يؤدّي تعرّض بعض أنواع البكتيريا للجاذبيّة الصُّغرى إلى تطفّر تلك الأنواع (إصابتها بالطّفرات) لتتكاثر بشكلٍ أسرع، وهذا ليس بالخبر المفرح لمن يحلم بالسياحة في الفضاء، وخاصّةً أنّا نحن البشر كائناتٌ تضجُّ بالبكتيريا.
لا نعرف سبب تلك الاستجابة الإيجابية للبكتيريا في الجاذبيّة الصغرى، ولكن يعمل الباحثون الآن على إيجاد طرقٍ لحماية روّاد الفضاء أثناء رحلاتهم، بالإضافة إلى تقليل الأذى الّذي يمكن أن تسبّبه بكتيريا معدّلة في الفضاء للأرض.
راقب باحثون من جامعة هيوستن خلايا جرثومة (الإشريكيّة القولونيّة Escherichia coli) خلال 1000 جيلٍ من تكاثرها في بيئةٍ تحاكي ظروفها بيئة الجاذبيّة الصّغرى، فوجدوا أنها انتشرت وبشكلٍ واضحٍ أسرع من مجموعة الضبط أي مجموعة البكتيريا الغير معدّلة.
لقد تعرّضت الـ E. coli لـ 16 نوعًا مختلفًا من الطفرات أثناء مسيرتها على الرغم من عدم معرفتنا فيما إذا كانت هذه الطّفرات تؤثّر على معدل النّموّ الفرديّ أو الجماعيّ.
يقول جيسون روزينزفايغ لليا كارن في New Scientist: «إنّها دراسةٌ واسعة النطاق أكثر من التجارب السّابقة وذلك من جانبين:
الأوّل هو أنّها تبحث في بعدٍ أطول والثاني أنّها تأخذ بعين الاعتبار الجينوم كاملًا وليس مجموعةً محددّةً من الجينات».
بيّن الاختبار أنّ الخلايا المعدلة قد نمت أكثر بـ 3 مرات من خلايا المستعمرات غير المعدلة من E. coli.
بعد ذلك نُقلت هذه البكتيريا فائقة الشحنة supercharged من الجاذبيّة الصّغرى وتُركت لتنمو 30 جيلًا قبل الاختبار فوجدنا تراجع ميزة النمو لديها بمعدّل 72% وهذا يدلّ على أنّ التغيرات التي تحصل في رحلة الفضاء يمكن أن تكون مؤقّتة.
يقول جورج فوكس أحد الباحثين في جامعة هويتن في New Scientist: «نلاحظ في الحقيقة تغيرّاتٍ جينيّةٍ حقيقيّةٍ، تغيّراتٍ دائمةٍ، والمرحلة القادمة ستكون معرفة دور تلك التّغيرات».
على الرغم من أنّ التجارب السابقة لم تكن بهذه الدّرجة من العمق ولم تمتدّ فترةً طويلةً، لاحظ العلماء أنّ تكاثر البكتيريا في الفضاء أسرع.
لقد تبيّن لنا أن بعض السلالات تمكّنت سابقًا من التكاثر بسرعة أكبر 60% في الجاذبية الصغرى، يبدو أنّه أمرٌ يتعلّق ببيئة انعدام الوزن التي تفضّلها الأحياء الدقيقة.
حتّى الآن، يضطّر روّاد الفضاء على متن ال ISS محطّة الفضاء العاليّة) إلى التّعامل مع أغطيةٍ بيولوجيّةٍ ثخينةٍ من البكتيريا التي تنمو بمعدّل أعلى من الطبيعي، يبدو ذلك بداية أحد أفلام الرّعب في الفضاء.
يقول الفريق أن مزيدًا من الدراسات ستساعدنا في اكتشاف أنواع الجراثيم التي يمكن أن تشاركنا الرّحلات الفضائيّة، وكيف يمكن لتلك الجراثيم أن تنمو وتتأقلم.
ويجب أن نعلم كذلك طريقة التعامل مع البكتيريا المعدّلة الّتي يمكن أن تعود إلى الأرض على متن سفينةٍ أو سائحٍ.
أبلغ الفريق أنّ البكتيريا المعدلة قُتلت بنفس السرعة الّتي قُتلت بها الإشريكيّة القولونيّة الطّبيعيّة عند معالجتها بالصادات الحيويّة، والخبر المفرح هو أنّ الانتشار الواسع لهذه البكتيريا فائقة الشّحنة هو مسألة وقتٍ ليس أكثر.
يريد الباحثون الآن إجراء ومشاهدة المزيد من التّجارب في الفضاء أو في بيئة ظروفها تحاكي الجاذبيّة الصّغرى ومنه نستنتج كيف تلتقط البكتيريا ميزات التّكاثر في هذه الظّروف.
يقول الباحث القائد مادهان تيرومالاي ل New Scientist: «نحتاج إلى المزيد من التجارب من هذا النوع، خاصة أن رحلات الإنسان إلى الفضاء تجذب المزيد من الانتباه في السنوات الأخيرة».