محمد خامس (ملك)
Mohammed V of Morocco - Mohammed V
محمد الخامس (الملك ـ)
(1327ـ 1380هـ/1909ـ 1962م)
محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد، مؤسس الأسرة الحاكمة في المملكة المغربية، يرجع نسبه إلى أسرة شريفة نزحت إلى المغرب سنة 664هـ/1266م، واستقرت في مدينة سجلماسة بإقليم الرشيدية «تفيلالت سابقاً»، وعرفت بالأسرة العلوية نسبة إلى السيد علي الشريف أحد جدودها المشهود له بالفضل والبركة. ولد محمد الخامس في مدينة فاس في فترة اتسمت بازدياد الأطماع الاستعمارية واشتداد الفتن الداخلية؛ حيث كانت قوى الشر والطغيان تتربص بالمغرب وتتآمر عليه قبل فرض الحماية الأجنبية والإعلان عنها سنة 1912م، وتربى في وسط ديني، حيث تلقى العلوم الدينية واللغوية على أيدي فقهاء وأساتذة كان أكثرهم يعمل بالقصر الملكي. كذلك تلقى مبادئ اللغة الفرنسية والعلوم العصرية على يد أساتذة تثقفوا ثقافة عصرية. تطلع منذ طفولته المبكرة إلى الزعامة والمجد، وكان صلباً قاسياً في مواقفه، لا يعرف التردد، اتصل منذ نشأته برجال الحركة الوطنية والمفكرين فكان يندد بالاستعمار والمستعمرين ويدعو إلى مقاومتهما. ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره، بويع ملكاً على المغرب في 18 تشرين الثاني سنة 1927م بعد وفاة والده السلطان يوسف، والمغرب خاضع لما يعرف بنظام الحماية الفرنسي والإسباني، ولم يكن للسلطان يومذاك إلا بعض المظاهر الشكلية. جمع محمد الخامس بشخصه المهام الدينية والدنيوية، باعتباره أمير المؤمنين، ويذكر أنه لم يكن يأبه بمظاهر الأبهة والفخامة، وكان متمسكاً بالتراث رافضاً الترف المادي متطلعاً إلى ما هو جديد. كما كان واقعياً حكيماً يقدر خطورة الموقف، ويزن الأمور بميزان العقل والبصيرة، شجاعاً غير هياب للمحن والصعاب، فلا تهمه الغوغائية من جهة، ولا التهديد من جهة أخرى، فمداراته للأعداء وحججه المنطقية دفاعاً عن الحق من أقوى عوامل النجاح في حياته. ومع بداية حكمه بدأت عوامل الحس الوطني تنمو عند معظم شباب المغرب، وتكونت كتلة العمل الوطني التي ساندها الملك لأنه كان مؤمناً بحق أمته في الحرية والاستقلال، ومقدراً للأمانة التي أودعها الشعب في عنقه، فلم يرضخ أو يستسلم، كما لم ينزل عن العرش بالرغم من التهديدات والمضايقات، بل فضّل المنفى على التفريط بحق شعبه الذي لقبه بـ«سلطان الشباب»، وقد تحمل كل المصاعب والمتاعب التي سبّبها الطغاة المستعمرون ومن والاهم؛ لذا فإن المغرب مدين لمحمد الخامس بتحقيق استقلاله، وإن مواقفه في رفض كل ما من شأنه أن يمس سيادة بلاده أو يضر بمصالح شعبه لها أهمية قصوى، ولولا ذلك لورث المغرب استقلالاً مشلولاً. عالج محمد الخامس الأمور بحكمة، وعمل على حماية مصالح شعبه قدر المستطاع، ففي سنوات الحرب العالمية الثانية، كان يغتنم الفرص للتذكير بحقوق وطنه وطموح شعبه للتخلص من الحماية الأجنبية وأخذ يزور المناطق الخاضعة للفرنسيين والإسبان، وفي كل مدينة كان يؤكد وحدة المغرب وسيادته الوطنية وانتماءه للأمة العربية، وشارك في المؤتمر الذي عقد في الدار البيضاء في 14 كانون الثاني 1943م بحضور تشرشل، ديغول، روزفلت، حيث تحدث الأخير عن اليوم الذي ستحصل فيه