يعود تاريخ علم الوراثة أو علم الجينات أو علم الجينوم كما تعود تعود أصول علم الوراثة إلى تقدّم نظريّات التطوّر. ففي عام 1858 نُشِر كتاب أصل الأنواع، وكيف تطوّرت الأنواع بعد عملٍ بحثيّ لـِ(تشارلز داروين – Charles Darwin) و(وألفريد راسل الاس – Alfred Russel Wallace). فقد وصفوا كيفيّة نشوء الأنواع الجديدة عبر التطوِّر، وكيفيّة حدوث الانتقاء الطبيعيّ لتطوير أشكالٍ جديدة. ولكنّهم لم يعرفوا وقتها دور الجينات في هذه الظاهرة ولا تسلسل الجينوم .
وفي نفس الوقت تقريبًا، كان (غريغور مندل – Gregor Mendel) -الراهب النمساويّ- يقوم بتجاربٍ واسعة النطاق على نبتة البازلاء الحلوة. ووصف وِحدة الوراثة بأنّها جُسيم لا يتغيّر وينتقل إلى الذُريّة. وكان عمله أساس فهم مبادئ علم الوراثة حتّى يومنا هذا، لذلك يُعرّف مندل بكونه أبا علم الوراثة. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك اهتمام ووعي كبير بعمل مندل خلال تلك الفترة. وتنبّأ (هيكل – Haeckel) في هذه الفترة بأنّ مادة الوراثة تتواجد في النواة. في حين اعتبر (ميشر – Miecher) أنّ المادة الوراثيّة في النواة هي (الحمض النوويّ – DNA) . كما اكتُشِفَت الكروموسومات بكونها وحدات تحمل المعلومات الوراثيّة في هذا الوقت.
أوائل القرن العشرين:
خلال هذا الوقت أُسِّسَت مبادئ مندل في الوراثة ونظريّة الكروموسومات. كان عمل مندل غير معروف. ففي عام 1900 أُعيدَ اكتشاف مبادئ مندل ونُشِرَت أعماله. أدّى تطوّر نظريّة الكروموسومات إلى ظهور مجال (علم الوراثة الخلويّة – cytogenetics). ووُثِّقَت الملاحظات الأولى للتشوّهات الصبغيّة -مثل التضاعف والحذف، والعبور، والانقلاب-.
منتصف القرن العشرين:
في سبعينيات القرن التاسع عشر (1870s) حُدِّدَت المادة المتواجدة في النواة بكونها حمضًا نوويًا. ولكن اعتُبِرَ الحمض النوويّ بمثابة المادة الوراثيّة بين عامي 1920 و1950، مستفيدين من تجارب (غريفيث – Griffith) على سلالة من البكتيريا. ثمّ اعتبَر كلّ من (أفيري – Avery)، و(ماكليود – MacLeod ) و(ماكارتي – McCarty ) أنّ الحمض النووي تحديدًا -وليس البروتين أو الـRNA- هو العامل المسؤول عن الوراثة الجينيّة وتطوّر السلالات البكتيريّة التي درسها غريفيث. عندئذ، حدّد (واتسون وكريك – Watson and Crick) في أعمالهما الرائدة، بنية الحمض النوويّ. في حين اقترح آخرون أنّ الحمض النوويّ يحتوي على شِفرةٍ وراثيّة. واكتُشِفَت هذه الشِفرة في الستينيات. كما اكتشف كريك عمليّة النسخ والترجمة، وقاد عمليّة تأسيس “العقيدة المركزيّة للبيولوجيا الجزيئيّة”.
النصف الثاني من القرن العشرين:
مثّلت هذه الفترة بدايات مفهوم البيولوجيا الجزيئيّة والوراثة الجزيئيّة. فقد وجدت العديد من التقنيات المتقدّمة طريقها إلى النور في هذه الفترة. وشَمِل ذلك كُلًا من البيولوجيا الجزيئيّة، و(تقنيات الحمض النوويّ المأشوب Recombinant DNA technology)، وأساسيّات (التقانة الحيويّة – biotechnology). خلال هذا الوقت اكتُشِفت طرق (الوسم الراديويّ RadioLabelling) للحمض النوويّ بالواسمات المشعّة أو العلامات المفلورة، لتُساهم في تطوير أساليب التشخيص والعلاج. كما اكتُشِفَت (إنزيمات التقييد – Restriction enzymes) واستُخدِمَت في بناء جزيئات الحمض النوويّ المأشوب، والتي احتوت على جزيئاتٍ من حمضٍ نوويّ أجنبيّ، يمكن زراعتها في السلالات البكتيريّة. ثمّ جاءت طرقٌ مثل الـPCR (تفاعل البوليميراز المتسلسل)، ومجموعة من أدواتٍ وتطبيقات التقانات الحيويّة لتساهم في تقدّم علم الأدوية العلاجيّ والبحث العلميّ أيضًا.
