حلي النديّ كرامة للرّاح
عجيا اتسكرنا و أنت الصاحي
لك في السرائر بدعة مرموقة
أنس المقيم و جفوة النزّاح
مجد كآفاق السماء اذا انتهت
منه نواح بادهت بنواحي
الدّهر ملك العبقريّة وحدها
لا ملك جبّار و لا سفّاح
و الكون في أسراره و كنوزه
للفكر لا لوغى و لا لسلاح
ذرت السّنون الفاتحين كأنّهم
رمل تناوله مهبّ رياح
لا تصلح الدّنيا و يصلح امرها
إلاّ بفكر كالشعاع صراح
مرح على كيد الحياة و أهلها
يلقى شدائدها بأزهر ضاح
خير العقائد في هواي عقيدة
شمّاء ذات توثّب و جماح
تبني الحياة على هدى إيمانها
و العقل مثبت غيرها و الماحي
سكرى العقيدة أين من آفاقه
سكر العيون و أين سكر الراح
ملك الحياة فخلف كلّ ثنيّة
لليأس يكمن منه ألف طماح
شرف المعارك بالجراح و بالردى
فبدار قسطك من أذى و جراح
و احمل بكفّيك الحياة تحدّيا
منها لأول معتد بالسّاح
ألعمر من غيب القضاء خبيئة
فابسط مصون كنوزه بالرّاح
لا تشك من قصر الحياة فربّما
أغنت إشارتها عن الإفصاح
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه
أغناك موجزه عن الشرّاح
و اختر لنفسك ميتة مرموقة
بين النّجوم على الأديم الصاحي
للموت في اللجج العميقة رهبة
شمخت بسؤددها على الضحضاح
حوّطت بالله العقيدة من أذى
خرقاء فاجرة اليمين وقاح
سكرت على كرم النديّ و عربدت
فاليوم لا خمري و لا أقداحي
لهو العيون و لا أقول قذاتها
و كل تكلّف زهوة المجتاح
مترنّح العطفين من خيلائه
ماذا تركت لغارة و كفاح
الله يعلم ما أردت شماتة
بمصرّعين من العياء طلاح
تأبى الشماتة في الضّعيف شمائلي
و تعفّ عن شلو الجريح صفاحي
و أنا الذي وسع الهموم حنانه
و بكى لكلّ معذّب ملتاح
أشقى لمن حمل الشقاء كأنّما
أتراح كلّ أخي هوى أتراحي
غسل الأسى قلبي و حسبك بالأسى
من غاسل حقد القلوب و ماحي
و وددت حين هوى جناح حمامة
لو حلّقت من خافقي بجناح
حبّ قد انتظم الوجود بأسره
أسد الشرى و حمامة الأدواح
أعمى تلفّتت العصور فما رأت
عند الشموس كنوزه اللّماح
نفذت بصيرته لأسرار الدّجى
فتبرّجت منها بألف صباح
من راح يحمل في جوانحه الضّحى
هانت عليه أشعّة المصباح
أمصوّر الدنيا جحيما فائرا
يرمي العصور بجمره اللّفّاح
هوّن عليك ففي النّفوس بقيّة
من رحمة و مروءة و سماح
خلف الخجير و عنفه و لهيبه
ما شئت من ظلّ و طيب نفاح
ضجّت ملائكة السّماء بساخر
مرّ الدعابة شاتم مدّاح
السخر فيه إذا أخذت بكفره
كالسخر حين تراه في النصّاح
نكب العقائد و الطّباع فيا لها
فتكات حتف كالقضاء متاح
و عدا على حرم السماء فيا له
فنحا أطلّ به على الفتّاح
عرّى السرائر و النّفوس ممزّقا
عنهنّ كلّ غلالة و وشاح
و جلا المصون من الضمائر فانتهى
همس النّفوس لضجّة و صياح
إن يقس في نقد الطباع فلم تكن
ترجى لرحمتها يد الجرّاح
إيه رهين المحبسين ألم يئن
إطلاق مأسور وفكّ سراح
ظفرت برحمتك الحياة وصنتها
عن كلّ ناعسة الجفون رداح
أتضيق بالأنثى و حبّك لم يضق