البلاد على الحرية والاستقلال بموجب مبادئ حلف الأطلسي، وأكد استقلال المغرب بعد الحرب، ووعد بمساعدات اقتصادية. غير أن الوعود الأمريكية والفرنسية ذهبت أدراج الرياح، وبقيت البلاد ترزح تحت نير المستعمر، مما زاد المغاربة اقتناعاً و تصميماً على أن الاستقلال يؤخذ غلاباً، وهذا مما آمن به الملك محمد الخامس وكان مستعداً له. واصل محمد الخامس سياسة المقاومة والمعارضة للمشروعات الاستعمارية، تلك المعارضة التي كانت تحظى بالتأييد والتشجيع من معظم فئات شعبه، ففي عام 1950 زار باريس وعرض على الحكومة إعادة النظر في معاهدة 1912، لكن طلبه قوبل بالرفض، وحينما عاد إلى المغرب أعلن أن الاستقلال لا يكون إلا بالتضحيات، وأقدم على طرد من كانت له صلات مع الفرنسيين من بلاطه. عندها أدركت فرنسا ضرورة التخلص منه فصممت على إقامة الدسائس والمؤامرات ضده، وسعت لإقامة الفتنة بين العرب والبربر، وكان الملك محمد الخامس يحبط محاولاتها ودسائسها، وحينما يئست من إضعاف شعبيته لجأت إلى بث منشورات تنال من شرف عائلته لكنه تجاهل منشوراتها، واتجه إلى شعبه يحضه على الصمود لمقاومة الغزاة، غير أنه في العام 1953م قررت فرنسا التخلص منه نهائياً؛ إذ ألقت القبض عليه مع أفراد أسرته ثم نفته إلى جزيرة كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، ونادت بأحد الموالين لها وهو محمد بن عرفة ملكاً على البلاد. وفي أثناء فترة نفي الملك محمد الخامس اندلعت ثورة الملك والشعب دفاعاً عن شرف الملك وكرامة الوطن. ولم تتوقف تلك الثورة مع بطش المستعمر وآلته العسكرية لإخماد الثورة، وعندما باءت جهود المستعمر بالإخفاق لجأ إلى الملك محمد الخامس، لكن الأخير أصرّ على أن الحل الوحيد هو الاعتراف للمغرب بحريته الكاملة وسيادته التامة، فكان له ما أراد. وقد أدرك الفرنسيون أن لا مخرج لهم إلا بإعادة الملك إلى عرشه، والإقرار باستقلال المغرب، وقد أكد ذلك الحشد الجماهيري الذي لف الملك وأسرته لدى هبوط طائرته عائداً إلى وطنه في 16 تشرين الثاني 1955م. وسرعان ما عاد إلى نشاطه اليومي وشرع بما أوتي من حكمة وحنكة في وضع أسس المغرب الجديد وإقامة أركانه وتدبير شؤون المملكة بما تتطلبه المتغيرات الجديدة حيث قام بتأليف الحكومة الوطنية الأولى ووضع أسس توحيد البلاد وإنهاء ما بقي من مظاهر عهد الوصاية الأجنبية. في الخامس عشر من شباط سنة 1956م زار فرنسا من أجل المفاوضات حول استقلال المغرب وتمكينه من اختصاصات سيادته وتحديد طبيعة العلاقة بين المغرب وفرنسا. وفي السابع من آذار من العام نفسه أعلن الملك محمد الخامس استقلال المغرب، الذي أصبح عضواً في جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة تحت اسم: المملكة المغربية. في الرابع من نيسان 1956م، قام بزيارة رسمية لإسبانيا لبحث استقلال المغرب ووحدة ترابه، وتبلور عن هذه الزيارة إصدار التصريح المشترك المغربي الإسباني الذي أكد اعتراف إسبانيا باستقلال المغرب واحترامها لوحدة ترابه وسيادته. كما سعى محمد الخامس إلى تطوير بلاده علمياً وثقافياً واقتصادياً. بيد أن المنية عاجلته إثر عملية جراحية، تاركاً لابنه وولي عهده الحسن إكمال مسيرة بناء المغرب. محمود عامر، مصطفى الخطيب
