مدرسه .
School - Ecole
المدرسة
تتخذ المدرسة school في المفهوم الثقافي عدداً من المعاني منها: المذهب أو المبدأ أو النهج الذي يسير عليه صاحب إنجاز ما في مجاله. والمجموعة البشرية التي تضم أتباع أو مناصري أو مقلّدي شخصية فكرية أو فنية بارزة. وهي أيضاً الخصائص العامة التي تميز أعمالاً أدبية أو فنية من غيرها في زمن محدد أو منطقة معينة.
والمدرسة بالمفهوم التربوي، هي مؤسسة شاملة يتلقى فيها الناشئة التعليم والتربية والتوجيه في المجالات كافة، يحدد المجتمع أهدافها ومعالمها، وترمي إلى تكوين الإنسان المرغوب بعد إكسابه كماً من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم. وتشكل المدرسة اليوم نظاماً متكاملاً يضم مجموعة من العناصر المادية، كالبناء المدرسي والتجهيزات والتقنيات اللازمة وغيرها، والعناصر البشرية كالطلبة والمعلمين.
وتتدرج المقررات التي يدرسها الطلبة في مراحل التعليم ضمن مناهج منظمة تعرف بالمناهج المدرسية. ويقوم المعلمون بالتدريس في المدارس، كما تقوم عادة كل دولة بوضع الأنظمة الخاصة بها لإعداد المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم لمزاولة مهنة التدريس.
تتولى الحكومات في الدول أو مؤسسات ومنظمات أو مجموعات خاصة من الأفراد تمويل المدارس، وتعنى وزارات التربية والتعليم في معظم الدول العربية بتزويد المدارس باحتياجاتها من أدوات ومعلمين.
ولم تكن المدرسة بمفهومها الحالي معروفة قبل اختراع القراءة والكتابة لأن التربية كانت ذات طابع شفاهي، تولّى فيها الآباء وكبار السن والكهنة تعليم الأطفال ما يحتاجون إليه في حياتهم الراشدة من معارف ومهارات وقيم تتعلق بجمع الطعام، وتوفير المأوى، وصنع الأسلحة والأدوات، واستخدام اللغة، وممارسة الطقوس الدينية.
وقد كشف علم الآثار عن أن أولى المدارس كدورٍ للعلم، ظهرت في مدينة أوروك في بلاد ما بين النهرين (العراق) نحو عام 3500 ق. م. وكانت ملحقة بالمعابد التي تمركزت فيها الأنشطة الدينية والقضائية والمالية والزراعية والتجارية، وتكوين الأطر المؤهلة للقيام بتلك الأنشطة، وإدارة شؤون المدينة وسكانها.
كما تطورت المدرسة مع تطور الفكر التربوي عبر العصور. ففي العصور القديمة وفي اليونان تحديداً، حدد أفلاطون[ر] في كتابه «الجمهورية» معالم النظام التربوي المثالي الذي تتلقى فيه كل طبقة اجتماعية تعليماً يختلف عن التعليم الذي تتلقاه طبقة أخرى، ويهيأ أفرادها لأداء الأدوار المنوطة بهم في المجتمع، وأسس لهذا الغرض مدرسة في أثينا سماها «أكاديمية» Academy، وتبعه تلميذه أرسطو[ر] فأسس مدرسة لتطبيق أفكاره الفلسفية سماها «ليسيوم» Lyceum. وفي روما القديمة أنشئت المدارس للذكور فقصدها أبناء الطبقة الميسورة القادرون على دفع أقساطها المرتفعة، وأطلق على المرحلة الابتدائية اسم (ألودوس) aludus، وفي المرحلة الثانوية كان الطلبة يدرسون قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على يد العبيد اليونانيين الذين كان يطلق عليهم اسم pedagogues. أما الإناث فكنّ يتعلّمن في منازلهنّ.
وانتشرت المدارس في العصور الوسطى، وارتبط معظمها بالكنائس، واهتمت على الخصوص بتعليم اللاتينية والرومانية القديمة ذات الصلة بالطقوس الدينية. كما تولى عدد من الأديرة تعليم النساء وتأهيلهن كراهبات، وغالباً ما ألحقت بها المدارس والمكتبات.