وُضِّح أدناه تاريخ علم الوراثة بتسلسله الزمنيّ وباختصارٍ أكثر:
النصف الثاني من القرن التاسع عشر: التطوّر، والانتقاء الطبيعيّ، ووراثة الجسيمات
1858 – داروين ووالاس: دور التباين الطبيعيّ والانتقاء الطبيعيّ في التطوّر
1865 – غريغور مندل: وراثة الجسيمات
1866 – (إرنست هيكل – Ernest Haeckel): وجود مواد الوراثة في النواة
1871 – (ميشر – Miecher): المواد الموجودة في النواة هي الحمض النوويّ
أوائل القرن العشرين: تمّ توسيع مبادئ مندل، وتعزيز مبادئ نظريّة الكروموسومات في الوراثة.
1900 – قام (كورنس – Correns)، و(دي فريس – de Vries)، و(فون تشرماك – von Tschermak) بإعادة اكتشاف أعمال مندل: بداية عصر علم الوراثة
1902 – (والتر ساتون – Walter Sutton) و(ثيودور بوفيري – Theodore Boveri): نظريّة الكروموسومات في الوراثة، المادة الوراثيّة موجودة في الكروموسومات
1905-1923: الربط الجينيّ* والخرائط الجينيّة، كما حُدِّد عدد مجموعات الترابط وعدد الكروموسومات، بالإضافة للجينات القاتلة والوراثة من الأمهات.
1908: مبدأ هاردي وفاينبرغ للتوازن الوراثيّ
1909 – (نيلسون وإيلي – Nilsson-Ehle): نظريّة الصفات الكميّة والوراثة الكميّة
منتصف القرن العشرين: الحمض النوويّ هو مادة الحياة. أُكِّد تفوق نظريّة التطوّر الداروينيّة عبر الانتقاء الطبيعيّ
1928 – غريفيث: تجارب التحوّل
1944 – أفيري، ماكليود، مكارتي: دليل قاطع على أنّ الحمض النوويّ هو المادة الوراثيّة
1953 – واتسون وكريك: حُدِّدَت بنية الحمض النوويّ
1954-1961: حُدِّدَت شِفرة الـDNA ووُصِفَ (النسخ – Transcription) و(التضاعف – Replication) والترجمة و(الأوبيرونات – operons)
النصف الثاني من القرن العشرين: عصر علم الوراثة الجزيئيّة، دراسات التطوّر الوراثيّ، عصر المعلومات وظهور علم الجينوم
1969 – (أربانيت – ARPANET): بداية الإنترنت
1970 – (أربير وسميث – Arber and Smith): عُزِل إنزيم التقييد الأول وسمي “2Hind”
1970 – (بالتيمور -Baltimore ) و(تمين – Temin): اكتشاف النسخ العكسيّ
1972 – (بيرغ – Berg): أوّل جزيء حمضٍ نوويّ مأشوب
1973 – (بوير – Boyer) و(كوهين – Cohen): أول خلية “E. Coli” مأشوبة تُصنَّع
1977 – (سانجر وجيلبرت – Sanger and Gilbert): وُصِفَت تقنيات تسلسل الحمض النوويّ.
1977 – (شارب – Sharp) و(روبرتس – Roberts): اكتشف (الإنترونات – Introns).
1978 – (بوتشتاين – Botstein): بداية عصر الخرائط الجزيئيّة لمجموعات الربط*.
1980 – مجموعة سانجر: حُدِّد تسلسل الجينوم الأوّل للفيروس آكل الجراثيم من نوع “ΦX174″ الذي يهاجم جراثيم الـ”E. Coli”.
1983 – قام (موليس – Mullis) باكتشاف تقنية “PCR”.
1986 – (هود – Hood)، و(سميث – Smith)، و(هنكبلير – Hunkapiller) : أوّل جهازٍ آليّ لتسلسل الحمض النوويّ.
1990 – حكومة الولايات المتّحدة: إطلاق مشروع الجينوم البشريّ.
1995 – قامت شركة “Celera”: سُلسِل الجينوم البكتيريّ الأوّل لبكتيريا (المستدميات النزليّة – Haemophilus Influenza).
1996 – حُدِّد تسلسل أوّل جينوم حقيقيّ النواة لـِ(الخمائر – yeast).
2000 – مبادرة “Arabidopsis Genome”: حُدِّد تسلسل أوّل نباتٍ مزدهر، وهو نبات “Arabidopsis thaliana”.
2001 – نُشِرَ تسلسل الجينوم البشريّ.
*الربط أو (الترابط الجينيّ – gentic linkage): ميل تسلسلات الـDNA القريبة من بعضها على الكروموسوم إلى التوارث معًا خلال مرحلة الانقسام.