Mohammed V of Morocco - Mohammed V
محمد الخامس (الملك ـ)
(1327ـ 1380هـ/1909ـ 1962م)
محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد، مؤسس الأسرة الحاكمة في المملكة المغربية، يرجع نسبه إلى أسرة شريفة نزحت إلى المغرب سنة 664هـ/1266م، واستقرت في مدينة سجلماسة بإقليم الرشيدية «تفيلالت سابقاً»، وعرفت بالأسرة العلوية نسبة إلى السيد علي الشريف أحد جدودها المشهود له بالفضل والبركة. ولد محمد الخامس في مدينة فاس في فترة اتسمت بازدياد الأطماع الاستعمارية واشتداد الفتن الداخلية؛ حيث كانت قوى الشر والطغيان تتربص بالمغرب وتتآمر عليه قبل فرض الحماية الأجنبية والإعلان عنها سنة 1912م، وتربى في وسط ديني، حيث تلقى العلوم الدينية واللغوية على أيدي فقهاء وأساتذة كان أكثرهم يعمل بالقصر الملكي. كذلك تلقى مبادئ اللغة الفرنسية والعلوم العصرية على يد أساتذة تثقفوا ثقافة عصرية. تطلع منذ طفولته المبكرة إلى الزعامة والمجد، وكان صلباً قاسياً في مواقفه، لا يعرف التردد، اتصل منذ نشأته برجال الحركة الوطنية والمفكرين فكان يندد بالاستعمار والمستعمرين ويدعو إلى مقاومتهما. ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره، بويع ملكاً على المغرب في 18 تشرين الثاني سنة 1927م بعد وفاة والده السلطان يوسف، والمغرب خاضع لما يعرف بنظام الحماية الفرنسي والإسباني، ولم يكن للسلطان يومذاك إلا بعض المظاهر الشكلية. جمع محمد الخامس بشخصه المهام الدينية والدنيوية، باعتباره أمير المؤمنين، ويذكر أنه لم يكن يأبه بمظاهر الأبهة والفخامة، وكان متمسكاً بالتراث رافضاً الترف المادي متطلعاً إلى ما هو جديد. كما كان واقعياً حكيماً يقدر خطورة الموقف، ويزن الأمور بميزان العقل والبصيرة، شجاعاً غير هياب للمحن والصعاب، فلا تهمه الغوغائية من جهة، ولا التهديد من جهة أخرى، فمداراته للأعداء وحججه المنطقية دفاعاً عن الحق من أقوى عوامل النجاح في حياته. ومع بداية حكمه بدأت عوامل الحس الوطني تنمو عند معظم شباب المغرب، وتكونت كتلة العمل الوطني التي ساندها الملك لأنه كان مؤمناً بحق أمته في الحرية والاستقلال، ومقدراً للأمانة التي أودعها الشعب في عنقه، فلم يرضخ أو يستسلم، كما لم ينزل عن العرش بالرغم من التهديدات والمضايقات، بل فضّل المنفى على التفريط بحق شعبه الذي لقبه بـ«سلطان الشباب»، وقد تحمل كل المصاعب والمتاعب التي سبّبها الطغاة المستعمرون ومن والاهم؛ لذا فإن المغرب مدين لمحمد الخامس بتحقيق استقلاله، وإن مواقفه في رفض كل ما من شأنه أن يمس سيادة بلاده أو يضر بمصالح شعبه لها أهمية قصوى، ولولا ذلك لورث المغرب استقلالاً مشلولاً. عالج محمد الخامس الأمور بحكمة، وعمل على حماية مصالح شعبه قدر المستطاع، ففي سنوات الحرب العالمية الثانية، كان يغتنم الفرص للتذكير بحقوق وطنه وطموح شعبه للتخلص من الحماية الأجنبية وأخذ يزور المناطق الخاضعة للفرنسيين والإسبان، وفي كل مدينة كان يؤكد وحدة المغرب وسيادته الوطنية وانتماءه للأمة العربية، وشارك في المؤتمر الذي عقد في الدار البيضاء في 14 كانون الثاني 1943م بحضور تشرشل، ديغول، روزفلت، حيث تحدث الأخير عن اليوم الذي ستحصل فيه البلاد