في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، تصدرّت عناوين الأخبار نجاح أوّل عمليّة استنساخٍ للرئيسيات عبر تقنيّة النقل الخلوي.
إن أردت العودة بالزمن سنةً إلى الوراء وقراءة مقالتنا حول ذلك الإنجاز ما عليك إلّا النقر هنا: العلماء يستنسخون قِرَدة، فهل سيتنسخون بشرًا في المرة القادمة؟
أمّا الآن فقد نجح باحثون صينيون متجاوزين كل الحدود السابقة إلى أبعد من ذلك، بتحطيمهم الجين المُنظِّم لدى قرود الماكاك قبل استنساخها.
إن كنت تتساءل ما هي قرود الماكاك! فهي نوعٌ من القرود ذات الذيول القصيرة (موطنها الأنديز الشرقي، آسيا وأفريقيا).
أمّا الآن دعنا نكمل، فوفقًا للباحثين، إنّ استنساخ الرئيسيات (الإنسان والقرد) المُعدَّلة جينيًا سيوضّح فوائد هذه التجارب الطبيّة.
لكن في أعقاب الجدل الدائر حول التعديل الجيني على البشر، ربّما سيسمح الخوض في هذا الموضوع المثير للجدل بتجاوز الأخلاقيّات بأشواط.
نتج عن التجربة الجديدة التي جرت في معهد العلوم العصبية بأكاديمية العلوم الصينية في شنغهاي، خمسة من قرود المكاك الرُّضَع تشاركت نفس الجينات المُشتقَّة من أَرومَة لِيفِيَّة (fibroblast) أُخِذَت من جلد قردٍ مُتبرِّع.
والأهمّ من ذلك، أنّ جميعها تحمل نسخةً من جين BMAL1 تمّ تعديلها في المُتبرِّع باستخدام تقنية التعديل الجيني كريسبر – كاس 9.
اقرأ أيضًا: عشرة أشياء مذهلة حققها العلماء بتقنية تعديل الجينات كريسبر CRISPR
هذا الجين مسؤول عادةً عن بروتين مُنظِّم يلعب دورًا في إدارة نَظْم بَيُولُوجِيّة (biological rhythms) مُعيّنة لدى الثدييّات. ولكن في النسخة المُعدّلة لا يتم إنتاج هذا البروتين، ما يؤدّي إلى ظهور اضطرابات يوماويّة (ليليّة نهاريّة) circadian disorders على الحيوانات، مثل قلّة النوم وتزايد الحركة أثناء الليل.
كما ظهرت علامات القَلَق والاكتئاب، إلى جانب السلوكيات الشبيهة بالفُصَام – الشيزوفرينيا.
يقول الباحث بعلم الأعصاب هونغ-تشون تشانغ: «يمكن أن يسبب اضطراب النظم اليوماويّ العديد من أمراض الإنسان بما فيها اضطرابات النوم وداء السكري والسرطان والأمراض التنكسيّة العصبيّة».
ويضيف: «يمكن أن تُستخدَم قرودنا الحاملة للنسخة المُعدّلة من جين BMAL1 لدراسة الآليات الإمراضية بالإضافة للعلاجات المختلفة».
إنّ استخدام الحيوانات المُعدَّلة وراثيًا لدراسة المرض تكاد تكون مكافئة للأبحاث الطبيّة العادية اليوم.
يقوم العلماء بتحويل الجينات بشكلٍ متكرر وتعطيلها في الفئران والذباب والأسماك لدراسة تأثيراتها الفيزيولوجية.
وفي الوقت نفسه، يساعد استنساخ النماذج المُعدّلة وراثيًا على الحدّ من المتغيّرات في التجارب. كلّ حيوان مطابق للأخير، ما يجعل من السهل ملاحظة التأثيرات الخفيّة التي يمكن تفويتها.
لم يكن استنساخ الرئيسيات المُعدّلة وراثيًا مُمكنًا حتى وقتٍ قريب، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ إلى الطريقة التي تُغلَق فيها جيناتها تخلقيًّا عند تعرّض الخلايا المُخصّبة للإجهاد.