وقد عرف العرب المسلمون المدارس أماكنَ للتعليم منذ بزوغ فجر الإسلام، فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المدرسة الإسلامية الأولى في عهد الرسولr. كما تمت مزاولة التعليم في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وفي الكتاتيب، واستمر استعمال الكتاتيب والمساجد أماكنَ للتعليم في العصر الأموي إلى جانب قصور الخلفاء والمجالس الأدبية.
أما في العصر العباسي فقد بقيت أماكن التعليم التي كانت في العصور الإسلامية السابقة، وأضيفت إليها حوانيت الوراقين التي كانت تزود طلاب العلم بالمراجع والمصادر، كما أضيفت المكتبات ومنازل العلماء والزوايا لتعليم أبناء الصحراء والخوانق والربط على حدود البلاد الإسلامية. وكانت المساجد بمنزلة المدارس والجامعات في آن معاً، ثم بدئ بتأسيس المدارس المستقلة عن الجوامع، على الرغم من بقاء الكتاتيب السائدة لتعليم القراءة والكتابة عبر تعلّم القرآن الكريم.
وكثرت المدارس في دمشق منذ القرن السادس بتخصصات متنوعة وبأسماء مختلفة مثل مدارس دور القرآن الكريم، ودور الحديث الشريف، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، والطب، والرباطات، والزوايا والترب وغيرها.
تأثرت التربية الأوربية بشدة بتعلم بعض الأوربيين اللغة العربية في الأندلس والمغرب العربي، فتمثلوا الثقافة العربية حتى إن عدداً منهم اكتسب طرائق تفكير جديدة في الرياضيات والعلوم الطبيعية والطب والفلسفة. مما كان له تأثير كبير في عصر النهضة حينما ظهرت المدرسة التقليدية التي تفوق فيها اهتمام المربين بما هو إنساني، على ما هو ديني.
وعرفت العصور الحديثة تطورات مهمة في الفكر التربوي أثرت في المدرسة. ففي القرن السابع عشر ظهر مصلحون تربويون مثل كومينيوس[ر] Comenius وجون لوك[ر] John Locke. وفي القرن الثامن عشر شاعت النظرية التربوية التي أكدت على قدرة الناس على تحسين حياتهم ومجتمعاتهم باستعمال عقولهم وممارستهم للتفكير الناقد، وتأثر بها الأميركيون، حتى إن الفيلسوف والعالم الأميركي بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin شدد على قيمة التربية النفعية utilitarian والعلمية في المدارس.
وشهد القرن التاسع عشر بزوغ التربية الحديثة وما تبعها من تغيّر في شكل المدرسة ووظيفتها وآلية التعليم فيها. ومن أعلامها بستالوتزي[ر] Pestalozzi في سويسرا وجان جاك روسو[ر] Rousseau في فرنسا، وقد طوّر الأخير منهجاً تربوياً بني على العلم الطبيعي، وأسس لمدارس قريبة الشبه بالبيوت من حيث امتلاؤها بالأمان والحنان، تعلّم الأطفال وتدرب المعلمين. وفي القرن العشرين تأثرت المدرسة بأفكار المربية التقدمية إيلين كي Ellen Key، فظهرت جماعة «المربين التقدميين» progressive educationers التي روّجت لما عرف بالتربية التقدمية نظاماً للتعليم يتمحور على الطفل أكثر مما يتمحور على المجتمع، ومن هؤلاء مونتيسوري[ر] M.Montessori الإيطالية، وجون ديوي[ر] J.Dewey الأميركي الذي رسّخ مبادئ تستند إلى التربية بالعمل، وإثراء الحياة الراهنة للمتعلمين، وإعدادهم للمستقبل، وبياجيه[ر] Piaget السويسري.
وقد انتشرت أفكار هؤلاء وسواهم في مختلف أرجاء العالم ودوله بما فيها الدول النامية، وما زال تأثيرهم يوجه دفة التربية بقوة وفاعلية حتى اليوم، ويطور في أوضاع المدرسة الحديثة ووظائفها.
