ويقسم إلى أربعة أقسام: قسم للتنضيد وقص الورق والتثقيب، وقسم للأوفست، وقسم للتقطيع والتحييز، والقسم الرابع للإدارة والمرافق العامة. ويعزل كل قسم عن الآخر عزلاً جزئياً.
وبعد تحديد مكان الآلات الطابعة الثقيلة تصبّ وسادة مستوية من الخرسانة المسلّحة لكل آلة بحجمها؛ لتتحمل الأرض ثقل الآلة التي توضع عليها وتمنعها من الاهتزاز، ويجعل في زاوية مناسبة من البلاطة الإسمنتية حفرة ينساق إليها الزيت المتقاطر من الآلة. وتجعل لكل آلة إضاءتها الخاصة المدلاة من السقف، بحيث تكون قريبة منها.
أما آلة قص الورق (المقطع) فتتطلب مكاناً مناسباً لرص الورق وترتيبه، ومكاناً في جواره لركم قصاصة الورق الناتجة من القص والتي تكون كبيرة في بعض الأحيان.
وتتطلب آلة الأوفست مكاناً خاصاً لها ومصرفاً لغسل محابر الماء كلما اتسخت. ويفضل ألا يكون بناء المطبعة معرضاً لتيارات الهواء منعاً لتطاير الغبار والورق.
أما غرفة الإدارة فيفضل أن تكون قريبة من مدخل المطبعة ومطلَّة على ما يجري في الداخل، وأن يحال بين الزبائن ودخول المطبعة.
كذلك يفضل أن تحفظ مواد الطباعة كالورق والحبر وخلافه في مستودعات خاصة إن توفرت، ويمكن أن تخزن في الطابق الثاني من البناء على أن يجهز مصعد لإنزال تلك المواد ورفعها. ويقسم هذا الطابق في حال وجوده إلى قسمين: مستودع للورق ومواد الطباعة، تجعل فيه المطبوعات الجاهزة للتسليم، والقسم الثاني للتجليد وأجهزة السلفنة. ويضم قسم التجليد آلات طي الورق وخرزه وخياطته. وإذا ألحق بالمطبعة قسم للرواسم (الكليشهات)، وقسم لتجهيز ألواح الطباعة بالأوفست فيخصص لها طابق ثالث.
التجهيزات الأساسية وتوزيع العمل
تحوي أغلب المطابع قسمين أساسيين: قسم التيبوغراف، وقسم طباعة الأوفست. لذلك تقسم المطبعة نصفين: نصف للأوفست، ونصف للتيبوغراف. ويجعل «المقطع» في مكان وسط بينهما ليتم استخدامه لمطبوعات الجهتين.
يلحق بقسم الأوفست مغسل خاص لغسل محابر الماء كلما اتّسخت، وترص على أحد الرفوف علب الحبر بألوانها المختلفة. وهناك منضدة للفحص والتدقيق أمام الآلة ينزل الورق المطبوع للفحص والتدقيق. ويملأ خزان الماء في الآلة بالماء النقي من الأملاح الكلسية وكلما كان الماء المستخدم نقياً كان الطبع نقياً.
أما قسم التيبوغراف فيلحق به طاولة لتنضيد المطبوعات، مزوّدة بكل ما يلزم لهذه الغاية، وعدّادات للترقيم المتسلسل.
ملحقات الطباعة
هناك عدة أقسام ملحقة بالمطبعة، ولا يمكن إنجاز الطباعة إلا بوجودها، كقسم الحفر الضوئي[ر] zincograph وقسم إعداد ألواح الطباعة بالأوفست، وقد يكون بعض الأقسام متمماً لعمل المطبعة، كقسم التجليد[ر. الكتب (تجليد -)]، وقسم السلفنة والتحييز.
وللقسم الأخير في المطابع التي تصنع العلب والأكياس مكانة مهمة. فبعد طبع مادة العلبة (الكرتونة) بطريقة الأوفست يجب ضغط أماكن الثني فيها ثم قص الزوائد مهنا لتأخذ شكلها على النحو المطلوب. ثم تثنى قطعة الكرتون وتحزز أو تلصق لتتحول إلى علبة، ويمكن سلفنتها بتمريرها على آلة السلفنة قبل تحييزها فتكسوها بطبقة لدائنية شفافة لامعة، تقاوم الرطوبة والماء وتحافظ على الحبر المطبوع.
شروط الأمن والسلامة
لكل مهنة أخطارها ومحاذيرها، وهي ناتجة من المواد والآلات المستخدمة فيها. ولا تخلو الطباعة من الأضرار والأخطار التي يجب تفاديها وأخذ الحيطة منها. وقد كانت الأضرار الناتجة من الطباعة كبيرة في الماضي، حين كانت تستخدم الحروف الرصاصية التي هي على تماس مباشر مع عمال التنضيد (صف الحروف)، فكان الرصاص يدخل إلى أجسامهم ويترسب مع الكلس في عظامهم، وكثيراً ما كان يتسمم بعض العمال بأكاسيد الرصاص. وعلى نحو ذلك وبدرجة أقل هناك الخطر الناتج من الأحبار المستعملة إذا لامست أيدي العمال، فإن فيها مركبات سامة تؤثر في صحة العامل على المدى البعيد.
ومع استخدام آلات التنضيد الآلي (أنترتيب) تفاقمت خطورة التسمم؛ لأن الرصاص الذائب المستخدم فيها يصدر غازات فتاكة، تدخل الجسم عن طريق التنفس فتصيبه بالتسمم والهزال، وقد تؤدي إلى الموت.
وللتقليل من الإصابات بالتسمم الرصاصي، يوصي الأطباءُ عمال المطابع بتناول وجبة من الحليب يومياً لتخفيف فعل غازات الرصاص، وبضرورة تهوية المطبعة تهوية جيدة.
أما الأخطار الناتجة من الآلات الطابعة فكثيراً ما تحدث حوادث مأساوية بسبب الإهمال أو عدم الانتباه أو عدم تطبيق تعليمات الأمان، فتصاب أيدي العمال عند استخدام مقطع الورق وخاصة في المطابع اليدوية، وقد زودت آلات الطباعة ومقاطع الورق الحديثة بخلايا كهرضوئية تعمل على إيقافها على الفور عند حدوث طارئ، فبمجرد أن يقرّب العامل يده من سكين المقطع يتوقف المقطع ويجمد عن الحركة.
آفاق المستقبل
تظل الطباعة في تطور مستمر، وثمة دراسات وبحوث تهدف إلى الاستغناء عن ألواح الزنك، والاستعاضة عنها بأجهزة تختزل الصورة، لتعطيها إلى آلة الطباعة على شكل نبضات إلكترونية؛ توفيراً لمشقة إعداد ألواح الطباعة وتكاليفها، كما يمكن إجراء تعديل فوري على المادة المطبوعة بيسر وسهولة، والحصول على طباعة دقيقة ممتازة.
لبيب بيضون