في السنة الماضية، أعلن المعهد الصيني للعلوم العصبية عن إنجاب اثنين من قرود المكاك طويلة الذيل باستخدام نقل نواة خلية جسدية، وهي نفس العملية التي استنسخت بها النعجة دولي الشهيرة في عام 1995.
لكن بالنسبة للبعض، فإنّ هذه النجاحات العلمية مرفوضة مهما كلّف الأمر.
وكتب الصحفي البريطاني تشاس نيوكي-بوردن في ذي إندبندنت في يناير/كانون الثاني الماضي: «قرد بعد قرد يعيش في ظروف محزنة ثم يموت بعد بضعة أيام».
ويضيف: «لا يخبرنا مسؤولو العلاقات العامة بأسماء هؤلاء الصغار».
هذه المرة، زرع الفريق 325 جنينًا مُستنسَخًا في رحم 65 أمًّأ بديلة، ما أدّى إلى 16 حالة حمل وخمس ولادات حية.
فيما إذا كانت الخسارة في الحياة أو احتماليّة تعرّض الحيوانات الناجية لألم وضيق تعادل فرصة علاج الاضطرابات النفسية المُنهِكة عند البشر، هي مسألةٌ مُعقّدةٌ بالنسبة إلى فلاسفة الأخلاق.
ليس بالضرورة أن تُنقَل النماذج الحيوانية إلى البيولوجيا البشرية بالسهولة التي يمكن أن نتوقعها، ما يثير المخاوف من أنّ النتائج قد لا تستحق الضرر المُحتمَل.
ومع ذلك، يردّ الباحثون بأنّ الهندسة الوراثيّة يمكن أن تكون حلاً لمشكلةٍ أكبر.
يقول عالم الأعصاب مو-بينغ بو، الذي ساهم في تعديل المكاك الأصلي واستنساخه: «سيساعد هذا الخط البحثي على تقليل كمية قرود المكاك المُستخدَمة حاليًا في الأبحاث الطبيّة البيولوجيّة حول العالم».
ويضيف: «من دون تداخل الخلفية الوراثية، قد يكون عدد أقل بكثير من القرود المستنسخة التي تحمل الأنماط الظاهرية للمرض كافية للتجارب ما قبل السريرية لاختبار فعالية العلاج».
يبدو أنّه لا يتفق الجميع مع ذلك. ومنهم خبيرة في رعاية الحيوانات والأخلاق والقانون ديبوراه كاو من جامعة غريفيث في أستراليا. وتشير إلى عدم وجود دلائل توجيهية دوليّة لهذا النوع من البحوث.
وقالت كاو لمراسل نيوزويك هانا أوزبورن: «أفضل طريقة لتقليل عدد القرود المستخدَمة في مثل هذه التجارب هو وقف هذه التجارب على الحيوانات».
«بدلاً من تطوير نماذج أمراض الرئيسيات غير البشرية للبشر، يجب عليهم تطوير نماذج أمراض بشرية للبشر».
في الوقت الحالي، أثبتت الصين أنّها ميدان اختبار مثير للجدل للقيود الأخلاقية لتقنية الهندسة الجينية. ففي أواخر العام الماضي، أعلن العالم الصيني هي جيانكوي عن ولادة أول طفل في العالم تمّ تعديله وراثيًا، بعد تعديل كريسبر.
وقد اتُّهم منذ ذلك الحين بتزوير الموافقة الأخلاقيّة، مع شائعات لاحقًا بأنّ السلطات قد ألقت القبض عليه.
سيحدد الوقت ما إذا كانت قرود المكاك المُستنسخَة الخمسة هذه تبشّر بعصرٍ جديدٍ من النماذج الحيوانية المعدّلة جينيًا، أم أنّها تمثل خطًا أخلاقيًا سنتجنّب عبوره مرةً أخرى في أيّ وقتٍ قريب.