جورج قسيس
School - Ecole
المدرسة
تتخذ المدرسة school في المفهوم الثقافي عدداً من المعاني منها: المذهب أو المبدأ أو النهج الذي يسير عليه صاحب إنجاز ما في مجاله. والمجموعة البشرية التي تضم أتباع أو مناصري أو مقلّدي شخصية فكرية أو فنية بارزة. وهي أيضاً الخصائص العامة التي تميز أعمالاً أدبية أو فنية من غيرها في زمن محدد أو منطقة معينة.
والمدرسة بالمفهوم التربوي، هي مؤسسة شاملة يتلقى فيها الناشئة التعليم والتربية والتوجيه في المجالات كافة، يحدد المجتمع أهدافها ومعالمها، وترمي إلى تكوين الإنسان المرغوب بعد إكسابه كماً من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم. وتشكل المدرسة اليوم نظاماً متكاملاً يضم مجموعة من العناصر المادية، كالبناء المدرسي والتجهيزات والتقنيات اللازمة وغيرها، والعناصر البشرية كالطلبة والمعلمين.
وتتدرج المقررات التي يدرسها الطلبة في مراحل التعليم ضمن مناهج منظمة تعرف بالمناهج المدرسية. ويقوم المعلمون بالتدريس في المدارس، كما تقوم عادة كل دولة بوضع الأنظمة الخاصة بها لإعداد المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم لمزاولة مهنة التدريس.
تتولى الحكومات في الدول أو مؤسسات ومنظمات أو مجموعات خاصة من الأفراد تمويل المدارس، وتعنى وزارات التربية والتعليم في معظم الدول العربية بتزويد المدارس باحتياجاتها من أدوات ومعلمين.
ولم تكن المدرسة بمفهومها الحالي معروفة قبل اختراع القراءة والكتابة لأن التربية كانت ذات طابع شفاهي، تولّى فيها الآباء وكبار السن والكهنة تعليم الأطفال ما يحتاجون إليه في حياتهم الراشدة من معارف ومهارات وقيم تتعلق بجمع الطعام، وتوفير المأوى، وصنع الأسلحة والأدوات، واستخدام اللغة، وممارسة الطقوس الدينية.
وقد كشف علم الآثار عن أن أولى المدارس كدورٍ للعلم، ظهرت في مدينة أوروك في بلاد ما بين النهرين (العراق) نحو عام 3500 ق. م. وكانت ملحقة بالمعابد التي تمركزت فيها الأنشطة الدينية والقضائية والمالية والزراعية والتجارية، وتكوين الأطر المؤهلة للقيام بتلك الأنشطة، وإدارة شؤون المدينة وسكانها.
كما تطورت المدرسة مع تطور الفكر التربوي عبر العصور. ففي العصور القديمة وفي اليونان تحديداً، حدد أفلاطون[ر] في كتابه «الجمهورية» معالم النظام التربوي المثالي الذي تتلقى فيه كل طبقة اجتماعية تعليماً يختلف عن التعليم الذي تتلقاه طبقة أخرى، ويهيأ أفرادها لأداء الأدوار المنوطة بهم في المجتمع، وأسس لهذا الغرض مدرسة في أثينا سماها «أكاديمية» Academy، وتبعه تلميذه أرسطو[ر] فأسس مدرسة لتطبيق أفكاره الفلسفية سماها «ليسيوم» Lyceum. وفي روما القديمة أنشئت المدارس للذكور فقصدها أبناء الطبقة الميسورة القادرون على دفع أقساطها المرتفعة، وأطلق على المرحلة الابتدائية اسم (ألودوس) aludus، وفي المرحلة الثانوية كان الطلبة يدرسون قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على يد العبيد اليونانيين الذين كان يطلق عليهم اسم pedagogues. أما الإناث فكنّ يتعلّمن في منازلهنّ.
وانتشرت المدارس في العصور الوسطى، وارتبط معظمها بالكنائس، واهتمت على الخصوص بتعليم اللاتينية والرومانية القديمة ذات الصلة بالطقوس الدينية. كما تولى عدد من الأديرة تعليم النساء وتأهيلهن كراهبات، وغالباً ما ألحقت بها المدارس والمكتبات.