على الحرية والاستقلال بموجب مبادئ حلف الأطلسي، وأكد استقلال المغرب بعد الحرب، ووعد بمساعدات اقتصادية. غير أن الوعود الأمريكية والفرنسية ذهبت أدراج الرياح، وبقيت البلاد ترزح تحت نير المستعمر، مما زاد المغاربة اقتناعاً و تصميماً على أن الاستقلال يؤخذ غلاباً، وهذا مما آمن به الملك محمد الخامس وكان مستعداً له. واصل محمد الخامس سياسة المقاومة والمعارضة للمشروعات الاستعمارية، تلك المعارضة التي كانت تحظى بالتأييد والتشجيع من معظم فئات شعبه، ففي عام 1950 زار باريس وعرض على الحكومة إعادة النظر في معاهدة 1912، لكن طلبه قوبل بالرفض، وحينما عاد إلى المغرب أعلن أن الاستقلال لا يكون إلا بالتضحيات، وأقدم على طرد من كانت له صلات مع الفرنسيين من بلاطه. عندها أدركت فرنسا ضرورة التخلص منه فصممت على إقامة الدسائس والمؤامرات ضده، وسعت لإقامة الفتنة بين العرب والبربر، وكان الملك محمد الخامس يحبط محاولاتها ودسائسها، وحينما يئست من إضعاف شعبيته لجأت إلى بث منشورات تنال من شرف عائلته لكنه تجاهل منشوراتها، واتجه إلى شعبه يحضه على الصمود لمقاومة الغزاة، غير أنه في العام 1953م قررت فرنسا التخلص منه نهائياً؛ إذ ألقت القبض عليه مع أفراد أسرته ثم نفته إلى جزيرة كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، ونادت بأحد الموالين لها وهو محمد بن عرفة ملكاً على البلاد. وفي أثناء فترة نفي الملك محمد الخامس اندلعت ثورة الملك والشعب دفاعاً عن شرف الملك وكرامة الوطن. ولم تتوقف تلك الثورة مع بطش المستعمر وآلته العسكرية لإخماد الثورة، وعندما باءت جهود المستعمر بالإخفاق لجأ إلى الملك محمد الخامس، لكن الأخير أصرّ على أن الحل الوحيد هو الاعتراف للمغرب بحريته الكاملة وسيادته التامة، فكان له ما أراد. وقد أدرك الفرنسيون أن لا مخرج لهم إلا بإعادة الملك إلى عرشه، والإقرار باستقلال المغرب، وقد أكد ذلك الحشد الجماهيري الذي لف الملك وأسرته لدى هبوط طائرته عائداً إلى وطنه في 16 تشرين الثاني 1955م. وسرعان ما عاد إلى نشاطه اليومي وشرع بما أوتي من حكمة وحنكة في وضع أسس المغرب الجديد وإقامة أركانه وتدبير شؤون المملكة بما تتطلبه المتغيرات الجديدة حيث قام بتأليف الحكومة الوطنية الأولى ووضع أسس توحيد البلاد وإنهاء ما بقي من مظاهر عهد الوصاية الأجنبية. في الخامس عشر من شباط سنة 1956م زار فرنسا من أجل المفاوضات حول استقلال المغرب وتمكينه من اختصاصات سيادته وتحديد طبيعة العلاقة بين المغرب وفرنسا. وفي السابع من آذار من العام نفسه أعلن الملك محمد الخامس استقلال المغرب، الذي أصبح عضواً في جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة تحت اسم: المملكة المغربية. في الرابع من نيسان 1956م، قام بزيارة رسمية لإسبانيا لبحث استقلال المغرب ووحدة ترابه، وتبلور عن هذه الزيارة إصدار التصريح المشترك المغربي الإسباني الذي أكد اعتراف إسبانيا باستقلال المغرب واحترامها لوحدة ترابه وسيادته. كما سعى محمد الخامس إلى تطوير بلاده علمياً وثقافياً واقتصادياً. بيد أن المنية عاجلته إثر عملية جراحية، تاركاً لابنه وولي عهده الحسن إكمال مسيرة بناء المغرب. محمود عامر، مصطفى الخطيب