بالوحش بين سباسب و بطاح
يا ظالم التّفاح في وجناتها
لو ذقت بعض شمائل التفّاح
عطر أحبّ من المنى و غلالة
بدع فمن وهج و من أفراح
هي صورة لله عزّ و جلّ جلاله
عزّت نظائرها على الألواح
منحت بقدرته النعيم و لوّنت
أنواره جلّت يد المنّاح
ليت الهموم العبقريّة هدهدت
بحنان طيّبة اللّمى ممراح
لو أنّها نزلت على نعمى الهوى
نزلت مدلّلة بأكرم ساح
حرم على عسر الزمان و يسره
و حمى أمين السرب غير مباح
ما أحوج العقل الحكيم و همّه
و سع الحياة لصبوة و مراح
و لمن تدلّله و تسكر روحه
عند الهجير بظلّها النفّاح
أنثى إذا ضاقت سريرة نفسه
طلعت بآفاق عليه فساح
تسقى الهموم إذا وردن حنانها
بمعطّر كالسلسبيل قراح
وتردّهنّ عرائسا مجلوّة
كندى الصباح و كنّ غير صباح
للعبقريّة قسوة لولا الهوى
عصفت بكلّ عقيدة و صلاح
رعناء إن ترك الجمال عنانها
طاحت بفارس متنها الجحجاح
ما للشراع على العواصف حلية
إن لم تصرّفه يد الملاّح
إيه حكيم الدّهر أيّ مليحة
ضنّت عليك بعطرها الفوّاح
أسكنتها القلب الرّحيم فرابها
ما فيه من شكوى و رجع نواح
جرحت إباءك و الحياء فأقفلا
باب المنى و رميت بالمفتاح
لو أنصفت لسقتك خمرة ريقها
سكر العقول و فتنة الأرواح
و لأسعفتك على الهوى بمعطّر
بالحسن لا بشقائق و أقاح
لا تخف حبّك بالضغينة و الأذى
الحبّ جوهر حقدك الملحاح
و أطل هجاءك ما تشاء فخلفه
غرر منضّرة من الأمداح
العبقريّة و الجمال تحدّرا
من نبعة و تسلسلا من راح
أخوان ما طلع الضّحى لولاهما
إلاّ على العبرات و الأتراح
الظاّلمان المالكان و نعمة
ما أسلفا من زلّة و جناح
إنّ التي حرمتك نعمة حبّها
و أبيك عار كواعب و ملاح
لو كان في يديّ الزّمان و سرّه
و أعنّة الإمساء و الإصباح
في مشهد تكسو الوفود رحابه
و يغصّ بالغادين و الروّاح
لنزعت فتنتها و سحر جفونها
و محوت نور جبينها الوضّاح
و نثرت جوهر ثغرها من عقده
فصحاحه العطرات غير صحاح
و رددت للسبعين ريّق عمرها
و الحاليات من الصبا الممراح
و جلوت مرآتي .... فندّت صرخة
كلمى و غطّت خزيها بالرّاح
حتّى إذا أتمت ذلك كلّه
أشرفت انظر نظرة المرتاح
فثأرت من ظلم الجمال و ربّما
شمتت جراح في الثرى و أضاح
و إذا رأيتك ضقت فيه تنكّرت
للجدّ منه دعابتي و مزاحي
الوحدة الكبرى تهلّل فجرها
بظلال أبلج ذائد نفّاح
هذي العروبة في حماك مدلّة
ريع العدوّ بها و ضاق اللاّحي
الأزرق الرجراج حنّ لرملة
في الدّجلتين نديّة مسماح
و رأى الكنانة إن تماجد ما جدت
بالعاص لا بمنى و لا بفتاح
سمعا حكيم الدّهر فهي قصيدة
و أبيك بدع مغرّد صدّاح
عصماء إن شهد النديّ خطيبها
تركت فصاح القوم غير فصاح
بدهت شواردها العدى بكتيبة
خضراء تلمع بالحديد رداح
هل في ثراك على المعرّة موضع
بين العيون لدمعي السحّاح
حنت النّفوس عليه تسكب حبّها
فجلت براح البيد غير براح
ما للجياد الأعوجيّة حسّرا
صرعى الهجير على المدى الفيّاح
فاعذر إذا لم أوف مجدك حقّه
لجج الخضمّ طغت على السبّاح