وقد عرف العرب المسلمون المدارس أماكنَ للتعليم منذ بزوغ فجر الإسلام، فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المدرسة الإسلامية الأولى في عهد الرسولr. كما تمت مزاولة التعليم في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وفي الكتاتيب، واستمر استعمال الكتاتيب والمساجد أماكنَ للتعليم في العصر الأموي إلى جانب قصور الخلفاء والمجالس الأدبية.
أما في العصر العباسي فقد بقيت أماكن التعليم التي كانت في العصور الإسلامية السابقة، وأضيفت إليها حوانيت الوراقين التي كانت تزود طلاب العلم بالمراجع والمصادر، كما أضيفت المكتبات ومنازل العلماء والزوايا لتعليم أبناء الصحراء والخوانق والربط على حدود البلاد الإسلامية. وكانت المساجد بمنزلة المدارس والجامعات في آن معاً، ثم بدئ بتأسيس المدارس المستقلة عن الجوامع، على الرغم من بقاء الكتاتيب السائدة لتعليم القراءة والكتابة عبر تعلّم القرآن الكريم.
وكثرت المدارس في دمشق منذ القرن السادس بتخصصات متنوعة وبأسماء مختلفة مثل مدارس دور القرآن الكريم، ودور الحديث الشريف، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، والطب، والرباطات، والزوايا والترب وغيرها.
تأثرت التربية الأوربية بشدة بتعلم بعض الأوربيين اللغة العربية في الأندلس والمغرب العربي، فتمثلوا الثقافة العربية حتى إن عدداً منهم اكتسب طرائق تفكير جديدة في الرياضيات والعلوم الطبيعية والطب والفلسفة. مما كان له تأثير كبير في عصر النهضة حينما ظهرت المدرسة التقليدية التي تفوق فيها اهتمام المربين بما هو إنساني، على ما هو ديني.
وعرفت العصور الحديثة تطورات مهمة في الفكر التربوي أثرت في المدرسة. ففي القرن السابع عشر ظهر مصلحون تربويون مثل كومينيوس[ر] Comenius وجون لوك[ر] John Locke. وفي القرن الثامن عشر شاعت النظرية التربوية التي أكدت على قدرة الناس على تحسين حياتهم ومجتمعاتهم باستعمال عقولهم وممارستهم للتفكير الناقد، وتأثر بها الأميركيون، حتى إن الفيلسوف والعالم الأميركي بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin شدد على قيمة التربية النفعية utilitarian والعلمية في المدارس.
وشهد القرن التاسع عشر بزوغ التربية الحديثة وما تبعها من تغيّر في شكل المدرسة ووظيفتها وآلية التعليم فيها. ومن أعلامها بستالوتزي[ر] Pestalozzi في سويسرا وجان جاك روسو[ر] Rousseau في فرنسا، وقد طوّر الأخير منهجاً تربوياً بني على العلم الطبيعي، وأسس لمدارس قريبة الشبه بالبيوت من حيث امتلاؤها بالأمان والحنان، تعلّم الأطفال وتدرب المعلمين. وفي القرن العشرين تأثرت المدرسة بأفكار المربية التقدمية إيلين كي Ellen Key، فظهرت جماعة «المربين التقدميين» progressive educationers التي روّجت لما عرف بالتربية التقدمية نظاماً للتعليم يتمحور على الطفل أكثر مما يتمحور على المجتمع، ومن هؤلاء مونتيسوري[ر] M.Montessori الإيطالية، وجون ديوي[ر] J.Dewey الأميركي الذي رسّخ مبادئ تستند إلى التربية بالعمل، وإثراء الحياة الراهنة للمتعلمين، وإعدادهم للمستقبل، وبياجيه[ر] Piaget السويسري.
وقد انتشرت أفكار هؤلاء وسواهم في مختلف أرجاء العالم ودوله بما فيها الدول النامية، وما زال تأثيرهم يوجه دفة التربية بقوة وفاعلية حتى اليوم، ويطور في أوضاع المدرسة الحديثة ووظائفها.
جورج قسيس